(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=129ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=129ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى )
. اعلم أنه تعالى لما بين أن من أعرض عن ذكره كيف يحشر يوم القيامة أتبعه بما يعتبر [ به ] المكلف من
nindex.php?page=treesubj&link=30539_32016الأحوال الواقعة في الدنيا بمن كذب الرسل فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أفلم يهد لهم ) والقراءة العامة أفلم يهد بالياء المعجمة من تحت وفاعله هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128كم أهلكنا ) قال
القفال : جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينا لهم ، كما جعل مثل ذلك واعظا لهم وزاجرا ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبو عبد الرحمن السلمي : أفلم نهد لهم بالنون ، قال
الزجاج : يعني أفلم نبين لهم بيانا يهتدون به لو تدبروا وتفكروا ، وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128كم أهلكنا ) فالمراد به المبالغة في كثرة من أهلكه الله تعالى من القرون الماضية وأراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128يمشون في مساكنهم ) أن
قريشا يشاهدون تلك الآيات العظيمة الدالة على ما كانوا عليه من النعم ، وما حل بهم من ضروب الهلاك ، وللمشاهدة في ذلك من الاعتبار ما ليس لغيره ، وبين أن في تلك الآيات آيات لأولي النهى ، أي لأهل العقول والأقرب أن للنهية مزية على العقل ، والنهى لا يقال إلا فيمن له عقل ينتهي به عن القبائح ، كما أن لقولنا أولو العزم مزية على أولي الحزم ، فلذلك قال بعضهم : أهل الورع وأهل التقوى ، ثم بين تعالى الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلا على من كذب وكفر
بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=129ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ) وفيه تقديم وتأخير ، والتقدير : ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما ، ولا شبهة في أن الكلمة هي إخبار الله تعالى ملائكته ، وكتبه في اللوح المحفوظ : أن أمته عليه السلام وإن كذبوا فسيؤخرون ولا يفعل بهم ما يفعل بغيرهم من الاستئصال ، واختلفوا فيما لأجله لم يفعل ذلك بأمة
محمد ؟ صلى الله عليه وسلم ، قال بعضهم : لأنه علم أن فيهم من يؤمن ،
[ ص: 115 ] وقال آخرون : علم أن في نسلهم من يؤمن ولو أنزل بهم العذاب لعمهم الهلاك ، وقال آخرون : المصلحة فيه خفية لا يعلمها إلا هو ، وقال أهل السنة : له بحكم المالكية أن يخص من شاء بفضله ومن شاء بعذابه من غير علة ، إذ لو كان فعله لعلة لكانت تلك العلة إن كانت قديمة لزم قدم الفعل ، وإن كانت حادثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل ، فلهذا قال أهل التحقيق : كل شيء صنيعه لا لعلة ، وأما الأجل المسمى ففيه قولان : أحدهما : ولولا أجل مسمى في الدنيا لذلك العذاب وهو يوم
بدر . والثاني : ولولا أجل مسمى في الآخرة لذلك العذاب ، وهذا أقرب ، ويكون المراد ولولا كلمة سبقت تتضمن تأخير العذاب إلى الآخرة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بل الساعة موعدهم ) [القمر : 46] لكان العقاب لازما لهم فيما يقدمون عليه من تكذيب الرسول وأذيتهم له ، ثم إنه تعالى لما أخبر نبيه بأنه لا يهلك أحدا قبل استيفاء أجله أمره بالصبر على ما يقولون ، ولا شبهة في أن المراد أن يصبر على ما يكرهه من أقوالهم ، فيحتمل أن يكون ذلك قول بعضهم : إنه ساحر أو مجنون أو شاعر إلى غير ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد تكذيبهم له فيما يدعيه من النبوة ، ويحتمل أيضا تركهم القبول منه لأن كل ذلك مما يغمه ويؤذيه ، فرغبه تعالى في الصبر وبعثه على الإدامة على الدعاء إلى الله تعالى وإبلاغ ما حمل من الرسالة وأن لا يكون ما يقدمون عليه صارفا له عن ذلك ، ثم قال
الكلبي ومقاتل : هذه الآية منسوخة بآية القتال ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وسبح بحمد ربك ) وهو نظير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45واستعينوا بالصبر والصلاة ) [البقرة : 45] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130بحمد ربك ) في موضع الحال وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه .
المسألة الثانية : إنما أمر عقيب الصبر بالتسبيح لأن
nindex.php?page=treesubj&link=24582ذكر الله تعالى يفيد السلوة والراحة ، إذ لا راحة للمؤمنين دون لقاء الله تعالى .
المسألة الثالثة : اختلفوا في التسبيح على وجهين ، فالأكثرون على أن المراد منه الصلاة ، وهؤلاء اختلفوا على ثلاثة أوجه . أحدها : أن الآية تدل على أن الصلوات الخمس لا أزيد ولا أنقص ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : دخلت الصلوات الخمس فيه ، فقبل طلوع الشمس هو صلاة الفجر ، وقبل غروبها هو الظهر والعصر لأنهما جميعا قبل الغروب ، ومن آناء الليل فسبح المغرب والعشاء الأخيرة ، ويكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وأطراف النهار ) كالتوكيد للصلاتين الواقعتين في طرفي النهار وهما صلاة الفجر وصلاة المغرب ، كما اختصت في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238والصلاة الوسطى ) [البقرة : 238] بالتوكيد . القول الثاني : أن الآية تدل على الصلوات الخمس وزيادة ، أما دلالتها على الصلوات الخمس فلأن الزمان إما أن يكون قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها ، فالليل والنهار داخلان في هاتين العبارتين ، فأوقات الصلوات الواجبة دخلت فيهما ، بقي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ) وأطراف النهار للنوافل . القول الثالث : أنها تدل على أقل من الخمس ، فقوله : قبل طلوع الشمس للفجر ، وقبل غروبها للعصر ، ومن آناء الليل للمغرب والعتمة ، فيبقى الظهر خارجا ، والقول الأول أقوى وبالاعتبار أولى . هذا كله إذا حملنا التسبيح على الصلاة ، قال
أبو مسلم : لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال ، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات ، وهذا القول أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره ، وذلك لأنه تعالى صبره أولا على ما يقولون من تكذيبه ومن إظهار الشرك والكفر ،
[ ص: 116 ] والذي يليق بذلك أن يأمر بتنزيهه تعالى عن قولهم حتى يكون دائما مظهرا لذلك وداعيا إليه فلذلك قال ما يجمع كل الأوقات .
المسألة الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=33074أفضل الذكر ما كان بالليل لأن الجمعية فيه أكثر ؛ وذلك لسكون الناس وهدء حركاتهم وتعطيل الحواس عن الحركات وعن الأعمال ، ولذلك قال سبحانه وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) [ المزمل : 6] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ) [الزمر : 9] ولأن الليل وقت السكون والراحة فإذا صرف إلى العبادة كانت على الأنفس أشق وللبدن أتعب فكانت أدخل في استحقاق الأجر والفضل .
المسألة الخامسة : لقائل أن يقول : النهار له طرفان فكيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وأطراف النهار ) بل الأولى أن يقول كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وأقم الصلاة طرفي النهار ) [هود : 114] ؟
وجوابه : من الناس من قال : أقل الجمع اثنان فسقط السؤال ، ومنهم من قال : إنما جمع لأنه يتكرر في كل نهار ويعود ، أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130لعلك ترضى ) ففيه وجوه . أحدها : أن هذا كما يقول الملك الكبير : يا فلان اشتغل بالخدمة فلعلك تنتفع به ، ويكون المراد إني أوصلك إلى درجة عالية في النعمة ، وهو إشارة إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك فترضى ) [الضحى : 5] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) [الإسراء : 76] وثانيها : لعلك ترضى ما تنال من الثواب . وثالثها : لعلك ترضى ما تنال من الشفاعة . وقرأ
الكسائي وعاصم : لعلك ترضى بضم التاء ، والمعنى لا يختلف لأن الله تعالى إذا أرضاه فقد رضيه وإذا رضيه فقد أرضاه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=129وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=129وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى )
. اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ كَيْفَ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَتْبَعَهُ بِمَا يَعْتَبِرُ [ بِهِ ] الْمُكَلَّفُ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_32016الْأَحْوَالِ الْوَاقِعَةِ فِي الدُّنْيَا بِمَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ) وَالْقِرَاءَةُ الْعَامَّةُ أَفَلَمْ يَهْدِ بِالْيَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ تَحْتُ وَفَاعِلُهُ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128كَمْ أَهْلَكْنَا ) قَالَ
الْقَفَّالُ : جَعَلَ كَثْرَةَ مَا أَهْلَكَ مِنَ الْقُرُونِ مُبَيَّنًا لَهُمْ ، كَمَا جَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَاعِظًا لَهُمْ وَزَاجِرًا ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12067أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ : أَفَلَمْ نَهْدِ لَهُمْ بِالنُّونِ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : يَعْنِي أَفَلَمْ نُبَيِّنْ لَهُمْ بَيَانًا يَهْتَدُونَ بِهِ لَوْ تَدَبَّرُوا وَتَفَكَّرُوا ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128كَمْ أَهْلَكْنَا ) فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي كَثْرَةِ مَنْ أَهْلَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=128يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ) أَنَّ
قُرَيْشًا يُشَاهِدُونَ تِلْكَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةَ الدَّالَّةَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ ضُرُوبِ الْهَلَاكِ ، وَلِلْمُشَاهَدَةِ فِي ذَلِكَ مِنَ الِاعْتِبَارِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ ، وَبَيَّنَ أَنَّ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ آيَاتٌ لِأُولِي النُّهَى ، أَيْ لِأَهْلِ الْعُقُولِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ لِلنُّهْيَةِ مَزِيَّةً عَلَى الْعَقْلِ ، وَالنُّهَى لَا يُقَالُ إِلَّا فِيمَنْ لَهُ عَقْلٌ يَنْتَهِي بِهِ عَنِ الْقَبَائِحِ ، كَمَا أَنَّ لِقَوْلِنَا أُولُو الْعَزْمِ مَزِيَّةً عَلَى أُولِي الْحَزْمِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ : أَهْلُ الْوَرَعِ وَأَهْلُ التَّقْوَى ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى الْوَجْهَ الَّذِي لِأَجْلِهِ لَا يُنَزَّلُ الْعَذَابُ مُعَجَّلًا عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَكَفَرَ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=129وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ) وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْكَلِمَةَ هِيَ إِخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى مَلَائِكَتَهُ ، وَكَتْبُهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ : أَنَّ أُمَّتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنْ كَذَّبُوا فَسَيُؤَخَّرُونَ وَلَا يُفْعَلُ بِهِمْ مَا يُفْعَلُ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الِاسْتِئْصَالِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لِأَجْلِهِ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِأُمَّةِ
مُحَمَّدٍ ؟ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ ،
[ ص: 115 ] وَقَالَ آخَرُونَ : عَلِمَ أَنَّ فِي نَسْلِهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ وَلَوْ أَنْزَلَ بِهِمُ الْعَذَابَ لَعَمَّهُمُ الْهَلَاكُ ، وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَصْلَحَةُ فِيهِ خَفِيَّةٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ، وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ : لَهُ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِفَضْلِهِ وَمَنْ شَاءَ بِعَذَابِهِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ، إِذْ لَوْ كَانَ فِعْلُهُ لِعِلَّةٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ إِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً لَزِمَ قِدَمُ الْفِعْلِ ، وَإِنْ كَانَتْ حَادِثَةً افْتَقَرَتْ إِلَى عِلَّةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ ، فَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ : كُلُّ شَيْءٍ صَنِيعُهُ لَا لِعِلَّةٍ ، وَأَمَّا الْأَجَلُ الْمُسَمَّى فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى فِي الدُّنْيَا لِذَلِكَ الْعَذَابِ وَهُوَ يَوْمُ
بَدْرٍ . وَالثَّانِي : وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى فِي الْآخِرَةِ لِذَلِكَ الْعَذَابِ ، وَهَذَا أَقْرَبُ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ تَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ الْعَذَابِ إِلَى الْآخِرَةِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ) [الْقَمَرِ : 46] لَكَانَ الْعِقَابُ لَازِمًا لَهُمْ فِيمَا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ تَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَأَذِيَّتِهِمْ لَهُ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ نَبِيَّهُ بِأَنَّهُ لَا يُهْلِكُ أَحَدًا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ أَجَلِهِ أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولُونَ ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ : إِنَّهُ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ شَاعِرٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَكْذِيبَهُمْ لَهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا تَرْكَهُمُ الْقَبُولَ مِنْهُ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغُمُّهُ وَيُؤْذِيهِ ، فَرَغَّبَهُ تَعَالَى فِي الصَّبْرِ وَبَعَثَهُ عَلَى الْإِدَامَةِ عَلَى الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِبْلَاغِ مَا حُمِّلَ مِنَ الرِّسَالَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ صَارِفًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ
الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ : هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=45وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) [الْبَقَرَةِ : 45] وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130بِحَمْدِ رَبِّكَ ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَأَنْتَ حَامِدٌ لِرَبِّكَ عَلَى أَنْ وَفَّقَكَ لِلتَّسْبِيحِ وَأَعَانَكَ عَلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِنَّمَا أَمَرَ عَقِيبَ الصَّبْرِ بِالتَّسْبِيحِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24582ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى يُفِيدُ السَّلْوَةَ وَالرَّاحَةَ ، إِذْ لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : اخْتَلَفُوا فِي التَّسْبِيحِ عَلَى وَجْهَيْنِ ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الصَّلَاةُ ، وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ . أَحَدُهَا : أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لَا أَزْيَدَ وَلَا أَنْقَصَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : دَخَلَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِيهِ ، فَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ هُوَ صَلَاةُ الْفَجْرِ ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا هُوَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قَبْلَ الْغُرُوبِ ، وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ) كَالتَّوْكِيدِ لِلصَّلَاتَيْنِ الْوَاقِعَتَيْنِ فِي طَرَفَيِ النَّهَارِ وَهُمَا صَلَاةُ الْفَجْرِ وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ ، كَمَا اخْتَصَّتْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ) [الْبَقَرَةِ : 238] بِالتَّوْكِيدِ . الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَزِيَادَةٍ ، أَمَّا دَلَالَتُهَا عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلِأَنَّ الزَّمَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قَبْلَ غُرُوبِهَا ، فَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ دَاخِلَانِ فِي هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ ، فَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ دَخَلَتْ فِيهِمَا ، بَقِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ) وَأَطْرَافُ النَّهَارِ لِلنَّوَافِلِ . الْقَوْلُ الثَّالِثُ : أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَقَلِّ مِنَ الْخَمْسِ ، فَقَوْلُهُ : قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلْفَجْرِ ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا لِلْعَصْرِ ، وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ لِلْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ ، فَيَبْقَى الظُّهْرُ خَارِجًا ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْوَى وَبِالِاعْتِبَارِ أَوْلَى . هَذَا كُلُّهُ إِذَا حَمَلْنَا التَّسْبِيحَ عَلَى الصَّلَاةِ ، قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : لَا يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْإِجْلَالِ ، وَالْمَعْنَى اشْتَغِلْ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إِلَى الظَّاهِرِ وَإِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى صَبَّرَهُ أَوَّلًا عَلَى مَا يَقُولُونَ مِنْ تَكْذِيبِهِ وَمِنْ إِظْهَارِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ ،
[ ص: 116 ] وَالَّذِي يَلِيقُ بِذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ بِتَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمْ حَتَّى يَكُونَ دَائِمًا مُظْهِرًا لِذَلِكَ وَدَاعِيًا إِلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ مَا يَجْمَعُ كُلَّ الْأَوْقَاتِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=33074أَفْضَلُ الذِّكْرِ مَا كَانَ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ الْجَمْعِيَّةَ فِيهِ أَكْثَرُ ؛ وَذَلِكَ لِسُكُونِ النَّاسِ وَهَدْءِ حَرَكَاتِهِمْ وَتَعْطِيلِ الْحَوَاسِّ عَنِ الْحَرَكَاتِ وَعَنِ الْأَعْمَالِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ) [ الْمُزَّمِّلِ : 6] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ) [الزُّمَرِ : 9] وَلِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ السُّكُونِ وَالرَّاحَةِ فَإِذَا صُرِفَ إِلَى الْعِبَادَةِ كَانَتْ عَلَى الْأَنْفُسِ أَشَقَّ وَلِلْبَدَنِ أَتْعَبَ فَكَانَتْ أَدْخَلَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَجْرِ وَالْفَضْلِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : النَّهَارُ لَهُ طَرَفَانِ فَكَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ) بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=114وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ) [هُودٍ : 114] ؟
وَجَوَابُهُ : مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فَسَقَطَ السُّؤَالُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّمَا جُمِعَ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ نَهَارٍ وَيَعُودُ ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=130لَعَلَّكَ تَرْضَى ) فَفِيهِ وُجُوهٌ . أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْكَبِيرُ : يَا فُلَانُ اشْتَغِلْ بِالْخِدْمَةِ فَلَعَلَّكَ تَنْتَفِعُ بِهِ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ إِنِّي أُوصِلُكَ إِلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ فِي النِّعْمَةِ ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) [الضُّحَى : 5] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) [الْإِسْرَاءِ : 76] وَثَانِيهَا : لَعَلَّكَ تَرْضَى مَا تَنَالُ مِنَ الثَّوَابِ . وَثَالِثُهَا : لَعَلَّكَ تَرْضَى مَا تَنَالُ مِنَ الشَّفَاعَةِ . وَقَرَأَ
الْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ : لَعَلَّكَ تُرْضَى بِضَمِّ التَّاءِ ، وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرْضَاهُ فَقَدْ رَضِيَهُ وَإِذَا رَضِيَهُ فَقَدْ أَرْضَاهُ .