الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : في الرمي وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية وتعريض ، فالصريح أن يقول يا زانية أو زنيت أو زنى قبلك أو دبرك ، ولو قال زنى بدنك فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه كناية كقوله : زنى يدك ، لأن حقيقة الزنا من الفرج فلا يكون من سائر البدن إلا المعونة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : وهو الأصح أنه صريح ، لأن الفعل إنما يصدر من جملة البدن . والفرج آلة في الفعل . أما الكنايات فمثل أن يقول يا فاسقة ، يا فاجرة ، يا خبيثة ، يا مؤاجرة ، يا ابنة الحرام ، أو امرأتي لا ترد يد لامس ، وبالعكس فهذا لا يكون قذفا إلا أن يريده ، وكذلك لو قال لعربي يا نبطي ، فهذا لا يكون قذفا إلا أن يريده ، فإن أراد به القذف فهو قذف لأم المقول له وإلا فلا ، فإن قال عنيت به نبطي الدار واللسان ، وادعت أم المقول له أنه أراد القذف ، فالقول قوله مع يمينه . أما التعريض فليس بقذف وإن أراده ، وذلك مثل قوله : يا ابن الحلال ، أما أنا فما زنيت وليست أمي زانية ، وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر وابن شبرمة والثوري والحسن بن صالح رحمهم الله .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال مالك رحمه الله : يجب الحد فيه ، وقال أحمد وإسحق : هو قذف في حال الغضب دون حال الرضا ، لنا ، أن التعريض بالقذف محتمل للقذف ولغيره ، فوجب أن لا يجب الحد ، لأن الأصل براءة الذمة فلا يرجع عنه بالشك ، وأيضا فلقوله عليه السلام : ادرؤوا الحدود بالشبهات ولأن الحدود شرعت على خلاف النص النافي للضرر . والإيذاء الحاصل بالتصريح فوق الحاصل بالتعريض ، واحتج المخالف بما روى الأوزاعي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : كان عمر يضرب الحد في التعريض . وروي أيضا أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أحدهما للآخر : والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية ، فاستشار عمر الناس في ذلك ، فقال قائل : مدح أباه وأمه ، وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا ، فجلده عمر ثمانين جلدة [ ص: 134 ] ، والجواب : أن في مشاورة عمر الصحابة في حكم التعريض دلالة على أنه لم يكن عندهم فيه توقيف ، وأنهم قالوا رأيا واجتهادا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية