الباب السادس 
في الأسماء الواقعة بحسب الصفات السلبية  
واعلم أن القرآن مملوء منه وطريق الضبط فيه أن يقال : ذلك السلب إما أن يكون عائدا إلى الذات ، أو إلى الصفات ، أو إلى الأفعال ، أما السلوب العائدة إلى الذات فهي قولنا إنه تعالى ليس كذا ولا كذا ، كقولنا : إنه ليس جوهرا ولا جسما ولا في المكان ولا في الحيز ولا حالا ولا محلا ، واعلم أنا قد دللنا على أن ذاته مخالفة لسائر الذوات والصفات لعين ذاته المخصوصة ، لكن أنواع الذوات والصفات المغايرة لذاته غير متناهية ، فلا جرم يحصل ههنا سلوب غير متناهية ، ومن جملتها قوله تعالى : ( والله الغني وأنتم الفقراء    ) [ محمد : 38 ] وقوله : ( وربك الغني ذو الرحمة    ) [ الأنعام : 133 ] لأن كونه غنيا أنه لا يحتاج في ذاته ولا في صفاته الحقيقية ولا في صفاته السلبية إلى شيء غيره ، ومنه أيضا قوله : ( لم يلد ولم يولد    ) [ الإخلاص : 3 ] ، وأما السلوب العائدة إلى الصفات فكل صفة تكون من صفات النقائص فإنه يجب تنزيه الله تعالى عنها  ، فمنها ما يكون من باب أضداد العلم ومنها ما يكون من باب أضداد القدرة ، ومنها ما يكون من باب أضداد الاستغناء ، ومنها ما يكون من باب أضداد الوحدة ، ومنها ما يكون من باب أضداد العلم فأقسام : 
أحدها : نفي النوم ، قال تعالى : ( لا تأخذه سنة ولا نوم    ) [ البقرة : 255 ] . 
وثانيها : نفي النسيان ، قال تعالى : ( وما كان ربك نسيا    ) [ مريم : 64 ] . 
وثالثها : نفي الجهل ، قال تعالى : ( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض    ) [ سبأ : 3 ] . 
ورابعها : أن علمه ببعض المعلومات لا يمنعه عن العلم بغيره فإنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن . 
وأما السلوب العائدة إلى صفة القدرة  فأقسام : 
أحدها : أنه منزه في أفعاله عن التعب والنصب ، قال تعالى : ( وما مسنا من لغوب    ) [ ق : 38 ] . 
وثانيها : أن لا يحتاج في فعله إلى الآلات والأدوات وتقدم المادة والمدة ، قال تعالى : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون    ) [ النحل : 40 ] . 
وثالثها : أنه لا تفاوت في قدرته بين فعل الكثير والقليل ، قال تعالى : ( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب    ) [ النحل : 77 ] . 
ورابعها : نفي انتهاء القدرة وحصول الفقر ، قال تعالى : ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء    ) [ آل عمران : 181 ] . 
وأما السلوب العائدة إلى صفة الاستغناء  فكقوله : ( وهو يطعم ولا يطعم    ) [ الأنعام : 14 ] ، ( وهو يجير ولا يجار عليه    ) [ المؤمنون : 88 ] . 
وأما السلوب العائدة إلى صفة الوحدة    - وهو مثل نفي الشركاء والأضداد والأنداد - فالقرآن مملوء منه . 
وأما السلوب العائدة إلى الأفعال - وهو أنه لا يفعل كذا وكذا - فالقرآن مملوء منه . 
أحدها : أنه لا يخلق الباطل ، قال تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا    ) [ ص : 27 ] ، وقال تعالى حكاية عن المؤمنين ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا    ) [ آل عمران : 191 ] . 
وثانيها : أنه لا يخلق اللعب ، قال تعالى : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين  ما خلقناهما إلا بالحق    ) . 
وثالثها : لا يخلق العبث ، قال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون  فتعالى الله الملك الحق    ) [ المؤمنون : 115 ] . 
ورابعها : أنه لا يرضى بالكفر قال تعالى :   [ ص: 118 ]   ( ولا يرضى لعباده الكفر    ) [ الزمر : 7 ] . 
وخامسها : أنه لا يريد الظلم ، قال تعالى : ( وما الله يريد ظلما للعباد    ) [ غافر : 31 ] . 
وسادسها : أنه لا يحب الفساد ، قال تعالى : ( والله لا يحب الفساد    ) [ البقرة : 205 ] . 
وسابعها : أنه لا يعاقب من غير سابقة جرم ، قال تعالى : ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم    ) [ النساء : 147 ] . 
وثامنها : أنه لا ينتفع بطاعات المطيعين ولا يتضرر بمعاصي المذنبين ، قال تعالى : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها    ) [ الإسراء : 7 ] . 
وتاسعها : أنه ليس لأحد عليه اعتراض في أفعاله وأحكامه ، قال تعالى : ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون    ) [ الأنبياء : 23 ] ، وقال تعالى : ( فعال لما يريد    ) [ هود : 107 ] . 
وعاشرها : أنه لا يخلف وعده ووعيده ، قال تعالى : ( ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد    ) [ ق : 29 ] . 
إذا عرفت هذا الأصل فنقول : أقسام السلوب بحسب الذات وبحسب الصفات وبحسب الأفعال غير متناهية  ، فيحصل من هذا الجنس أيضا أقسام غير متناهية من الأسماء ، إذا عرفت هذا الأصل ، فلنذكر بعض الأسماء المناسبة لهذا الباب : 
فمنها القدوس والسلام ، ويشبه أن يكون القدوس عبارة عن كون حقيقة ذاته مخالفة للماهيات التي هي نقائص في أنفسها ، والسلام عبارة عن كون تلك الذات غير موصوفة بشيء من صفات النقص ، فالقدوس سلب عائد إلى الذات ، والسلام سلب عائد إلى الصفات . 
وثانيها العزيز وهو الذي لا يوجد له نظير . 
وثالثها الغفار وهو الذي يسقط العقاب عن المذنبين . 
ورابعها الحليم ، وهو الذي لا يعاجل بالعقوبة ، ومع ذلك فإنه لا يمتنع من إيصال الرحمة . 
وخامسها الواحد ، ومعناه أنه لا يشاركه أحد في حقيقته المخصوصة ، ولا يشاركه أحد في نظم العالم وتدبير أحوال العرش . 
سادسها الغني : ومعناه كونه منزها عن الحاجات والضرورات . 
وسابعها الصبور ، والفرق بينه وبين الحليم أن الصبور هو الذي لا يعاقب المسيء مع القدرة عليه ، والحليم هو الذي يكون كذلك مع أنه لا يمنعه من إيصال نعمته إليه ، وقس عليه البواقي والله الهادي . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					