[ ص: 201 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=110إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=111وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=110إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=111وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون )
اعلم أنه تعالى لما أورد على الكفار الحجج في أن لا إله سواه من الوجوه التي تقدم ذكرها ، وبين أنه أرسل رسوله رحمة للعالمين ، أتبع ذلك بما يكون إعذارا وإنذارا في مجاهدتهم والإقدام عليهم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108قل إنما يوحى إلي ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب " الكشاف " : إنما يقصر الحكم على شيء أو يقصر الشيء على حكم ، كقولك : إنما زيد قائم ، أو إنما يقوم زيد ، وقد اجتمع المثالان في هذه الآية ؛ لأن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108قل إنما يوحى إلي ) مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108أنما إلهكم إله واحد ) بمنزلة إنما زيد قائم ، وفائدة اجتماعهما
nindex.php?page=treesubj&link=28666_28639الدلالة على أن الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقصور على إثبات وحدانية الله تعالى وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108فهل أنتم مسلمون ) أن الوحي الوارد على هذا السنن يوجب أن تخلصوا التوحيد له ، وأن تتخلصوا من نسبة الأنداد ، وفيه أنه يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=29426_29626إثبات التوحيد بالسمع ، فإن قيل : لو دلت إنما على الحصر لزم أن يقال : إنه لم يوح إلى الرسول شيء إلا التوحيد ومعلوم أن ذلك فاسد ، قلنا : المقصود منه المبالغة ، أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء ) فقال صاحب " الكشاف " : آذن منقول من أذن إذا علم ، ولكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار ، ومنه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) [ البقرة : 279 ] .
إذا عرفت هذا فنقول : المفسرون ذكروا فيه وجوها :
أحدها : قال
أبو مسلم : الإيذان على السواء الدعاء إلى الحرب مجاهرة ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=58فانبذ إليهم على سواء ) [ الأنفال : 58 ] وفائدة ذلك أنه كان يجوز أن يقدر على من أشرك من
قريش أن حالهم مخالف لسائر الكفار في المجاهدة ، فعرفهم بذلك أنهم كالكفار في ذلك .
وثانيها : أن المراد فقد أعلمتكم ما هو الواجب عليكم من التوحيد وغيره على السواء ، فلم أفرق في الإبلاغ والبيان بينكم ؛ لأني بعثت معلما . والغرض منه إزاحة العذر لئلا يقولوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=134ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ) [ طه : 134 ] .
وثالثها : على سواء على إظهار وإعلان .
ورابعها : على مهل ، والمراد أني لا أعاجل بالحرب الذي آذنتكم به ، بل أمهل وأؤخر رجاء الإسلام منكم .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109nindex.php?page=treesubj&link=28992وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ) ففيه وجهان ؛ أحدهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109أقريب أم بعيد ما توعدون ) من يوم القيامة ، ومن عذاب الدنيا ، ثم قيل : نسخه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97واقترب الوعد الحق ) [ الأنبياء : 97 ] يعني منهما ، فإن مثل هذا الخبر لا يجوز نسخه .
وثانيهما : المراد أن الذي آذنهم فيه من الحرب لا يدري هو قريب
[ ص: 202 ] أم بعيد ، لئلا يقدر أنه يتأخر كأنه تعالى أمره بأن ينذرهم بالجهاد الذي يوحى إليه أن يأتيه من بعد ولم يعرفه الوقت ؛ فلذلك أمره أن يقول : إنه لا يعلم قربه أم بعده ؛ تبين بذلك أن السورة مكية ، وكان الأمر بالجهاد بعد الهجرة .
وثالثها : " أن ما يوعدون به " من غلبة المسلمين عليهم كائن لا محالة ، ولا بد أن يلحقهم بذلك الذل والصغار ، وإن كنت لا أدري متى يكون ، وذلك لأن الله تعالى لم يطلعني عليه .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=110إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون ) فالمقصود منه
nindex.php?page=treesubj&link=30513_19229الأمر بالإخلاص وترك النفاق ؛ لأنه تعالى إذا كان عالما بالضمائر وجب على العاقل أن يبالغ في الإخلاص .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=111nindex.php?page=treesubj&link=28992وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) ففيه وجوه :
أحدها : لعل تأخير العذاب عنكم .
وثانيها : لعل إبهام الوقت الذي ينزل بكم العذاب فيه فتنة لكم أي بلية واختبار لكم ليرى صنعكم ، وهل تحدثون توبة ورجوعا عن كفركم أم لا .
وثالثها : قال
الحسن : لعل ما أنتم فيه من الدنيا بلية لكم ، والفتنة البلوى والاختبار .
ورابعها : لعل تأخير الجهاد فتنة لكم ؛ إذا أنتم دمتم على كفركم ؛ لأن ما يؤدي إلى الضرر العظيم يكون فتنة ، وإنما قال : لا أدري لتجويز أن يؤمنوا فلا يكون تبقيتهم فتنة ، بل ينكشف عن نعمة ورحمة .
وخامسها : أن يكون المراد وإن أدري لعل ما بينت وأعلمت وأوعدت فتنة لكم ؛ لأنه زيادة في عذابكم إن لم تؤمنوا ؛ لأن المعرض عن الإيمان مع البيان حالا بعد حال يكون عذابه أشد ، وإذا متعه الله تعالى بالدنيا يكون ذلك كالحجة عليه .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28992_30364nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112قال رب احكم بالحق ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ : " قل رب احكم بالحق " على الاكتفاء بالكسرة " ورب احكم " على الضم " وربي أحكم " أفعل التفضيل " وربي أحكم " من الإحكام .
المسألة الثانية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112رب احكم بالحق ) فيه وجوه :
أحدها : أي ربي اقض بيني وبين قومي بالحق أي بالعذاب ، كأنه قال : اقض بيني وبين من كذبني بالعذاب ، وقال
قتادة : أمره الله تعالى أن يقتدي بالأنبياء في هذه الدعوة وكانوا يقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) [ الأعراف : 89 ] فلا جرم حكم الله تعالى عليهم بالقتل يوم
بدر .
وثانيها : افصل بيني وبينهم بما يظهر الحق للجميع ، وهو أن تنصرني عليهم .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ) ففيه وجهان :
أحدهما : أي من الشرك والكفر وما تعارضون به دعوتي من الأباطيل والتكذيب كأنه سبحانه قال : قل داعيا لي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112رب احكم بالحق ) وقل متوعدا للكفار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ) قرأ
ابن عامر بالياء المنقوطة من تحت ، أي قل لأصحابك المؤمنين ،
nindex.php?page=treesubj&link=32053وربنا الرحمن المستعان على ما يصف الكفار من الأباطيل ، أي من العون على دفع أباطيلهم .
وثانيها : كانوا يطمعون أن تكون لهم الشوكة والغلبة فكذب الله ظنونهم وخيب آمالهم ونصر رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، وخذلهم قال القاضي : إنما ختم الله هذه السورة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112قال رب احكم بالحق ) لأنه عليه السلام كان قد بلغ في البيان الغاية لهم ، وبلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه ، فكان قصارى أمره تعال بذلك تسلية له وتعريفا أن المقصود مصلحتهم ، فإذا أبوا إلا التمادي في كفرهم ، فعليك بالانقطاع إلى ربك ليحكم بينك وبينهم بالحق ، إما بتعجيل العقاب بالجهاد أو بغيره ، وإما بتأخير ذلك ، فإن أمرهم وإن تأخر فما هو كائن قريب ، وما روي أنه عليه السلام كان يقول ذلك في حروبه كالدلالة على أنه تعالى أمره أن يقول هذا القول
[ ص: 203 ] كالاستعجال للأمر بمجاهدتهم ، وبالله التوفيق ، وصلاته على خير خلقه
محمد النبي ، وآله وصحبه ، وسلم تسليما آمين .
تم الجزء الثاني والعشرون ، ويليه الجزء الثالث والعشرون ، وأوله سورة الحج .
[ ص: 201 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=110إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=111وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=110إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=111وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْرَدَ عَلَى الْكُفَّارِ الْحُجَجَ فِي أَنْ لَا إِلَهَ سِوَاهُ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرْسَلَ رَسُولَهُ رَحْمَةً لِلْعَالِمِينَ ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ إِعْذَارًا وَإِنْذَارًا فِي مُجَاهَدَتِهِمْ وَالْإِقْدَامِ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : إِنَّمَا يَقْصُرُ الْحُكْمُ عَلَى شَيْءٍ أَوْ يَقْصُرُ الشَّيْءُ عَلَى حُكْمٍ ، كَقَوْلِكَ : إِنَّمَا زِيدٌ قَائِمٌ ، أَوْ إِنَّمَا يَقُومُ زَيْدٌ ، وَقَدِ اجْتَمَعَ الْمِثَالَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ ) مَعَ فَاعِلِهِ بِمَنْزِلَةِ إِنَّمَا يَقُومُ زَيْدٌ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) بِمَنْزِلَةِ إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ ، وَفَائِدَةُ اجْتِمَاعِهِمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28666_28639الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْوَحْيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْصُورٌ عَلَى إِثْبَاتِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=108فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) أَنَّ الْوَحْيَ الْوَارِدَ عَلَى هَذَا السَّنَنِ يُوجِبُ أَنْ تُخْلِصُوا التَّوْحِيدَ لَهُ ، وَأَنْ تَتَخَلَّصُوا مِنْ نِسْبَةِ الْأَنْدَادِ ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=29426_29626إِثْبَاتُ التَّوْحِيدِ بِالسَّمْعِ ، فَإِنْ قِيلَ : لَوْ دَلَّتْ إِنَّمَا عَلَى الْحَصْرِ لَزِمَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُوحَ إِلَى الرَّسُولِ شَيْءٌ إِلَّا التَّوْحِيدَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ ، قُلْنَا : الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ ، أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ ) فَقَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : آذَنَ مَنْقُولٌ مِنْ أَذِنَ إِذَا عَلِمَ ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجَرْيِ مَجْرَى الْإِنْذَارِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [ الْبَقَرَةِ : 279 ] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : الْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الْإِيذَانُ عَلَى السَّوَاءِ الدُّعَاءُ إِلَى الْحَرْبِ مُجَاهَرَةً ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=58فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ) [ الْأَنْفَالِ : 58 ] وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ مِنْ
قُرَيْشٍ أَنَّ حَالَهُمْ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ الْكُفَّارِ فِي الْمُجَاهَدَةِ ، فَعَرَّفَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَالْكُفَّارِ فِي ذَلِكَ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْمُرَادَ فَقَدْ أَعْلَمْتُكُمْ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ مِنَ التَّوْحِيدِ وَغَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ ، فَلَمْ أُفَرِّقْ فِي الْإِبْلَاغِ وَالْبَيَانِ بَيْنَكُمْ ؛ لِأَنِّي بُعِثْتُ مُعَلِّمًا . وَالْغَرَضُ مِنْهُ إِزَاحَةُ الْعُذْرِ لِئَلَّا يَقُولُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=134رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا ) [ طه : 134 ] .
وَثَالِثُهَا : عَلَى سَوَاءٍ عَلَى إِظْهَارٍ وَإِعْلَانٍ .
وَرَابِعُهَا : عَلَى مَهَلٍ ، وَالْمُرَادُ أَنِّي لَا أُعَاجِلُ بِالْحَرْبِ الَّذِي آذَنْتُكُمْ بِهِ ، بَلْ أُمْهِلُ وَأُؤَخِّرُ رَجَاءَ الْإِسْلَامِ مِنْكُمْ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109nindex.php?page=treesubj&link=28992وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ ؛ أَحَدُهُمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=109أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ) مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ قِيلَ : نَسَخَهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=97وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 97 ] يَعْنِي مِنْهُمَا ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْخَبَرِ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ .
وَثَانِيهِمَا : الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي آذَنَهُمْ فِيهِ مِنَ الْحَرْبِ لَا يَدْرِي هُوَ قَرِيبٌ
[ ص: 202 ] أَمْ بَعِيدٌ ، لِئَلَّا يُقَدَّرَ أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ كَأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْذِرَهُمْ بِالْجِهَادِ الَّذِي يُوحَى إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْ بَعْدُ وَلَمْ يُعَرِّفْهُ الْوَقْتَ ؛ فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ : إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ قُرْبَهُ أَمْ بُعْدَهُ ؛ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ ، وَكَانَ الْأَمْرُ بِالْجِهَادِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ .
وَثَالِثُهَا : " أَنَّ مَا يُوعَدُونَ بِهِ " مِنْ غَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَلْحَقَهُمْ بِذَلِكَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَدْرِي مَتَى يَكُونُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْنِي عَلَيْهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=110إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ) فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30513_19229الْأَمْرُ بِالْإِخْلَاصِ وَتَرْكُ النِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالضَّمَائِرِ وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يُبَالِغَ فِي الْإِخْلَاصِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=111nindex.php?page=treesubj&link=28992وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : لَعَلَّ تَأْخِيرَ الْعَذَابِ عَنْكُمْ .
وَثَانِيهَا : لَعَلَّ إِبْهَامَ الْوَقْتِ الَّذِي يَنْزِلُ بِكُمُ الْعَذَابُ فِيهِ فِتْنَةٌ لَكُمْ أَيْ بَلِيَّةٌ وَاخْتِبَارٌ لَكُمْ لِيَرَى صُنْعَكُمْ ، وَهَلْ تُحْدِثُونَ تَوْبَةً وَرُجُوعًا عَنْ كُفْرِكُمْ أَمْ لَا .
وَثَالِثُهَا : قَالَ
الْحَسَنُ : لَعَلَّ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا بَلِيَّةٌ لَكُمْ ، وَالْفِتْنَةُ الْبَلْوَى وَالِاخْتِبَارُ .
وَرَابِعُهَا : لَعَلَّ تَأْخِيرَ الْجِهَادِ فِتْنَةٌ لَكُمْ ؛ إِذَا أَنْتُمْ دُمْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى الضَّرَرِ الْعَظِيمِ يَكُونُ فِتْنَةً ، وَإِنَّمَا قَالَ : لَا أَدْرِي لِتَجْوِيزِ أَنْ يُؤْمِنُوا فَلَا يَكُونُ تَبْقِيَتُهُمْ فِتْنَةً ، بَلْ يَنْكَشِفُ عَنْ نِعْمَةٍ وَرَحْمَةٍ .
وَخَامِسُهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّ مَا بَيَّنْتُ وَأَعْلَمْتُ وَأَوْعَدْتُ فِتْنَةٌ لَكُمْ ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي عَذَابِكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا ؛ لِأَنَّ الْمُعْرِضَ عَنِ الْإِيمَانِ مَعَ الْبَيَانِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ يَكُونُ عَذَابُهُ أَشَدَّ ، وَإِذَا مَتَّعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالدُّنْيَا يَكُونُ ذَلِكَ كَالْحُجَّةِ عَلَيْهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28992_30364nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قُرِئَ : " قُلْ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ " عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْكَسْرَةِ " وَرَبُّ احْكُمْ " عَلَى الضَّمِّ " وَرَبِّي أَحْكَمُ " أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ " وَرَبِّيَ أَحْكَمَ " مِنَ الْإِحْكَامِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَيْ رَبِّي اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي بِالْحَقِّ أَيْ بِالْعَذَابِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ كَذَّبَنِي بِالْعَذَابِ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ : أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْأَنْبِيَاءِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ وَكَانُوا يَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ) [ الْأَعْرَافِ : 89 ] فَلَا جَرَمَ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ يَوْمَ
بَدْرٍ .
وَثَانِيهَا : افْصِلْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ بِمَا يُظْهِرُ الْحَقَّ لِلْجَمِيعِ ، وَهُوَ أَنْ تَنْصُرَنِي عَلَيْهِمْ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَيْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَمَا تُعَارِضُونَ بِهِ دَعْوَتِي مِنَ الْأَبَاطِيلِ وَالتَّكْذِيبِ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : قُلْ دَاعِيًا لِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) وَقُلْ مُتَوَعِّدًا لِلْكُفَّارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ بِالْيَاءِ الْمَنْقُوطَةِ مِنْ تَحْتٍ ، أَيْ قُلْ لِأَصْحَابِكَ الْمُؤْمِنِينَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32053وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُ الْكُفَّارُ مِنَ الْأَبَاطِيلِ ، أَيْ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى دَفْعِ أَبَاطِيلِهِمْ .
وَثَانِيهَا : كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الشَّوْكَةُ وَالْغَلَبَةُ فَكَذَّبَ اللَّهُ ظُنُونَهُمْ وَخَيَّبَ آمَالَهُمْ وَنَصَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَخَذَلَهُمْ قَالَ الْقَاضِيَ : إِنَّمَا خَتَمَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=112قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ بَلَغَ فِي الْبَيَانِ الْغَايَةَ لَهُمْ ، وَبَلَغُوا النِّهَايَةَ فِي أَذِيَّتِهِ وَتَكْذِيبِهِ ، فَكَانَ قُصَارَى أَمْرِهِ تَعَالَ بِذَلِكَ تَسْلِيَةً لَهُ وَتَعْرِيفًا أَنَّ الْمَقْصُودَ مَصْلَحَتُهُمْ ، فَإِذَا أَبَوْا إِلَّا التَّمَادِيَ فِي كُفْرِهِمْ ، فَعَلَيْكَ بِالِانْقِطَاعِ إِلَى رَبِّكَ لِيَحْكُمَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ ، إِمَّا بِتَعْجِيلِ الْعِقَابِ بِالْجِهَادِ أَوْ بِغَيْرِهِ ، وَإِمَّا بِتَأْخِيرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ أَمْرَهُمْ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَمَا هُوَ كَائِنٌ قَرِيبٌ ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي حُرُوبِهِ كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ
[ ص: 203 ] كَالِاسْتِعْجَالِ لِلْأَمْرِ بِمُجَاهَدَتِهِمْ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ ، وَصَلَاتُهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ
مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا آمِينَ .
تَمَّ الْجُزْءُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ ، وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ ، وَأَوَّلُهُ سُورَةُ الْحَجِّ .