أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ) ففيه مسائل :
[ ص: 23 ] المسألة الأولى : قرئ " يرد " بفتح الياء من الورود ، ومعناه من أتى فيه بإلحاد ، وعن
الحسن ومن يرد إلحاده بظلم ، والمعنى ومن يرد إيقاع إلحاد فيه ، فالإضافة صحيحة على الاتساع في الظرف كمكر الليل والنهار ، ومعناه ومن يرد أن يلحد فيه ظالما .
المسألة الثانية : الإلحاد العدول عن القصد وأصله إلحاد الحافر ، وذكر المفسرون في
nindex.php?page=treesubj&link=33014تفسير الإلحاد وجوها :
أحدها : أنه الشرك ، يعني من لجأ إلى حرم الله ليشرك به عذبه الله تعالى ، وهو إحدى الروايات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وقتادة ومقاتل .
وثانيها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد حيث استسلمه النبي صلى الله عليه وسلم فارتد مشركا ، وفي
قيس بن ضبابة . وقال
مقاتل : نزلت في
عبد الله بن خطل حين قتل الأنصاري وهرب إلى
مكة كافرا ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح كافرا .
وثالثها : قتل ما نهى الله تعالى عنه من الصيد .
ورابعها : دخول
مكة بغير إحرام وارتكاب ما لا يحل للمحرم .
وخامسها : أنه الاحتكار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير .
وسادسها : المنع من عمارته .
وسابعها : عن
عطاء : قول الرجل في المبايعة : لا والله وبلى والله . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان : أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل ، فقيل له ، فقال : كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل : لا والله وبلى والله . وثامنها : وهو قول المحققين : أن الإلحاد بظلم عام في كل المعاصي ، لأن كل ذلك صغر أم كبر يكون هناك أعظم منه في سائر البقاع ، حتى قال
ابن مسعود رضي الله عنه : لو أن رجلا
بعدن هم بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه الله عذابا أليما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : تضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات ، فإن قيل : كيف يقال ذلك مع أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نذقه من عذاب أليم ) غير لائق بكل المعاصي ؟ قلنا : لا نسلم ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=30438كل عذاب يكون أليما ، إلا أنه تختلف مراتبه على حسب اختلاف المعصية .
المسألة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=28993الباء في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25بإلحاد ) فيه قولان : أحدهما : وهو الأولى وهو اختيار صاحب " الكشاف " أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25بإلحاد بظلم ) حالان مترادفان ، ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال : ومن يرد فيه مرادا ما عادلا عن القصد ظالما نذقه من عذاب أليم ، يعني أن الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في جميع ما يهم به ويقصده . الثاني : قال
أبو عبيدة : مجازه ومن يرد فيه إلحادا والباء من حروف الزوائد .
المسألة الرابعة : لما كان الإلحاد بمعنى الميل من أمر إلى أمر بين الله تعالى أن المراد بهذا الإلحاد ما يكون ميلا إلى الظلم ، فلهذا قرن الظلم بالإلحاد لأنه
nindex.php?page=treesubj&link=25985لا معصية كبرت أم صغرت إلا وهو ظلم ، ولذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13 ] .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نذقه من عذاب أليم ) فهو بيان الوعيد وفيه مسائل :
المسألة الأولى : من قال : الآية نزلت في
ابن خطل قال : المراد بالعذاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله يوم الفتح ، ولا وجه للتخصيص إذا أمكن التعميم ، بل يجب أن يكون المراد العذاب في الآخرة لأنه من أعظم ما يتوعد به .
المسألة الثانية : أن هذه الآية تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30437المرء يستحق العذاب بإرادته للظلم كما يستحقه على عمل جوارحه .
[ ص: 24 ] المسألة الثالثة : ذكروا قولين في خبر إن المذكور في أول الآية : الأول : التقدير إن الذين كفروا ويصدون ومن يرد فيه بإلحاد نذقه من عذاب ، فهو عائد إلى كلتا الجملتين . الثاني : أنه محذوف لدلالة جواب الشرط عليه ، تقديره : إن الذين كفروا ويصدون عن
المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم . وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
[ ص: 23 ] المسألة الْأُولَى : قُرِئَ " يَرِدْ " بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنَ الْوُرُودِ ، وَمَعْنَاهُ مَنْ أَتَى فِيهِ بِإِلْحَادٍ ، وَعَنِ
الْحَسَنِ وَمَنْ يُرِدْ إِلْحَادَهُ بِظُلْمٍ ، وَالْمَعْنَى وَمَنْ يُرِدْ إِيقَاعَ إِلْحَادٍ فِيهِ ، فَالْإِضَافَةُ صَحِيحَةٌ عَلَى الِاتِّسَاعِ فِي الظَّرْفِ كَمَكْرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَمَعْنَاهُ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُلْحِدَ فِيهِ ظَالِمًا .
المسألة الثَّانِيَةُ : الْإِلْحَادُ الْعُدُولُ عَنِ الْقَصْدِ وَأَصْلُهُ إِلْحَادُ الْحَافِرِ ، وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33014تَفْسِيرِ الْإِلْحَادِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ الشِّرْكُ ، يَعْنِي مَنْ لَجَأَ إِلَى حَرَمِ اللَّهِ لِيُشْرِكَ بِهِ عَذَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ .
وَثَانِيهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ حَيْثُ اسْتَسْلَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَدَّ مُشْرِكًا ، وَفِي
قَيْسِ بْنِ ضَبَابَةَ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ حِينَ قَتَلَ الْأَنْصَارِيَّ وَهَرَبَ إِلَى
مَكَّةَ كَافِرًا ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ كَافِرًا .
وَثَالِثُهَا : قَتْلُ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنَ الصَّيْدِ .
وَرَابِعُهَا : دُخُولُ
مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ وَارْتِكَابُ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّهُ الِاحْتِكَارُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ .
وَسَادِسُهَا : الْمَنْعُ مِنْ عِمَارَتِهِ .
وَسَابِعُهَا : عَنْ
عَطَاءٍ : قَوْلُ الرَّجُلِ فِي الْمُبَايَعَةِ : لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فُسْطَاطَانِ : أَحَدُهُمَا فِي الْحِلِّ وَالْآخَرُ فِي الْحَرَمِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَهْلَهُ عَاتَبَهُمْ فِي الْحِلِّ ، فَقِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ مِنَ الْإِلْحَادِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ : لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ . وَثَامِنُهَا : وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ : أَنَّ الْإِلْحَادَ بِظُلْمٍ عَامٌّ فِي كُلِّ الْمَعَاصِي ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ صَغُرَ أَمْ كَبُرَ يَكُونُ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْبِقَاعِ ، حَتَّى قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا
بِعَدَنَ هَمَّ بِأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً عِنْدَ الْبَيْتِ أَذَاقَهُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ : تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ فِيهِ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) غَيْرُ لَائِقٍ بِكُلِّ الْمَعَاصِي ؟ قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30438كُلَّ عَذَابٍ يَكُونُ أَلِيمًا ، إِلَّا أَنَّهُ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَعْصِيَةِ .
المسألة الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28993الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25بِإِلْحَادٍ ) فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الْأَوْلَى وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ " الْكَشَّافِ " أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ) حَالَانِ مُتَرَادِفَانِ ، وَمَفْعُولُ يُرِدْ مَتْرُوكٌ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مُتَنَاوَلٍ كَأَنَّهُ قَالَ : وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ مُرَادًا مَا عَادِلًا عَنِ الْقَصْدِ ظَالِمًا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، يَعْنِي أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهِ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ وَيَسْلُكَ طَرِيقَ السَّدَادِ وَالْعَدْلِ فِي جَمِيعِ مَا يَهُمُّ بِهِ وَيَقْصِدُهُ . الثَّانِي : قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : مَجَازُهُ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا وَالْبَاءُ مِنْ حُرُوفِ الزَّوَائِدِ .
المسألة الرَّابِعَةُ : لَمَّا كَانَ الْإِلْحَادُ بِمَعْنَى الْمَيْلِ مِنْ أَمْرٍ إِلَى أَمْرٍ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْإِلْحَادِ مَا يَكُونُ مَيْلًا إِلَى الظُّلْمِ ، فَلِهَذَا قَرَنَ الظُّلْمَ بِالْإِلْحَادِ لِأَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=25985لَا مَعْصِيَةَ كَبُرَتْ أَمْ صَغُرَتْ إِلَّا وَهُوَ ظُلْمٌ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) [ لُقْمَانَ : 13 ] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) فَهُوَ بَيَانُ الْوَعِيدِ وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : مَنْ قَالَ : الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي
ابْنِ خَطَلٍ قَالَ : الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ ، وَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ إِذَا أَمْكَنَ التَّعْمِيمُ ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُتَوَعَّدُ بِهِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30437الْمَرْءَ يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِإِرَادَتِهِ لِلظُّلْمِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى عَمَلِ جَوَارِحِهِ .
[ ص: 24 ] المسألة الثَّالِثَةُ : ذَكَرُوا قَوْلَيْنِ فِي خَبَرِ إِنَّ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ : الْأَوَّلُ : التَّقْدِيرُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ ، فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ . الثَّانِي : أَنَّهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ جَوَابِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ ، تَقْدِيرُهُ : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنِ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نُذِيقُهُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . وَكُلُّ مَنِ ارْتَكَبَ فِيهِ ذَنْبًا فَهُوَ كَذَلِكَ .