أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31حنفاء لله ) فقد تقدم ذكر تفسير ذلك وأنه الاستقامة على قول بعضهم ، والميل إلى الحق على قول البعض ، والمراد في هذا الموضع ما قيل من أنه الإخلاص ، فكأنه قال : تمسكوا بهذه الأمور التي أمرت ونهيت على وجه العبادة لله وحده لا على وجه إشراك غير الله به . ولذلك قال : غير مشركين به . وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19696الواجب على المكلف أن ينوي بما يأتيه من العبادة الإخلاص ، فبين تعالى مثلين للكفر لا مزيد عليهما في بيان أن الكافر ضار بنفسه غير منتفع بها . وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) قال صاحب " الكشاف " : إن كان هذا تشبيها مركبا ، فكأنه قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=30539_28675من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس وراءه هلاك ، بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير ، فتفرقت أجزاؤه في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة . وإن كان تشبيها مفرقا فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله كالساقط من السماء ، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطرحه في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المختلفة . وقرئ بكسر الخاء والطاء وبكسر الفاء مع كسرهما ، وهي قراءة
الحسن ، وأصلها تختطفه ، وقرئ " الرياح " ، ثم إنه سبحانه أكد ما تقدم فقال ذلك : ومن يعظم شعائر الله . واختلفوا فقال بعضهم : يدخل فيه كل عبادة . وقال بعضهم : بل المناسك في الحج . وقال بعضهم : بل المراد الهدي خاصة ، والأصل في الشعائر الأعلام التي بها يعرف الشيء ، فإذا فسرنا الشعائر بالهدايا فتعظيمها على وجهين :
أحدهما : أن يختارها عظام الأجسام حسانا جساما سمانا غالية الأثمان ويترك المكاس في شرائها ، فقد كانوا يتغالون في ثلاثة ويكرهون المكاس فيهن : الهدي والأضحية والرقبة . روي عن
ابن عمر رضي الله عنهما عن أبيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013271أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك ، وقال بل أهدها ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013272وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب
والوجه الثاني : في
nindex.php?page=treesubj&link=3680_23858تعظيم شعائر الله تعالى أن يعتقد أن طاعة الله تعالى في التقرب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لا بد وأن يحتفل به ويتسارع فيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=32فإنها من تقوى القلوب ) أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ؛ لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى من ارتبط به ، وإنما ذكرت القلوب لأن المنافق قد يظهر التقوى من نفسه ، ولكن لما كان قلبه خاليا عنها لا جرم لا يكون مجدا في أداء الطاعات ، أما المخلص الذي تكون التقوى متمكنة في قلبه فإنه يبالغ في أداء الطاعات على سبيل الإخلاص ، فإن قال قائل : ما الحكمة في أن الله تعالى بالغ في تعظيم ذبح الحيوانات هذه المبالغة ؟ فالجواب :
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31حُنَفَاءَ لِلَّهِ ) فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ تَفْسِيرِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ ، وَالْمَيْلُ إِلَى الْحَقِّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ ، وَالْمُرَادُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ الْإِخْلَاصُ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي أَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا عَلَى وَجْهِ إِشْرَاكِ غَيْرِ اللَّهِ بِهِ . وَلِذَلِكَ قَالَ : غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19696الْوَاجِبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَنْوِيَ بِمَا يَأْتِيهِ مِنَ الْعِبَادَةِ الْإِخْلَاصَ ، فَبَيَّنَ تَعَالَى مَثَلَيْنِ لِلْكُفْرِ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِمَا فِي بَيَانِ أَنَّ الْكَافِرَ ضَارٌّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِهَا . وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=31وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ) قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : إِنْ كَانَ هَذَا تَشْبِيهًا مُرَكَّبًا ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=30539_28675مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ إِهْلَاكًا لَيْسَ وَرَاءَهُ هَلَاكٌ ، بِأَنْ صَوَّرَ حَالَهُ بِصُورَةِ حَالِ مَنْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ ، فَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي حَوَاصِلِهَا أَوْ عَصَفَتْ بِهِ الرِّيحُ حَتَّى هَوَتْ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَهَالِكِ الْبَعِيدَةِ . وَإِنْ كَانَ تَشْبِيهًا مُفَرَّقًا فَقَدْ شَبَّهَ الْإِيمَانَ فِي عُلُوِّهِ بِالسَّمَاءِ ، وَالَّذِي تَرَكَ الْإِيمَانَ وَأَشْرَكَ بِاللَّهِ كَالسَّاقِطِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَالْأَهْوَاءَ الَّتِي تَتَوَزَّعُ أَفْكَارُهُ بِالطَّيْرِ الْمُخْتَطِفَةِ ، وَالشَّيْطَانَ الَّذِي يَطْرَحُهُ فِي وَادِي الضَّلَالَةِ بِالرِّيحِ الَّتِي تَهْوِي بِمَا عَصَفَتْ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَهَاوِي الْمُخْتَلِفَةِ . وَقُرِئَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ وَبِكَسْرِ الْفَاءِ مَعَ كَسْرِهِمَا ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
الْحَسَنِ ، وَأَصْلُهَا تَخْتَطِفُهُ ، وَقُرِئَ " الرِّيَاحُ " ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكَّدَ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ ذَلِكَ : وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ . وَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ عِبَادَةٍ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلِ الْمَنَاسِكُ فِي الْحَجِّ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلِ الْمُرَادُ الْهَدْيُ خَاصَّةً ، وَالْأَصْلُ فِي الشَّعَائِرِ الْأَعْلَامُ الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ الشَّيْءُ ، فَإِذَا فَسَّرْنَا الشَّعَائِرَ بِالْهَدَايَا فَتَعْظِيمُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَخْتَارَهَا عِظَامَ الْأَجْسَامِ حِسَانًا جِسَامًا سِمَانًا غَالِيَةَ الْأَثْمَانِ وَيَتْرُكَ الْمِكَاسَ فِي شِرَائِهَا ، فَقَدْ كَانُوا يَتَغَالَوْنَ فِي ثَلَاثَةٍ وَيَكْرَهُونَ الْمِكَاسَ فِيهِنَّ : الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ وَالرَّقَبَةِ . رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ أَبِيهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013271أَنَّهُ أَهْدَى نَجِيبَةً طُلِبَتْ مِنْهُ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا بُدْنًا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ بَلْ أَهْدِهَا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013272وَأَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فِيهَا جَمَلٌ لِأَبِي جَهْلٍ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ
وَالوجه الثَّانِي : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3680_23858تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّقَرُّبِ بِهَا وَإِهْدَائِهَا إِلَى بَيْتِهِ الْمُعَظَّمِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا بُدَّ وَأَنْ يُحْتَفَلَ بِهِ وَيُتَسَارَعَ فِيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=32فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) أَيْ فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ أَفْعَالِ ذَوِي تَقْوَى الْقُلُوبِ فَحُذِفَتْ هَذِهِ الْمُضَافَاتُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى إِلَّا بِتَقْدِيرِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَاجِعٍ مِنَ الْجَزَاءِ إِلَى مَنِ ارْتَبَطَ بِهِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْقُلُوبُ لِأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يُظْهِرُ التَّقْوَى مِنْ نَفْسِهِ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ قَلْبُهُ خَالِيًا عَنْهَا لَا جَرَمَ لَا يَكُونُ مُجِدًّا فِي أَدَاءِ الطَّاعَاتِ ، أَمَّا الْمُخْلِصُ الَّذِي تَكُونُ التَّقْوَى مُتَمَكِّنَةً فِي قَلْبِهِ فَإِنَّهُ يُبَالِغُ فِي أَدَاءِ الطَّاعَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْلَاصِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَالَغَ فِي تَعْظِيمِ ذَبْحِ الْحَيَوَانَاتِ هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ ؟ فَالْجَوَابُ :