أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: كان في السفينة ثمانون إنسانا؛
نوح وامرأته سوى التي غرقت، وثلاثة بنين:
سام وحام ويافث، وثلاث نسوة لهم، واثنان وسبعون إنسانا ، فكل الخلائق نسل من كان في السفينة.
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى: إنما قال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فقل ) ولم يقل: فقولوا ؛ لأن
نوحا كان نبيا لهم وإماما لهم، فكان قوله قولا لهم ، مع ما فيه من الإشعار
nindex.php?page=treesubj&link=30173بفضل النبوة وإظهار كبرياء الربوبية، وأن رتبة تلك المخاطبة لا يترقى إليها إلا ملك أو نبي.
المسألة الثانية: قال
قتادة : علمكم الله أن تقولوا عند ركوب السفينة: (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41بسم الله مجراها ومرساها ) [هود: 41] وعند ركوب الدابة (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) [الزخرف: 13] وعند النزول (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) [المؤمنون: 29] قال الأنصاري: وقال لنبينا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) [الإسراء: 80] وقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان ) [النحل: 98] كأنه سبحانه أمرهم أن لا يكونوا عن ذكره وعن الاستعاذة به في جميع أحوالهم غافلين.
المسألة الثالثة: هذه مبالغة عظيمة في تقبيح صورتهم حيث أتبع النهي عن الدعاء لهم الأمر بالحمد على إهلاكهم والنجاة منهم ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ) [الأنعام: 45] وإنما جعل سبحانه استواءهم على السفينة نجاة من الغرق; لأنه سبحانه كان عرفه أنه بذلك ينجيه ومن تبعه، فيصح أن يقول: "نجانا" من حيث جعله آمنا بهذا الفعل، ووصف قومه بأنهم الظالمون; لأن الكفر منهم ظلم لأنفسهم لقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ) [لقمان: 13] ثم إنه سبحانه بعد أن أمره بالحمد على إهلاكهم
[ ص: 84 ] أمره بأن يدعو لنفسه فقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29وقل رب أنزلني منزلا مباركا ) وقرئ "منزلا" بمعنى إنزالا أو موضع إنزال ، كقوله: (ليدخلنهم مدخلا يرضونه) واختلفوا في المنزل على قولين :
أحدهما: أن المراد هو نفس السفينة ، فمن ركبها خلصته مما جرى على قومه من الهلاك.
والثاني: أن المراد أن ينزله الله بعد خروجه من السفينة من الأرض منزلا مباركا، والأول أقرب؛ لأنه أمر بهذا الدعاء في حال استقراره في السفينة، فيجب أن يكون المنزل ذلك دون غيره.
ثم بين سبحانه بقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29وأنت خير المنزلين ) أن الإنزال في الأمكنة قد يقع من غير الله كما يقع من الله تعالى, وإن كان هو سبحانه خير من أنزل; لأنه يحفظ من أنزله في سائر أحواله، ويدفع عنه المكاره بحسب ما يقتضيه الحكم والحكمة، ثم بين سبحانه أن فيما ذكره من
nindex.php?page=treesubj&link=32016_31827قصة نوح وقومه لآيات ودلالات وعبرا في الدعاء إلى الإيمان والزجر عن الكفر ، فإن إظهار تلك المياه العظيمة ثم الإذهاب بها لا يقدر عليه إلا القادر على كل المقدورات، وظهور تلك الواقعة على وفق قول
نوح عليه السلام يدل على المعجز العظيم، وإفناء الكفار وبقاء الأرض لأهل الدين والطاعة من أعظم أنواع العبر.
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=30وإن كنا لمبتلين ) فيمكن أن يكون المراد : وإن كنا لمبتلين فيما قبل ، ويحتمل أن يكون وإن كنا لمبتلين فيما بعد، وهذا هو الأقرب لأنه كالحقيقة في الاستقبال، وإذا حمل على ذلك احتمل وجوها.
أحدها: أن يكون المراد المكلفين في المستقبل، أي: فيجب فيمن كلفناه أن يعتبر بهذا الذي ذكرناه.
وثانيها: أن يكون المراد لمعاقبين لمن سلك في تكذيب الأنبياء مثل طريقة
قوم نوح .
وثالثها: أن يكون المراد كما نعاقب من كذب بالغرق وغيره، فقد نمتحن بالغرق من لم يكذب على وجه المصلحة لا على وجه التعذيب; لكي لا يقدر أن كل الغرق يجري على وجه واحد.
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانُونَ إِنْسَانًا؛
نُوحٌ وَامْرَأَتُهُ سِوَى الَّتِي غَرِقَتْ، وَثَلَاثَةُ بَنِينَ:
سَامٍ وَحَامٍ وَيَافِثُ، وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ لَهُمْ، وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ إِنْسَانًا ، فَكُلُّ الْخَلَائِقِ نَسْلُ مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى: إِنَّمَا قَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فَقُلِ ) وَلَمْ يَقُلْ: فَقُولُوا ؛ لِأَنَّ
نُوحًا كَانَ نَبِيًّا لَهُمْ وَإِمَامًا لَهُمْ، فَكَانَ قَوْلُهُ قَوْلًا لَهُمْ ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشْعَارِ
nindex.php?page=treesubj&link=30173بِفَضْلِ النُّبُوَّةِ وَإِظْهَارِ كِبْرِيَاءِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ رُتْبَةَ تِلْكَ الْمُخَاطَبَةِ لَا يَتَرَقَّى إِلَيْهَا إِلَّا مَلَكٌ أَوْ نَبِيٌّ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَالَ
قَتَادَةُ : عَلَّمَكُمُ اللَّهُ أَنْ تَقُولُوا عِنْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=41بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ) [هُودٍ: 41] وَعِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=13سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) [الزُّخْرُفِ: 13] وَعِنْدَ النُّزُولِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) [الْمُؤْمِنُونَ: 29] قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: وَقَالَ لِنَبِيِّنَا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ) [الْإِسْرَاءِ: 80] وَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ) [النَّحْلِ: 98] كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَكُونُوا عَنْ ذِكْرِهِ وَعَنِ الِاسْتِعَاذَةِ بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ غَافِلِينَ.
المسألة الثَّالِثَةُ: هَذِهِ مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ فِي تَقْبِيحِ صُورَتِهِمْ حَيْثُ أَتْبَعَ النَّهْيَ عَنِ الدُّعَاءِ لَهُمُ الْأَمْرَ بِالْحَمْدِ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ وَالنَّجَاةِ مِنْهُمْ ، كَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [الْأَنْعَامِ: 45] وَإِنَّمَا جَعَلَ سُبْحَانَهُ اسْتِوَاءَهُمْ عَلَى السَّفِينَةِ نَجَاةً مِنَ الْغَرَقِ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ عَرَّفَهُ أَنَّهُ بِذَلِكَ يُنْجِيهِ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: "نَجَّانَا" مِنْ حَيْثُ جَعَلَهُ آمِنًا بِهَذَا الْفِعْلِ، وَوَصَفَ قَوْمَهَ بِأَنَّهُمُ الظَّالِمُونَ; لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُمْ ظُلْمٌ لِأَنْفُسِهِمْ لِقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) [لُقْمَانَ: 13] ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِالْحَمْدِ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ
[ ص: 84 ] أَمَرَهُ بِأَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ فَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا ) وَقُرِئَ "مَنْزَلًا" بِمَعْنَى إِنْزَالًا أَوْ مَوْضِعَ إِنْزَالٍ ، كَقَوْلِهِ: (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُنْزَلِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ نَفْسُ السَّفِينَةِ ، فَمَنْ رَكِبَهَا خَلَّصَتْهُ مِمَّا جَرَى عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْهَلَاكِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُنْزِلَهُ اللَّهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ السَّفِينَةِ مِنَ الْأَرْضِ مُنْزَلًا مُبَارَكًا، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي حَالِ اسْتِقْرَارِهِ فِي السَّفِينَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُنْزَلُ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) أَنَّ الْإِنْزَالَ فِي الْأَمْكِنَةِ قَدْ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ كَمَا يَقَعُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى, وَإِنْ كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ خَيْرَ مَنْ أَنْزَلَ; لِأَنَّهُ يَحْفَظُ مَنْ أَنْزَلَهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحُكْمُ وَالْحِكْمَةُ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32016_31827قِصَّةِ نُوحٍ وَقَوْمِهِ لَآيَاتٍ وَدَلَالَاتٍ وَعِبَرًا فِي الدُّعَاءِ إِلَى الْإِيمَانِ وَالزَّجْرِ عَنِ الْكُفْرِ ، فَإِنَّ إِظْهَارَ تِلْكَ الْمِيَاهِ الْعَظِيمَةِ ثُمَّ الْإِذْهَابَ بِهَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ، وَظُهُورُ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدُلُّ عَلَى الْمُعْجِزِ الْعَظِيمِ، وَإِفْنَاءُ الْكُفَّارِ وَبَقَاءُ الْأَرْضِ لِأَهْلِ الدِّينِ وَالطَّاعَةِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعِبَرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=30وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ) فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ فِيمَا قَبْلُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ فِيمَا بَعْدُ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ كَالْحَقِيقَةِ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ احْتَمَلَ وُجُوهًا.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ: فَيَجِبُ فِيمَنْ كَلَّفْنَاهُ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَمُعَاقِبِينَ لِمَنْ سَلَكَ فِي تَكْذِيبِ الْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ طَرِيقَةِ
قَوْمِ نُوحٍ .
وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَمَا نُعَاقِبُ مَنْ كَذَّبَ بِالْغَرَقِ وَغَيْرِهِ، فَقَدْ نَمْتَحِنُ بِالْغَرَقِ مَنْ لَمْ يُكَذِّبْ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعْذِيبِ; لِكَيْ لَا يُقَدَّرَ أَنَّ كُلَّ الْغَرَقِ يَجْرِي عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ.