المطلوب الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=26ويسر لي أمري ) والمراد منه عند أهل السنة خلقها ، وعند
المعتزلة تحريك الدواعي والبواعث بفعل الألطاف المسهلة ، فإن قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=28787كل ما أمكن من اللطف فقد فعله الله تعالى فأي فائدة في هذا السؤال ، قلنا يحتمل أن يكون هناك من الألطاف ما لا يحسن فعلها إلا بعد هذا السؤال ففائدة السؤال حسن فعل تلك الألطاف .
المطلوب الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=28يفقهوا قولي ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=32412النطق فضيلة عظيمة ويدل عليه وجوه :
أحدها : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خلق الإنسان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4علمه البيان ) [ الرحمن : 3 ، 4 ] ولم يقل وعلمه البيان لأنه لو عطفه عليه لكان مغايرا له ، أما إذا ترك الحرف العاطف صار قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4علمه البيان ) كالتفسير لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خلق الإنسان ) كأنه إنما يكون خالقا للإنسان إذا علمه البيان ، وذلك يرجع إلى الكلام المشهور من أن ماهية الإنسان هي الحيوان الناطق .
وثانيها : اتفاق العقلاء على تعظيم أمر اللسان ، قال
زهير :
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وقال
علي : ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة . والمعنى أنا لو أزلنا الإدراك الذهني والنطق اللساني لم يبق من الإنسان إلا القدر الحاصل في البهائم ، وقالوا : المرء بأصغريه قلبه ولسانه . وقال صلى الله عليه وسلم : "
المرء مخبوء تحت لسانه " .
وثالثها : أن في مناظرة
آدم مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33قال ياآدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض ) [ البقرة : 33 ] .
ورابعها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32405_32406_28661الإنسان جوهر مركب من الروح والقالب ، وروحه من عالم الملائكة فهو يستفيد أبدا صور المغيبات من عالم الملائكة ثم بعد تلك الاستفادة يفيضها على عالم الأجسام ، وواسطته في تلك الاستفادة هي الفكر الذهني ، وواسطته في هذه الإفادة هي النطق اللساني فكما أن تلك الواسطة أعظم العبادات حتى قيل : " تفكر ساعة خير من عبادة سنة " فكذلك الواسطة في الإفادة يجب أن تكون أشرف الأعضاء فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رب اشرح لي صدري ) إشارة إلى طلب النور الواقع في الروح ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=26ويسر لي أمري ) إشارة إلى تحصيل ذلك وتسهيل ذلك التحصيل ، وعند ذلك يحصل الكمال في تلك الاستفادة الروحانية فلا يبقى بعد هذا إلا المقام البياني وهو إفاضة ذلك الكمال على الغير وذلك لا يكون إلا باللسان . فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني ) .
وخامسها : وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=18467العلم أفضل المخلوقات على ما ثبت ، والجود والإعطاء أفضل الطاعات ، وليس في الأعضاء أفضل من اليد ، فاليد لما كانت آلة في العطية الجسمانية قيل : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012790اليد العليا خير من اليد السفلى " فالعلم الذي هو خير من المال لما كانت آلة إعطائه اللسان وجب أن يكون أشرف الأعضاء ، ولا شك أن اللسان هو الآلة في إعطاء المعارف ، فوجب أن يكون أشرف الأعضاء ، ومن الناس من مدح الصمت لوجوه :
[ ص: 42 ] أحدها : قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=treesubj&link=19137الصمت حكمة وقليل فاعله " ويروى أن الإنسان تفكر أعضاؤه اللسان ويقلن اتق الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا .
وثانيها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19138الكلام على أربعة أقسام منه ما ضرره خالص أو راجح ، ومنه ما يستوي الضرر والنفع فيه ومنه ما نفعه راجح ومنه ما هو خالص النفع ، أما الذي ضرره خالص أو راجح فواجب الترك ، والذي يستوي الأمران فيه فهو عيب ، فبقي القسمان الأخيران وتخليصهما عن زيادة الضرر عسر ، فالأولى ترك الكلام .
وثالثها : أن ما من موجود أو معدوم خالق أو مخلوق معلوم أو موهوم إلا واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات أو نفي ، فإن كل ما يتناوله الضمير يعبر عنه اللسان بحق أو باطل ، وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء ، فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور ، والآذان لا تصل إلا إلى الأصوات والحروف ، واليد لا تصل إلى غير الأجسام ، وكذا سائر الأعضاء بخلاف اللسان فإنه رحب الميدان ليس له نهاية ولا حد ، فله في الخير مجال رحب وله في الشر بحر سحب ، وإنه خفيف المؤنة سهل التحصيل بخلاف سائر المعاصي فإنه يحتاج فيها إلى مؤن كثيرة لا يتيسر تحصيلها في الأكثر فلذلك كان الأولى ترك الكلام .
ورابعها : قالوا : ترك الكلام له أربعة أسماء الصمت والسكوت والإنصات والإصاخة ، فأما الصمت فهو أعمها لأنه يستعمل فيما يقوى على النطق وفيما لا يقوى عليه ولهذا يقال : مال ناطق وصامت وأما السكوت فهو ترك الكلام ممن يقدر على الكلام ، والإنصات سكوت مع استماع ومتى انفك أحدهما عن الآخر لا يقال له إنصات قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204فاستمعوا له وأنصتوا ) [ الأعراف : 204 ] والإصاخة استماع إلى ما يصعب إدراكه كالسر والصوت من المكان البعيد . واعلم أن الصمت عدم ولا فضيلة فيه بل النطق في نفسه فضيلة والرذيلة في محاورته ، ولولاه لما سأل كليم الله ذلك في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني ) .
المسألة الثانية : اختلفوا في تلك
nindex.php?page=treesubj&link=31909_30173العقدة التي كانت في لسان موسى عليه السلام على قولين :
الأول : كان ذلك التعقد خلقة الله تعالى فسأل الله تعالى إزالته .
الثاني : السبب فيه أنه عليه السلام حال صباه أخذ لحية
فرعون ونتفها فهم
فرعون بقتله وقال هذا هو الذي يزول ملكي على يده فقالت
آسية : إنه صبي لا يعقل وعلامته أن تقرب منه التمرة والجمرة فقربا إليه فأخذ الجمرة فجعلها في فيه ، وهؤلاء اختلفوا ، فمنهم من قال : لم تحترق اليد ولا اللسان لأن اليد آلة أخذ العصا وهي الحجة ، واللسان آلة الذكر ، فكيف يحترق ؟ ! ولأن
إبراهيم عليه السلام لم يحترق بنار
نمروذ وموسى عليه السلام لم يحترق حين ألقي في التنور ، فكيف يحترق هنا ؟ ومنهم من قال : احترقت اليد دون اللسان لئلا يحصل حق المواكلة والممالحة .
الثالث : احترق اللسان دون اليد لأن الصولة ظهرت باليد أما اللسان فقد خاطبه بقوله : يا أبت .
والرابع : احترقا معا لئلا تحصل المواكلة والمخاطبة .
المسألة الثالثة : اختلفوا في أنه عليه السلام لما طلب حل تلك العقدة ؟ على وجوه :
أحدها : لئلا يقع في أداء الرسالة خلل ألبتة .
وثانيها : لإزالة التنفير لأن العقدة في اللسان قد تفضي إلى الاستخفاف بقائلها وعدم الالتفات إليه .
وثالثها : إظهارا للمعجزة فكما أن حبس لسان
زكريا عليه السلام عن الكلام كان معجزا في حقه ، فكذا إطلاق لسان
موسى عليه السلام معجز في حقه .
ورابعها : طلب السهولة لأن إيراد مثل هذا الكلام على مثل
فرعون في جبروته وكبره عسر جدا ، فإذا انضم إليه تعقد اللسان بلغ العسر إلى النهاية ، فسأل ربه إزالة تلك العقدة تخفيفا وتسهيلا .
المسألة الرابعة : قال
الحسن رحمه الله : إن تلك العقدة زالت بالكلية بدليل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قد أوتيت سؤلك ياموسى )
[ ص: 43 ] [ طه : 36 ] وهو ضعيف لأنه عليه السلام لم يقل : واحلل العقدة من لساني بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني ) فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله سؤله ، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء قليل لقوله حكاية عن
فرعون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ) [ الزخرف : 52 ] أي يقارب أن لا يبين ، وفي ذلك دلالة على أنه كان يبين مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب عنه من وجهين :
أحدهما : المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52ولا يكاد يبين ) أي لا يأتي ببيان ولا حجة .
والثاني : أن " كاد " بمعنى قرب ، ولو كان المراد هو البيان اللساني لكان معناه أنه لا يقارب البيان ، فكان فيه نفي البيان بالكلية ، وذلك باطل لأنه خاطب
فرعون والجمع وكانوا يفقهون كلامه ، فكيف يمكن نفي البيان أصلا بل إنما قال ذلك تمويها ليصرف الوجوه عنه ، قال أهل الإشارة إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني ) لأن حل العقد كلها نصيب
محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) [ الأنعام : 152 ] فلما كان ذلك حقا ليتيم أبي طالب لا جرم ما دار حوله والله أعلم .
الْمَطْلُوبُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=26وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ خَلْقُهَا ، وَعِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ تَحْرِيكُ الدَّوَاعِي وَالْبَوَاعِثِ بِفِعْلِ الْأَلْطَافِ الْمُسَهِّلَةِ ، فَإِنْ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28787كُلُّ مَا أَمْكَنَ مِنَ اللُّطْفِ فَقَدْ فَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا السُّؤَالِ ، قُلْنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مِنَ الْأَلْطَافِ مَا لَا يَحْسُنُ فِعْلُهَا إِلَّا بَعْدَ هَذَا السُّؤَالِ فَفَائِدَةُ السُّؤَالِ حُسْنُ فِعْلِ تِلْكَ الْأَلْطَافِ .
الْمَطْلُوبُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=28يَفْقَهُوا قَوْلِي ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32412النُّطْقَ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خَلَقَ الْإِنْسَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) [ الرَّحْمَنِ : 3 ، 4 ] وَلَمْ يَقُلْ وَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ لِأَنَّهُ لَوْ عَطَفَهُ عَلَيْهِ لَكَانَ مُغَايِرًا لَهُ ، أَمَّا إِذَا تَرَكَ الْحَرْفَ الْعَاطِفَ صَارَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خَلَقَ الْإِنْسَانَ ) كَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ خَالِقًا لِلْإِنْسَانِ إِذَا عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ، وَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْكَلَامِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ هِيَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ .
وَثَانِيهَا : اتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ عَلَى تَعْظِيمِ أَمْرِ اللِّسَانِ ، قَالَ
زُهَيْرٌ :
لِسَانُ الْفَتَى نَصِفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ
وَقَالَ
عَلِيٌّ : مَا الْإِنْسَانُ لَوْلَا اللِّسَانُ إِلَّا بَهِيمَةٌ مُهْمَلَةٌ أَوْ صُورَةٌ مُمَثَّلَةٌ . وَالْمَعْنَى أَنَّا لَوْ أَزَلْنَا الْإِدْرَاكَ الذِّهْنِيَّ وَالنُّطْقَ اللِّسَانِيَّ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا الْقَدْرُ الْحَاصِلُ فِي الْبَهَائِمِ ، وَقَالُوا : الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ " .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ فِي مُنَاظَرَةِ
آدَمَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ مَا ظَهَرَتِ الْفَضِيلَةُ إِلَّا بِالنُّطْقِ حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [ الْبَقَرَةِ : 33 ] .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32405_32406_28661الْإِنْسَانَ جَوْهَرٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الرُّوحِ وَالْقَالَبِ ، وَرُوحُهُ مِنْ عَالَمِ الْمَلَائِكَةِ فَهُوَ يَسْتَفِيدُ أَبَدًا صُوَرَ الْمُغَيَّبَاتِ مِنْ عَالَمِ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ بَعْدَ تِلْكَ الِاسْتِفَادَةِ يَفِيضُهَا عَلَى عَالَمِ الْأَجْسَامِ ، وَوَاسِطَتُهُ فِي تِلْكَ الِاسْتِفَادَةِ هِيَ الْفِكْرُ الذِّهْنِيُّ ، وَوَاسِطَتُهُ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ هِيَ النُّطْقُ اللِّسَانِيُّ فَكَمَا أَنَّ تِلْكَ الْوَاسِطَةَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ حَتَّى قِيلَ : " تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ " فَكَذَلِكَ الْوَاسِطَةُ فِي الْإِفَادَةِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَشْرَفَ الْأَعْضَاءِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=25رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) إِشَارَةٌ إِلَى طَلَبِ النُّورِ الْوَاقِعِ فِي الرُّوحِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=26وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) إِشَارَةٌ إِلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ وَتَسْهِيلِ ذَلِكَ التَّحْصِيلِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْصُلُ الْكَمَالُ فِي تِلْكَ الِاسْتِفَادَةِ الرُّوحَانِيَّةِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ هَذَا إِلَّا الْمَقَامُ الْبَيَانِيُّ وَهُوَ إِفَاضَةُ ذَلِكَ الْكَمَالِ عَلَى الْغَيْرِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللِّسَانِ . فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ) .
وَخَامِسُهَا : وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18467الْعِلْمَ أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى مَا ثَبَتَ ، وَالْجُودَ وَالْإِعْطَاءَ أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ ، وَلَيْسَ فِي الْأَعْضَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الْيَدِ ، فَالْيَدُ لَمَّا كَانَتْ آلَةً فِي الْعَطِيَّةِ الْجُسْمَانِيَّةِ قِيلَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012790الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى " فَالْعِلْمُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ لَمَّا كَانَتْ آلَةُ إِعْطَائِهِ اللِّسَانَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ الْأَعْضَاءِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللِّسَانَ هُوَ الْآلَةُ فِي إِعْطَاءِ الْمَعَارِفِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ الْأَعْضَاءِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ مَدَحَ الصَّمْتَ لِوُجُوهٍ :
[ ص: 42 ] أَحَدُهَا : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=treesubj&link=19137الصَّمْتُ حِكْمَةٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ " وَيُرْوَى أَنَّ الْإِنْسَانَ تُفَكِّرُ أَعْضَاؤُهُ اللِّسَانَ وَيَقُلْنَ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّكَ إِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا .
وَثَانِيهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19138الْكَلَامَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُ مَا ضَرَرُهُ خَالِصٌ أَوْ رَاجِحٌ ، وَمِنْهُ مَا يَسْتَوِي الضَّرَرُ وَالنَّفْعُ فِيهِ وَمِنْهُ مَا نَفْعُهُ رَاجِحٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ خَالِصُ النَّفْعِ ، أَمَّا الَّذِي ضَرَرُهُ خَالِصٌ أَوْ رَاجِحٌ فَوَاجِبُ التَّرْكِ ، وَالَّذِي يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ فِيهِ فَهُوَ عَيْبٌ ، فَبَقِيَ الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ وَتَخْلِيصُهُمَا عَنْ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عُسْرٌ ، فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْكَلَامِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ مَا مِنْ مَوْجُودٍ أَوْ مَعْدُومٍ خَالِقٍ أَوْ مَخْلُوقٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَوْهُومٍ إِلَّا وَاللِّسَانُ يَتَنَاوَلُهُ وَيَتَعَرَّضُ لَهُ بِإِثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ ، فَإِنَّ كُلَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الضَّمِيرُ يُعَبِّرُ عَنْهُ اللِّسَانُ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ ، وَهَذِهِ خَاصِّيَّةٌ لَا تُوجَدُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ ، فَإِنَّ الْعَيْنَ لَا تَصِلُ إِلَى غَيْرِ الْأَلْوَانِ وَالصُّوَرِ ، وَالْآذَانَ لَا تَصِلُ إِلَّا إِلَى الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ ، وَالْيَدَ لَا تَصِلُ إِلَى غَيْرِ الْأَجْسَامِ ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ بِخِلَافِ اللِّسَانِ فَإِنَّهُ رَحْبُ الْمَيْدَانِ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ وَلَا حَدٌّ ، فَلَهُ فِي الْخَيْرِ مَجَالٌ رَحْبٌ وَلَهُ فِي الشَّرِّ بَحْرٌ سَحْبٌ ، وَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمُؤْنَةِ سَهْلُ التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى مُؤَنٍ كَثِيرَةٍ لَا يَتَيَسَّرُ تَحْصِيلُهَا فِي الْأَكْثَرِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَ الْكَلَامِ .
وَرَابِعُهَا : قَالُوا : تَرْكُ الْكَلَامِ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْمَاءٍ الصَّمْتُ وَالسُّكُوتُ وَالْإِنْصَاتُ وَالْإِصَاخَةُ ، فَأَمَّا الصَّمْتُ فَهُوَ أَعَمُّهَا لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَقْوَى عَلَى النُّطْقِ وَفِيمَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَلِهَذَا يُقَالُ : مَالٌ نَاطِقٌ وَصَامِتٌ وَأَمَّا السُّكُوتُ فَهُوَ تَرْكُ الْكَلَامِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ ، وَالْإِنْصَاتُ سُكُوتٌ مَعَ اسْتِمَاعٍ وَمَتَى انْفَكَّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ لَا يُقَالُ لَهُ إِنْصَاتٌ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) [ الْأَعْرَافِ : 204 ] وَالْإِصَاخَةُ اسْتِمَاعٌ إِلَى مَا يَصْعُبُ إِدْرَاكُهُ كَالسِّرِّ وَالصَّوْتِ مِنَ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ . وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّمْتَ عَدَمٌ وَلَا فَضِيلَةَ فِيهِ بَلِ النُّطْقُ فِي نَفْسِهِ فَضِيلَةٌ وَالرَّذِيلَةُ فِي مُحَاوَرَتِهِ ، وَلَوْلَاهُ لَمَا سَأَلَ كَلِيمُ اللَّهِ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ
nindex.php?page=treesubj&link=31909_30173الْعُقْدَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي لِسَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْأَوَّلُ : كَانَ ذَلِكَ التَّعَقُّدُ خِلْقَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى إِزَالَتَهُ .
الثَّانِي : السَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَالَ صِبَاهُ أَخَذَ لِحْيَةَ
فِرْعَوْنَ وَنَتَفَهَا فَهَمَّ
فِرْعَوْنُ بِقَتْلِهِ وَقَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي يَزُولُ مُلْكِي عَلَى يَدِهِ فَقَالَتْ
آسِيَةُ : إِنَّهُ صَبِيٌّ لَا يَعْقِلُ وَعَلَامَتُهُ أَنْ تُقَرِّبَ مِنْهُ التَّمْرَةَ وَالْجَمْرَةَ فَقَرَّبَا إِلَيْهِ فَأَخَذَ الْجَمْرَةَ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ ، وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَمْ تَحْتَرِقُ الْيَدُ وَلَا اللِّسَانُ لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ أَخْذِ الْعَصَا وَهِيَ الْحُجَّةُ ، وَاللِّسَانُ آلَةُ الذِّكْرِ ، فَكَيْفَ يَحْتَرِقُ ؟ ! وَلِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْتَرِقْ بِنَارِ
نَمْرُوذَ وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَحْتَرِقْ حِينَ أُلْقِيَ فِي التَّنُّورِ ، فَكَيْفَ يَحْتَرِقُ هُنَا ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : احْتَرَقَتِ الْيَدُ دُونَ اللِّسَانِ لِئَلَّا يَحْصُلَ حَقُّ الْمُوَاكَلَةِ وَالْمُمَالَحَةِ .
الثَّالِثُ : احْتَرَقَ اللِّسَانُ دُونَ الْيَدِ لِأَنَّ الصَّوْلَةَ ظَهَرَتْ بِالْيَدِ أَمَّا اللِّسَانُ فَقَدْ خَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ : يَا أَبَتِ .
وَالرَّابِعُ : احْتَرَقَا مَعًا لِئَلَّا تَحْصُلَ الْمُوَاكَلَةُ وَالْمُخَاطَبَةُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَا طَلَبَ حَلَّ تِلْكَ الْعُقْدَةِ ؟ عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : لِئَلَّا يَقَعَ فِي أَدَاءِ الرِّسَالَةِ خَلَلٌ أَلْبَتَّةَ .
وَثَانِيهَا : لِإِزَالَةِ التَّنْفِيرِ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ فِي اللِّسَانِ قَدْ تُفْضِي إِلَى الِاسْتِخْفَافِ بِقَائِلِهَا وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ .
وَثَالِثُهَا : إِظْهَارًا لِلْمُعْجِزَةِ فَكَمَا أَنَّ حَبْسَ لِسَانِ
زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْكَلَامِ كَانَ مُعْجِزًا فِي حَقِّهِ ، فَكَذَا إِطْلَاقُ لِسَانِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعْجِزٌ فِي حَقِّهِ .
وَرَابِعُهَا : طَلَبُ السُّهُولَةِ لِأَنَّ إِيرَادَ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مِثْلِ
فِرْعَوْنَ فِي جَبَرُوتِهِ وَكِبْرِهِ عَسِرٌ جِدًّا ، فَإِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ تَعَقُّدُ اللِّسَانِ بَلَغَ الْعُسْرُ إِلَى النِّهَايَةِ ، فَسَأَلَ رَبَّهُ إِزَالَةَ تِلْكَ الْعُقْدَةِ تَخْفِيفًا وَتَسْهِيلًا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ
الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ : إِنَّ تِلْكَ الْعُقْدَةَ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى )
[ ص: 43 ] [ طه : 36 ] وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُلْ : وَاحْلُلِ الْعُقْدَةَ مِنْ لِسَانِي بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ) فَإِذَا حَلَّ عُقْدَةً وَاحِدَةً فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ سُؤْلَهُ ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ انْحَلَّ أَكْثَرُ الْعُقَدِ وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ قَلِيلٌ لِقَوْلِهِ حِكَايَةً عَنْ
فِرْعَوْنَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ) [ الزُّخْرُفِ : 52 ] أَيْ يُقَارِبُ أَنْ لَا يُبِينَ ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُبِينُ مَعَ بَقَاءِ قَدْرٍ مِنَ الِانْعِقَادِ فِي لِسَانِهِ وَأُجِيبَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ) أَيْ لَا يَأْتِي بِبَيَانٍ وَلَا حُجَّةٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّ " كَادَ " بِمَعْنَى قَرُبَ ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْبَيَانَ اللِّسَانِيَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُقَارِبُ الْبَيَانَ ، فَكَانَ فِيهِ نَفْيُ الْبَيَانِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ خَاطَبَ
فِرْعَوْنَ وَالْجَمْعَ وَكَانُوا يَفْقَهُونَ كَلَامَهُ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ نَفْيُ الْبَيَانِ أَصْلًا بَلْ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَمْوِيهًا لِيَصْرِفَ الْوُجُوهَ عَنْهُ ، قَالَ أَهْلُ الْإِشَارَةِ إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ) لِأَنَّ حَلَّ الْعُقَدِ كُلِّهَا نَصِيبُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [ الْأَنْعَامِ : 152 ] فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ حَقًّا لِيَتِيمِ أَبِي طَالِبٍ لَا جَرَمَ مَا دَارَ حَوْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .