أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها ) فالمعنى أنه
nindex.php?page=treesubj&link=29700_29703_30364لا ينقص من إحسان محسن ولا يزاد في إساءة مسيء ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ : ( مثقال حبة ) على كان التامة كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وإن كان ذو عسرة ) [البقرة : 280] وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ( آتينا بها ) وهي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء ، وقرأ
حميد : أثبنا بها من الثواب ، وفي حرف أبي : جئنا بها .
المسألة الثانية : لم أنث ضمير المثقال ؟ قلنا : لإضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض أصابعه .
المسألة الثالثة : زعم
الجبائي أن من استحق مائة جزء من العقاب فأتى بطاعة يستحق بها خمسين جزءا من الثواب فهذا الأقل ينحبط بالأكثر ويبقى الأكثر كما كان . واعلم أن هذه الآية تبطل قوله لأن الله تعالى تمدح بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30364_29468اليسير من الطاعة لا يسقط ، ولو كان الأمر كما قال
الجبائي لسقطت الطاعة من غير فائدة .
المسألة الرابعة : قالت
المعتزلة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فلا تظلم نفس شيئا ) فيه دلالة على أن مثل ذلك لو ابتدأه الله تعالى لكان قد ظلم ، فدل هذا الوجه على
nindex.php?page=treesubj&link=30364_28787أنه تعالى لا يعذب من لا يستحق ولا يفعل المضار في الدنيا إلا للمنافع والمصالح . والجواب : الظلم هو التصرف في ملك الغير وذلك في حق الله تعالى محال لأنه المالك المطلق ، ثم الذي يدل على استحالة الظلم عليه عقلا أن الظلم عند الخصم مستلزم للجهل أو الحاجة المحالين على الله تعالى ومستلزم المحال محال ، فالظلم على الله تعالى محال . وأيضا فإن الظالم سفيه خارج عن الإلهية فلو صح منه الظلم لصح خروجه عن الإلهية ، فحينئذ يكون كونه إلها من الجائزات لا من الواجبات ، وذلك يقدح في إلهيته .
المسألة الخامسة : إن قيل : الحبة أعظم من الخردلة ، فكيف قال : ( حبة من خردل ) ؟ قلنا : الوجه فيه أن
[ ص: 154 ] تفرض الخردلة كالدينار ثم تعتبر الحبة من ذلك الدينار ، والغرض المبالغة في أن شيئا من
nindex.php?page=treesubj&link=30364_29468الأعمال صغيرا كان أو كبيرا غير ضائع عند الله تعالى .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وكفى بنا حاسبين ) فالغرض منه التحذير فإن المحاسب إذا كان في العلم بحيث لا يمكن أن يشتبه عليه شيء ، وفي القدرة بحيث لا يعجز عن شيء ، حقيق بالعاقل أن يكون في أشد الخوف منه ، ويروى عن
الشبلي رحمه الله تعالى أنه رئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك فقال :
حاسبونا فدققوا ثم منوا فأعتقوا
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29700_29703_30364لَا يُنْقَصُ مِنْ إِحْسَانِ مُحْسِنٍ وَلَا يُزَادُ فِي إِسَاءَةِ مُسِيءٍ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قُرِئَ : ( مِثْقَالُ حَبَّةٍ ) عَلَى كَانَ التَّامَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ ) [الْبَقَرَةِ : 280] وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ( آتَيْنَا بِهَا ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَأَةِ لِأَنَّهُمْ أَتَوْهُ بِالْأَعْمَالِ وَأَتَاهُمْ بِالْجَزَاءِ ، وَقَرَأَ
حُمَيْدٌ : أَثَبْنَا بِهَا مِنَ الثَّوَابِ ، وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ : جِئْنَا بِهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِمَ أُنِّثَ ضَمِيرُ الْمِثْقَالِ ؟ قُلْنَا : لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْحَبَّةِ كَقَوْلِهِمْ ذَهَبَتْ بَعْضُ أَصَابِعِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : زَعَمَ
الْجُبَّائِيُّ أَنَّ مَنِ اسْتَحَقَّ مِائَةَ جُزْءٍ مِنَ الْعِقَابِ فَأَتَى بِطَاعَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا خَمْسِينَ جُزْءًا مِنَ الثَّوَابِ فَهَذَا الْأَقَلُّ يَنْحَبِطُ بِالْأَكْثَرِ وَيَبْقَى الْأَكْثَرُ كَمَا كَانَ . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُبْطِلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَمَدَّحَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30364_29468الْيَسِيرَ مِنَ الطَّاعَةِ لَا يَسْقُطُ ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ
الْجُبَّائِيُّ لَسَقَطَتِ الطَّاعَةُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوِ ابْتَدَأَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكَانَ قَدْ ظَلَمَ ، فَدَلَّ هَذَا الْوَجْهُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30364_28787أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ وَلَا يَفْعَلُ الْمَضَارَّ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِلْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ . وَالْجَوَابُ : الظُّلْمُ هُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْمُطْلَقُ ، ثُمَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ الظُّلْمِ عَلَيْهِ عَقْلًا أَنَّ الظُّلْمَ عِنْدَ الْخَصْمِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَهْلِ أَوِ الْحَاجَةِ الْمُحَالَيْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمُسْتَلْزِمُ الْمُحَالِ مُحَالٌ ، فَالظُّلْمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الظَّالِمَ سَفِيهٌ خَارِجٌ عَنِ الْإِلَهِيَّةِ فَلَوْ صَحَّ مِنْهُ الظُّلْمُ لَصَحَّ خُرُوجُهُ عَنِ الْإِلَهِيَّةِ ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَوْنُهُ إِلَهًا مِنَ الْجَائِزَاتِ لَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ ، وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي إِلَهِيَّتِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : إِنْ قِيلَ : الْحَبَّةُ أَعْظَمُ مِنَ الْخَرْدَلَةِ ، فَكَيْفَ قَالَ : ( حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ) ؟ قُلْنَا : الْوَجْهُ فِيهِ أَنْ
[ ص: 154 ] تَفْرِضَ الْخَرْدَلَةَ كَالدِّينَارِ ثُمَّ تَعْتَبِرَ الْحَبَّةَ مِنْ ذَلِكَ الدِّينَارِ ، وَالْغَرَضُ الْمُبَالَغَةُ فِي أَنَّ شَيْئًا مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=30364_29468الْأَعْمَالِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا غَيْرُ ضَائِعٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) فَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّحْذِيرُ فَإِنَّ الْمُحَاسِبَ إِذَا كَانَ فِي الْعِلْمِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَفِي الْقُدْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَعْجِزُ عَنْ شَيْءٍ ، حَقِيقٌ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ فِي أَشَدِّ الْخَوْفِ مِنْهُ ، وَيُرْوَى عَنِ
الشِّبْلِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ : مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ فَقَالَ :
حَاسَبُونَا فَدَقَّقُوا ثُمَّ مَنُّوا فَأَعْتَقُوا