(
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين )
الحكم الثاني : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين )
قرئ " لا ينكح " بالجزم عن النهي ، وقرئ " وحرم " بفتح الحاء ، ثم إن في الآية سؤالات :
السؤال الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ) ظاهره خبر ، ثم إنه ليس الأمر كما يشعر به هذا الظاهر ، لأنا نرى أن الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف .
السؤال الثاني : أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وحرم ذلك على المؤمنين ) وليس كذلك ، فإن المؤمن يحل له التزوج بالمرأة الزانية، والجواب : اعلم أن المفسرين لأجل هذين السؤالين ذكروا وجوها :
أحدها : وهو أحسنها ، ما قاله
القفال : وهو أن اللفظ وإن كان عاما لكن المراد منه الأعم الأغلب ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=24378_26107_10438الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والفسق لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء ، وإنما يرغب في فاسقة خبيثة مثله أو في مشركة ،
nindex.php?page=treesubj&link=26107_24378والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها ، وإنما يرغب فيها من هو من جنسها من الفسقة والمشركين ، فهذا على الأعم الأغلب كما يقال لا يفعل الخير إلا الرجل التقي ، وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقي فكذا هاهنا .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وحرم ذلك على المؤمنين ) فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن نكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها ، وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا محرم عليه ، لما فيه من
nindex.php?page=treesubj&link=28263_18837التشبه بالفساق وحضور مواضع التهمة ، والتسبب لسوء المقالة فيه والغيبة . ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام ، فكيف بمزاوجة الزواني والفجار .
الثاني : وهو أن صرف الرغبة بالكلية إلى الزواني وترك الرغبة في الصالحات محرم على المؤمنين ، لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية ) معناه أن الزاني لا يرغب إلا في الزانية فهذا الحصر محرم على المؤمنين ، ولا يلزم من حرمة هذا الحصر حرمة
nindex.php?page=treesubj&link=26107التزوج بالزانية ، فهذا هو المعتمد في تفسير الآية .
الوجه الثاني : أن الألف واللام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني ) وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وحرم ذلك على المؤمنين ) وإن كان للعموم ظاهرا لكنه هاهنا مخصوص بالأقوام الذين نزلت هذه الآية فيهم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح وقتادة ، قدم
المهاجرون المدينة وفيهم فقراء ليس لهم أموال ولا عشائر ،
وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب
أهل المدينة ، ولكل واحدة منهن علامة على بابها كعلامة البيطار ، ليعرف أنها زانية ، وكان لا يدخل عليها إلا زان أو مشرك فرغب في كسبهن ناس من فقراء المسلمين ، وقالوا نتزوج بهن إلى أن يغنينا الله عنهن ، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية ، فتقدير الآية : أولئك الزواني لا ينكحون إلا تلك الزانيات ، وتلك الزانيات لا ينكحهن إلا أولئك الزواني وحرم نكاحهن على المؤمنين .
[ ص: 132 ] الوجه الثالث : في الجواب أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية ) وإن كان خبرا في الظاهر ، لكن المراد النهي ، والمعنى أن كل من كان زانيا فلا ينبغي أن ينكح إلا زانية وحرم ذلك على المؤمنين . وهكذا كان الحكم في ابتداء الإسلام ، وعلى هذا الوجه ذكروا قولين :
أحدهما : أن ذلك الحكم باق إلى الآن حتى يحرم على الزاني والزانية التزوج بالعفيفة والعفيف وبالعكس ويقال هذا مذهب
أبي بكر وعمر وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، ثم في هؤلاء من يسوي بين الابتداء والدوام . فيقول كما لا يحل للمؤمن أن يتزوج بالزانية فكذلك لا يحل له إذا زنت تحته أن يقيم عليها ، ومنهم من يفصل لأن في جملة ما يمنع من التزويج ما لا يمنع من دوام النكاح كالإحرام والعدة .
والقول الثاني : أن هذا الحكم صار منسوخا واختلفوا في ناسخه ، فعن
الجبائي أن ناسخه هو الإجماع وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه منسوخ بعموم قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) [ النساء : 3 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وأنكحوا الأيامى ) [ النور : 32 ] قال المحققون هذان الوجهان ضعيفان أما الأول : فلأنه ثبت في أصول الفقه أن
nindex.php?page=treesubj&link=27873_21619_22178الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به ، وأيضا فالإجماع الحاصل عقيب الخلاف لا يكون حجة ، والإجماع في هذه المسألة مسبوق بمخالفة
أبي بكر وعمر وعلي فكيف يصح ؟
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم ) فهو لا يصح أن يكون ناسخا ، لأنه لا بد من أن يشترط فيه أن لا يكون هناك مانع من النكاح من سبب أو نسب أو غيرهما ، ولقائل أن يقول لا يدخل فيه تزويج الزانية من المؤمن ، كما لا يدخل فيه تزويجها من الأخ وابن الأخ ، ونقول إن
nindex.php?page=treesubj&link=27761للزنا تأثيرا في الفرقة ما ليس لغيره ، ألا ترى أنه إذا قذفها بالزنا يتبعها بالفرقة على بعض الوجوه ، ولا يجب مثل ذلك في سائر ما يوجب الحد ، ولأن من حق الزنا أن يورث العار ويؤثر في الفراش ففارق غيره .
ثم احتج هؤلاء الذين يدعون هذا النسخ ، بأنه
سئل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما عن nindex.php?page=treesubj&link=26107_10984رجل زنى بامرأة فهل له أن يتزوجها ؟ فأجازه nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وشبهه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال : " أوله سفاح وآخره نكاح " والحرام لا يحرم الحلال . الوجه الرابع : أن يحمل النكاح على الوطء والمعنى أن الزاني لا يطأ حين يزني إلا زانية أو مشركة وكذا الزانية (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وحرم ذلك على المؤمنين ) أي وحرم الزنا على المؤمنين وعلى هذا تأويل
أبي مسلم ، قال
الزجاج : هذا التأويل فاسد من وجهين :
الأول : أنه ما ورد النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج ، ولم يرد البتة بمعنى الوطء .
الثاني : أن ذلك يخرج الكلام عن الفائدة ، لأنا لو قلنا المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية فالإشكال عائد ، لأنا نرى أن الزاني قد يطأ العفيفة حين يتزوج بها ولو قلنا المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية حين يكون وطؤه زنا فهذا الكلام لا فائدة فيه ، وهذا آخر الكلام في هذا المقام .
السؤال الثالث : أي فرق بين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3والزانية لا ينكحها إلا زان ) ؟ والجواب : الكلام الأول يدل على أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية وهذا لا يمنع من أن يرغب في نكاح الزانية غير الزاني فلا جرم بين ذلك بالكلام الثاني .
السؤال الرابع : لم قدمت الزانية على الزاني في الآية المتقدمة وهاهنا بالعكس . الجواب : سبقت تلك الآية لعقوبتها على جنايتها ، والمرأة هي المادة في الزنا ، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح ، والرجل أصل فيه لأنه هو الراغب والطالب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )
الْحَكَمُ الثَّانِي : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )
قُرِئَ " لَا يَنْكِحْ " بِالْجَزْمِ عَنِ النَّهْيِ ، وَقُرِئَ " وَحَرَّمَ " بِفَتْحِ الْحَاءِ ، ثُمَّ إِنَّ فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٍ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) ظَاهِرُهُ خَبَرٌ ، ثُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ هَذَا الظَّاهِرُ ، لِأَنَّا نَرَى أَنَّ الزَّانِيَ قَدْ يَنْكِحُ الْمُؤْمِنَةَ الْعَفِيفَةَ وَالزَّانِيَةَ قَدْ يَنْكِحُهَا الْمُؤْمِنُ الْعَفِيفُ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ، وَالْجَوَابُ : اعْلَمْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ لِأَجْلِ هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ ذَكَرُوا وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : وَهُوَ أَحْسَنُهَا ، مَا قَالَهُ
الْقَفَّالُ : وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24378_26107_10438الْفَاسِقَ الْخَبِيثَ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الزِّنَا وَالْفِسْقُ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِ الصَّوَالِحِ مِنَ النِّسَاءِ ، وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِي فَاسِقَةٍ خَبِيثَةٍ مِثْلِهِ أَوْ فِي مُشْرِكَةٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=26107_24378وَالْفَاسِقَةُ الْخَبِيثَةُ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا الصُّلَحَاءُ مِنَ الرِّجَالِ وَيَنْفِرُونَ عَنْهَا ، وَإِنَّمَا يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهَا مِنَ الْفَسَقَةِ وَالْمُشْرِكِينَ ، فَهَذَا عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ كَمَا يُقَالُ لَا يَفْعَلُ الْخَيْرَ إِلَّا الرَّجُلُ التَّقِيُّ ، وَقَدْ يَفْعَلُ بَعْضَ الْخَيْرِ مَنْ لَيْسَ بِتَقِيٍّ فَكَذَا هَاهُنَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ نِكَاحَ الْمُؤْمِنِ الْمَمْدُوحِ عِنْدَ اللَّهِ الزَّانِيَةَ وَرَغْبَتَهُ فِيهَا ، وَانْخِرَاطَهُ بِذَلِكَ فِي سِلْكِ الْفَسَقَةِ الْمُتَّسِمِينَ بِالزِّنَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28263_18837التَّشَبُّهِ بِالْفُسَّاقِ وَحُضُورِ مَوَاضِعِ التُّهْمَةِ ، وَالتَّسَبُّبِ لِسُوءِ الْمَقَالَةِ فِيهِ وَالْغِيبَةِ . وَمُجَالَسَةُ الْخَاطِئِينَ كَمْ فِيهَا مِنَ التَّعَرُّضِ لِاقْتِرَافِ الْآثَامِ ، فَكَيْفَ بِمُزَاوَجَةِ الزَّوَانِي وَالْفُجَّارِ .
الثَّانِي : وَهُوَ أَنَّ صَرْفَ الرَّغْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى الزَّوَانِي وَتَرْكَ الرَّغْبَةِ فِي الصَّالِحَاتِ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ) مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَرْغَبُ إِلَّا فِي الزَّانِيَةِ فَهَذَا الْحَصْرُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ هَذَا الْحَصْرِ حُرْمَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=26107التَّزَوُّجِ بِالزَّانِيَةِ ، فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ .
الوجه الثَّانِي : أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي ) وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) وَإِنْ كَانَ لِلْعُمُومِ ظَاهِرًا لَكِنَّهُ هَاهُنَا مَخْصُوصٌ بِالْأَقْوَامِ الَّذِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةُ ، قَدِمَ
الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ وَفِيهِمْ فُقَرَاءُ لَيْسَ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَلَا عَشَائِرُ ،
وَبِالْمَدِينَةِ نِسَاءٌ بَغَايَا يَكْرِينَ أَنْفُسَهُنَّ وَهُنَّ يَوْمَئِذٍ أَخْصَبُ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَامَةٌ عَلَى بَابِهَا كَعَلَامَةِ الْبَيْطَارِ ، لِيُعْرَفَ أَنَّهَا زَانِيَةٌ ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فَرَغِبَ فِي كَسْبِهِنَّ نَاسٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَالُوا نَتَزَوَّجُ بِهِنَّ إِلَى أَنْ يُغْنِيَنَا اللَّهُ عَنْهُنَّ ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ : أُولَئِكَ الزَّوَانِي لَا يَنْكِحُونَ إِلَّا تِلْكَ الزَّانِيَاتِ ، وَتِلْكَ الزَّانِيَاتُ لَا يَنْكِحُهُنَّ إِلَّا أُولَئِكَ الزَّوَانِي وَحُرِّمَ نِكَاحُهُنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .
[ ص: 132 ] الوجه الثَّالِثُ : فِي الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ) وَإِنْ كَانَ خَبَرًا فِي الظَّاهِرِ ، لَكِنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ زَانِيًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْكِحَ إِلَّا زَانِيَةً وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . وَهَكَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ، وَعَلَى هَذَا الوجه ذَكَرُوا قَوْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ بَاقٍ إِلَى الْآنِ حَتَّى يُحَرَّمَ عَلَى الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ التَّزَوُّجُ بِالْعَفِيفَةِ وَالْعَفِيفِ وَبِالْعَكْسِ وَيُقَالُ هَذَا مَذْهَبُ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ ، ثُمَّ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ . فَيَقُولُ كَمَا لَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالزَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ إِذَا زَنَتْ تَحْتَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْصِلُ لِأَنَّ فِي جُمْلَةِ مَا يَمْنَعُ مِنَ التَّزْوِيجِ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ دَوَامِ النِّكَاحِ كَالْإِحْرَامِ وَالْعِدَّةِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ صَارَ مَنْسُوخًا وَاخْتَلَفُوا فِي نَاسِخِهِ ، فَعَنِ
الْجُبَّائِيِّ أَنَّ نَاسِخَهُ هُوَ الْإِجْمَاعُ وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) [ النِّسَاءِ : 3 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=32وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى ) [ النُّورِ : 32 ] قَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27873_21619_22178الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ ، وَأَيْضًا فَالْإِجْمَاعُ الْحَاصِلُ عَقِيبَ الْخِلَافِ لَا يَكُونُ حُجَّةً ، وَالْإِجْمَاعُ فِي هَذِهِ المسألة مَسْبُوقٌ بِمُخَالَفَةِ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ فَكَيْفَ يَصِحُّ ؟
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ ) فَهُوَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنَ النِّكَاحِ مِنْ سَبَبٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَدْخُلُ فِيهِ تَزْوِيجُ الزَّانِيَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِ ، كَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ تَزْوِيجُهَا مِنَ الْأَخِ وَابْنِ الْأَخِ ، وَنَقُولُ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27761لِلزِّنَا تَأْثِيرًا فِي الْفُرْقَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا قَذَفَهَا بِالزِّنَا يُتْبِعُهَا بِالْفُرْقَةِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ ، وَلَا يَجِبُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ ، وَلِأَنَّ مِنْ حَقِّ الزِّنَا أَنْ يُورِثَ الْعَارَ وَيُؤَثِّرَ فِي الْفِرَاشِ فَفَارَقَ غَيْرَهُ .
ثُمَّ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ هَذَا النَّسْخَ ، بِأَنَّهُ
سُئِلَ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ nindex.php?page=treesubj&link=26107_10984رَجُلٍ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ؟ فَأَجَازَهُ nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَشَبَّهَهُ بِمَنْ سَرَقَ ثَمَرَ شَجَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ، وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : " أَوَّلُهُ سِفَاحٌ وَآخِرُهُ نِكَاحٌ " وَالْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ . الوجه الرَّابِعُ : أَنْ يُحْمَلَ النِّكَاحُ عَلَى الْوَطْءِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطَأُ حِينَ يَزْنِي إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَكَذَا الزَّانِيَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) أَيْ وَحُرِّمَ الزِّنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى هَذَا تَأْوِيلُ
أَبِي مُسْلِمٍ ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : هَذَا التَّأْوِيلُ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ مَا وَرَدَ النِّكَاحُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ ، وَلَمْ يَرِدِ الْبَتَّةَ بِمَعْنَى الْوَطْءِ .
الثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنِ الْفَائِدَةِ ، لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا الْمُرَادُ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطَأُ إِلَّا الزَّانِيَةَ فَالْإِشْكَالُ عَائِدٌ ، لِأَنَّا نَرَى أَنَّ الزَّانِيَ قَدْ يَطَأُ الْعَفِيفَةَ حِينَ يَتَزَوَّجُ بِهَا وَلَوْ قُلْنَا الْمُرَادُ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطَأُ إِلَّا الزَّانِيَةَ حِينَ يَكُونُ وَطْؤُهُ زِنًا فَهَذَا الْكَلَامُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ ) ؟ وَالْجَوَابُ : الْكَلَامُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَرْغَبُ إِلَّا فِي نِكَاحِ الزَّانِيَةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَرْغَبَ فِي نِكَاحِ الزَّانِيَةِ غَيْرُ الزَّانِي فَلَا جَرَمَ بَيْنَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ الثَّانِي .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : لِمَ قُدِّمَتِ الزَّانِيَةُ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهَاهُنَا بِالْعَكْسِ . الْجَوَابُ : سَبَقَتْ تِلْكَ الْآيَةُ لِعُقُوبَتِهَا عَلَى جِنَايَتِهَا ، وَالْمَرْأَةُ هِيَ الْمَادَّةُ فِي الزِّنَا ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَسُوقَةٌ لِذِكْرِ النِّكَاحِ ، وَالرَّجُلُ أَصْلٌ فِيهِ لِأَنَّهُ هُوَ الرَّاغِبُ وَالطَّالِبُ .