القصة الثانية قصة
هود أو
صالح عليهما السلام
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هيهات هيهات لما توعدون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=38إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قال رب انصرني بما كذبون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40قال عما قليل ليصبحن نادمين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين )
[ ص: 85 ]
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هيهات هيهات لما توعدون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=38إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قال رب انصرني بما كذبون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40قال عما قليل ليصبحن نادمين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ) .
اعلم أن هذه القصة هي
nindex.php?page=treesubj&link=31842_32016_28901قصة هود عليه السلام في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين، واحتجوا عليه بحكاية الله تعالى قول
هود عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=69واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) [الأعراف: 69] ومجيء قصة
هود عقيب قصة
نوح في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء. وقال بعضهم: المراد بهم
صالح وثمود ; لأن قومه الذين كذبوه هم الذين هلكوا بالصيحة، أما كيفية الدعوى فكما تقدم في قصة
نوح عليه السلام ، وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: حق (أرسل) أن يتعدى بـ (إلى) كأخواته التي هي : وجه وأنفذ وبعث ، فلم -عدي في القرآن بـ (إلى) تارة وبـ (في) أخرى كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=30كذلك أرسلناك في أمة ) [الرعد: 30] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=94وما أرسلنا في قرية ) [الأعراف: 94] (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فأرسلنا فيهم رسولا ) [المؤمنون: 32] أي: في عاد، وفي موضع آخر (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65وإلى عاد أخاهم هودا ) [الأعراف: 65]؟ الجواب: لم يعد بـ (في) كما عدي بـ (إلى) ولكن الأمة أو القرية جعلت موضعا للإرسال، وعلى هذا المعنى جاء (بعث) في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=51ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ) [الفرقان: 51].
السؤال الثاني: هل يصح ما قاله بعضهم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32أفلا تتقون ) غير موصول بالأول، وإنما قاله لهم بعد أن كذبوه، وردوا عليه بعد إقامة الحجة عليهم، فعند ذلك قال لهم مخوفا مما هم عليه: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32أفلا تتقون ) هذه الطريقة مخافة العذاب الذي أنذرتكم به؟ الجواب: يجوز أن يكون موصولا بالكلام الأول بأن رآهم معرضين عن عبادة الله مشتغلين بعبادة الأوثان، فدعاهم إلى عبادة الله وحذرهم من العقاب بسبب إقبالهم على عبادة الأوثان. ثم اعلم أن الله تعالى حكى صفات أولئك القوم وحكى كلامهم، أما الصفات فثلاث هي شر الصفات، أولها:
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30554الكفر بالخالق سبحانه ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33كفروا ) وثانيها:
nindex.php?page=treesubj&link=28759_30554الكفر بيوم القيامة ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وكذبوا بلقاء الآخرة ) وثالثها:
nindex.php?page=treesubj&link=29497_30200الانغماس في حب الدنيا وشهواتها ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وأترفناهم في الحياة الدنيا ) أي: نعمناهم، فإن قيل: ذكر الله مقالة
قوم هود في جوابه في سورة الأعراف وسورة هود بغير واو (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة ) [الأعراف: 66]، قالوا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27ما نراك إلا بشرا مثلنا ) [هود: 27] وهاهنا مع الواو ، فأي فرق بينهما؟ قلنا: الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال: فما قال قومه؟ فقيل له: كيت وكيت، وأما الذي مع الواو فعطف لما قالوه على ما قاله، ومعناه أنه اجتمع في هذه الواقعة هذا الكلام الحق وهذا الكلام الباطل. وأما شبهات القوم فشيئان: أولهما: قولهم: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ) ، وقد مر شرح هذه الشبهة في القصة الأولى . وقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33مما تشربون ) أي: من مشروبكم ، أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون ) فجعلوا اتباع الرسول خسرانا، ولم يجعلوا عبادة الأصنام خسرانا، أي: لئن كنتم أعطيتموه الطاعة من غير أن
[ ص: 86 ] يكون لكم بإزائها منفعة فذلك هو الخسران. وثانيهما: أنهم طعنوا في
nindex.php?page=treesubj&link=30347_30336صحة الحشر والنشر، ثم طعنوا في نبوته بسبب إتيانه بذلك. أما الطعن في صحة الحشر فهو قولهم: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ) معادون أحياء للمجازاة، ثم لم يقتصروا على هذا القدر حتى قرنوا به الاستبعاد العظيم وهو قولهم: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هيهات هيهات لما توعدون ) ثم أكدوا الشبهة بقولهم: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) ولم يريدوا بقولهم (نموت ونحيا) الشخص الواحد، بل أرادوا أن البعض يموت والبعض يحيا، وأنه لا إعادة ولا حشر. فلذلك قالوا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37وما نحن بمبعوثين ) ولما فرغوا من الطعن في صحة الحشر بنوا عليه الطعن في نبوته، فقالوا : لما أتى بهذا الباطل فقد افترى على الله كذبا ، ثم لما قرروا الشبهة الطاعنة في نبوته قالوا: وما نحن له بمؤمنين ؛ لأن القوم كالتبع لهم. واعلم أن الله تعالى ما أجاب عن هاتين الشبهتين لظهور فسادهما. أما الشبهة الأولى: فقد تقدم بيان ضعفها. وأما الثانية: فلأنهم استبعدوا الحشر، ولا يستبعد الحشر لوجهين.
الأول: أنه سبحانه لما كان قادرا على كل الممكنات عالما بكل المعلومات وجب أن يكون قادرا على الحشر والنشر.
والثاني: وهو أنه لولا الإعادة لكان تسليط القوي على الضعيف في الدنيا ظلما. وهو غير لائق بالحكيم ، على ما قرره سبحانه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) [طه: 15] وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى: ثنى (إنكم) للتوكيد ، وحسن ذلك الفصل ما بين الأول والثاني بالظرف، و (مخرجون) خبر عن الأول. وفي قراءة
ابن مسعود : "وكنتم ترابا وعظاما مخرجون".
المسألة الثانية: قرئ "هيهات" بالفتح والكسر، كلها بتنوين وبلا تنوين، وبالسكون على لفظ الوقف.
المسألة الثالثة: هي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إن هي إلا حياتنا الدنيا ) ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه، وأصله: إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع (هي) موضع الحياة; لأن الخبر يدل عليه ومنه [قول الشاعر]:
هي النفس ما حملتها تتحمل
والمعنى لا حياة إلا هذه الحياة، ولأن "إن" النافية دخلت على (هي) التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها، فوازنت (لا) التي نفت ما بعدها نفي الجنس.
واعلم أن ذلك الرسول لما يئس من قبول الأكابر والأصاغر فزع إلى ربه وقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=39رب انصرني بما كذبون ) وقد تقدم تفسيره ، فأجابه الله تعالى فيما سأل وقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40عما قليل ليصبحن نادمين ) والأقرب أن يكون المراد بأن يظهر لهم علامات الهلاك، فعند ذلك يحصل منهم الحسرة والندامة على ترك القبول، ويكون الوقت وقت إيمان اليأس فلا ينتفعون بالندامة، وبين تعالى الهلاك الذي أنزله عليهم بقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فأخذتهم الصيحة بالحق ) وذكروا في الصيحة وجوها.
أحدها: أن
جبريل عليه السلام صاح بهم، وكانت الصيحة عظيمة فماتوا عندها.
وثانيها: الصيحة هي الرجفة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما.
وثالثها: الصيحة هي نفس العذاب والموت ، كما يقال فيمن يموت: دعي فأجاب، عن الحسن .
ورابعها: أنه العذاب المصطلم. قال الشاعر:
[ ص: 87 ] صاح الزمان بآل برمك صيحة خروا لشدتها على الأذقان
والأول أولى لأنه هو الحقيقة.
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41بالحق ) فمعناه أنه دمرهم بالعدل ، من قولك: فلان يقضي بالحق : إذا كان عادلا في قضاياه. وقال المفضل: بالحق ؛ أي: بما لا يدفع، كقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وجاءت سكرة الموت بالحق ) [ق: 19].
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فجعلناهم غثاء ) فالغثاء حميل السيل مما بلي واسود من الورق والعيدان، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=5فجعله غثاء أحوى ) [الأعلى:5].
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فبعدا للقوم الظالمين ) ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قوله : بعدا وسحقا ودمرا ، ونحوها ، مصادر موضوعة مواضع أفعالها، وهي من جملة المصادر التي قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها. ومعنى بعدا بعدوا، أي: هلكوا ، يقال: بعد بعدا وبعدا ، بفتح العين ، نحو رشد رشدا ورشدا ، بفتح الشين. والله أعلم.
المسألة الثانية: قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فبعدا ) بمنزلة اللعن الذي هو التبعيد من الخير، والله تعالى ذكر ذلك على وجه الاستخفاف والإهانة لهم، وقد نزل بهم العذاب دالا بذلك على أن الذي ينزل بهم في الآخرة من البعد من النعيم والثواب أعظم مما حل بهم حالا; ليكون ذلك عبرة لمن يجيء بعدهم.
الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ قِصَّةُ
هُودٍ أَوْ
صَالِحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=38إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
[ ص: 85 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=38إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=31842_32016_28901قِصَّةُ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِحِكَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلَ
هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=69وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ) [الْأَعْرَافِ: 69] وَمَجِيءُ قِصَّةِ
هُودٍ عَقِيبَ قِصَّةِ
نُوحٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ هُودٍ وَالشُّعَرَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهِمْ
صَالِحٌ وَثَمُودُ ; لِأَنَّ قَوْمَهُ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ هُمُ الَّذِينَ هَلَكُوا بِالصَّيْحَةِ، أَمَّا كَيْفِيَّةُ الدَّعْوَى فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ
نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: حَقُّ (أَرْسَلَ) أَنْ يَتَعَدَّى بِـ (إِلَى) كَأَخَوَاتِهِ الَّتِي هِيَ : وَجَّهَ وَأَنْفَذَ وَبَعَثَ ، فَلِمَ -عُدِّيَ فِي الْقُرْآنِ بِـ (إِلَى) تَارَةً وَبِـ (فِي) أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=30كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ ) [الرَّعْدِ: 30] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=94وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ ) [الْأَعْرَافِ: 94] (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا ) [الْمُؤْمِنُونَ: 32] أَيْ: فِي عَادٍ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ) [الْأَعْرَافِ: 65]؟ الْجَوَابُ: لَمْ يُعَدَّ بِـ (فِي) كَمَا عُدِّيَ بِـ (إِلَى) وَلَكِنَّ الْأُمَّةَ أَوِ الْقَرْيَةَ جُعِلَتْ مَوْضِعًا لِلْإِرْسَالِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَاءَ (بَعَثَ) فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=51وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ) [الْفُرْقَانِ: 51].
السُّؤَالُ الثَّانِي: هَلْ يَصِحُّ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32أَفَلَا تَتَّقُونَ ) غَيْرُ مَوْصُولٍ بِالْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ كَذَّبُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ بَعْدَ إِقَامَةِ الحجة عَلَيْهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ مُخَوِّفًا مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32أَفَلَا تَتَّقُونَ ) هَذِهِ الطَّرِيقَةَ مَخَافَةَ الْعَذَابِ الَّذِي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ؟ الْجَوَابُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِأَنْ رَآهُمْ مُعْرِضِينَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ مُشْتَغِلِينَ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحَذَّرَهُمْ مِنَ الْعِقَابِ بِسَبَبِ إِقْبَالِهِمْ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَى صِفَاتِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ وَحَكَى كَلَامَهُمْ، أَمَّا الصِّفَاتُ فَثَلَاثٌ هِيَ شَرُّ الصِّفَاتِ، أَوَّلُهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30554الْكُفْرُ بِالْخَالِقِ سُبْحَانَهُ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33كَفَرُوا ) وَثَانِيهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=28759_30554الْكُفْرُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ ) وَثَالِثُهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=29497_30200الِانْغِمَاسُ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أَيْ: نَعَّمْنَاهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرَ اللَّهُ مَقَالَةَ
قَوْمِ هُودٍ فِي جَوَابِهِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ هُودٍ بِغَيْرِ وَاوٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ) [الْأَعْرَافِ: 66]، قَالُوا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=27مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا ) [هُودٍ: 27] وَهَاهُنَا مَعَ الْوَاوِ ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا: الَّذِي بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى تَقْدِيرِ سُؤَالِ سَائِلٍ قَالَ: فَمَا قَالَ قَوْمُهُ؟ فَقِيلَ لَهُ: كَيْتَ وَكَيْتَ، وَأَمَّا الَّذِي مَعَ الْوَاوِ فَعَطْفٌ لِمَا قَالُوهُ عَلَى مَا قَالَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ هَذَا الْكَلَامُ الْحَقُّ وَهَذَا الْكَلَامُ الْبَاطِلُ. وَأَمَّا شُبُهَاتُ الْقَوْمِ فَشَيْئَانِ: أَوَّلُهُمَا: قَوْلُهُمْ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) ، وَقَدْ مَرَّ شَرْحُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فِي الْقِصَّةِ الْأُولَى . وَقَوْلُهُ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33مِمَّا تَشْرَبُونَ ) أَيْ: مِنْ مَشْرُوبِكُمْ ، أَوْ حُذِفَ مِنْهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ) فَجَعَلُوا اتِّبَاعَ الرَّسُولِ خُسْرَانًا، وَلَمْ يَجْعَلُوا عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ خُسْرَانًا، أَيْ: لَئِنْ كُنْتُمْ أَعْطَيْتُمُوهُ الطَّاعَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ
[ ص: 86 ] يَكُونَ لَكُمْ بِإِزَائِهَا مَنْفَعَةٌ فَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُمْ طَعَنُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30347_30336صِحَّةِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، ثُمَّ طَعَنُوا فِي نُبُوَّتِهِ بِسَبَبِ إِتْيَانِهِ بِذَلِكَ. أَمَّا الطَّعْنُ فِي صِحَّةِ الْحَشْرِ فَهُوَ قَوْلُهُمْ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ) مُعَادُونَ أَحْيَاءً لِلْمُجَازَاةِ، ثُمَّ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ حَتَّى قَرَنُوا بِهِ الِاسْتِبْعَادَ الْعَظِيمَ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ) ثُمَّ أَكَّدُوا الشُّبْهَةَ بِقَوْلِهِمْ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ) وَلَمْ يُرِيدُوا بِقَوْلِهِمْ (نَمُوتُ وَنَحْيَا) الشَّخْصَ الْوَاحِدَ، بَلْ أَرَادُوا أَنَّ الْبَعْضَ يَمُوتُ وَالْبَعْضَ يَحْيَا، وَأَنَّهُ لَا إِعَادَةَ وَلَا حَشْرَ. فَلِذَلِكَ قَالُوا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) وَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّعْنِ فِي صِحَّةِ الْحَشْرِ بَنَوْا عَلَيْهِ الطَّعْنَ فِي نُبُوَّتِهِ، فَقَالُوا : لَمَّا أَتَى بِهَذَا الْبَاطِلِ فَقَدَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ، ثُمَّ لَمَّا قَرَّرُوا الشُّبْهَةَ الطَّاعِنَةَ فِي نُبُوَّتِهِ قَالُوا: وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ كَالتَّبَعِ لَهُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَجَابَ عَنْ هَاتَيْنِ الشُّبْهَتَيْنِ لِظُهُورِ فَسَادِهِمَا. أَمَّا الشُّبْهَةُ الْأُولَى: فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ضَعْفِهَا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَلِأَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا الْحَشْرَ، وَلَا يُسْتَبْعَدُ الْحَشْرُ لِوَجْهَيْنِ.
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ لَوْلَا الْإِعَادَةُ لَكَانَ تَسْلِيطُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فِي الدُّنْيَا ظُلْمًا. وَهُوَ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْحَكِيمِ ، عَلَى مَا قَرَّرَهُ سُبْحَانَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ) [طه: 15] وَهَاهُنَا مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى: ثَنَّى (إِنَّكُمْ) لِلتَّوْكِيدِ ، وَحَسُنَ ذَلِكَ الْفَصْلُ مَا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِالظَّرْفِ، وَ (مُخْرَجُونَ) خَبَرٌ عَنِ الْأَوَّلِ. وَفِي قِرَاءَةِ
ابْنِ مَسْعُودٍ : "وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا مُخْرَجُونَ".
المسألة الثَّانِيَةُ: قُرِئَ "هَيْهَاتَ" بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، كُلُّهَا بِتَنْوِينٍ وَبِلَا تَنْوِينٍ، وَبِالسُّكُونِ عَلَى لَفْظِ الْوَقْفِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: هِيَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ) ضَمِيرٌ لَا يُعْلَمُ مَا يُعْنَى بِهِ إِلَّا بِمَا يَتْلُوهُ مِنْ بَيَانِهِ، وَأَصْلُهُ: إِنِ الْحَيَاةُ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا، ثُمَّ وَضَعَ (هِيَ) مَوْضِعَ الْحَيَاةِ; لِأَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَمِنْهُ [قُوْلُ الشَّاعِرِ]:
هِيَ النَّفْسُ مَا حَمَّلْتَهَا تَتَحَمَّلُ
وَالْمَعْنَى لَا حَيَاةَ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةُ، وَلِأَنَّ "إِنْ" النَّافِيَةَ دَخَلَتْ عَلَى (هِيَ) الَّتِي فِي مَعْنَى الْحَيَاةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْجِنْسِ فَنَفَتْهَا، فَوَازَنَتْ (لَا) الَّتِي نَفَتْ مَا بَعْدَهَا نَفْيَ الْجِنْسِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ الرَّسُولَ لَمَّا يَئِسَ مِنْ قَبُولِ الْأَكَابِرِ وَالْأَصَاغِرِ فَزِعَ إِلَى رَبِّهِ وَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=39رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ ، فَأَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا سَأَلَ وَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ) وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ عَلَامَاتُ الْهَلَاكِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْصُلُ مِنْهُمُ الْحَسْرَةُ وَالنَّدَامَةُ عَلَى تَرْكِ الْقَبُولِ، وَيَكُونُ الْوَقْتُ وَقْتَ إِيمَانِ الْيَأْسِ فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِالنَّدَامَةِ، وَبَيَّنَ تَعَالَى الْهَلَاكَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ ) وَذَكَرُوا فِي الصَّيْحَةِ وُجُوهًا.
أَحَدُهَا: أَنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَاحَ بِهِمْ، وَكَانَتِ الصَّيْحَةُ عَظِيمَةً فَمَاتُوا عِنْدَهَا.
وَثَانِيهَا: الصَّيْحَةُ هِيَ الرَّجْفَةُ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَثَالِثُهَا: الصَّيْحَةُ هِيَ نَفْسُ الْعَذَابِ وَالْمَوْتِ ، كَمَا يُقَالُ فِيمَنْ يَمُوتُ: دُعِيَ فَأَجَابَ، عَنِ الْحَسَنِ .
وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ الْعَذَابُ الْمُصْطَلِمُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
[ ص: 87 ] صَاحَ الزَّمَانُ بِآلِ بَرْمَكٍ صَيْحَةً خَرُّوا لِشِدَّتِهَا عَلَى الْأَذْقَانِ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41بِالْحَقِّ ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ دَمَّرَهُمْ بِالْعَدْلِ ، مِنْ قَوْلِكَ: فُلَانٌ يَقْضِي بِالْحَقِّ : إِذَا كَانَ عَادِلًا فِي قَضَايَاهُ. وَقَالَ الْمُفَضَّلُ: بِالْحَقِّ ؛ أَيْ: بِمَا لَا يُدْفَعُ، كَقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=19وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) [ق: 19].
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً ) فَالْغُثَاءُ حَمِيلِ السَّيْلِ مِمَّا بَلِيَ وَاسْوَدَّ مِنَ الْوَرَقِ وَالْعِيدَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=5فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ) [الْأَعْلَى:5].
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ : بُعْدًا وَسُحْقًا وَدُمْرًا ، وَنَحْوُهَا ، مَصَادِرُ مَوْضُوعَةٌ مَوَاضِعَ أَفْعَالِهَا، وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَادِرِ الَّتِي قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهَ : نُصِبَتْ بِأَفْعَالٍ لَا يُسْتَعْمَلُ إِظْهَارُهَا. وَمَعْنَى بُعْدًا بَعُدُوا، أَيْ: هَلَكُوا ، يُقَالُ: بَعُدَ بُعْدًا وَبَعَدًا ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، نَحْوَ رَشَدَ رُشْدًا وَرَشَدًا ، بِفَتْحِ الشِّينِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَبُعْدًا ) بِمَنْزِلَةِ اللَّعْنِ الَّذِي هُوَ التَّبْعِيدُ مِنَ الْخَيْرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ وَالْإِهَانَةِ لَهُمْ، وَقَدْ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ دَالًّا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبُعْدِ مِنَ النَّعِيمِ وَالثَّوَابِ أَعْظَمُ مِمَّا حَلَّ بِهِمْ حَالًا; لِيَكُونَ ذَلِكَ عِبْرَةً لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ.