أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فاجلدوهم ثمانين جلدة ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : المخاطب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فاجلدوهم ) هو الإمام على ما بيناه في آية الزنا ، أو المالك على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، أو رجل صالح ينصبه الناس عند فقد الإمام .
المسألة الثانية : خص من عموم هذه الآية صور .
أحدها :
nindex.php?page=treesubj&link=10501الوالد يقذف ولده أو أحدا من نوافله ، فلا يجب عليه الحد ، كما لا يجب عليه القصاص بقتله .
الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=33511_28369_33471القاذف إذا كان عبدا فالواجب جلد أربعين ، وكذا المكاتب وأم الولد ، ومن بعضه حر وبعضه رقيق فحدهم حد العبيد .
الثالثة : من
nindex.php?page=treesubj&link=33511_33471قذف رقيقة عفيفة أو من زنت في قديم الأيام ثم تابت فهي بموجب اللغة محصنة ، ومع ذلك لا يجب الحد بقذفها .
[ ص: 140 ] المسألة الثالثة : قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=10392_24373أشد الضرب في الحدود ضرب الزنا ، ثم ضرب شرب الخمر ، ثم ضرب القاذف ، لأن سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب ، إلا أنه عوقب صيانة للأعراض وزجرا عن هتكها .
المسألة الرابعة : قال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : حد القذف يورث ، فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=10537_10538_24368مات المقذوف قبل استيفاء الحد وقبل العفو يثبت لوارثه حد القذف ، وكذلك إذا كان الواجب بقذفه التعزير ، فإنه يورث عنه ، وكذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=10538_10537_24368أنشأ القذف بعد موت المقذوف ثبت لوارثه طلب الحد . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله : حد القذف لا يورث ويسقط بالموت . حجة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، أن حد القذف هو حق الآدمي لأنه يسقط بعفوه ولا يستوفى إلا بطلبه ويحلف فيه المدعى عليه إذا أنكر ، وإذا كان حق الآدمي وجب أن يورث لقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013368ومن ترك حقا فلورثته " حجة
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله : أنه لو كان موروثا لكان للزوج أو الزوجة فيه نصيب ، ولأنه حق ليس فيه معنى المال والوثيقة فلا يورث كالوكالة والمضاربة .
والجواب عن الأول : أن الأصح عند
الشافعية أنه يرثه جميع الورثة كالمال ، وفيه وجه ثان أنه يرثه كلهم إلا الزوج والزوجة ، لأن الزوجية ترتفع بالموت ، ولأن المقصود من الحد دفع العار عن النسب ، وذلك لا يلحق الزوج والزوجة .
المسألة الخامسة : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=10542_26481_26483قذف إنسان إنسانا بين يدي الحاكم ، أو
nindex.php?page=treesubj&link=10542_26481_26483قذف امرأته برجل بعينه والرجل غائب ، فعلى الحاكم أن يبعث إلى المقذوف ويخبره بأن فلانا قذفك وثبت لك حد القذف عليه ، كما لو ثبت له مال على آخر وهو لا يعلمه يلزمه إعلامه ، وعلى هذا المعنى "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013369بعث النبي صلى الله عليه وسلم أنيسا ليخبرها بأن فلانا قذفها بابنه ولم يبعثه ليتفحص عن زناها " قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله وليس للإمام إذا رمى رجل بزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك لأن الله تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12ولا تجسسوا ) [ الحجرات : 12 ] وأراد به إذا لم يكن القاذف معينا ، مثل إن قال رجل بين يدي الحاكم : الناس يقولون إن فلانا زنى فلا يبعث الحاكم إليه فيسأله .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) فاختلف الفقهاء فيه ، فقال أكثر الصحابة والتابعين إنه إذا تاب قبلت شهادته وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والحسن بن صالح رحمهم الله لا تقبل
nindex.php?page=treesubj&link=15989_16041_16045_16067_27107شهادة المحدود في القذف إذا تاب ، وهذه المسألة مبنية على أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا ) هل عاد إلى جميع الأحكام المذكورة أو اختص بالجملة الأخيرة ، فعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله : الاستثناء المذكور عقيب الجمل الكثيرة مختص بالجملة الأخيرة ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله يرجع إلى الكل ، وهذه المسألة قد لخصناها في أصول الفقه ، ونذكر هاهنا ما يليق بهذا الموضع إن شاء الله تعالى ، احتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله على أن شهادته مقبولة بوجوه :
أحدها : قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013015التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ومن لا ذنب له مقبول الشهادة ، فالتائب يجب أن يكون أيضا مقبول الشهادة .
وثانيها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=15989_33542_33543_27107الكافر يقذف فيتوب عن الكفر فتقبل شهادته بالإجماع ، فالقاذف المسلم إذا تاب عن القذف وجب أن تقبل شهادته ، لأن القذف مع الإسلام أهون حالا من القذف مع الكفر ، فإن قيل المسلمون لا يألمون بسب الكفار ، لأنهم شهروا بعداوتهم والطعن فيهم بالباطل ، فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشين والشنآن ما يلحقه بقذف مسلم مثله ، فشدد على القاذف من المسلمين زجرا عن إلحاق العار والشنآن ، وأيضا فالتائب من الكفر لا يجب عليه الحد والتائب من القذف لا يسقط عنه الحد ، قلنا هذا الفرق ملغى بقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013370أنبئهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على [ ص: 141 ] المسلمين " .
وثالثها : أجمعنا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=27107_33542_33543التائب عن الكفر والقتل والزنا مقبول الشهادة فكذا التائب عن القذف ; لأن هذه الكبيرة ليست أكبر من نفس الزنا .
ورابعها : أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة رحمه الله يقبل شهادته إذا تاب قبل الحد مع أن الحد حق المقذوف فلا يزول بالتوبة . فلأن تقبل شهادته إذا تاب بعد إقامة الحد وقد حسنت حالته وزال اسم الفسق عنه كان أولى .
وخامسها : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا ) استثناء مذكور عقيب جمل فوجب عوده إليها بأسرها ويدل عليه أمور :
أحدها : أجمعنا على أنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=11706_11716_27812_27330_7435_7436قال عبده حر وامرأته طالق إن شاء الله ، فإنه يرجع الاستثناء إلى الجميع فكذا فيما نحن فيه ، فإن قيل الفرق أن قوله : إن شاء الله يدخل لرفع حكم الكلام حتى لا يثبت فيه شيء ، والاستثناء المذكور بحرف الاستثناء لا يجوز دخوله لرفع حكم الكلام رأسا . ألا ترى أنه يجوز أن يقول أنت طالق إن شاء الله فلا يقع شيء ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=11783_11716_11730قال أنت طالق إلا طلاقا كان الطلاق واقعا والاستثناء باطلا لاستحالة دخوله لرفع حكم الكلام بالكلية ، فثبت أنه لا يلزم من رجوع قوله : ( إن شاء الله ) إلى جميع ما تقدم صحة رجوع الاستثناء بحرفه إلى جميع ما تقدم ، قلنا هذا فرق في غير محل الجمع ، لأن إن شاء الله جاز دخوله لرفع حكم الكلام بالكلية ، فلا جرم جاز رجوعه إلى جميع الجمل المذكورة وإلا جاز دخوله لرفع بعض الكلام فوجب جواز رجوعه إلى جميع الجمل على هذا الوجه ، حتى يقتضي أن يخرج من كل واحد من الجمل المذكورة بعضه .
وثانيها : أن الواو للجمع المطلق فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) صار الجمع كأنه ذكر معا لا تقدم للبعض على البعض .
فلما دخل عليه لم يكن رجوع الاستثناء إلى بعضها أولى من رجوعه إلى الباقي إذ لم يكن لبعضها على بعض تقدم في المعنى البتة فوجب رجوعه إلى الكل ، ونظيره على قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) [ المائدة : 6 ] فإن فاء التعقيب ما دخلت على غسل الوجه بل على مجموع هذه الأمور من حيث إن الواو لا تفيد الترتيب . فكذا هاهنا كلمة إلا ما دخلت على واحد بعينه لأن حرف الواو لا يفيد الترتيب بل دخلت على المجموع ، فإن قيل الواو قد تكون للجمع على ما ذكرت وقد تكون للاستئناف وهي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون ) لأنها إنما تكون للجمع فيما لا يختلف معناه ونظمه جملة واحدة ، فيصير الكل كالمذكور معا مثل آية الوضوء فإن الكل أمر واحد كأنه قال : فاغسلوا هذه الأعضاء فإن الكل قد تضمنه لفظ الأمر .
وأما آية القذف فإن ابتداءها أمر وآخرها خبر فلا يجوز أن ينظمهما جملة واحدة ، وكان الواو للاستئناف فيختص الاستثناء به ، قلنا لم لا يجوز أن نجعل الجمل الثلاث بمجموعهن جزاء الشرط كأنه قيل ومن قذف المحصنات فاجلدوهم وردوا شهادتهم وفسقوهم ، أي فاجمعوا لهم الجلد والرد والفسق ، إلا الذين تابوا عن القذف وأصلحوا فإن الله يغفر لهم فينقلبون غير مجلودين ولا مردودين ولا مفسقين .
وثالثها : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون ) عقيب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) يدل على أن العلة في عدم قبول تلك الشهادة كونه فاسقا ، لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، لا سيما إذا كان الوصف مناسبا وكونه فاسقا يناسب أن لا يكون مقبول الشهادة ، إذا ثبت أن العلة لرد الشهادة ليست إلا كونه فاسقا ، ودل الاستثناء على زوال الفسق فقد زالت العلة فوجب أن يزول الحكم لزوال العلة .
ورابعها : أن مثل هذا الاستثناء موجود في القرآن ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) [ المائدة : 33 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا ) ولا خلاف أن هذا الاستثناء راجع إلى ما تقدم من أول الآية ، وأن التوبة حاصلة لهؤلاء جميعا وكذلك قوله :
[ ص: 142 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) [ النساء : 43 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فلم تجدوا ماء فتيمموا ) [ النساء : 43 ] وصار التيمم لمن وجب عليه الاغتسال ، كما أنه مشروع لمن وجب عليه الوضوء ، وهذا الوجه ذكره
أبو عبيد في إثبات مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، واحتج أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على أن حكم الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة بوجوه :
أحدها : أن الاستثناء من الاستثناء يختص بالجملة الأخيرة ، فكذا في جميع الصور طردا للباب .
وثانيها : أن المقتضي لعموم الجمل المتقدمة قائم والمعارض وهو الاستثناء يكفي في تصحيحه تعليقه بجملة واحدة ، لأن بهذا القدر يخرج الاستثناء عن أن يكون لغوا فوجب تعليقه بالجملة الواحدة فقط .
وثالثها : أن الاستثناء لو رجع إلى كل الجمل المتقدمة لوجب أنه إذا تاب أن لا يجلد وهذا باطل بالإجماع فوجب أن يختص الاستثناء بالجملة الأخيرة .
والجواب عن الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=21188_21183_21186الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي ، فالاستثناء عقيب الاستثناء لو رجع إلى الاستثناء الأول وإلى المستثنى فبقدر ما نفى من أحدهما أثبت في الآخر فينجبر الناقص بالزائد ويصير الاستثناء الثاني عديم الفائدة ، فلهذا السبب قلنا في الاستثناء من الاستثناء إنه يختص بالجملة الأخيرة .
والجواب عن الثاني : أنا بينا أن واو العطف لا تقتضي الترتيب فلم يكن بعض الجمل متأخرا في التقدير عن البعض ، فلم يكن تعليقه بالبعض أولى من تعليقه بالباقي ، فوجب تعليقه بالكل .
والجواب عن الثالث : أنه ترك العمل به في حق البعض فلم يترك العمل به في حق الباقي ، واحتج أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله في المسألة بوجوه من الأخبار :
أحدها : ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في قصة
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013371هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجلد هلال وتبطل شهادته في المسلمين " فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وقوع الجلد به يبطل شهادته من غير شرط التوبة في قبولها .
وثانيها : أن قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013365المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف " ولم يشترط فيه وجود التوبة منه .
وثالثها : ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013372لا تجوز شهادة محدود في الإسلام " قالت
الشافعية هذا معارض بوجوه :
أحدها : قوله عليه السلام : "
إذا علمت مثل الشمس فاشهد " والأمر للوجوب فإذا علم المحدود وجبت عليه الشهادة ولو لم تكن مقبولة لما وجبت لأنها تكون عبثا .
وثانيها : قوله عليه السلام : "
نحن نحكم بالظاهر " وهاهنا قد حصل الظهور لأن دينه وعقله وعفته الحاصلة بالتوبة تفيد ظن كونه صادقا .
وثالثها : ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب " أنه ضرب الذين شهدوا على
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة وهم
أبو بكرة ونافع ونفيع ، ثم قال لهم من أكذب نفسه قبلت شهادته ومن لم يفعل لم أجز شهادته فأكذب
نافع ونفيع أنفسهما وتابا وكان يقبل شهادتهما . وأما
أبو بكرة فكان لا يقبل شهادته " وما أنكر عليه أحد من الصحابة فيه ، فهذا تمام الكلام في هذه المسألة .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون ) فاعلم أنه يدل على أمرين :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=27530_10465القذف من جملة الكبائر لأن اسم الفسق لا يقع إلا على صاحب الكبيرة .
الثاني : أنه اسم لمن يستحق العقاب لأنه لو كان مشتقا من فعله لكانت التوبة لا تمنع من دوامه كما لا تمنع من وصفه بأنه ضارب وبأنه رام إلى غير ذلك .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فَاجْلِدُوهُمْ ) هُوَ الْإِمَامُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي آيَةِ الزِّنَا ، أَوِ الْمَالِكُ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، أَوْ رَجُلٌ صَالِحٌ يُنَصِّبُهُ النَّاسُ عِنْدَ فَقْدِ الْإِمَامِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : خُصَّ مِنْ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ صُوَرٌ .
أَحَدُهَا :
nindex.php?page=treesubj&link=10501الْوَالِدُ يَقْذِفُ وَلَدَهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ نَوَافِلِهِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ .
الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=33511_28369_33471الْقَاذِفُ إِذَا كَانَ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ جَلْدُ أَرْبَعِينَ ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَحَدُّهُمْ حَدُّ الْعَبِيدِ .
الثَّالِثَةُ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33511_33471قَذَفَ رَقِيقَةً عَفِيفَةً أَوْ مَنْ زَنَتْ فِي قَدِيمِ الْأَيَّامِ ثُمَّ تَابَتْ فَهِيَ بِمُوجَبِ اللُّغَةِ مُحْصَنَةٌ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهَا .
[ ص: 140 ] المسألة الثَّالِثَةُ : قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=10392_24373أَشَدُّ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ ضَرْبُ الزِّنَا ، ثُمَّ ضَرْبُ شُرْبِ الْخَمْرِ ، ثُمَّ ضَرْبُ الْقَاذِفِ ، لِأَنَّ سَبَبَ عُقُوبَتِهِ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ ، إِلَّا أَنَّهُ عُوقِبَ صِيَانَةً لِلْأَعْرَاضِ وَزَجْرًا عَنْ هَتْكِهَا .
المسألة الرَّابِعَةُ : قَالَ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : حَدُّ الْقَذْفِ يُوَرَّثُ ، فَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10537_10538_24368مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَقَبْلَ الْعَفْوِ يَثْبُتُ لِوَارِثِهِ حَدُّ الْقَذْفِ ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ بِقَذْفِهِ التَّعْزِيرَ ، فَإِنَّهُ يُوَرَّثُ عَنْهُ ، وَكَذَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10538_10537_24368أَنْشَأَ الْقَذْفَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْذُوفِ ثَبَتَ لِوَارِثِهِ طَلَبُ الْحَدِّ . وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : حَدُّ الْقَذْفِ لَا يُوَرَّثُ وَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ . حُجَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ هُوَ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ وَلَا يُسْتَوْفَى إِلَّا بِطَلَبِهِ وَيَحْلِفُ فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا أَنْكَرَ ، وَإِذَا كَانَ حَقَّ الْآدَمِيِّ وَجَبَ أَنْ يُوَرَّثَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013368وَمَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ " حُجَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْرُوثًا لَكَانَ لِلزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ فِيهِ نَصِيبٌ ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِ وَالْوَثِيقَةِ فَلَا يُوَرَّثُ كَالْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَرِثُهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ كَالْمَالِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّهُمْ إِلَّا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ ، لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَرْتَفِعُ بِالْمَوْتِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِّ دَفْعُ الْعَارِ عَنِ النَّسَبِ ، وَذَلِكَ لَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ .
المسألة الْخَامِسَةُ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=10542_26481_26483قَذَفَ إِنْسَانٌ إِنْسَانًا بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ ، أَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10542_26481_26483قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَالرَّجُلُ غَائِبٌ ، فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى الْمَقْذُوفِ وَيُخْبِرَهُ بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَكَ وَثَبَتَ لَكَ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ لَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ يَلْزَمُهُ إِعْلَامُهُ ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013369بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَيْسًا لِيُخْبِرَهَا بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهَا بِابْنِهِ وَلَمْ يَبْعَثْهُ لِيَتَفَحَّصَ عَنْ زِنَاهَا " قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إِذَا رَمَى رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ فَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12وَلَا تَجَسَّسُوا ) [ الْحُجُرَاتِ : 12 ] وَأَرَادَ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَاذِفُ مُعَيَّنًا ، مِثْلَ إِنْ قَالَ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيِ الْحَاكِمِ : النَّاسُ يَقُولُونَ إِنَّ فَلَانًا زَنَى فَلَا يَبْعَثُ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ فَيَسْأَلُهُ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ) فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ ، فَقَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِنَّهُ إِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَا تُقْبَلُ
nindex.php?page=treesubj&link=15989_16041_16045_16067_27107شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إِذَا تَابَ ، وَهَذِهِ المسألة مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ) هَلْ عَادَ إِلَى جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ أَوِ اخْتُصَّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ ، فَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ عَقِيبَ الْجُمَلِ الْكَثِيرَةِ مُخْتَصٌّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْكُلِّ ، وَهَذِهِ المسألة قَدْ لَخَّصْنَاهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَنَذْكُرُ هَاهُنَا مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، احْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ بِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013015التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ " وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ ، فَالتَّائِبُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=15989_33542_33543_27107الْكَافِرَ يَقْذِفُ فَيَتُوبُ عَنِ الْكُفْرِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ ، فَالْقَاذِفُ الْمُسْلِمُ إِذَا تَابَ عَنِ الْقَذْفِ وَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ ، لِأَنَّ الْقَذْفَ مَعَ الْإِسْلَامِ أَهْوَنُ حَالًا مِنَ الْقَذْفِ مَعَ الْكُفْرِ ، فَإِنْ قِيلَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَأْلَمُونَ بِسَبِّ الْكُفَّارِ ، لِأَنَّهُمْ شُهِرُوا بِعَدَاوَتِهِمْ وَالطَّعْنِ فِيهِمْ بِالْبَاطِلِ ، فَلَا يَلْحَقُ الْمَقْذُوفَ بِقَذْفِ الْكَافِرِ مِنَ الشَّيْنِ وَالشَّنَآنِ مَا يَلْحَقُهُ بِقَذْفِ مُسْلِمٍ مِثْلِهِ ، فَشُدِّدَ عَلَى الْقَاذِفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ زَجْرًا عَنْ إِلْحَاقِ الْعَارِ وَالشَّنَآنِ ، وَأَيْضًا فَالتَّائِبُ مِنَ الْكُفْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالتَّائِبُ مِنَ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ ، قُلْنَا هَذَا الْفَرْقُ مُلْغًى بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013370أَنْبِئْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى [ ص: 141 ] الْمُسْلِمِينَ " .
وَثَالِثُهَا : أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27107_33542_33543التَّائِبَ عَنِ الْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ فَكَذَا التَّائِبُ عَنِ الْقَذْفِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْكَبِيرَةَ لَيْسَتْ أَكْبَرَ مِنْ نَفْسِ الزِّنَا .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ إِذَا تَابَ قَبْلَ الْحَدِّ مَعَ أَنَّ الْحَدَّ حَقُّ الْمَقْذُوفِ فَلَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ . فَلَأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ إِذَا تَابَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ وَقَدْ حَسُنَتْ حَالَتُهُ وَزَالَ اسْمُ الْفِسْقِ عَنْهُ كَانَ أَوْلَى .
وَخَامِسُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ) اسْتِثْنَاءٌ مَذْكُورٌ عَقِيبَ جُمَلٍ فَوَجَبَ عَوْدُهُ إِلَيْهَا بِأَسْرِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أُمُورٌ :
أَحَدُهَا : أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11706_11716_27812_27330_7435_7436قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى الْجَمِيعِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ، فَإِنْ قِيلَ الْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَدْخُلُ لِرَفْعِ حُكْمِ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ فِيهِ شَيْءٌ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَجُوزُ دُخُولُهُ لِرَفْعِ حُكْمِ الْكَلَامِ رَأْسًا . أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=11783_11716_11730قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا طَلَاقًا كَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا لِاسْتِحَالَةِ دُخُولِهِ لِرَفْعِ حُكْمِ الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رُجُوعِ قَوْلِهِ : ( إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ صِحَّةُ رُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ بِحَرْفِهِ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ، قُلْنَا هَذَا فَرْقٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجَمْعِ ، لِأَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ جَازَ دُخُولُهُ لِرَفْعِ حُكْمِ الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَلَا جَرَمَ جَازَ رُجُوعُهُ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا جَازَ دُخُولُهُ لِرَفْعِ بَعْضِ الْكَلَامِ فَوَجَبَ جَوَازُ رُجُوعِهِ إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ عَلَى هَذَا الوجه ، حَتَّى يَقْتَضِيَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجُمَلِ الْمَذْكُورَةِ بَعْضُهُ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) صَارَ الْجَمْعُ كَأَنَّهُ ذُكِرَ مَعًا لَا تَقَدُّمَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ .
فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى بَعْضِهَا أَوْلَى مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى الْبَاقِي إِذْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ تَقَدُّمٌ فِي الْمَعْنَى الْبَتَّةَ فَوَجَبَ رُجُوعُهُ إِلَى الْكُلِّ ، وَنَظِيرُهُ عَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) [ الْمَائِدَةِ : 6 ] فَإِنَّ فَاءَ التَّعْقِيبِ مَا دَخَلَتْ عَلَى غَسْلِ الوجه بَلْ عَلَى مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ . فَكَذَا هَاهُنَا كَلِمَةُ إِلَّا مَا دَخَلَتْ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ بَلْ دَخَلَتْ عَلَى الْمَجْمُوعِ ، فَإِنْ قِيلَ الْوَاوُ قَدْ تَكُونُ لِلْجَمْعِ عَلَى مَا ذَكَرْتَ وَقَدْ تَكُونُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَهِيَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ لِلْجَمْعِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ وَنَظْمُهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ، فَيَصِيرُ الْكُلُّ كَالْمَذْكُورِ مَعًا مِثْلَ آيَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْكُلَّ أَمْرٌ وَاحِدٌ كَأَنَّهُ قَالَ : فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ فَإِنَّ الْكُلَّ قَدْ تَضَمَّنَهُ لَفْظُ الْأَمْرِ .
وَأَمَّا آيَةُ الْقَذْفِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَهَا أَمْرٌ وَآخِرَهَا خَبَرٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظِمَهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً ، وَكَانَ الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ فَيَخْتَصُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ ، قُلْنَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ نَجْعَلَ الْجُمَلَ الثَّلَاثَ بِمَجْمُوعِهِنَّ جَزَاءَ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَنْ قَذَفَ الْمُحْصَنَاتِ فَاجْلِدُوهُمْ وَرُدُّوا شَهَادَتَهِمْ وَفَسِّقُوهُمْ ، أَيْ فَاجْمَعُوا لَهُمُ الْجَلْدَ وَالرَّدَّ وَالْفِسْقَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا عَنِ الْقَذْفِ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ فَيَنْقَلِبُونَ غَيْرَ مَجْلُودِينَ وَلَا مَرْدُودِينَ وَلَا مُفَسَّقِينَ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) عَقِيبَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ قَبُولِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ كَوْنُهُ فَاسِقًا ، لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا وَكَوْنُهُ فَاسِقًا يُنَاسِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ ، إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِلَّةَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ إِلَّا كَوْنَهُ فَاسِقًا ، وَدَلَّ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى زَوَالِ الْفِسْقِ فَقَدْ زَالَتِ الْعِلَّةُ فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ الْحُكْمُ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) [ الْمَائِدَةِ : 33 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ) وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ حَاصِلَةٌ لِهَؤُلَاءِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
[ ص: 142 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) [ النِّسَاءِ : 43 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) [ النِّسَاءِ : 43 ] وَصَارَ التَّيَمُّمُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ ، كَمَا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ ، وَهَذَا الوجه ذَكَرَهُ
أَبُو عُبَيْدٍ فِي إِثْبَاتِ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِثْنَاءِ مُخْتَصٌّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ بِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ يَخْتَصُّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ ، فَكَذَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ طَرْدًا لِلْبَابِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِعُمُومِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَائِمٌ وَالْمُعَارِضَ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ يَكْفِي فِي تَصْحِيحِهِ تَعْلِيقُهُ بِجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، لِأَنَّ بِهَذَا الْقَدْرِ يَخْرُجُ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَغْوًا فَوَجَبَ تَعْلِيقُهُ بِالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَوْ رَجَعَ إِلَى كُلِّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَوَجَبَ أَنَّهُ إِذَا تَابَ أَنْ لَا يُجْلَدَ وَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21188_21183_21186الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ وَمِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ ، فَالِاسْتِثْنَاءُ عَقِيبَ الِاسْتِثْنَاءِ لَوْ رَجَعَ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ وَإِلَى الْمُسْتَثْنَى فَبِقَدْرِ مَا نَفَى مِنْ أَحَدِهِمَا أَثْبَتَ فِي الْآخَرِ فَيَنْجَبِرُ النَّاقِصُ بِالزَّائِدِ وَيَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ الثَّانِي عَدِيمَ الْفَائِدَةِ ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قُلْنَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ إِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي : أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فَلَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْجُمَلِ مُتَأَخِّرًا فِي التَّقْدِيرِ عَنِ الْبَعْضِ ، فَلَمْ يَكُنْ تَعْلِيقُهُ بِالْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِهِ بِالْبَاقِي ، فَوَجَبَ تَعْلِيقُهُ بِالْكُلِّ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ : أَنَّهُ تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّ الْبَعْضِ فَلَمْ يُتْرَكِ الْعَمَلُ بِهِ فِي حَقِّ الْبَاقِي ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي المسألة بِوُجُوهٍ مِنَ الْأَخْبَارِ :
أَحَدُهَا : مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قِصَّةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013371هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُجْلَدُ هِلَالٌ وَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ " فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ وُقُوعَ الْجَلْدِ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّوْبَةِ فِي قَبُولِهَا .
وَثَانِيهَا : أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013365الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ " وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ وُجُودَ التَّوْبَةِ مِنْهُ .
وَثَالِثُهَا : مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16709عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013372لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ " قَالَتِ
الشَّافِعِيَّةُ هَذَا مُعَارَضٌ بِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
إِذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ " وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَإِذَا عَلِمَ الْمَحْدُودُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً لَمَا وَجَبَتْ لِأَنَّهَا تَكُونُ عَبَثًا .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ " وَهَاهُنَا قَدْ حَصَلَ الظُّهُورُ لِأَنَّ دِينَهُ وَعَقْلَهُ وَعِفَّتَهُ الْحَاصِلَةَ بِالتَّوْبَةِ تُفِيدُ ظَنَّ كَوْنِهِ صَادِقًا .
وَثَالِثُهَا : مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " أَنَّهُ ضَرَبَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=19الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَهُمْ
أَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعٌ وَنُفَيْعٌ ، ثم قال لَهُمْ مَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أُجِزْ شَهَادَتَهُ فَأَكْذَبَ
نَافِعٌ وَنُفَيْعٌ أَنْفُسَهُمَا وَتَابَا وَكَانَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا . وَأَمَّا
أَبُو بَكْرَةَ فَكَانَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ " وَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِ ، فَهَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ المسألة .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27530_10465الْقَذْفَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ اسْمَ الْفِسْقِ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْ فِعْلِهِ لَكَانَتِ التَّوْبَةُ لَا تَمْنَعُ مِنْ دَوَامِهِ كَمَا لَا تَمْنَعُ مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ ضَارِبٌ وَبِأَنَّهُ رَامٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .