(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=100من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=101خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=100من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=101خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما )
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما شرح قصة
موسى عليه السلام مع
فرعون أولا ثم مع
السامري ثانيا أتبعه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كذلك نقص عليك ) من سائر أخبار الأمم وأحوالهم ؛ تكثيرا لشأنك ، وزيادة في معجزاتك ، وليكثر الاعتبار والاستبصار للمكلفين بها في الدين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99وقد آتيناك من لدنا ذكرا ) يعني القرآن كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=50وهذا ذكر مبارك أنزلناه ) [الأنبياء : 50] (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ) [الزخرف : 44] (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1والقرآن ذي الذكر ) [ص : 1] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=2ما يأتيهم من ذكر ) [الشعراء : 5] (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6ياأيها الذي نزل عليه الذكر ) [الحجر : 6] ثم في
nindex.php?page=treesubj&link=28867تسمية القرآن بالذكر وجوه : أحدها : أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم . وثانيها : أنه يذكر أنواع آلاء الله تعالى ونعمائه ففيه التذكير والمواعظ . وثالثها : فيه الذكر والشرف لك ولقومك على ما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك ) [الزخرف : 44] ، واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28867الله تعالى سمى كل كتبه ذكرا فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=7فاسألوا أهل الذكر ) [الأنبياء : 7] وكما بين نعمته بذلك بين شدة الوعيد لمن أعرض عنه ولم يؤمن به من وجوه : أولها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=100من أعرض عنه ) فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ، والوزر هو العقوبة الثقيلة ، سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها الذي يثقل على الحامل وينقض ظهره ، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم وقرئ يحمل ، ثم بين تعالى صفة ذلك
[ ص: 99 ] الوزر من وجهين : أحدهما : أنه يكون مخلدا مؤبدا . والثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=101وساء لهم يوم القيامة حملا ) أي وما أسوأ هذا الوزر حملا أي محمولا وحملا منصوب على التمييز . وثانيها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102يوم ينفخ في الصور ) فالمراد بيان أن يوم القيامة هو يوم ينفخ في الصور وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
أبو عمرو ننفخ بفتح النون كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102ونحشر ) وقرأ الباقون ينفخ على ما لم يسم فاعله ونحشر بالنون لأن النافخ ملك التقم الصور ، والحاشر هو الله تعالى ، وقرئ يوم ينفخ بالياء المفتوحة على الغيبة والضمير لله تعالى أو
لإسرافيل عليه السلام ، وأما : ( يحشر المجرمين ) فلم يقرأ به إلا
الحسن وقرئ في الصور بفتح الواو جمع صورة .
المسألة الثانية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102في الصور ) قولان : أحدهما : أنه قرن ينفخ فيه يدعى به الناس إلى المحشر . والثاني : أنه جمع صورة والنفخ نفخ الروح فيه ويدل عليه قراءة من قرأ : الصور بفتح الواو والأول أولى لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=8فإذا نقر في الناقور ) [المدثر : 8] والله تعالى يعرف الناس أمور الآخرة بأمثال ما شوهد في الدنيا ومن عادة الناس النفخ في البوق عند الأسفار وفي العساكر .
المسألة الثالثة : المراد من هذا النفخ هو النفخة الثانية لأن قوله بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ) كالدلالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30293النفخ في الصور كالسبب لحشرهم فهو نظير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=18يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ) [النبأ : 18] ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28991_28766_30349ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قالت
المعتزلة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102المجرمين ) يتناول الكفار والعصاة فيدل على عدم العفو عن العصاة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : يريد بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلها آخر ، وقد تقدم هذا الكلام .
المسألة الثانية : اختلفوا في المراد بالزرقة على وجوه : أحدها : قال
الضحاك ومقاتل : يعني زرق العيون سود الوجوه وهي زرقة تتشوه بها خلقتهم والعرب تتشاءم بذلك ، فإن قيل : أليس أن الله تعالى أخبر أنهم : يحشرون عميا ، فكيف يكون أعمى وأزرق ؟ قلنا : لعله يكون أعمى في حال وأزرق في حال . وثانيها : المراد من الزرقة العمى ، قال
الكلبي : زرقا أي عميا ، قال
الزجاج : يخرجون بصراء في أول مرة ويعمون في المحشر ، وسواد العين إذا ذهب تزرق ، فإن قيل : كيف يكون أعمى ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [إبراهيم : 42] وشخوص البصر من الأعمى محال ، وقد قال في حقهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك ) [الإسراء : 14] والأعمى كيف يقرأ ؟ . فالجواب : أن أحوالهم قد تختلف . وثالثها : قال
أبو مسلم : المراد بهذه الزرقة شخوص أبصارهم والأزرق شاخص لأنه لضعف بصره يكون محدقا نحو الشيء يريد أن يتبينه وهذه حال الخائف المتوقع لما يكره وهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) . ورابعها : زرقا عطاشا هكذا رواه
ثعلب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي قال : لأنهم من شدة العطش يتغير سواد عيونهم حتى تزرق ، ويدل على هذا التفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=86ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) [مريم : 86] . وخامسها : حكى
ثعلب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي قال : طامعين فيما لا ينالونه . الصفة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=30349_28766من صفات الكفار يوم القيامة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : يتخافتون أي يتسارون ، يقال : خفت يخفت وخافت مخافتة ، والتخافت السرار وهو نظير
[ ص: 100 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=108فلا تسمع إلا همسا ) وإنما يتخافتون لأنه امتلأت صدورهم من الرعب والهول ، أو لأنهم صاروا بسبب الخوف في نهاية الضعف فلا يطيقون الجهر .
المسألة الثانية : اختلفوا في أن المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103إن لبثتم ) اللبث في الدنيا أو في القبر ، فقال قوم : أرادوا به اللبث في الدنيا ، وهذا قول
الحسن وقتادة والضحاك ، واحتجوا عليه بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=112قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=113قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ) [المؤمنون : 113] فإن قيل : إما أن يقال إنهم نسوا قدر لبثهم في الدنيا ، أو ما نسوا ذلك ، والأول غير جائز إذ لو جاز ذلك لجاز أن يبقى الإنسان خمسين سنة في بلد ثم ينساه ، والثاني غير جائز لأنه كذب ، وأهل الآخرة لا يكذبون ، لا سيما وهذا الكذب لا فائدة فيه ، قلنا : فيه وجوه :
أحدها : لعلهم إذا حشروا في أول الأمر وعاينوا تلك الأهوال فلشدة وقعها عليهم ذهلوا عن مقدار عمرهم في الدنيا وما ذكروا إلا القليل فقالوا : ليتنا ما عشنا إلا تلك الأيام القليلة في الدنيا حتى لا نقع في هذه الأهوال ، والإنسان عند الهول الشديد قد يذهل عن أظهر الأشياء ، وتمام تقريره مذكور في سورة الأنعام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) [الأنعام : 23] . وثانيها : أنهم عالمون بمقدار عمرهم في الدنيا إلا أنهم لما قابلوا أعمارهم في الدنيا بأعمار الآخرة وجدوها في نهاية القلة ، فقال بعضهم : ما لبثنا في الدنيا إلا عشرة أيام ، وقال أعقلهم : بل ما لبثنا إلا يوما واحدا ، أي قدر لبثنا في الدنيا بالقياس إلى قدر لبثنا في الآخرة كعشرة أيام بل كاليوم الواحد بل كالعدم ، وإنما خص العشرة والواحد بالذكر لأن القليل في أمثال هذه المواضع لا يعبر عنه إلا بالعشرة والواحد . وثالثها : أنهم لما عاينوا الشدائد تذكروا أيام النعمة والسرور وتأسفوا عليها فوصفوها بالقصر لأن أيام السرور قصار . ورابعها : أن أيام الدنيا قد انقضت وأيام الآخرة مستقبلة ، والذاهب وإن طالت مدته قليل بالقياس إلى الآتي وإن قصرت مدته ، فكيف والأمر بالعكس ؛ ولهذه الوجوه رجح الله تعالى قول من بالغ في التقليل فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ) .
القول الثاني : أن المراد منه اللبث في القبر ، ويعضده قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ) [الروم : 55] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) [الروم : 56] فأما من جوز الكذب على أهل القيامة فلا إشكال له في الآية ، أما من لم يجوز قال : إن الله تعالى لما أحياهم في القبر وعذبهم ثم أماتهم ثم بعثهم يوم القيامة لم يعرفوا أن قدر لبثهم في القبر كم كان ، فخطر ببال بعضهم أنه في تقدير عشرة أيام ، وقال آخرون : إنه يوم واحد ، فلما وقعوا في العذاب مرة أخرى تمنوا زمان الموت الذي هو زمان الخلاص لما نالهم من هول العذاب .
المسألة الثالثة : الأكثرون على أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103إن لبثتم إلا عشرا ) أي عشرة أيام ، فيكون قول من قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104إن لبثتم إلا يوما ) أقل ، وقال
مقاتل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103إن لبثتم إلا عشرا ) أي عشر ساعات كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=46كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) [النازعات : 46] وعلى هذا التقدير يكون اليوم أكثر ، والله أعلم . واعلم أنه سبحانه وتعالى بين بهذا القول أعظم ما نالهم من الحيرة التي دفعوا عندها إلى هذا الجنس من التخافت .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=100مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=101خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=100مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=101خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا )
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا شَرَحَ قِصَّةَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ
فِرْعَوْنَ أَوَّلًا ثُمَّ مَعَ
السَّامِرِيِّ ثَانِيًا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ ) مِنْ سَائِرِ أَخْبَارِ الْأُمَمِ وَأَحْوَالِهِمْ ؛ تَكْثِيرًا لِشَأْنِكَ ، وَزِيَادَةً فِي مُعْجِزَاتِكَ ، وَلِيَكْثُرَ الِاعْتِبَارُ وَالِاسْتِبْصَارُ لِلْمُكَلَّفِينَ بِهَا فِي الدِّينِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=99وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ) يَعْنِي الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=50وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 50] (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ) [الزُّخْرُفِ : 44] (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) [ص : 1] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=2مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ ) [الشُّعَرَاءِ : 5] (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=6يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) [الْحِجْرِ : 6] ثُمَّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28867تَسْمِيَةِ الْقُرْآنِ بِالذِّكْرِ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ كِتَابٌ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ . وَثَانِيهَا : أَنَّهُ يَذْكُرُ أَنْوَاعَ آلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَعْمَائِهِ فَفِيهِ التَّذْكِيرُ وَالْمَوَاعِظُ . وَثَالِثُهَا : فِيهِ الذِّكْرُ وَالشَّرَفُ لَكَ وَلِقَوْمِكَ عَلَى مَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) [الزُّخْرُفِ : 44] ، وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28867اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى كُلَّ كُتُبِهِ ذِكْرًا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=7فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 7] وَكَمَا بَيَّنَ نِعْمَتَهُ بِذَلِكَ بَيَّنَ شِدَّةَ الْوَعِيدِ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ : أَوَّلُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=100مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ) فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ، وَالْوِزْرُ هُوَ الْعُقُوبَةُ الثَّقِيلَةُ ، سَمَّاهَا وِزْرًا تَشْبِيهًا فِي ثِقَلِهَا عَلَى الْمُعَاقَبِ وَصُعُوبَةِ احْتِمَالِهَا الَّذِي يَثْقُلُ عَلَى الْحَامِلِ وَيُنْقِضُ ظَهْرَهُ ، أَوْ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْوِزْرِ وَهُوَ الْإِثْمُ وَقُرِئَ يُحَمَّلُ ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى صِفَةَ ذَلِكَ
[ ص: 99 ] الْوِزْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَكُونُ مُخَلَّدًا مُؤَبَّدًا . وَالثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=101وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ) أَيْ وَمَا أَسْوَأَ هَذَا الْوِزْرَ حِمْلًا أَيْ مَحْمُولًا وَحِمْلًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ . وَثَانِيهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) فَالْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو نَنْفُخُ بِفَتْحِ النُّونِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102وَنَحْشُرُ ) وَقَرَأَ الْبَاقُونَ يُنْفَخُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَنَحْشُرُ بِالنُّونِ لِأَنَّ النَّافِخَ مَلَكٌ الْتَقَمَ الصُّورَ ، وَالْحَاشِرَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقُرِئَ يَوْمَ يَنْفُخُ بِالْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْغَيْبَةِ وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ
لِإِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَمَّا : ( يَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ ) فَلَمْ يَقْرَأْ بِهِ إِلَّا
الْحَسَنُ وَقُرِئَ فِي الصُّوَرِ بِفَتْحِ الْوَاوِ جَمْعُ صُورَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102فِي الصُّورِ ) قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ يُدْعَى بِهِ النَّاسُ إِلَى الْمَحْشَرِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَمْعُ صُورَةٍ وَالنَّفْخُ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ : الصُّوَرِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=8فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ) [الْمُدَّثِّرِ : 8] وَاللَّهُ تَعَالَى يُعَرِّفُ النَّاسَ أُمُورَ الْآخِرَةِ بِأَمْثَالِ مَا شُوهِدَ فِي الدُّنْيَا وَمِنْ عَادَةِ النَّاسِ النَّفْخُ فِي الْبُوقِ عِنْدَ الْأَسْفَارِ وَفِي الْعَسَاكِرِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْمُرَادُ مِنْ هَذَا النَّفْخِ هُوَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ) كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30293النَّفْخَ فِي الصُّورِ كَالسَّبَبِ لِحَشْرِهِمْ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=18يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ) [النَّبَأِ : 18] ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102nindex.php?page=treesubj&link=28991_28766_30349وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=102الْمُجْرِمِينَ ) يَتَنَاوَلُ الْكُفَّارَ وَالْعُصَاةَ فَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْعَفْوِ عَنِ الْعُصَاةِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : يُرِيدُ بِالْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْكَلَامُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالزُّرْقَةِ عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : قَالَ
الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ : يَعْنِي زُرْقَ الْعُيُونِ سُودَ الْوُجُوهِ وَهِيَ زُرْقَةٌ تَتَشَوَّهُ بِهَا خِلْقَتُهُمْ وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : أَلَيْسَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ : يُحْشَرُونَ عُمْيًا ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَعْمَى وَأَزْرَقَ ؟ قُلْنَا : لَعَلَّهُ يَكُونُ أَعْمَى فِي حَالٍ وَأَزْرَقَ فِي حَالٍ . وَثَانِيهَا : الْمُرَادُ مِنَ الزُّرْقَةِ الْعَمَى ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ : زُرْقًا أَيْ عُمْيًا ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : يَخْرُجُونَ بُصَرَاءَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَيَعْمُونَ فِي الْمَحْشَرِ ، وَسَوَادُ الْعَيْنِ إِذَا ذَهَبَ تَزْرَقُّ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ أَعْمَى ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ) [إِبْرَاهِيمَ : 42] وَشُخُوصُ الْبَصَرِ مِنَ الْأَعْمَى مُحَالٌ ، وَقَدْ قَالَ فِي حَقِّهِمُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ ) [الْإِسْرَاءِ : 14] وَالْأَعْمَى كَيْفَ يَقْرَأُ ؟ . فَالْجَوَابُ : أَنَّ أَحْوَالَهُمْ قَدْ تَخْتَلِفُ . وَثَالِثُهَا : قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الْمُرَادُ بِهَذِهِ الزُّرْقَةِ شُخُوصُ أَبْصَارِهِمْ وَالْأَزْرَقُ شَاخِصٌ لِأَنَّهُ لِضَعْفِ بَصَرِهِ يَكُونُ مُحَدِّقًا نَحْوَ الشَّيْءِ يُرِيدُ أَنْ يَتَبَيَّنَهُ وَهَذِهِ حَالُ الْخَائِفِ الْمُتَوَقِّعِ لِمَا يَكْرَهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=42إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ) . وَرَابِعُهَا : زُرْقًا عِطَاشًا هَكَذَا رَوَاهُ
ثَعْلَبٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ : لِأَنَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ يَتَغَيَّرُ سَوَادُ عُيُونِهِمْ حَتَّى تَزْرَقَّ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=86وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ) [مَرْيَمَ : 86] . وَخَامِسُهَا : حَكَى
ثَعْلَبٌ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ : طَامِعِينَ فِيمَا لَا يَنَالُونَهُ . الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30349_28766مِنْ صِفَاتِ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : يَتَخَافَتُونَ أَيْ يَتَسَارُّونَ ، يُقَالُ : خَفَتَ يَخْفِتُ وَخَافَتَ مُخَافَتَةً ، وَالتَّخَافُتُ السِّرَارُ وَهُوَ نَظِيرُ
[ ص: 100 ] قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=108فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) وَإِنَّمَا يَتَخَافَتُونَ لِأَنَّهُ امْتَلَأَتْ صُدُورُهُمْ مِنَ الرُّعْبِ وَالْهَوْلِ ، أَوْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِسَبَبِ الْخَوْفِ فِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ فَلَا يُطِيقُونَ الْجَهْرَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103إِنْ لَبِثْتُمْ ) اللُّبْثُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْقَبْرِ ، فَقَالَ قَوْمٌ : أَرَادُوا بِهِ اللُّبْثَ فِي الدُّنْيَا ، وَهَذَا قَوْلُ
الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=112قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=113قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ) [الْمُؤْمِنُونَ : 113] فَإِنْ قِيلَ : إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ نَسُوا قَدْرَ لُبْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، أَوْ مَا نَسُوا ذَلِكَ ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ جَائِزٍ إِذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَبْقَى الْإِنْسَانُ خَمْسِينَ سَنَةً فِي بَلَدٍ ثُمَّ يَنْسَاهُ ، وَالثَّانِي غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ كَذِبٌ ، وَأَهْلُ الْآخِرَةِ لَا يَكْذِبُونَ ، لَا سِيَّمَا وَهَذَا الْكَذِبُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، قُلْنَا : فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : لَعَلَّهُمْ إِذَا حُشِرُوا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَعَايَنُوا تِلْكَ الْأَهْوَالَ فَلِشِدَّةِ وَقْعِهَا عَلَيْهِمْ ذَهَلُوا عَنْ مِقْدَارِ عُمْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَمَا ذَكَرُوا إِلَّا الْقَلِيلَ فَقَالُوا : لَيْتَنَا مَا عِشْنَا إِلَّا تِلْكَ الْأَيَّامَ الْقَلِيلَةَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَا نَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَهْوَالِ ، وَالْإِنْسَانُ عِنْدَ الْهَوْلِ الشَّدِيدِ قَدْ يَذْهَلُ عَنْ أَظْهَرِ الْأَشْيَاءِ ، وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) [الْأَنْعَامِ : 23] . وَثَانِيهَا : أَنَّهُمْ عَالِمُونَ بِمِقْدَارِ عُمُرِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا قَابَلُوا أَعْمَارَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْمَارِ الْآخِرَةِ وَجَدُوهَا فِي نِهَايَةِ الْقِلَّةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا لَبِثْنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، وَقَالَ أَعْقَلُهُمْ : بَلْ مَا لَبِثْنَا إِلَّا يَوْمًا وَاحِدًا ، أَيْ قَدْرُ لُبْثِنَا فِي الدُّنْيَا بِالْقِيَاسِ إِلَى قَدْرِ لُبْثِنَا فِي الْآخِرَةِ كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ بَلْ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ بَلْ كَالْعَدَمِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْعَشَرَةَ وَالْوَاحِدَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْقَلِيلَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إِلَّا بِالْعَشَرَةِ وَالْوَاحِدِ . وَثَالِثُهَا : أَنَّهُمْ لَمَّا عَايَنُوا الشَّدَائِدَ تَذَكَّرُوا أَيَّامَ النِّعْمَةِ وَالسُّرُورِ وَتَأَسَّفُوا عَلَيْهَا فَوَصَفُوهَا بِالْقِصَرِ لِأَنَّ أَيَّامَ السُّرُورِ قِصَارٌ . وَرَابِعُهَا : أَنَّ أَيَّامَ الدُّنْيَا قَدِ انْقَضَتْ وَأَيَّامَ الْآخِرَةِ مُسْتَقْبَلَةٌ ، وَالذَّاهِبُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ قَلِيلٌ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْآتِي وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّتُهُ ، فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ؛ وَلِهَذِهِ الْوُجُوهِ رَجَّحَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَ مَنْ بَالَغَ فِي التَّقْلِيلِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ) .
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اللُّبْثُ فِي الْقَبْرِ ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=55وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ) [الرُّومِ : 55] (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=56وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) [الرُّومِ : 56] فَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ الْكَذِبَ عَلَى أَهْلِ الْقِيَامَةِ فَلَا إِشْكَالَ لَهُ فِي الْآيَةِ ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَحْيَاهُمْ فِي الْقَبْرِ وَعَذَّبَهُمْ ثُمَّ أَمَاتَهُمْ ثُمَّ بَعَثَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يَعْرِفُوا أَنْ قَدْرَ لُبْثِهِمْ فِي الْقَبْرِ كَمْ كَانَ ، فَخَطَرَ بِبَالِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ فِي تَقْدِيرِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ ، فَلَمَّا وَقَعُوا فِي الْعَذَابِ مَرَّةً أُخْرَى تَمَنَّوْا زَمَانَ الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ زَمَانُ الْخَلَاصِ لِمَا نَالَهُمْ مِنْ هَوْلِ الْعَذَابِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ) أَيْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، فَيَكُونُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=104إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ) أَقَلَّ ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=103إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ) أَيْ عَشْرَ سَاعَاتٍ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=46كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) [النَّازِعَاتِ : 46] وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْيَوْمُ أَكْثَرَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيَّنَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَعْظَمَ مَا نَالَهُمْ مِنَ الْحَيْرَةِ الَّتِي دُفِعُوا عِنْدَهَا إِلَى هَذَا الْجِنْسِ مِنَ التَّخَافُتِ .