المسألة السادسة : اختلف العلماء في أن قوله : ( فكاتبوهم    ) أمر إيجاب أو أمر استحباب ؟ فقال قائلون هو أمر إيجاب ، فيجب على الرجل أن يكاتب مملوكه إذا سأله ذلك بقيمته أو أكثر إذا علم فيه خيرا  ، ولو كان بدون قيمته لم يلزمه ، وهذا قول  عمرو بن دينار  وعطاء  ، وإليه ذهب داود بن علي   ومحمد بن جرير  ، واحتجوا عليه بالآية والأثر . أما الآية فظاهر قوله تعالى : ( فكاتبوهم    ) لأنه أمر وهو للإيجاب ، ويدل عليه أيضا سبب نزول الآية ، فإنها نزلت في غلام  لحويطب بن عبد العزى  يقال له صبيح  ، سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه ، فنزلت الآية ، فكاتبه على مائة دينار ، ووهب له منها عشرين دينارا   . 
وأما الأثر فما روي أن عمر  أمر أنسا  أن يكاتب سيرين أبا محمد بن سيرين  فأبى ، فرفع عليه الدرة وضربه وقال : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا    ) وحلف عليه ليكاتبنه ، ولو لم يكن ذلك واجبا لكان ضربه بالدرة ظلما ، وما أنكر على عمر  أحد من الصحابة فجرى ذلك مجرى الإجماع ، وقال أكثر الفقهاء إنه أمر استحباب وهو ظاهر قول  ابن عباس  والحسن   والشعبي  وإليه ذهب مالك   وأبو حنيفة   والشافعي   والثوري  ، واحتجوا عليه بقوله عليه الصلاة والسلام " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه   " وأنه لا فرق أن يطلب الكتابة أو يطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة ، فكما لا يجب ذلك فكذا الكتابة وهذه طريقة المعاوضات أجمع وهاهنا سؤالان : 
السؤال الأول : كيف يصح أن يبيع ماله بماله ؟ قلنا إذا ورد الشرع به فيجب أن يجوز كما إذا عتقه على مال يكتسبه فيؤديه أو يؤدي عنه صار سببا لعتقه . 
السؤال الثاني : هل يستفيد العبد بعقد الكتابة ما لا يملكه لولا الكتابة  ؟ قلنا نعم لأنه لو دفع إليه الزكاة ، ولم يكاتب لم يحل له أن يأخذها ، وإذا صار مكاتبا حل له ، وإذا دفع إلى مولاه حل له ، سواء أدى فعتق أو عجز فعاد إلى الرق ، ويستفيد أيضا أن الكتابة تبعثه على الجد والاجتهاد في الكسب ، فلولاها لم يكن ليفعل ذلك ، ويستفيد المولى الثواب لأنه إذا باعه فلا ثواب ، وإذا كاتبه ففيه ثواب ، ويستفيد أيضا الولاء لأنه لو عتق من قبل غيره لم يكن له ولاء وإذا عتق بالكتابة فالولاء له ، فورد الشرع بجواز الكتابة لما ذكرناه من الفوائد . 
أما قوله تعالى : ( إن علمتم فيهم خيرا    ) فذكروا في الخير وجوها : 
أحدها : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن علمتم لهم حرفة ، فلا تدعوهم كلا على الناس   " . 
وثانيها : قال عطاء  الخير المال وتلا ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا    ) [ البقرة : 180 ] أي ترك مالا ، قال وبلغني ذلك عن  ابن عباس    . 
وثالثها : عن ابن سيرين   [ ص: 190 ] قال إذا صلى ، وقال  النخعي  وفاء وصدقا ، وقال الحسن  صلاحا في الدين . 
ورابعها : قال  الشافعي  رحمه الله : المراد بالخير الأمانة والقوة على الكسب ، لأن مقصود الكتابة  قلما يحصل إلا بهما فإنه ينبغي أن يكون كسوبا يحصل المال ويكون أمينا يصرفه في نجومه ولا يضيعه ، فإذا فقد الشرطان أو أحدهما لا يستحب أن يكاتبه ، والأقرب أنه لا يجوز حمله على المال لوجهين : 
الأول : أن المفهوم من كلام الناس إذا قالوا فلان فيه خير إنما يريدون به الصلاح في الدين ولو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيرا ، لأنه إنما يقال : لفلان مال ولا يقال فيه مال . 
الثاني : أن العبد لا مال له بل المال لسيده ، فالأولى أن يحمل على ما يعود على كتابته بالتمام ، وهو الذي ذكره  الشافعي    -رحمه الله- وهو أن يتمكن من الكسب ويوثق به بحفظ ذلك لأن كل ذلك مما يعود على كتابته بالتمام ، ودخل فيه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الخير لأنه عليه الصلاة والسلام فسره بالكسب وهو داخل في تفسير  الشافعي  رحمه الله . 
				
						
						
