الفصل السادس : في الصدر ؛ اعلم أنه يجيء والمراد منه القلب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أفمن شرح الله صدره للإسلام ) [ الزمر : 22 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رب اشرح لي صدري ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=10وحصل ما في الصدور ) [ العاديات : 10 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) [ غافر : 19 ] وقد يجيء والمراد الفضاء الذي فيه الصدر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) [ الحج : 46 ] واختلف الناس في أن
nindex.php?page=treesubj&link=28446_30481محل العقل هل هو القلب أو الدماغ ، وجمهور المتكلمين على أنه القلب ، وقد شرحنا هذه المسألة في سورة الشعراء في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك ) [ الشعراء : 193 ، 194 ] وقال بعضهم : المواد أربعة الصدر والقلب والفؤاد واللب ، فالصدر مقر الإسلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أفمن شرح الله صدره للإسلام ) [ الزمر : 22 ] والقلب مقر الإيمان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ) [ الحجرات : 7 ] والفؤاد مقر المعرفة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11ما كذب الفؤاد ما رأى ) [ النجم : 11 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) [ الإسراء : 36 ] واللب مقر التوحيد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19إنما يتذكر أولو الألباب ) [ الرعد : 19 ] .
واعلم أن القلب أول ما بعث إلى هذا العالم بعث خاليا عن النقوش كاللوح الساذج وهو في عالم البدن كاللوح المحفوظ ، ثم إنه تعالى يكتب فيه بقلم الرحمة والعظمة كل ما يتعلق بعالم العقل من نقوش الموجودات وصور الماهيات وذلك يكون كالسطر الواحد إلى آخر قيام القيامة لهذا العالم الأصغر ، وذلك هو الصورة المجردة والحالة المطهرة ، ثم إن العقل يركب سفينة التوفيق ويلقيها في بحار أمواج المعقولات وعوالم الروحانيات فيحصل من مهاب رياح العظمة والكبرياء رخاء السعادة تارة ودبور الإدبار أخرى ، فربما وصلت سفينة النظر إلى جانب مشرق الجلال فتسطع عليه أنوار الإلهية ويتخلص العقل عن ظلمات الضلالات ، وربما توغلت السفينة في جنوب الجهالات فتنكسر وتغرق فحيثما تكون السفينة في ملتطم أمواج العزة يحتاج حافظ السفينة إلى التماس الأنوار والهدايات فيقول هناك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رب اشرح لي صدري ) .
واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28446_20697العقل إذا أخذ في الترقي من سفل الإمكان إلى علو الوجوب كثر اشتغاله بمطالعة الماهيات ومقارفة المجردات والمفارقات ، ومعلوم أن كل ماهية فهي إما هي معه أو هي له ، فإن كانت هي معه امتلأت البصيرة من أنوار جلال العزة الإلهية فلا يبقى هناك مستطلعا لمطالعة سائر الأنوار فيضمحل كل ما سواه من بصر وبصيرة ، وإن وقعت المطالعة لما هو له حصلت هناك حالة عجيبة ، وهي أنه لو وضعت كرة صافية من البلور فوقع عليها شعاع الشمس فينعكس ذلك الشعاع إلى موضع معين فذلك الموضع الذي إليه تنعكس الشعاعات يحترق ، فجميع الماهيات الممكنة كالبلور الصافي الموضوع في مقابلة شمس القدس ونور العظمة ومشرق الجلال ، فإذا وقع للقلب التفات إليها حصلت للقلب نسبة إليها بأسرها فينعكس شعاع كبرياء الإلهية عن كل واحد منها إلى القلب فيحترق القلب ، ومعلوم أنه كلما كان المحرق أكثر ، كان الاحتراق أتم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رب اشرح لي صدري ) حتى أقوى على إدراك درجات الممكنات فأصل إلى مقام الاحتراق بأنوار الجلال ، وهذا هو المراد بقوله عليه السلام : "
أرنا الأشياء كما هي " فلما شاهد احتراقها بأنوار الجلال قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013202لا أحصي ثناء عليك " .
[ ص: 41 ] الفصل السابع : في بقية الأبحاث إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رب اشرح لي صدري ) ولم يقل رب اشرح صدري ليظهر أن منفعة ذلك الشرح عائدة إلى
موسى عليه السلام لا إلى الله ، وأما كيفية شرح صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمفاضلة بينه وبين شرح صدر
موسى عليه السلام فنذكره إن شاء الله في تفسير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك ) [ الشرح : 1 ] والله أعلم بالصواب .
الْفَصْلُ السَّادِسُ : فِي الصَّدْرِ ؛ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِيءُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْقَلْبُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ) [ الزُّمَرِ : 22 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=10وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ) [ الْعَادِيَاتِ : 10 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) [ غَافِرٍ : 19 ] وَقَدْ يَجِيءُ وَالْمُرَادُ الْفَضَاءُ الَّذِي فِيهِ الصَّدْرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) [ الْحَجِّ : 46 ] وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28446_30481مَحَلَّ الْعَقْلِ هَلْ هُوَ الْقَلْبُ أَوِ الدِّمَاغُ ، وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّهُ الْقَلْبُ ، وَقَدْ شَرَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 193 ، 194 ] وَقَالَ بَعْضُهُمُ : الْمَوَادُّ أَرْبَعَةٌ الصَّدْرُ وَالْقَلْبُ وَالْفُؤَادُ وَاللُّبُّ ، فَالصَّدْرُ مَقَرُّ الْإِسْلَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=22أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ) [ الزُّمَرِ : 22 ] وَالْقَلْبُ مَقَرُّ الْإِيمَانِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) [ الْحُجُرَاتِ : 7 ] وَالْفُؤَادُ مَقَرُّ الْمَعْرِفَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) [ النَّجْمِ : 11 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 36 ] وَاللُّبُّ مَقَرُّ التَّوْحِيدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [ الرَّعْدِ : 19 ] .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَلْبَ أَوَّلُ مَا بُعِثَ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ بُعِثَ خَالِيًا عَنِ النُّقُوشِ كَاللَّوْحِ السَّاذَجِ وَهُوَ فِي عَالَمِ الْبَدَنِ كَاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يَكْتُبُ فِيهِ بِقَلَمِ الرَّحْمَةِ وَالْعَظَمَةِ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِعَالَمِ الْعَقْلِ مِنْ نُقُوشِ الْمَوْجُودَاتِ وَصُوَرِ الْمَاهِيَّاتِ وَذَلِكَ يَكُونُ كَالسَّطْرِ الْوَاحِدِ إِلَى آخِرِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ لِهَذَا الْعَالَمِ الْأَصْغَرِ ، وَذَلِكَ هُوَ الصُّورَةُ الْمُجَرَّدَةُ وَالْحَالَةُ الْمُطَهَّرَةُ ، ثُمَّ إِنَّ الْعَقْلَ يَرْكَبُ سَفِينَةَ التَّوْفِيقِ وَيُلْقِيهَا فِي بِحَارِ أَمْوَاجِ الْمَعْقُولَاتِ وَعَوَالِمِ الرُّوحَانِيَّاتِ فَيَحْصُلُ مِنْ مَهَابِّ رِيَاحِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ رَخَاءُ السَّعَادَةِ تَارَةً وَدَبُورُ الْإِدْبَارِ أُخْرَى ، فَرُبَّمَا وَصَلَتْ سَفِينَةُ النَّظَرِ إِلَى جَانِبٍ مُشْرِقِ الْجَلَالِ فَتَسْطَعُ عَلَيْهِ أَنْوَارُ الْإِلَهِيَّةِ وَيَتَخَلَّصُ الْعَقْلُ عَنْ ظُلُمَاتِ الضَّلَالَاتِ ، وَرُبَّمَا تَوَغَّلَتِ السَّفِينَةُ فِي جُنُوبِ الْجَهَالَاتِ فَتَنْكَسِرُ وَتَغْرَقُ فَحَيْثُمَا تُكُونُ السَّفِينَةُ فِي مُلْتَطِمِ أَمْوَاجِ الْعِزَّةِ يَحْتَاجُ حَافِظُ السَّفِينَةِ إِلَى الْتِمَاسِ الْأَنْوَارِ وَالْهِدَايَاتِ فَيَقُولُ هُنَاكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28446_20697الْعَقْلَ إِذَا أَخَذَ فِي التَّرَقِّي مِنْ سُفْلِ الْإِمْكَانِ إِلَى عُلُوِّ الْوُجُوبِ كَثُرَ اشْتِغَالُهُ بِمُطَالَعَةِ الْمَاهِيَّاتِ وَمُقَارَفَةِ الْمُجَرَّدَاتِ وَالْمُفَارَقَاتِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَاهِيَّةٍ فَهِيَ إِمَّا هِيَ مَعَهُ أَوْ هِيَ لَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ مَعَهُ امْتَلَأَتِ الْبَصِيرَةُ مِنْ أَنْوَارِ جَلَالِ الْعِزَّةِ الْإِلَهِيَّةِ فَلَا يَبْقَى هُنَاكَ مُسْتَطْلِعًا لِمُطَالَعَةِ سَائِرِ الْأَنْوَارِ فَيَضْمَحِلُّ كُلُّ مَا سِوَاهُ مِنْ بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ ، وَإِنْ وَقَعَتِ الْمُطَالَعَةُ لِمَا هُوَ لَهُ حَصَلَتْ هُنَاكَ حَالَةٌ عَجِيبَةٌ ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَتْ كُرَةٌ صَافِيَةٌ مِنَ الْبَلُّورِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا شُعَاعُ الشَّمْسِ فَيَنْعَكِسُ ذَلِكَ الشُّعَاعُ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الَّذِي إِلَيْهِ تَنْعَكِسُ الشُّعَاعَاتُ يَحْتَرِقُ ، فَجَمِيعُ الْمَاهِيَّاتِ الْمُمْكِنَةِ كَالْبَلُّورِ الصَّافِي الْمَوْضُوعِ فِي مُقَابَلَةِ شَمْسِ الْقُدُسِ وَنُورِ الْعَظَمَةِ وَمَشْرِقِ الْجَلَالِ ، فَإِذَا وَقَعَ لِلْقَلْبِ الْتِفَاتٌ إِلَيْهَا حَصَلَتْ لِلْقَلْبِ نِسْبَةٌ إِلَيْهَا بِأَسْرِهَا فَيَنْعَكِسُ شُعَاعُ كِبْرِيَاءِ الْإِلَهِيَّةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَى الْقَلْبِ فَيَحْتَرِقُ الْقَلْبُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الْمَحْرَقُ أَكْثَرَ ، كَانَ الِاحْتِرَاقُ أَتَمَّ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) حَتَّى أَقْوَى عَلَى إِدْرَاكِ دَرَجَاتِ الْمُمْكِنَاتِ فَأَصِلُ إِلَى مَقَامِ الِاحْتِرَاقِ بِأَنْوَارِ الْجَلَالِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ " فَلَمَّا شَاهَدَ احْتِرَاقَهَا بِأَنْوَارِ الْجَلَالِ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013202لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ " .
[ ص: 41 ] الْفَصْلُ السَّابِعُ : فِي بَقِيَّةِ الْأَبْحَاثِ إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) وَلَمْ يَقُلْ رَبِّ اشْرَحْ صَدْرِي لِيُظْهِرَ أَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ الشَّرْحِ عَائِدَةٌ إِلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا إِلَى اللَّهِ ، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ شَرْحِ صَدْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرْحِ صَدْرِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) [ الشَّرْحِ : 1 ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .