(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فذرهم في غمرتهم حتى حين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )
[ ص: 91 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فذرهم في غمرتهم حتى حين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون )
اعلم أن ظاهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51ياأيها الرسل ) خطاب مع الرسل، وذلك غير ممكن; لأن الرسل إنما أرسلوا متفرقين في أزمنة متفرقة مختلفة ، فكيف يمكن توجيه هذا الخطاب إليهم؟ فلهذا الإشكال اختلفوا في تأويله على وجوه.
أحدها: أن المعنى : الإعلام بأن كل رسول فهو في زمانه نودي بهذا المعنى ووصي به ؛ ليعتقد السامع أن أمرا نودي له جميع الرسل ووصوا به حقيق بأن يؤخذ به ويعمل عليه.
وثانيها: أن المراد نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ذكر ذلك بعد انقضاء أخبار الرسل، وإنما ذكر على صيغة الجمع كما يقال للواحد: أيها القوم كفوا عني أذاكم, ومثله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الذين قال لهم الناس ) [آل عمران : 173] وهو
نعيم بن مسعود ، كأنه سبحانه لما خاطب
محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك بين أن الرسل بأسرهم لو كانوا حاضرين مجتمعين لما خوطبوا إلا بذلك ، ليعلم رسولنا أن هذا التثقيل ليس عليه فقط، بل لازم على جميع الأنبياء عليهم السلام.
وثالثها: وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير أن المراد به
عيسى عليه السلام ; لأنه إنما ذكر ذلك بعدما ذكر مكانه الجامع للطعام والشراب، ولأنه روي أن
عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه، والقول الأول أقرب؛ لأنه أوفق للفظ الآية، ولأنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013303روي عن أم عبد الله أخت nindex.php?page=showalam&ids=75شداد بن أوس أنها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن في شدة الحر عند فطره وهو صائم , فرده الرسول إليها وقال: من أين لك هذا؟ فقالت: من شاة لي. ثم رده وقال: من أين هذه الشاة؟ فقالت: اشتريتها بمالي ، فأخذه. ثم إنها جاءته وقالت: يا رسول الله لم رددته؟ فقال عليه السلام : " بذلك أمرت الرسل أن لا يأكلوا إلا طيبا ولا يعملوا إلا صالحا . "
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51من الطيبات ) ففيه وجهان.
الأول: أنه الحلال, وقيل: طيبات الرزق حلال وصاف وقوام، فالحلال الذي لا يعصى الله فيه، والصافي الذي لا ينسى الله فيه, والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل.
والثاني: أنه المستطاب المستلذ من المأكل والفواكه , فبين تعالى أنه وإن ثقل عليهم بالنبوة وبما ألزمهم القيام بحقها، فقد أباح لهم أكل الطيبات كما أباح لغيرهم. واعلم أنه سبحانه كما قال للمرسلين: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51ياأيها الرسل كلوا من الطيبات ) فقال للمؤمنين: (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) [البقرة: 172]، واعلم أن تقديم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51كلوا من الطيبات ) على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51واعملوا صالحا ) كالدلالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18580_18617_30515العمل الصالح لا بد وأن يكون مسبوقا بأكل الحلال . فأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51إني بما تعملون عليم ) فهو تحذير من مخالفة ما أمرهم به، وإذا كان ذلك تحذيرا للرسل مع علو شأنهم فبأن يكون تحذيرا لغيرهم أولى.
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) فقد فسرناه في سورة الأنبياء ، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: المعنى أنه كما يجب اتفاقهم على أكل الحلال والأعمال الصالحة فكذلك هم متفقون على التوحيد وعلى الاتقاء من معصية الله تعالى . فإن قيل: لما كانت شرائعهم مختلفة فكيف يكون دينهم واحدا؟ قلنا: المراد من الدين ما لا يختلفون فيه من معرفة ذات الله تعالى وصفاته، وأما الشرائع فإن الاختلاف فيها لا يسمى اختلافا في الدين، فكما يقال في الحائض والطاهر من النساء: إن دينهن واحد, وإن افترق تكليفهما ، فكذا هاهنا، ويدل على ذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وأنا ربكم فاتقون ) فكأنه نبه بذلك على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28666_28639دين الجميع [ ص: 92 ] واحد فيما يتصل بمعرفة الله تعالى ، واتقاء معاصيه ، فلا مدخل للشرائع وإن اختلفت في ذلك.
المسألة الثانية: قرئ (وإن) بالكسر على الاستئناف وإن بمعنى ولأن، وإن مخففة من الثقيلة، و (أمتكم) مرفوعة معها.
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) فالمعنى فإن أمم الأنبياء عليهم السلام تقطعوا أمرهم بينهم , وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فتقطعوا ) معنى المبالغة في شدة اختلافهم, والمراد بـ (أمرهم) ما يتصل بالدين.
أما قوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53زبرا ) فقرئ "زبرا" جمع زبور ؛ أي: كتبا مختلفة، يعني جعلوا دينهم أديانا، و (زبرا) قطعا ، استعيرت من زبر الفضة والحديد، وزبرا ، مخففة الباء كـ (رسل) في رسل، قال
الكلبي ومقاتل والضحاك : يعني مشركي
مكة والمجوس واليهود والنصارى .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53كل حزب بما لديهم فرحون ) فمعناه أن كل فريق منهم مغتبط بما اتخذه دينا لنفسه معجب به ، يرى أنه المحق الرابح، وأن غيره المبطل الخاسر، ولما ذكر الله تعالى تفرق هؤلاء في دينهم أتبعه بالوعيد، وقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فذرهم في غمرتهم حتى حين ) الخطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم ، يقول: فدع هؤلاء الكفار في جهلهم. والغمرة : الماء الذي يغمر القامة , فكأن ما هم فيه من الجهل والحيرة صار غامرا ساترا لعقولهم، وعن
علي عليه السلام : "في غمراتهم حتى حين" وذكروا في الحين وجوها.
أحدها: إلى حين الموت.
وثانيها: إلى حين المعاينة.
وثالثها: إلى حين العذاب، والعادة في ذلك أن يذكر في الكلام، والمراد به الحالة التي تقترن بها الحسرة والندامة، وذلك يحصل إذا عرفهم الله بطلان ما كانوا عليه، وعرفهم سوء منقلبهم، ويحصل أيضا عند المحاسبة في الآخرة، ويحصل عند عذاب القبر والمساءلة، فيجب أن يحمل على كل ذلك.
ولما كان القوم في نعم عظيمة في الدنيا جاز أن يظنوا أن تلك النعم كالثواب المعجل لهم على أديانهم، فبين سبحانه أن الأمر بخلاف ذلك، فقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56نسارع لهم في الخيرات ) قرئ "يمدهم ويسارع" بالياء ، والفاعل هو الله سبحانه، وفي المعنى وجهان.
أحدهما: أن هذا الإمداد ليس إلا استدراجا لهم في المعاصي، واستجرارا لهم في زيادة الإثم، وهم يحسبونه مسارعة في الخيرات، و (بل) للاستدراك لقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون ) يعني بل هم أشباه البهائم لا فطنة لهم ولا شعور حتى يتفكروا في ذلك، أهو استدراج أم مسارعة في الخير، وهذه الآية كقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=85ولا تعجبك أموالهم ) [التوبة: 85] روي عن
يزيد بن ميسرة : أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء "أيفرح عبدي أن أبسط له الدنيا وهو أبعد له مني، ويجزع أن أقبض عنه الدنيا وهو أقرب له مني؟" ثم تلا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ) وعن
الحسن : لما أتي
عمر بسوار كسرى, فأخذه ووضعه في يد
سراقة فبلغ منكبه. فقال
عمر : اللهم إني قد علمت أن نبيك عليه الصلاة والسلام، كان يحب أن يصيب مالا لينفقه في سبيلك، فزويت ذلك عنه نظرا. ثم إن
أبا بكر كان يحب ذلك، اللهم لا يكن ذلك مكرا منك
بعمر . ثم تلا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ) .
الوجه الثاني: وهو أنه سبحانه إنما أعطاهم هذه النعم ليكونوا فارغي البال، متمكنين من الاشتغال بكلف الحق، فإذا أعرضوا عن الحق والحالة هذه، كان لزوم الحجة عليهم أقوى، فلذلك قال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56بل لا يشعرون ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ )
[ ص: 91 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ ) خِطَابٌ مَعَ الرُّسُلِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ; لِأَنَّ الرُّسُلَ إِنَّمَا أُرْسِلُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ هَذَا الْخِطَابِ إِلَيْهِمْ؟ فَلِهَذَا الْإِشْكَالِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَعْنَى : الْإِعْلَامُ بِأَنَّ كُلَّ رَسُولٍ فَهُوَ فِي زَمَانِهِ نُودِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى وَوُصِّيَ بِهِ ؛ لِيَعْتَقِدَ السَّامِعُ أَنَّ أَمْرًا نُودِيَ لَهُ جَمِيعُ الرُّسُلِ وَوُصُّوا بِهِ حَقِيقٌ بِأَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَيُعْمَلَ عَلَيْهِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُرَادَ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَخْبَارِ الرُّسُلِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ كَمَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ: أَيُّهَا الْقَوْمُ كُفُّوا عَنِّي أَذَاكُمْ, وَمِثْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ) [آلِ عِمْرَانَ : 173] وَهُوَ
نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ ، كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا خَاطَبَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ بَيَّنَ أَنَّ الرُّسُلَ بِأَسْرِهِمْ لَوْ كَانُوا حَاضِرِينَ مُجْتَمِعِينَ لَمَا خُوطِبُوا إِلَّا بِذَلِكَ ، لِيَعْلَمَ رَسُولُنَا أَنَّ هَذَا التَّثْقِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ فَقَطْ، بَلْ لَازِمٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَثَالِثُهَا: وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَكَانَهُ الْجَامِعَ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ غَزْلِ أُمِّهِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلَفْظِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013303رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ أُخْتِ nindex.php?page=showalam&ids=75شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهَا بَعَثَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ عِنْدَ فِطْرِهِ وَهُوَ صَائِمٌ , فَرَدَّهُ الرَّسُولُ إِلَيْهَا وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا؟ فَقَالَتْ: مِنْ شَاةٍ لِي. ثُمَّ رَدَّهُ وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذِهِ الشَّاةُ؟ فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا بِمَالِي ، فَأَخَذَهُ. ثُمَّ إِنَّهَا جَاءَتْهُ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ رَدَدْتَهُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " بِذَلِكَ أُمِرَتِ الرُّسُلُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا إِلَّا طَيِّبَا وَلَا يَعْمَلُوا إِلَّا صَالِحًا . "
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ.
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الْحَلَالُ, وَقِيلَ: طَيِّبَاتُ الرِّزْقِ حَلَالٌ وَصَافٍ وَقِوَامٍ، فَالْحَلَالُ الَّذِي لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ، وَالصَّافِي الَّذِي لَا يُنْسَى اللَّهُ فِيهِ, وَالْقِوَامَ مَا يُمْسِكُ النَّفْسَ وَيَحْفَظُ الْعَقْلَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْمُسْتَطَابُ الْمُسْتَلَذُّ مِنَ الْمَأْكَلِ وَالْفَوَاكِهِ , فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ وَإِنْ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ وَبِمَا أَلْزَمَهُمُ الْقِيَامَ بِحَقِّهَا، فَقَدْ أَبَاحَ لَهُمْ أَكْلَ الطَّيِّبَاتِ كَمَا أَبَاحَ لِغَيْرِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ لِلْمُرْسَلِينَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) فَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=172يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) [الْبَقَرَةِ: 172]، وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيمَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ) عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18580_18617_30515الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِأَكْلِ الْحَلَالِ . فَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) فَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنْ مُخَالَفَةِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَحْذِيرًا لِلرُّسُلِ مَعَ عُلُوِّ شَأْنِهِمْ فَبِأَنْ يَكُونَ تَحْذِيرًا لِغَيْرِهِمْ أَوْلَى.
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) فَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى: الْمَعْنَى أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَكْلِ الْحَلَالِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَكَذَلِكَ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَعَلَى الِاتِّقَاءِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى . فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَتْ شَرَائِعُهُمْ مُخْتَلِفَةً فَكَيْفَ يَكُونُ دِينُهُمْ وَاحِدًا؟ قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنَ الدِّينِ مَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ مَعْرِفَةِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، وَأَمَّا الشَّرَائِعُ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا لَا يُسَمَّى اخْتِلَافًا فِي الدِّينِ، فَكَمَا يُقَالُ فِي الْحَائِضِ وَالطَّاهِرِ مِنَ النِّسَاءِ: إِنَّ دِينَهُنَّ وَاحِدٌ, وَإِنِ افْتَرَقَ تَكْلِيفُهُمَا ، فَكَذَا هَاهُنَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=52وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28666_28639دِينَ الْجَمِيعِ [ ص: 92 ] وَاحِدٌ فِيمَا يَتَّصِلُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَاتِّقَاءِ مَعَاصِيهِ ، فَلَا مَدْخَلَ لِلشَّرَائِعِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي ذَلِكَ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قُرِئَ (وَإِنَّ) بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَإِنَّ بِمَعْنَى وَلِأَنَّ، وَإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَ (أُمَّتُكُمْ) مَرْفُوعَةٌ مَعَهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا ) فَالْمَعْنَى فَإِنَّ أُمَمَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ , وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53فَتَقَطَّعُوا ) مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي شِدَّةِ اخْتِلَافِهِمْ, وَالْمُرَادُ بِـ (أَمْرِهِمْ) مَا يَتَّصِلُ بِالدِّينِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53زُبُرًا ) فَقُرِئَ "زُبُرًا" جَمْعُ زَبُورٍ ؛ أَيْ: كُتُبًا مُخْتَلِفَةً، يَعْنِي جَعَلُوا دِينَهُمْ أَدْيَانًا، وَ (زُبَرًا) قِطَعًا ، اسْتُعِيرَتْ مِنْ زُبَرِ الْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ، وَزُبْرًا ، مُخَفَّفَةُ الْبَاءِ كَـ (رُسْلٍ) فِي رُسُلٍ، قَالَ
الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ : يَعْنِي مُشْرِكِي
مَكَّةَ وَالْمَجُوسَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=53كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مُغْتَبِطٌ بِمَا اتَّخَذَهُ دِينًا لِنَفْسِهِ مُعْجَبٌ بِهِ ، يَرَى أَنَّهُ الْمُحِقُّ الرَّابِحُ، وَأَنَّ غَيْرَهُ الْمُبْطِلُ الْخَاسِرُ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى تَفَرُّقَ هَؤُلَاءِ فِي دِينِهِمْ أَتْبَعَهُ بِالْوَعِيدِ، وَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ) الْخِطَابُ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: فَدَعْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ فِي جَهْلِهِمْ. وَالْغَمْرَةُ : الْمَاءُ الَّذِي يَغْمُرُ الْقَامَةَ , فَكَأَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالْحَيْرَةِ صَارَ غَامِرًا سَاتِرًا لِعُقُولِهِمْ، وَعَنْ
عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "فِي غَمَرَاتِهِمْ حَتَّى حِينٍ" وَذَكَرُوا فِي الْحِينِ وُجُوهًا.
أَحَدُهَا: إِلَى حِينِ الْمَوْتِ.
وَثَانِيهَا: إِلَى حِينِ الْمُعَايَنَةِ.
وَثَالِثُهَا: إِلَى حِينِ الْعَذَابِ، وَالْعَادَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْكَلَامِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي تَقْتَرِنُ بِهَا الْحَسْرَةُ وَالنَّدَامَةُ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ إِذَا عَرَّفَهُمُ اللَّهُ بُطْلَانَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَعَرَّفَهُمْ سُوءَ مُنْقَلَبِهِمْ، وَيَحْصُلُ أَيْضًا عِنْدَ الْمُحَاسَبَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَيَحْصُلُ عِنْدَ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالْمُسَاءَلَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ.
وَلَمَّا كَانَ الْقَوْمُ فِي نِعَمٍ عَظِيمَةٍ فِي الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ تِلْكَ النِّعَمَ كَالثَّوَابِ الْمُعَجَّلِ لَهُمْ عَلَى أَدْيَانِهِمْ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ) قُرِئَ "يَمُدُّهُمْ وَيُسَارِعُ" بِالْيَاءِ ، وَالْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَفِي الْمَعْنَى وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْإِمْدَادَ لَيْسَ إِلَّا اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ فِي الْمَعَاصِي، وَاسْتِجْرَارًا لَهُمْ فِي زِيَادَةِ الْإِثْمِ، وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ مُسَارَعَةً فِي الْخَيْرَاتِ، وَ (بَلْ) لِلِاسْتِدْرَاكِ لِقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ ) يَعْنِي بَلْ هُمْ أَشْبَاهُ الْبَهَائِمِ لَا فِطْنَةَ لَهُمْ وَلَا شُعُورَ حَتَّى يَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ، أَهْوَ اسْتِدْرَاجٌ أَمْ مُسَارَعَةٌ فِي الْخَيْرِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=85وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ ) [التَّوْبَةِ: 85] رُوِيَ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ : أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ "أَيَفْرَحُ عَبْدِي أَنْ أَبْسُطَ لَهُ الدُّنْيَا وَهُوَ أَبْعَدُ لَهُ مِنِّي، وَيَجْزَعُ أَنْ أَقْبِضَ عَنْهُ الدُّنْيَا وَهُوَ أَقْرَبُ لَهُ مِنِّي؟" ثُمَّ تَلَا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ) وَعَنِ
الْحَسَنِ : لَمَّا أُتِي
عُمَرُ بِسَوَارِ كِسْرَى, فَأَخَذَهُ وَوَضَعَهُ فِي يَدِ
سُرَاقَةَ فَبَلَغَ مَنْكِبَهُ. فَقَالَ
عُمَرُ : اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيَّكَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصِيبَ مَالًا لِيُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِكَ، فَزَوَيْتَ ذَلِكَ عَنْهُ نَظَرًا. ثُمَّ إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ، اللَّهُمَّ لَا يَكُنْ ذَلِكَ مَكْرًا مِنْكَ
بِعُمَرَ . ثُمَّ تَلَا: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ) .
الوجه الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُمْ هَذِهِ النِّعَمَ لِيَكُونُوا فَارِغِي الْبَالِ، مُتَمَكِّنِينَ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِكُلَفِ الْحَقِّ، فَإِذَا أَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، كَانَ لُزُومُ الحجة عَلَيْهِمْ أَقْوَى، فَلِذَلِكَ قَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=56بَل لَا يَشْعُرُونَ ) .