(
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=34وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون )
[ ص: 146 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=34وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون ) .
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما استدل بالأشياء الستة التي شرحناها في الفصل المتقدم وكانت تلك الأشياء من أصول النعم الدنيوية أتبعه بما نبه به على أن هذه الدنيا جعلها كذلك لا لتبقى وتدوم أو يبقى فيها من خلقت الدنيا له ، بل خلقها سبحانه وتعالى للابتلاء والامتحان ، ولكي يتوصل بها إلى الآخرة التي هي دار الخلود .
فأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=34وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ) ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : قال
مقاتل : أن أناسا كانوا يقولون إن
محمدا صلى الله عليه وسلم لا يموت ، فنزلت هذه الآية . وثانيها : كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون بموته فنفى الله تعالى عنه الشماتة بهذا أي
nindex.php?page=treesubj&link=32872_31791قضى الله تعالى أن لا يخلد في الدنيا بشرا فلا أنت ولا هم إلا عرضة للموت أفإن مت أنت أيبقى هؤلاء ؟ لا ، وفي معناه قول القائل :
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
وثالثها : يحتمل أنه لما ظهر أنه عليه السلام خاتم الأنبياء جاز أن يقدر مقدر أنه لا يموت إذ لو مات لتغير شرعه ، فنبه الله تعالى على أن حاله كحال غيره من الأنبياء عليهم السلام في الموت .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=28992_32872كل نفس ذائقة الموت ) ففيه أبحاث :
البحث الأول : أن هذا العموم مخصوص فإنه تعالى نفس لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) [المائدة : 116] مع أن الموت لا يجوز عليه وكذا الجمادات لها نفوس وهي لا تموت ، والعام المخصوص حجة فيبقى معمولا به فيما عدا هذه الأشياء ، وذلك يبطل قول الفلاسفة في أن الأرواح البشرية والعقول المفارقة والنفوس الفلكية لا تموت . والثاني : الذوق ههنا لا يمكن إجراؤه على ظاهره لأن الموت ليس من جنس المطعوم حتى يذاق بل الذوق إدراك خاص فيجوز جعله مجازا عن أصل الإدراك ، وأما الموت فالمراد منه ههنا مقدماته من الآلام العظيمة لأن الموت قبل دخوله في الوجود يمتنع إدراكه وحال وجوده يصير الشخص ميتا والميت لا يدرك شيئا . والثالث : الإضافة في ذائقة الموت في تقدير الانفصال لأنه لما يستقبل كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غير محلي الصيد ) [المائدة : 1] ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هديا بالغ الكعبة ) [المائدة : 95] .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=30196_30200_32944_30202الابتلاء لا يتحقق إلا مع التكليف ، فالآية دالة على حصول التكليف وتدل على أنه سبحانه وتعالى لم يقتصر بالمكلف على ما أمر ونهى وإن كان فيه صعوبة بل ابتلاه بأمرين : أحدهما : ما سماه خيرا وهو نعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور والتمكين من المرادات . والثاني : ما سماه شرا وهو المضار الدنيوية من الفقر والآلام وسائر الشدائد النازلة بالمكلفين ، فبين تعالى أن العبد مع التكليف يتردد بين هاتين الحالتين ، لكي يشكر على المنح ويصبر في المحن ، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم .
المسألة الثانية : إنما سمى ذلك ابتلاء وهو عالم بما سيكون من أعمال العالمين قبل وجودهم لأنه في
[ ص: 147 ] صورة الاختبار .
المسألة الثالثة : قال صاحب " الكشاف " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35فتنة ) مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه .
المسألة الرابعة : احتجت التناسخية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35وإلينا ترجعون ) فإن الرجوع إلى موضع مسبوق بالكون فيه . والجواب : أنه مذكور مجازا .
المسألة الخامسة : المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35وإلينا ترجعون ) أنهم يرجعون إلى حكمه ومحاسبته ومجازاته ، فبين بذلك بطلان قولهم في نفي البعث والمعاد ، واستدلت التناسخية بهذه الآية ، وقالوا : إن الرجوع إلى موضع مسبوق بالكون فيه ، وقد كنا موجودين قبل دخولنا في هذا العالم ، واستدلت المجسمة بأنا أجسام ،
nindex.php?page=treesubj&link=30347_30355فرجوعنا إلى الله تعالى يقتضي كون الله تعالى جسما . والجواب عنه قد تقدم في مواضع كثيرة .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28992_30549_31788_29284وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا ) قال
السدي ومقاتل : نزلت هذه الآية في
أبي جهل ، مر به النبي صلى الله عليه وسلم وكان
أبو سفيان مع
أبي جهل ،
فقال أبو جهل لأبي سفيان : هذا نبي بني عبد مناف ، فقال أبو سفيان : وما تنكر أن يكون نبيا في بني عبد مناف ! فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قولهما فقال لأبي جهل : ما أراك تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة ، وأما أنت يا أبا سفيان : فإنما قلت ما قلت حمية ، فنزلت هذه الآية ، ثم فسر الله تعالى ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36أهذا الذي يذكر آلهتكم ) والذكر يكون بخير وبخلافه ، فإذا دلت الحال على أحدهما أطلق ولم يقيد كقولك للرجل سمعت فلانا يذكرك ، فإن كان الذاكر صديقا فهو ثناء ، وإن كان عدوا فهو ذم ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=60سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) [الأنبياء : 60] والمعنى أنه يبطل كونها معبودة ويقبح عبادتها .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36وهم بذكر الرحمن هم كافرون ) فالمعنى أنهم يعيبون عليه ذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بالسوء ، مع أنهم بذكر الرحمن الذي هو المنعم الخالق المحيي المميت (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36كافرون ) ولا فعل أقبح من ذلك ، فيكون الهزؤ واللعب والذم عليهم يعود من حيث لا يشعرون ، ويحتمل أن يراد (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36بذكر الرحمن ) القرآن والكتب ، والمعنى في إعادتهم أن الأولى إشارة إلى القوم الذين كانوا يفعلون ذلك الفعل ، والثانية إبانة لاختصاصهم به ، وأيضا فإن في إعادتها تأكيدا وتعظيما لفعلهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=34وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ )
[ ص: 146 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=34وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا اسْتَدَلَّ بِالْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي شَرَحْنَاهَا فِي الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ مِنْ أُصُولِ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَتْبَعَهُ بِمَا نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا جَعَلَهَا كَذَلِكَ لَا لِتَبْقَى وَتَدُومَ أَوْ يَبْقَى فِيهَا مَنْ خُلِقَتِ الدُّنْيَا لَهُ ، بَلْ خَلَقَهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ ، وَلِكَيْ يُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الْآخِرَةِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْخُلُودِ .
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=34وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : قَالَ
مُقَاتِلٌ : أَنَّ أُنَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . وَثَانِيهَا : كَانُوا يُقَدِّرُونَ أَنَّهُ سَيَمُوتُ فَيَشْمَتُونَ بِمَوْتِهِ فَنَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الشَّمَاتَةَ بِهَذَا أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=32872_31791قَضَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُخَلِّدَ فِي الدُّنْيَا بَشَرًا فَلَا أَنْتَ وَلَا هُمْ إِلَّا عُرْضَةٌ لِلْمَوْتِ أَفَإِنْ مِتَّ أَنْتَ أَيَبْقَى هَؤُلَاءِ ؟ لَا ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ الْقَائِلِ :
فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
وَثَالِثُهَا : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ جَازَ أَنْ يُقَدِّرَ مُقَدِّرٌ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ إِذْ لَوْ مَاتَ لَتَغَيَّرَ شَرْعُهُ ، فَنَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ حَالَهُ كَحَالِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي الْمَوْتِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=28992_32872كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) فَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ مَخْصُوصٌ فَإِنَّهُ تَعَالَى نَفْسٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) [الْمَائِدَةِ : 116] مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْجَمَادَاتِ لَهَا نُفُوسٌ وَهِيَ لَا تَمُوتُ ، وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ حُجَّةٌ فَيَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَ الْفَلَاسِفَةِ فِي أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْبَشَرِيَّةَ وَالْعُقُولَ الْمُفَارِقَةَ وَالنُّفُوسَ الْفَلَكِيَّةَ لَا تَمُوتُ . وَالثَّانِي : الذَّوْقُ هَهُنَا لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَطْعُومِ حَتَّى يُذَاقَ بَلِ الذَّوْقُ إِدْرَاكٌ خَاصٌّ فَيَجُوزُ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْ أَصْلِ الْإِدْرَاكِ ، وَأَمَّا الْمَوْتُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ هَهُنَا مُقَدِّمَاتُهُ مِنَ الْآلَامِ الْعَظِيمَةِ لِأَنَّ الْمَوْتَ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ يَمْتَنِعُ إِدْرَاكُهُ وَحَالَ وُجُودِهِ يَصِيرُ الشَّخْصُ مَيِّتًا وَالْمَيِّتُ لَا يُدْرِكُ شَيْئًا . وَالثَّالِثُ : الْإِضَافَةُ فِي ذَائِقَةِ الْمَوْتِ فِي تَقْدِيرِ الِانْفِصَالِ لِأَنَّهُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ) [الْمَائِدَةِ : 1] ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) [الْمَائِدَةِ : 95] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=30196_30200_32944_30202الِابْتِلَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا مَعَ التَّكْلِيفِ ، فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى حُصُولِ التَّكْلِيفِ وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَقْتَصِرْ بِالْمُكَلَّفِ عَلَى مَا أَمَرَ وَنَهَى وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُعُوبَةٌ بَلِ ابْتَلَاهُ بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مَا سَمَّاهُ خَيْرًا وَهُوَ نِعَمُ الدُّنْيَا مِنَ الصِّحَّةِ وَاللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ وَالتَّمْكِينِ مِنَ الْمُرَادَاتِ . وَالثَّانِي : مَا سَمَّاهُ شَرًّا وَهُوَ الْمَضَارُّ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنَ الْفَقْرِ وَالْآلَامِ وَسَائِرِ الشَّدَائِدِ النَّازِلَةِ بِالْمُكَلَّفِينَ ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْعَبْدَ مَعَ التَّكْلِيفِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ ، لِكَيْ يَشْكُرَ عَلَى الْمِنَحِ وَيَصْبِرَ فِي الْمِحَنِ ، فَيَعْظُمَ ثَوَابُهُ إِذَا قَامَ بِمَا يَلْزَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إِنَّمَا سَمَّى ذَلِكَ ابْتِلَاءً وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْعَالَمِينَ قَبْلَ وُجُودِهِمْ لِأَنَّهُ فِي
[ ص: 147 ] صُورَةِ الِاخْتِبَارِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35فِتْنَةً ) مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِنَبْلُوكُمْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : احْتَجَّتِ التَّنَاسُخِيَّةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) فَإِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى مَوْضِعٍ مَسْبُوقٍ بِالْكَوْنِ فِيهِ . وَالْجَوَابُ : أَنَّهُ مَذْكُورٌ مَجَازًا .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) أَنَّهُمْ يُرْجَعُونَ إِلَى حُكْمِهِ وَمُحَاسَبَتِهِ وَمُجَازَاتِهِ ، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ فِي نَفْيِ الْبَعْثِ وَالْمَعَادِ ، وَاسْتَدَلَّتِ التَّنَاسُخِيَّةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَقَالُوا : إِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى مَوْضِعٍ مَسْبُوقٍ بِالْكَوْنِ فِيهِ ، وَقَدْ كُنَّا مَوْجُودِينَ قَبْلَ دُخُولِنَا فِي هَذَا الْعَالَمِ ، وَاسْتَدَلَّتِ الْمُجَسِّمَةُ بِأَنَّا أَجْسَامٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30347_30355فَرُجُوعُنَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي كَوْنَ اللَّهِ تَعَالَى جِسْمًا . وَالْجَوَابُ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28992_30549_31788_29284وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا ) قَالَ
السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
أَبِي جَهْلٍ ، مَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ
أَبُو سُفْيَانَ مَعَ
أَبِي جَهْلٍ ،
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لِأَبِي سُفْيَانَ : هَذَا نَبِيُّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ! فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُمَا فَقَالَ لِأَبِي جَهْلٍ : مَا أَرَاكَ تَنْتَهِي حَتَّى يَنْزِلَ بِكَ مَا نَزَلَ بِعَمِّكَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا سُفْيَانَ : فَإِنَّمَا قُلْتَ مَا قُلْتَ حَمِيَّةً ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، ثُمَّ فَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِخَيْرٍ وَبِخِلَافِهِ ، فَإِذَا دَلَّتِ الْحَالُ عَلَى أَحَدِهِمَا أُطْلِقَ وَلَمْ يُقَيَّدْ كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ سَمِعْتُ فُلَانًا يَذْكُرُكَ ، فَإِنْ كَانَ الذَّاكِرُ صَدِيقًا فَهُوَ ثَنَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا فَهُوَ ذَمٌّ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=60سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 60] وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُبْطِلُ كَوْنَهَا مَعْبُودَةً وَيُقَبِّحُ عِبَادَتَهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَعِيبُونَ عَلَيْهِ ذِكْرَ آلِهَتِهِمُ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ بِالسُّوءِ ، مَعَ أَنَّهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ الَّذِي هُوَ الْمُنْعِمُ الْخَالِقُ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36كَافِرُونَ ) وَلَا فِعْلَ أَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ الْهُزُؤُ وَاللَّعِبُ وَالذَّمُّ عَلَيْهِمْ يَعُودُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=36بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) الْقُرْآنُ وَالْكُتُبُ ، وَالْمَعْنَى فِي إِعَادَتِهِمْ أَنَّ الْأُولَى إِشَارَةٌ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ الْفِعْلَ ، وَالثَّانِيَةَ إِبَانَةٌ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي إِعَادَتِهَا تَأْكِيدًا وَتَعْظِيمًا لِفِعْلِهِمْ .