(
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=31وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=32وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=33وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=31وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=32وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=33وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ) .
اعلم أنه سبحانه وتعالى شرع الآن في
nindex.php?page=treesubj&link=29705_29619الدلائل الدالة على وجود الصانع ، وهذه الدلائل أيضا دالة على كونه منزها عن الشريك ، لأنها دالة على حصول الترتيب العجيب في العالم ، ووجود الإلهين يقتضي وقوع الفساد . فهذه الدلائل تدل من جهة على التوحيد فتكون كالتوكيد لما تقدم ، وفيها أيضا رد على عبدة الأوثان من حيث إن الإله القادر على مثل هذه المخلوقات الشريفة كيف يجوز في العقل أن يعدل عن عبادته إلى عبادة حجر لا يضر ولا ينفع ، فهذا وجه تعلق هذه الآية بما قبلها ، واعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر ههنا ستة أنواع من الدلائل :
النوع الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=28992_30549_31756أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
ابن كثير ألم ير بغير الواو والباقون بالواو ، وإدخال الواو يدل على العطف لهذا القول على أمر تقدمه . قال صاحب " الكشاف " : قرئ رتقا بفتح التاء ، وكلاهما في معنى المفعول كالخلف والنقض
[ ص: 140 ] أي كانتا مرتوقتين ، فإن قلت الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر فما بال الرتق ؟ قلت : هو على تقدير موصوف أي كانتا شيئا رتقا .
المسألة الثانية : لقائل أن يقول : المراد من الرؤية في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30أولم ير الذين كفروا ) ، إما الرؤية ، وإما العلم ، والأول مشكل ، أما أولا فلأن القوم ما رأوهما كذلك البتة ، وأما ثانيا فلقوله سبحانه وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ) [الكهف : 51] ، وأما العلم فمشكل ؛ لأن الأجسام قابلة للفتق والرتق في أنفسها ، فالحكم عليها بالرتق أولا وبالفتق ثانيا لا سبيل إليه إلا السمع ، والمناظرة مع الكفار الذين ينكرون الرسالة ، فكيف يجوز التمسك بمثل هذا الاستدلال ؟ والجواب : المراد من الرؤية هو العلم وما ذكروه من السؤال فدفعه من وجوه : أحدها : أنا نثبت نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم بسائر المعجزات ثم نستدل بقوله : ثم نجعله دليلا على حصول النظام في العالم وانتفاء الفساد عنه وذلك يؤكد الدلالة المذكورة في التوحيد . وثانيا : أن يحمل الرتق والفتق على إمكان الرتق والفتق ، والعقل يدل عليه لأن الأجسام يصح عليها الاجتماع والافتراق فاختصاصها بالاجتماع دون الافتراق أو بالعكس يستدعي مخصصا . وثالثها : أن
اليهود والنصارى كانوا عالمين بذلك فإنه جاء في التوراة أن الله تعالى خلق جوهرة ، ثم نظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=31756_33679خلق السماوات والأرض منها وفتق بينها ، وكان بين عبدة الأوثان وبين
اليهود نوع صداقة بسبب الاشتراك في عداوة
محمد صلى الله عليه وسلم فاحتج الله تعالى عليهم بهذه الحجة بناء على أنهم يقبلون قول
اليهود في ذلك .
المسألة الثالثة : إنما قال كانتا رتقا ولم يقل كن رتقا لأن السماوات لفظ الجمع ، والمراد به الواحد الدال على الجنس ، قال
الأخفش : السماوات نوع والأرض نوع ، ومثله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ) [فاطر : 41] ومن ذلك قولهم أصلحنا بين القومين ، ومرت بنا غنمان أسودان ، لأن هذا القطيع غنم وذلك غنم .
المسألة الرابعة : الرتق في اللغة السد ، يقال : رتقت الشيء فارتتق ، والفتق الفصل بين الشيئين الملتصقين . قال
الزجاج : الرتق مصدر والمعنى كانتا ذواتي رتق ، قال
المفضل : إنما لم يقل كانتا رتقين كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=8وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ) [الأنبياء : 8] لأن كل واحد جسد كذلك فيما نحن فيه كل واحد رتق .
المسألة الخامسة : اختلف المفسرون في المراد من الرتق والفتق على أقوال : أحدها : وهو قول
الحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، ورواية
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهم أن المعنى كانتا شيئا واحدا ملتزقتين ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي وأقر الأرض ، وهذا القول يوجب أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء لأنه تعالى لما فصل بينهما ترك الأرض حيث هي وأصعد الأجزاء السماوية ، قال
كعب : خلق الله السماوات والأرض ملتصقتين ثم خلق ريحا توسطتهما ففتقهما بها . وثانيها : وهو قول
أبي صالح nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد أن المعنى كانت السماوات مرتفعة فجعلت سبع سماوات وكذلك الأرضون . وثالثها : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن وأكثر المفسرين أن السماوات والأرض كانتا رتقا بالاستواء والصلابة ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات والشجر ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=11والسماء ذات الرجع nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=12والأرض ذات الصدع ) [الطارق :11 - 12] ورجحوا هذا الوجه على سائر الوجوه بقوله بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30وجعلنا من الماء كل شيء حي ) وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم ولا يكون كذلك إلا إذا كان المراد ما ذكرنا . فإن قيل : هذا الوجه مرجوح لأن المطر لا ينزل من السماوات بل
[ ص: 141 ] من سماء واحدة وهي سماء الدنيا ، قلنا : إنما أطلق عليه لفظ الجمع لأن كل قطعة منها سماء ، كما يقال : ثوب أخلاق وبرمة أعشار . واعلم أن على هذا التأويل يجوز حمل الرؤية على الإبصار . ورابعها : قول
أبي مسلم الأصفهاني : يجوز أن يراد بالفتق الإيجاد والإظهار كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14فاطر السماوات والأرض ) [الأنعام : 14] وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=56قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن ) [الأنبياء : 56] فأخبر عن الإيجاد بلفظ الفتق وعن الحال قبل الإيجاد بلفظ الرتق . أقول : وتحقيقه أن العدم نفي محض ، فليس فيه ذوات مميزة وأعيان متباينة ، بل كأنه أمر واحد متصل متشابه ، فإذا وجدت الحقائق فعند الوجود والتكون يتميز بعضها عن بعض وينفصل بعضها عن بعض ، فبهذا الطريق حسن جعل الرتق مجازا عن العدم والفتق عن الوجود . وخامسها : أن الليل سابق على النهار ، لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) [يس : 37] وكانت السماوات والأرض مظلمة أولا ففتقهما الله تعالى بإظهار النهار المبصر ، فإن قيل : فأي الأقاويل أليق بالظاهر ؟ قلنا : الظاهر يقتضي أن السماء على ما هي عليه ، والأرض على ما هي عليه كانتا رتقا ، ولا يجوز كونهما كذلك إلا وهما موجودان ، والرتق ضد الفتق فإذا كان الفتق هو المفارقة فالرتق يجب أن يكون هو الملازمة ، وبهذا الطريق صار الوجه الرابع والخامس مرجوحا ، ويصير الوجه الأول أولى الوجوه ويتلوه الوجه الثاني ، وهو أن كل واحد منهما كان رتقا ففتقهما بأن جعل كل واحد منهما سبعا ، ويتلوه الثالث وهو أنهما كانا صلبين من غير فطور وفرج ، ففتقهما لينزل المطر من السماء ، ويظهر النبات على الأرض .
المسألة السادسة : دلالة هذه الوجوه على إثبات الصانع وعلى وحدانيته ظاهرة ، لأن أحدا لا يقدر على مثل ذلك ، والأقرب أنه سبحانه خلقهما رتقا لما فيه من المصلحة للملائكة ، ثم لما أسكن الله الأرض أهلها جعلهما فتقا لما فيه من منافع العباد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=31وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=32وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=33وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=31وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=32وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=33وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ الْآنَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29705_29619الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ ، وَهَذِهِ الدَّلَائِلُ أَيْضًا دَالَّةٌ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَنِ الشَّرِيكِ ، لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى حُصُولِ التَّرْتِيبِ الْعَجِيبِ فِي الْعَالَمِ ، وَوُجُودُ الْإِلَهَيْنِ يَقْتَضِي وُقُوعَ الْفَسَادِ . فَهَذِهِ الدَّلَائِلُ تَدُلُّ مِنْ جِهَةٍ عَلَى التَّوْحِيدِ فَتَكُونُ كَالتَّوْكِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَفِيهَا أَيْضًا رَدٌّ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِلَهَ الْقَادِرَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الشَّرِيفَةِ كَيْفَ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَى عِبَادَةِ حَجَرٍ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ ، فَهَذَا وَجْهُ تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ هَهُنَا سِتَّةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الدَّلَائِلِ :
النَّوْعُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30nindex.php?page=treesubj&link=28992_30549_31756أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ أَلَمْ يَرَ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَالْبَاقُونَ بِالْوَاوِ ، وَإِدْخَالُ الْوَاوِ يَدُلُّ عَلَى الْعَطْفِ لِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَمْرٍ تَقَدَّمَهُ . قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : قُرِئَ رَتَقًا بِفَتْحِ التَّاءِ ، وَكِلَاهُمَا فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْخُلْفِ وَالنَّقْضِ
[ ص: 140 ] أَيْ كَانَتَا مَرْتُوقَتَيْنِ ، فَإِنْ قُلْتَ الرَّتْقَ صَالِحٌ أَنْ يَقَعَ مَوْقِعَ مَرْتُوقَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ فَمَا بَالُ الرَّتْقِ ؟ قُلْتُ : هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ أَيْ كَانَتَا شَيْئًا رَتْقًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الْمُرَادُ مِنَ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، إِمَّا الرُّؤْيَةُ ، وَإِمَّا الْعِلْمُ ، وَالْأَوَّلُ مُشْكِلٌ ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْقَوْمَ مَا رَأَوْهُمَا كَذَلِكَ الْبَتَّةَ ، وَأَمَا ثَانِيًا فَلِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [الْكَهْفِ : 51] ، وَأَمَّا الْعِلْمُ فَمُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ الْأَجْسَامَ قَابِلَةٌ لِلْفَتْقِ وَالرَّتْقِ فِي أَنْفُسِهَا ، فَالْحُكْمُ عَلَيْهَا بِالرَّتْقِ أَوَّلًا وَبِالْفَتْقِ ثَانِيًا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا السَّمْعُ ، وَالْمُنَاظَرَةُ مَعَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِمِثْلِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ؟ وَالْجَوَابُ : الْمُرَادُ مِنَ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْعِلْمُ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ السُّؤَالِ فَدْفُعُهُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّا نُثْبِتُ نُبُوَّةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ ثُمَّ نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ : ثُمَّ نَجْعَلُهُ دَلِيلًا عَلَى حُصُولِ النِّظَامِ فِي الْعَالَمِ وَانْتِفَاءِ الْفَسَادِ عَنْهُ وَذَلِكَ يُؤَكِّدُ الدَّلَالَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي التَّوْحِيدِ . وَثَانِيًا : أَنْ يُحْمَلَ الرَّتْقُ وَالْفَتْقُ عَلَى إِمْكَانِ الرَّتْقِ وَالْفَتْقِ ، وَالْعَقْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَجْسَامَ يَصِحُّ عَلَيْهَا الِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ فَاخْتِصَاصُهَا بِالِاجْتِمَاعِ دُونَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بِالْعَكْسِ يَسْتَدْعِي مُخَصِّصًا . وَثَالِثُهَا : أَنَّ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا عَالِمِينَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ جَوْهَرَةً ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الْهَيْبَةِ فَصَارَتْ مَاءً ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31756_33679خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا وَفَتَقَ بَيْنَهَا ، وَكَانَ بَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَبَيْنَ
الْيَهُودِ نَوْعُ صَدَاقَةٍ بِسَبَبِ الِاشْتِرَاكِ فِي عَدَاوَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْتَجَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ قَوْلَ
الْيَهُودِ فِي ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : إِنَّمَا قَالَ كَانَتَا رَتْقًا وَلَمْ يَقُلْ كُنَّ رَتْقًا لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ لَفْظُ الْجَمْعِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ الدَّالُّ عَلَى الْجِنْسِ ، قَالَ
الْأَخْفَشُ : السَّمَاوَاتُ نَوْعٌ وَالْأَرْضُ نَوْعٌ ، وَمِثْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=41إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ) [فَاطِرٍ : 41] وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَصْلَحْنَا بَيْنَ الْقَوْمَيْنِ ، وَمَرَّتْ بِنَا غَنَمَانِ أَسْوَدَانِ ، لِأَنَّ هَذَا الْقَطِيعَ غَنَمٌ وَذَلِكَ غَنَمٌ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الرَّتْقُ فِي اللُّغَةِ السَّدُّ ، يُقَالُ : رَتَقْتُ الشَّيْءَ فَارْتَتَقَ ، وَالْفَتْقُ الْفَصْلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُلْتَصِقَيْنِ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : الرَّتْقُ مَصْدَرٌ وَالْمَعْنَى كَانَتَا ذَوَاتَيْ رَتْقٍ ، قَالَ
الْمُفَضَّلُ : إِنَّمَا لَمْ يَقُلْ كَانَتَا رَتْقَيْنِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=8وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 8] لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جَسَدٌ كَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ رَتْقٌ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ مِنَ الرَّتْقِ وَالْفَتْقِ عَلَى أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَرِوَايَةُ
عِكْرِمَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ الْمَعْنَى كَانَتَا شَيْئًا وَاحِدًا مُلْتَزِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَرَفَعَ السَّمَاءَ إِلَى حَيْثُ هِيَ وَأَقَرَّ الْأَرْضَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُوجِبُ أَنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ مُقَدَّمٌ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا فَصَلَ بَيْنَهُمَا تَرَكَ الْأَرْضَ حَيْثُ هِيَ وَأَصْعَدَ الْأَجْزَاءَ السَّمَاوِيَّةَ ، قَالَ
كَعْبٌ : خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مُلْتَصِقَتَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ رِيحًا تَوَسَّطَتْهُمَا فَفَتَقَهُمَا بِهَا . وَثَانِيهَا : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي صَالِحٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْمَعْنَى كَانَتِ السَّمَاوَاتُ مُرْتَفِعَةً فَجُعِلَتْ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَكَذَلِكَ الْأَرَضُونَ . وَثَالِثُهَا : وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا بِالِاسْتِوَاءِ وَالصَّلَابَةِ فَفَتَقَ اللَّهُ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَالْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=11وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=12وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ) [الطَّارِقِ :11 - 12] وَرَجَّحُوا هَذَا الْوَجْهَ عَلَى سَائِرِ الْوُجُوهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=30وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ إِلَّا وَلِلْمَاءِ تَعَلُّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الْوَجْهُ مَرْجُوحٌ لِأَنَّ الْمَطَرَ لَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاوَاتِ بَلْ
[ ص: 141 ] مِنْ سَمَاءٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ سَمَاءُ الدُّنْيَا ، قُلْنَا : إِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْهَا سَمَاءٌ ، كَمَا يُقَالُ : ثَوْبٌ أَخْلَاقٌ وَبُرْمَةٌ أَعْشَارٌ . وَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَجُوزُ حَمْلُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْإِبْصَارِ . وَرَابِعُهَا : قَوْلُ
أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ : يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْفَتْقِ الْإِيجَادُ وَالْإِظْهَارُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [الْأَنْعَامِ : 14] وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=56قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 56] فَأَخْبَرَ عَنِ الْإِيجَادِ بِلَفْظِ الْفَتْقِ وَعَنِ الْحَالِ قَبْلَ الْإِيجَادِ بِلَفْظِ الرَّتْقِ . أَقُولُ : وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْعَدَمَ نَفْيٌ مَحْضٌ ، فَلَيْسَ فِيهِ ذَوَاتٌ مُمَيَّزَةٌ وَأَعْيَانٌ مُتَبَايِنَةٌ ، بَلْ كَأَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ مُتَشَابِهٌ ، فَإِذَا وُجِدَتِ الْحَقَائِقُ فَعِنْدَ الْوُجُودِ وَالتَّكَوُّنِ يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَيَنْفَصِلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ حَسُنَ جَعْلُ الرَّتْقِ مَجَازًا عَنِ الْعَدَمِ وَالْفَتْقِ عَنِ الْوُجُودِ . وَخَامِسُهَا : أَنَّ اللَّيْلَ سَابِقٌ عَلَى النَّهَارِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ) [يس : 37] وَكَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ مُظْلِمَةً أَوَّلًا فَفَتَقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِظْهَارِ النَّهَارِ الْمُبْصِرِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَأَيُّ الْأَقَاوِيلِ أَلْيَقُ بِالظَّاهِرِ ؟ قُلْنَا : الظَّاهِرُ يَقْتَضِي أَنَّ السَّمَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَالْأَرْضَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ كَانَتَا رَتْقًا ، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُمَا كَذَلِكَ إِلَّا وَهُمَا مَوْجُودَانِ ، وَالرَّتْقُ ضِدُّ الْفَتْقِ فَإِذَا كَانَ الْفَتْقُ هُوَ الْمُفَارَقَةَ فَالرَّتْقُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُلَازَمَةَ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ صَارَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ مَرْجُوحًا ، وَيَصِيرُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى الْوُجُوهِ وَيَتْلُوهُ الْوَجْهُ الثَّانِي ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ رَتْقًا فَفَتَقَهُمَا بِأَنْ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْعًا ، وَيَتْلُوهُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَنَّهُمَا كَانَا صُلْبَيْنِ مِنْ غَيْرِ فُطُورٍ وَفَرْجٍ ، فَفَتَقَهُمَا لِيَنْزِلَ الْمَطَرُ مِنَ السَّمَاءِ ، وَيَظْهَرَ النَّبَاتُ عَلَى الْأَرْضِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : دَلَالَةُ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَعَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ ظَاهِرَةٌ ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَهُمَا رَتْقًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَلَائِكَةِ ، ثُمَّ لَمَّا أَسْكَنَ اللَّهُ الْأَرْضَ أَهْلَهَا جَعَلَهُمَا فَتْقًا لِمَا فِيهِ مِنْ مَنَافِعِ الْعِبَادِ .