المسألة السادسة : إنما ذكر الله الولدان مبالغة في شرح ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ، ومبغضة لهم بمكانهم ، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا ، كما وردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء ، ثم حكى تعالى عن هؤلاء المستضعفين أنهم كانوا يقولون : ( ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : أجمعوا على أن المراد من هذه القرية الظالم أهلها مكة   ، وكون أهلها موصوفين بالظلم يحتمل أن يكون لأنهم كانوا مشركين قال تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم    ) [ لقمان : 13 ] وأن يكون لأجل أنهم كانوا يؤذون المسلمين ويوصلون إليهم أنواع المكاره . 
المسألة الثانية : لقائل أن يقول : القرية مؤنثة ، وقوله : ( الظالم أهلها    ) صفة للقرية ولذلك خفض ، فكان ينبغي أن يقال : الظالمة أهلها ، وجوابه أن النحويين يسمون مثل هذه الصفة الصفة المشبهة باسم الفاعل ، والأصل في هذا الباب : أنك إذا أدخلت الألف واللام في الأخير أجريته على الأول في تذكيره وتأنيثه ، نحو قولك : مررت بامرأة حسنة الزوج كريمة الأب ، ومررت برجل جميل الجارية ، وإذا لم تدخل الألف واللام في الأخير حملته على الثاني في تذكيره وتأنيثه كقولك : مررت بامرأة كريم أبوها ، ومن هذا قوله تعالى : ( أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها    ) ولو أدخلت الألف واللام على الأهل لقلت من هذه القرية الظالمة الأهل ، وإنما جاز أن يكون الظالم نعتا للقرية لأنه صفة للأهل ، والأهل منتسبون إلى القرية ، وهذا القدر كاف في صحة الوصف كقولك مررت برجل قائم أبوه ، فالقيام للأب وقد جعلته وصفا للرجل ، وإنما كان هذا القدر كافيا في صحة الوصف لأن المقصود من الوصف التخصيص والتمييز ، وهذا المقصود حاصل من مثل هذا الوصف والله أعلم . 
المسألة الثانية : في قوله : ( واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا    ) قولان : 
فالأول : قال  ابن عباس    : يريدون اجعل علينا رجلا من المؤمنين يوالينا ويقوم بمصالحنا ويحفظ علينا ديننا وشرعنا ، فأجاب الله تعالى دعاءهم لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة  جعل عتاب بن أسيد  أميرا لهم ، فكان الولي هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكان النصير عتاب بن أسيد  ، وكان عتاب  ينصف الضعيف من القوي والذليل من العزيز . 
الثاني : المراد : واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة ، والحاصل كن أنت لنا وليا وناصرا . 
				
						
						
