فبعد ذلك شرح للمؤمنين كيفية المخالطة معهم فقال : ( فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والإلحاد  ، وهذا متأكد بعموم قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء    ) [ الممتحنة : 1 ] والسبب فيه أن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين ، لأن ذلك هو الأمر الذي به يتقرب إلى الله تعالى ، ويتوسل به إلى طلب السعادة في الآخرة ، وإذا كان كذلك كانت العداوة الحاصلة بسببه أعظم أنواع العداوة ، وإذا كان كذلك امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلا فيه والله أعلم . 
المسألة الثانية : قوله : ( فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا    ) قال  أبو بكر الرازي    : التقدير حتى يسلموا ويهاجروا ، لأن الهجرة في سبيل الله لا تكون إلا بعد الإسلام ، فقد دلت الآية على إيجاب الهجرة بعد الإسلام  ، وأنهم وإن أسلموا لم يكن بيننا وبينهم موالاة إلا بعد الهجرة ، ونظيره قوله : ( ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا    ) [ الأنفال : 72 ] . 
واعلم أن هذا التكليف إنما كان لازما حال ما كانت الهجرة مفروضة قال صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين وأنا بريء من كل مسلم مع مشرك   " فكانت الهجرة واجبة إلى أن فتحت مكة  ، ثم نسخ فرض الهجرة . عن طاوس  عن  ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة    " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية   " وروي عن الحسن  أن حكم الآية ثابت في كل من أقام في دار الحرب فرأى فرض الهجرة إلى دار الإسلام قائما . 
المسألة الثالثة : اعلم أن الهجرة  تارة تحصل بالانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وأخرى تحصل بالانتقال عن أعمال الكفار إلى أعمال المسلمين ، قال صلى الله عليه وسلم : " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه   " وقال المحققون : الهجرة في سبيل الله عبارة عن الهجرة عن ترك مأموراته وفعل منهياته ، ولما كان كل هذه الأمور معتبرا لا جرم ذكر الله تعالى لفظا عاما يتناول الكل فقال : ( حتى يهاجروا في سبيل الله    ) فإنه تعالى لم يقل : حتى يهاجروا عن الكفر ، بل قال : ( حتى يهاجروا في سبيل الله    ) وذلك يدخل فيه مهاجرة دار الكفر ومهاجرة شعار الكفر ، ثم لم يقتصر تعالى على ذكر الهجرة ، بل قيده بكونه في سبيل الله ، فإنه ربما كانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ، ومن شعار الكفر إلى شعار الإسلام لغرض من أغراض الدنيا ، إنما المعتبر وقوع تلك الهجرة لأجل أمر الله تعالى . 
				
						
						
