الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثامنة : اختلفوا في معنى وصف الشجرة بأنها لا شرقية ولا غربية على وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : قال الحسن : إنها شجرة الزيت من الجنة إذ لو كانت من شجر الدنيا لكانت إما شرقية أو غربية وهذا ضعيف لأنه تعالى إنما ضرب المثل بما شاهدوه وهم ما شاهدوا شجرة الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن المراد شجرة الزيتون في الشام لأن الشام وسط الدنيا فلا يوصف شجرها بأنها شرقية أو غربية ، وهذا أيضا ضعيف لأن من قال : الأرض كرة لم يثبت المشرق والمغرب موضعين معينين بل لكل بلد مشرق ومغرب على حدة ، ولأن المثل مضروب لكل من يعرف الزيت ، وقد يوجد في غير الشام كوجوده فيها .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أنها شجرة تلتف بها الأشجار فلا تصيبها الشمس في شرق ولا غرب ، ومنهم من قال هي شجرة يلتف بها ورقها التفافا شديدا فلا تصل الشمس إليها سواء كانت الشمس شرقية أو غربية ، وليس في الشجر ما يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمان ، وهذا أيضا ضعيف لأن الغرض صفاء الزيت وذلك لا يحصل إلا بكمال نضج الزيتون ، وذلك إنما يحصل في العادة بوصول أثر الشمس إليه لا بعدم وصوله .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : قال ابن عباس : المراد الشجرة التي تبرز على جبل عال أو صحراء واسعة فتطلع الشمس عليها [ ص: 207 ] حالتي الطلوع والغروب ، وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة واختيار الفراء والزجاج ، قالا : ومعناه لا شرقية وحدها ولا غربية وحدها ولكنها شرقية وغربية وهو كما يقال فلان لا مسافر ولا مقيم إذا كان يسافر ويقيم ، وهذا القول هو المختار لأن الشجرة متى كانت كذلك كان زيتها في نهاية الصفاء ، وحينئذ يكون مقصود التمثيل أكمل وأتم .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : المشكاة صدر محمد صلى الله عليه وسلم والزجاجة قلبه ، والمصباح ما في قلبه صلى الله عليه وسلم من الدين ، توقد من شجرة مباركة ، يعني ( ملة أبيكم إبراهيم ) [الحج : 78] صلوات الله عليه ؛ فالشجرة هي إبراهيم عليه السلام ، ثم وصف إبراهيم فقال : لا شرقية ولا غربية أي لم يكن يصلي قبل المشرق ولا قبل المغرب كاليهود والنصارى بل كان عليه الصلاة والسلام يصلي إلى الكعبة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية