(
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ) .
النوع السادس : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=30532_29703يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم )
[ ص: 158 ] وهذا من باب الزواجر ، والمعنى يعظكم الله بهذه المواعظ التي بها تعرفون عظم هذا الذنب ، وأن فيه الحد والنكال في الدنيا والعذاب في الآخرة ، لكي لا تعودوا إلى مثل هذا العمل أبدا ، وأبدهم ما داموا أحياء مكلفين ، وقد دخل تحت ذلك من قال ومن سمع فلم ينكر ، لأن حالهما سواء في أن فعلا ما لا يجوز وإن كان من أقدم عليه أعظم ذنبا ، فبين أن الغرض بما عرفهم من هذه الطريقة أن لا يعودوا إلى مثل ما تقدم منهم وهاهنا مسائل :
المسألة الأولى : استدلت
المعتزلة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17إن كنتم مؤمنين ) على أن ترك القذف من الإيمان وعلى أن فعل القذف لا يبقى معه الإيمان ، لأن المعلق على الشرط عدم عند عدم الشرط ، والجواب : هذا معارض بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) أي منكم أيها المؤمنون فدل ذلك على أن القذف لا يوجب الخروج عن الإيمان وإذا ثبت التعارض حملنا هذه الآية على التهييج في الاتعاظ والانزجار .
المسألة الثانية : قالت
المعتزلة دلت هذه الآية على أنه تعالى أراد من جميع من وعظه مجانبة مثل ذلك في المستقبل وإن كان فيهم من لا يطيع ، فمن هذا الوجه تدل على أنه تعالى يريد من كلهم الطاعة وإن عصوا ، لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17يعظكم الله أن تعودوا ) معناه لكي لا تعودوا لمثله وذلك دلالة الإرادة . والجواب عنه قد تقدم مرارا .
المسألة الثالثة : هل يجوز أن يسمى الله تعالى واعظا لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17يعظكم الله أن تعودوا ) ؟ الأظهر أنه لا يجوز كما لا يجوز أن يسمى معلما لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرحمن nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2علم القرآن ) [ الرحمن : 1 ] .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=34077ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم ) فالمراد من الآيات ما به يعرف المرء ما ينبغي أن يتمسك به ، ثم بين أنه لكونه عليما حكيما يؤثر بما يجب أن يبينه ويجب أن يطاع لأجل ذلك ، لأن من لا يكون عالما لا يجب قبول تكليفه ، لأنه قد يأمر بما لا ينبغي ، ولأن المكلف إذا أطاعه فقد لا يعلم أنه أطاعه ، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة ، وأما من كان عالما لكنه لا يكون حكيما فقد يأمره بما لا ينبغي فإذا أطاعه المكلف فقد يعذب المطيع وقد يثيب العاصي ، وحينئذ لا يبقى للطاعة فائدة ، وأما إذا كان عليما حكيما فإنه لا يأمر إلا بما ينبغي ولا يهمل جزاء المستحقين ، فلهذا ذكر هاتين الصفتين وخصهما بالذكر ، وهاهنا سؤالات :
الأول : الحكيم هو الذي لا يأتي بما لا ينبغي ، وإنما يكون كذلك لو كان عالما بقبح القبيح وعالما بكونه غنيا عنه فيكون العليم داخلا في الحكيم ، فكان ذكر الحكيم مغنيا عنه . هذا على قول
المعتزلة ، وأما على قول أهل السنة والجماعة فالحكمة هي العلم فقط ، فذكر العليم الحكيم يكون تكرارا محضا ، الجواب : يحمل ذلك على التأكيد .
السؤال الثاني : قالت
المعتزلة دلت الآية على أنه إنما يجب قبول بيان الله تعالى لمجرد كونه عالما حكيما ، والحكيم هو الذي لا يفعل القبائح فتدل الآية على أنه لو كان خالقا للقبائح لما جاز الاعتماد على وعده ووعيده . والجواب : الحكيم عندنا هو العليم ، وإنما يجوز الاعتماد على قوله لكونه عالما بكل المعلومات ، فإن الجاهل لا اعتماد على قوله البتة .
السؤال الثالث : قالت
المعتزلة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18ويبين الله لكم ) أي لأجلكم ، وهذا يدل على أن أفعاله معللة
[ ص: 159 ] بالأغراض ، ولأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18لكم ) لا يجوز حمله على ظاهره لأنه ليس الغرض نفس ذواتهم بل الغرض حصول انتفاعهم وطاعتهم وإيمانهم ، فدل هذا على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل، والجواب : المراد أنه سبحانه فعل بهم ما لو فعله غيره لكان ذلك غرضا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .
النوع السَّادِسُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=30532_29703يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
[ ص: 158 ] وَهَذَا مِنْ بَابِ الزَّوَاجِرِ ، وَالْمَعْنَى يَعِظُكُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْمَوَاعِظِ الَّتِي بِهَا تَعْرِفُونَ عِظَمَ هَذَا الذَّنَبِ ، وَأَنَّ فِيهِ الْحَدَّ وَالنَّكَالَ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ ، لِكَيْ لَا تَعُودُوا إِلَى مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ أَبَدًا ، وَأَبَدُهُمْ مَا دَامُوا أَحْيَاءً مُكَلَّفِينَ ، وَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ ذَلِكَ مَنْ قَالَ وَمَنْ سَمِعَ فَلَمْ يُنْكِرْ ، لِأَنَّ حَالَهُمَا سَوَاءٌ فِي أَنْ فَعَلَا مَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ أَعْظَمَ ذَنْبًا ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْغَرَضَ بِمَا عَرَّفَهُمْ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنْ لَا يَعُودُوا إِلَى مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ وَهَاهُنَا مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : اسْتَدَلَّتِ
الْمُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْقَذْفِ مِنَ الْإِيمَانِ وَعَلَى أَنَّ فِعْلَ الْقَذْفِ لَا يَبْقَى مَعَهُ الْإِيمَانُ ، لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى الشَّرْطِ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ ، وَالْجَوَابُ : هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=11إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) أَيْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَذْفَ لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنِ الْإِيمَانِ وَإِذَا ثَبَتَ التَّعَارُضُ حَمَلْنَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى التَّهْيِيجِ فِي الِاتِّعَاظِ وَالِانْزِجَارِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ جَمِيعِ مَنْ وَعَظَهُ مُجَانَبَةَ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يُطِيعُ ، فَمِنْ هَذَا الوجه تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ مِنْ كُلِّهِمُ الطَّاعَةَ وَإِنْ عَصَوْا ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا ) مَعْنَاهُ لِكَيْ لَا تَعُودُوا لِمِثْلِهِ وَذَلِكَ دَلَالَةُ الْإِرَادَةِ . وَالْجَوَابُ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا .
المسألة الثَّالِثَةُ : هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى وَاعِظًا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=17يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا ) ؟ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مُعَلِّمًا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=1الرَّحْمَنُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=2عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) [ الرَّحْمَنِ : 1 ] .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18nindex.php?page=treesubj&link=34077وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَاتِ مَا بِهِ يَعْرِفُ الْمَرْءُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ عَلِيمًا حَكِيمًا يُؤَثِّرُ بِمَا يَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَيَجِبُ أَنْ يُطَاعَ لِأَجْلِ ذَلِكَ ، لِأَنَّ مَنْ لَا يَكُونُ عَالِمًا لَا يَجِبُ قَبُولُ تَكْلِيفِهِ ، لِأَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يَنْبَغِي ، وَلِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا أَطَاعَهُ فَقَدْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَطَاعَهُ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِلطَّاعَةِ فَائِدَةٌ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَالِمًا لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ حَكِيمًا فَقَدْ يَأْمُرُهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي فَإِذَا أَطَاعَهُ الْمُكَلَّفُ فَقَدْ يُعَذِّبُ الْمُطِيعَ وَقَدْ يُثِيبُ الْعَاصِيَ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِلطَّاعَةِ فَائِدَةٌ ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا يَنْبَغِي وَلَا يُهْمِلُ جَزَاءَ الْمُسْتَحِقِّينَ ، فَلِهَذَا ذَكَرَ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ ، وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : الْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي لَا يَأْتِي بِمَا لَا يَنْبَغِي ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِقُبْحِ الْقَبِيحِ وَعَالِمًا بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ فَيَكُونُ الْعَلِيمُ دَاخِلًا فِي الْحَكِيمِ ، فَكَانَ ذِكْرُ الْحَكِيمِ مُغْنِيًا عَنْهُ . هَذَا عَلَى قَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَالْحِكْمَةُ هِيَ الْعِلْمُ فَقَطْ ، فَذِكْرُ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ يَكُونُ تَكْرَارًا مَحْضًا ، الْجَوَابُ : يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى التَّأْكِيدِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ قَبُولُ بَيَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ عَالِمًا حَكِيمًا ، وَالْحَكِيمُ هُوَ الَّذِي لَا يَفْعَلُ الْقَبَائِحَ فَتَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَالِقًا لِلْقَبَائِحِ لَمَا جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَى وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ . وَالْجَوَابُ : الْحَكِيمُ عِنْدَنَا هُوَ الْعَلِيمُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ لَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِهِ الْبَتَّةَ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ ) أَيْ لِأَجْلِكُمْ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ مُعَلَّلَةٌ
[ ص: 159 ] بِالْأَغْرَاضِ ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=18لَكُمُ ) لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ نَفْسَ ذَوَاتِهِمْ بَلِ الْغَرَضُ حُصُولَ انْتِفَاعِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ الْإِيمَانَ مِنَ الْكُلِّ، وَالْجَوَابُ : الْمُرَادُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَعَلَ بِهِمْ مَا لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ ذَلِكَ غَرَضًا .