المسألة الرابعة : اختلفوا في أن هذين المثلين المذكورين هل هما مخصوصان بإنسانين معينين أو عامان في كل مؤمن وكافر . فيه قولان : الأول : أنه خاص بإنسانين على التعيين ، ثم فيه وجوه : 
الأول : قال  ابن عباس    : إن أبا جهل  رمى النبي صلى الله عليه وسلم بفرث وحمزة  يومئذ لم يؤمن ، فأخبر حمزة  بذلك عند قدومه من صيد له والقوس بيده ، فعمد إلى أبي جهل  وتوخاه بالقوس ، وجعل يضرب رأسه ، فقال له أبو جهل    : أما ترى ما جاء به ؟ سفه عقولنا ، وسب آلهتنا ، فقال حمزة    : أنتم أسفه الناس ، تعبدون الحجارة من دون الله ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا  عبده ورسوله ، فنزلت هذه الآية . 
والرواية الثانية : قال مقاتل    : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل  وذلك أنه قال : زاحمنا بنو عبد مناف  في الشرف ، حتى إذا صرنا كفرسي رهان ، قالوا منا نبي يوحى إليه . والله لا نؤمن به ، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت هذه الآية . 
والرواية الثالثة : قال عكرمة  والكلبي    : نزلت في  عمار بن ياسر  وأبي جهل    . 
والرواية الرابعة : قال الضحاك    : نزلت في  عمر بن الخطاب  وأبي جهل    . 
والقول الثاني : أن هذه الآية عامة في حق جميع المؤمنين والكافرين ، وهذا هو الحق ؛ لأن المعنى إذا كان حاصلا في الكل ، كان التخصيص محض التحكم ، وأيضا قد ذكرنا أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة ، فالقول بأن سبب نزول هذه الآية المعينة ، كذا وكذا مشكل ، إلا إذا قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن مراد الله تعالى من هذه الآية العامة فلان بعينه . 
 [ ص: 142 ] المسألة الخامسة : هذه الآية من أقوى الدلائل أيضا على أن الكفر والإيمان من الله تعالى  ؛ لأن قوله : ( فأحييناه ) وقوله : ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس    ) قد بينا أنه كناية عن المعرفة والهدى ، وذلك يدل على أن كل هذه الأمور إنما تحصل من الله تعالى وبإذنه ، والدلائل العقلية ساعدت على صحته ، وهو دليل الداعي على ما لخصناه ، وأيضا إن عاقلا لا يختار الجهل والكفر لنفسه ، فمن المحال أن يختار الإنسان جعل نفسه جاهلا كافرا ، فلما قصد تحصيل الإيمان والمعرفة ، ولم يحصل ذلك ، وإنما حصل ضده وهو الكفر والجهل ، علمنا أن ذلك حصل بإيجاد غيره . 
فإن قالوا إنما اختاره لاعتقاده في ذلك الجهل أنه علم . 
قلنا : فحاصل هذا الكلام أنه إنما اختار هذا الجهل لسابقة جهل آخر ، فإن كان الكلام في ذلك الجهل السابق كما في المسبوق لزم الذهاب إلى غير النهاية ، وإلا فوجب الانتهاء إلى جهل يحصل فيه لإيجاده وتكوينه ، وهو المطلوب . 
				
						
						
