nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=44يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=44يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .
اعلم أن هذا هو النوع الثاني من الدلائل وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43ألم تر ) بعين عقلك والمراد التنبيه ؛ والإزجاء السوق قليلا قليلا ، ومنه البضاعة المزجاة التي يزجيها كل أحد ، وإزجاء السير في الإبل الرفق بها حتى تسير شيئا فشيئا ، ثم يؤلف بينه ، قال
الفراء "بين" لا يصلح إلا مضافا إلى اسمين فما زاد ، وإنما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43بينه ) لأن السحاب واحد في اللفظ ، ومعناه الجمع والواحد سحابة ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=12وينشئ السحاب الثقال ) [الرعد : 12] والتأليف ضم شيء إلى شيء ، أي يجمع بين قطع السحاب فيجعلها سحابا واحدا (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43ثم يجعله ركاما ) أي مجتمعا ، والركم جمعك شيئا فوق شيء حتى تجعله مركوما ، والودق : المطر ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛ وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : القطر ، وعن
أبي مسلم الأصفهاني : الماء . (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43من خلاله ) من شقوقه ومخارقه جمع خلل كجبال في جمع جبل ، وقرئ "من خلله" .
[ ص: 13 ] المسألة الثانية : اعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يزجي سحابا ) يحتمل أنه سبحانه ينشئه شيئا بعد شيء ، ويحتمل أن يغيره من سائر الأجسام لا في حالة واحدة ، فعلى الوجه الأول يكون نفس السحاب محدثا ، ثم إنه سبحانه يؤلف بين أجزائه ، وعلى الثاني يكون المحدث من قبل الله تعالى تلك الصفات التي باعتبارها صارت تلك الأجسام سحابا ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43ثم يؤلف بينه ) دلالة على وجودها متقدما متفرقا ، إذ التأليف لا يصح إلا بين موجودين ، ثم إنه سبحانه يجعله ركاما ، وذلك بتركب بعضها على البعض ، وهذا مما لا بد منه لأن السحاب إنما يحمل الكثير من الماء إذا كان بهذه الصفة ، وكل ذلك من
nindex.php?page=treesubj&link=28784_19784عجائب خلقه ودلالة ملكه واقتداره ، قال أهل الطبائع إن
nindex.php?page=treesubj&link=31763_31761تكون السحاب والمطر والثلج والبرد والطل والصقيع في أكثر الأمر يكون من تكاثف البخار وفي الأقل من تكاثف الهواء ، أما الأول فالبخار الصاعد إن كان قليلا وكان في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار ، فحينئذ ينحل وينقلب هواء . وأما إن كان البخار كثيرا ولم يكن في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار فتلك الأبخرة المتصاعدة إما أن تبلغ في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء أو لا تبلغ ، فإن بلغت فإما أن يكون البرد هناك قويا أو لا يكون ، فإن لم يكن البرد هناك قويا تكاثف ذلك البخار بذلك القدر من البرد ، واجتمع وتقاطر ، فالبخار المجتمع هو السحاب ، والمتقاطر هو المطر ، والديمة والوابل إنما يكون من أمثال هذه الغيوم ، وأما إن كان البرد شديدا فلا يخلو إما أن يصل البرد إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها وانحلالها حبات كبارا أو بعد صيرورتها كذلك ، فإن كان على الوجه الأول نزل ثلجا ، وإن كان على الوجه الثاني نزل بردا ، وأما إذا لم تبلغ الأخيرة إلى الطبقة الباردة فهي إما أن تكون كثيرة أو تكون قليلة ، فإن كانت كثيرة فهي قد تنعقد سحابا ماطرا وقد لا تنعقد ، أما الأول فذاك لأحد أسباب خمسة :
أحدها : إذا منع هبوب الرياح عن تصاعد تلك الأبخرة .
وثانيها : أن تكون الرياح ضاغطة إياها إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال قدام الريح .
وثالثها : أن تكون هناك رياح متقابلة متصادمة فتمنع صعود الأبخرة حينئذ .
ورابعها : أن يعرض للجزء المتقدم وقوف لثقله وبطء حركته ، ثم يلتصق به سائر الأجزاء الكثيرة المدد .
وخامسها : لشدة برد الهواء القريب من الأرض . وقد نشاهد البخار يصعد في بعض الجبال صعودا يسيرا حتى كأنه مكبة موضوعة على وهدة ، ويكون الناظر إليها فوق تلك الغمامة والذين يكونون تحت الغمامة يمطرون والذين يكونون فوقها يكونون في الشمس ، وأما إذا كانت الأبخرة القليلة الارتفاع قليلة لطيفة ، فإذا ضربها برد الليل كثفها وعقدها ماء محسوسا فنزل نزولا متفرقا لا يحس به إلا عند اجتماع شيء يعتد به ، فإن لم يجمد كان طلا ، وإن جمد كان صقيعا ، ونسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر ، وأما تكون السحاب من انقباض الهواء فذلك عندما يبرد الهواء وينقبض ، وحينئذ يحصل منه الأقسام المذكورة . والجواب : أنا لما دللنا على حدوث الأجسام وتوسلنا بذلك إلى كونه قادرا مختارا يمكنه إيجاد الأجسام لم يمكنا القطع بما ذكرتموه لاحتمال أنه سبحانه خلق أجزاء السحاب دفعة لا بالطريق الذي ذكرتموه ، وأيضا فهب أن الأمر كما ذكرتم ، ولكن الأجسام بالاتفاق ممكنة في ذواتها فلا بد لها من مؤثر . ثم إنها متماثلة ، فاختصاص كل واحد منها بصفته المعينة من الصعود والهبوط واللطافة والكثافة والحرارة والبرودة لا بد له من مخصص ، فإذا كان هو سبحانه خالقا لتلك الطبائع ، وتلك الطبائع مؤثرة في هذه الأحوال ، وخالق السبب خالق المسبب ، فكان سبحانه هو الذي يزجي سحابا ، لأنه هو الذي خلق تلك الطبائع المحركة لتلك الأبخرة من باطن الأرض إلى جو الهواء ، ثم إن تلك الأبخرة إذا ترادفت في صعودها والتصق بعضها بالبعض فهو سبحانه
[ ص: 14 ] هو الذي جعلها ركاما ، فثبت على جميع التقديرات أن وجه الاستدلال بهذه الأشياء على القدرة والحكمة ظاهر بين .
أما قوله سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : في هذه الآية قولان :
أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19785_31757في السماء جبالا من برد خلقها الله تعالى كذلك ، ثم ينزل منها ما شاء ، وهذا القول عليه أكثر المفسرين ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد والكلبي : جبال من برد في السماء .
والقول الثاني : أن السماء هو الغيم المرتفع على رءوس الناس سمي بذلك لسموه وارتفاعه ، وأنه تعالى أنزل من هذا الغيم الذي هو سماء البرد وأراد بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43من جبال ) السحاب العظام لأنها إذا عظمت أشبهت الجبال ، كما يقال فلان يملك جبالا من مال ، ووصفت بذلك توسعا وذهبوا إلى أن البرد ماء جامد خلقه الله تعالى في السحاب ، ثم أنزله إلى الأرض ، وقال بعضهم إنما سمى الله ذلك الغيم جبالا ، لأنه سبحانه خلقها من البرد ، وكل جسم شديد متحجر فهو من الجبال ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=184واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ) [الشعراء : 184] ومنه : فلان مجبول على كذا ، قال المفسرون : والأول أولى لأن السماء اسم لهذا الجسم المخصوص ، فجعله اسما للسحاب بطريقة الاشتقاق مجاز ، وكما يصح أن يجعل الله الماء في السحاب ثم ينزله بردا ، فقد يصح أن يكون في السماء جبال من برد ، وإذا صح في القدرة كلا الأمرين فلا وجه لترك الظاهر .
المسألة الثانية : قال
أبو علي الفارسي : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43من السماء من جبال فيها من برد ) فمن الأولى لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي في السماء ، والثالثة للتبيين لأن جنس تلك الجبال جنس البرد ، ثم قال : ومفعول الإنزال محذوف ، والتقدير : وينزل من السماء من جبال فيها من برد ، إلا أنه حذف للدلالة عليه .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) فالظاهر أنه راجع إلى البرد ، ومعلوم من حاله أنه قد يضر ما يقع عليه من حيوان ونبات ، فبين سبحانه أنه يصيب به من يشاء على وفق المصلحة ويصرفه ، أي يصرف ضرره عمن يشاء بأن لا يسقط عليه ، ومن الناس من حمل البرد على الحجر وجعل نزوله جاريا مجرى عذاب الاستئصال وذلك بعيد .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ "يكاد سنا برقه" على الإدغام وقرئ "برقه" جمع برقة وهي المقدار من البرق ، وبرقه بضمتين للإتباع كما قيل في جمع فعلة فعلات كظلمات ، و "سناء برقه" على المد ، والمقصور بمعنى الضوء ، والممدود بمعنى العلو والارتفاع من قولك سنى للمرتفع و (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يذهب بالأبصار ) على زيادة الباء كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) [البقرة : 195] عن
أبي جعفر المدني .
المسألة الثانية : وجه الاستدلال بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ) أن البرق الذي يكون صفته ذلك لا بد وأن يكون نارا عظيمة خالصة ، والنار ضد الماء والبرد ، فظهوره من البرد يقتضي ظهور الضد من الضد ، وذلك لا يمكن إلا بقدرة قادر حكيم .
المسألة الثالثة : اختلف النحويون في أنك إذا قلت : ذهبت بزيد إلى الدار ، فهل يجب أن تكون ذاهبا معه
[ ص: 15 ] إلى الدار . فالمنكرون احتجوا بهذه الآية .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=44يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=44يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ .
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النوع الثَّانِي مِنَ الدَّلَائِلِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43أَلَمْ تَرَ ) بِعَيْنِ عَقْلِكَ وَالْمُرَادُ التَّنْبِيهُ ؛ وَالْإِزْجَاءُ السَّوْقُ قَلِيلًا قَلِيلًا ، وَمِنْهُ الْبِضَاعَةُ الْمُزْجَاةُ الَّتِي يُزْجِيهَا كُلُّ أَحَدٍ ، وَإِزْجَاءُ السَّيْرِ فِي الْإِبِلِ الرِّفْقُ بِهَا حَتَّى تَسِيرَ شَيْئًا فَشَيْئًا ، ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ، قَالَ
الْفَرَّاءُ "بَيْنَ" لَا يَصْلُحُ إِلَّا مُضَافًا إِلَى اسْمَيْنِ فَمَا زَادَ ، وَإِنَّمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43بَيْنَهُ ) لِأَنَّ السَّحَابَ وَاحِدٌ فِي اللَّفْظِ ، وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ سَحَابَةٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=12وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ) [الرَّعْدِ : 12] وَالتَّأْلِيفُ ضَمُّ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ ، أَيْ يَجْمَعُ بَيْنَ قِطَعِ السَّحَابِ فَيَجْعَلُهَا سَحَابًا وَاحِدًا (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ) أَيْ مُجْتَمِعًا ، وَالرَّكْمُ جَمْعُكَ شَيْئًا فَوْقَ شَيْءٍ حَتَّى تَجْعَلَهُ مَرْكُومًا ، وَالْوَدْقُ : الْمَطَرُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ؛ وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ : الْقَطْرُ ، وَعَنْ
أَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ : الْمَاءُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43مِنْ خِلَالِهِ ) مِنْ شُقُوقِهِ وَمَخَارِقِهِ جَمْعُ خَلَلٍ كَجِبَالٍ فِي جَمْعِ جَبَلٍ ، وَقُرِئَ "مِنْ خَلَلِهِ" .
[ ص: 13 ] المسألة الثَّانِيَةُ : اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يُزْجِي سَحَابًا ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُنْشِئُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغَيِّرَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَجْسَامِ لَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَعَلَى الوجه الْأَوَّلِ يَكُونُ نَفْسُ السَّحَابِ مُحْدَثًا ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُؤَلِّفُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْمُحْدِثُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى تِلْكَ الصِّفَاتُ الَّتِي بِاعْتِبَارِهَا صَارَتْ تِلْكَ الْأَجْسَامُ سَحَابًا ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ) دَلَالَةً عَلَى وُجُودِهَا مُتَقَدِّمًا مُتَفَرِّقًا ، إِذِ التَّأْلِيفُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَيْنَ مَوْجُودَيْنِ ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ، وَذَلِكَ بِتَرَكُّبٍ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ السَّحَابَ إِنَّمَا يَحْمِلُ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَاءِ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28784_19784عَجَائِبِ خَلْقِهِ وَدَلَالَةِ مُلْكِهِ وَاقْتِدَارِهِ ، قَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31763_31761تَكَوُّنَ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالطَّلِّ وَالصَّقِيعِ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ يَكُونُ مِنْ تَكَاثُفِ الْبُخَارِ وَفِي الْأَقَلِّ مِنْ تَكَاثُفِ الْهَوَاءِ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْبُخَارُ الصَّاعِدُ إِنْ كَانَ قَلِيلًا وَكَانَ فِي الْهَوَاءِ مِنَ الْحَرَارَةِ مَا يُحَلِّلُ ذَلِكَ الْبُخَارَ ، فَحِينَئِذٍ يَنْحَلُّ وَيَنْقَلِبُ هَوَاءً . وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْبُخَارُ كَثِيرًا وَلَمْ يَكُنْ فِي الْهَوَاءِ مِنَ الْحَرَارَةِ مَا يُحَلِّلُ ذَلِكَ الْبُخَارَ فَتِلْكَ الْأَبْخِرَةُ الْمُتَصَاعِدَةُ إِمَّا أَنْ تَبْلُغَ فِي صُعُودِهَا إِلَى الطَّبَقَةِ الْبَارِدَةِ مِنَ الْهَوَاءِ أَوْ لَا تَبْلُغَ ، فَإِنْ بَلَغَتْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَرَدُ هُنَاكَ قَوِيًّا أَوْ لَا يَكُونُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَرَدُ هُنَاكَ قَوِيًّا تَكَاثَفَ ذَلِكَ الْبُخَارُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ الْبَرَدِ ، وَاجْتَمَعَ وَتَقَاطَرَ ، فَالْبُخَارُ الْمُجْتَمِعُ هُوَ السَّحَابُ ، وَالْمُتَقَاطِرُ هُوَ الْمَطَرُ ، وَالدِّيمَةُ وَالْوَابِلُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْغُيُومِ ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْبَرَدُ شَدِيدًا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَصِلَ الْبَرَدُ إِلَى الْأَجْزَاءِ الْبُخَارِيَّةِ قَبْلَ اجْتِمَاعِهَا وَانْحِلَالِهَا حَبَّاتٍ كِبَارًا أَوْ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا كَذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الوجه الْأَوَّلِ نَزَلَ ثَلْجًا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الوجه الثَّانِي نَزَلَ بَرْدًا ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَبْلُغِ الْأَخِيرَةُ إِلَى الطَّبَقَةِ الْبَارِدَةِ فَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً أَوْ تَكُونَ قَلِيلَةً ، فَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً فَهِيَ قَدْ تَنْعَقِدُ سَحَابًا مَاطِرًا وَقَدْ لَا تَنْعَقِدُ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَذَاكَ لِأَحَدِ أَسْبَابٍ خَمْسَةٍ :
أَحَدُهَا : إِذَا مَنَعَ هُبُوبُ الرِّيَاحِ عَنْ تَصَاعُدِ تِلْكَ الْأَبْخِرَةِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ تَكُونَ الرِّيَاحُ ضَاغِطَةً إِيَّاهَا إِلَى الِاجْتِمَاعِ بِسَبَبِ وُقُوفِ جِبَالٍ قُدَّامَ الرِّيحِ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ رِيَاحٌ مُتَقَابِلَةٌ مُتَصَادِمَةٌ فَتَمْنَعُ صُعُودَ الْأَبْخِرَةِ حِينَئِذٍ .
وَرَابِعُهَا : أَنْ يَعْرِضَ لِلْجُزْءِ الْمُتَقَدِّمِ وُقُوفٌ لِثِقَلِهِ وَبُطْءِ حَرَكَتِهِ ، ثُمَّ يَلْتَصِقُ بِهِ سَائِرُ الْأَجْزَاءِ الْكَثِيرَةِ الْمَدَدُ .
وَخَامِسُهَا : لِشِدَّةِ بَرْدِ الْهَوَاءِ الْقَرِيبِ مِنَ الْأَرْضِ . وَقَدْ نُشَاهِدُ الْبُخَارَ يَصْعَدُ فِي بَعْضِ الْجِبَالِ صُعُودًا يَسِيرًا حَتَّى كَأَنَّهُ مِكَبَّةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى وَهْدَةٍ ، وَيَكُونُ النَّاظِرُ إِلَيْهَا فَوْقَ تِلْكَ الْغَمَامَةِ وَالَّذِينَ يَكُونُونَ تَحْتَ الْغَمَامَةِ يُمْطَرُونَ وَالَّذِينَ يَكُونُونَ فَوْقَهَا يَكُونُونَ فِي الشَّمْسِ ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأَبْخِرَةُ الْقَلِيلَةُ الِارْتِفَاعِ قَلِيلَةً لَطِيفَةً ، فَإِذَا ضَرَبَهَا بَرْدُ اللَّيْلِ كَثَّفَهَا وَعَقَدَهَا مَاءً مَحْسُوسًا فَنَزَلَ نُزُولًا مُتَفَرِّقًا لَا يُحِسُّ بِهِ إِلَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَجْمُدْ كَانَ طَلًّا ، وَإِنْ جَمَدَ كَانَ صَقِيعًا ، وَنِسْبَةُ الصَّقِيعِ إِلَى الطَّلِّ نِسْبَةُ الثَّلْجِ إِلَى الْمَطَرِ ، وَأَمَّا تَكَوُّنُ السَّحَابِ مِنَ انْقِبَاضِ الْهَوَاءِ فَذَلِكَ عِنْدَمَا يَبْرُدُ الْهَوَاءُ وَيَنْقَبِضُ ، وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ مِنْهُ الْأَقْسَامُ الْمَذْكُورَةُ . وَالْجَوَابُ : أَنَّا لَمَّا دَلَّلْنَا عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ وَتَوَسَّلْنَا بِذَلِكَ إِلَى كَوْنِهِ قَادِرًا مُخْتَارًا يُمْكِنُهُ إِيجَادُ الْأَجْسَامِ لَمْ يُمْكِنَّا الْقَطْعُ بِمَا ذَكَرْتُمُوهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ أَجْزَاءَ السَّحَابِ دُفْعَةً لَا بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ ، وَأَيْضًا فَهَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا ذَكَرْتُمْ ، وَلَكِنَّ الْأَجْسَامَ بِالِاتِّفَاقِ مُمْكِنَةٌ فِي ذَوَاتِهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُؤَثِّرٍ . ثُمَّ إِنَّهَا مُتَمَاثِلَةٌ ، فَاخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِصِفَتِهِ الْمُعَيَّنَةِ مِنَ الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ وَاللَّطَافَةِ وَالْكَثَافَةِ وَالْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ ، فَإِذَا كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ خَالِقًا لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ ، وَتِلْكَ الطَّبَائِعُ مُؤَثِّرَةٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ، وَخَالِقُ السَّبَبِ خَالِقُ الْمُسَبَّبِ ، فَكَانَ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يُزْجِي سَحَابًا ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ تِلْكَ الطَّبَائِعَ الْمُحَرِّكَةَ لِتِلْكَ الْأَبْخِرَةِ مِنْ بَاطِنِ الْأَرْضِ إِلَى جَوِّ الْهَوَاءِ ، ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْأَبْخِرَةَ إِذَا تَرَادَفَتْ فِي صُعُودِهَا وَالْتَصَقَ بَعْضُهَا بِالْبَعْضِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ
[ ص: 14 ] هُوَ الَّذِي جَعَلَهَا رُكَامًا ، فَثَبَتَ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19785_31757فِي السَّمَاءِ جِبَالًا مِنْ بَرَدٍ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ ، ثُمَّ يُنَزِّلُ مِنْهَا مَا شَاءَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ : جِبَالٌ مِنْ بَرَدٍ فِي السَّمَاءِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ السَّمَاءَ هُوَ الْغَيْمُ الْمُرْتَفِعُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِسُمُوِّهِ وَارْتِفَاعِهِ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ مِنْ هَذَا الْغَيْمِ الَّذِي هُوَ سَمَاءٌ الْبَرَدَ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43مِنْ جِبَالٍ ) السَّحَابَ الْعِظَامَ لِأَنَّهَا إِذَا عَظُمَتْ أَشْبَهَتِ الْجِبَالَ ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَمْلِكُ جِبَالًا مِنْ مَالٍ ، وَوُصِفَتْ بِذَلِكَ تَوَسُّعًا وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْبَرَدَ مَاءٌ جَامِدٌ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّحَابِ ، ثُمَّ أَنْزَلَهُ إِلَى الْأَرْضِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا سَمَّى اللَّهُ ذَلِكَ الْغَيْمَ جِبَالًا ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَهَا مِنَ الْبَرَدِ ، وَكُلُّ جِسْمٍ شَدِيدٍ مُتَحَجِّرٍ فَهُوَ مِنَ الْجِبَالِ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=184وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ) [الشُّعَرَاءِ : 184] وَمِنْهُ : فُلَانٌ مَجْبُولٌ عَلَى كَذَا ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ السَّمَاءَ اسْمٌ لِهَذَا الْجِسْمِ الْمَخْصُوصِ ، فَجَعْلُهُ اسْمًا لِلسَّحَابِ بِطَرِيقَةِ الِاشْتِقَاقِ مَجَازٌ ، وَكَمَا يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ الْمَاءَ فِي السَّحَابِ ثُمَّ يُنْزِلُهُ بَرَدًا ، فَقَدْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاءِ جِبَالٌ مِنْ بَرَدٍ ، وَإِذَا صَحَّ فِي الْقُدْرَةِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَلَا وَجْهَ لِتَرْكِ الظَّاهِرِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَالَ
أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ) فَمِنَ الْأُولَى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِنْزَالِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَالثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ مَا يُنَزِّلُهُ اللَّهُ بَعْضَ تِلْكَ الْجِبَالِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ ، وَالثَّالِثَةُ لِلتَّبْيِينِ لِأَنَّ جِنْسَ تِلْكَ الْجِبَالِ جِنْسُ الْبَرَدِ ، ثم قال : وَمَفْعُولُ الْإِنْزَالِ مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ ، إِلَّا أَنَّهُ حُذِفَ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ) فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْبَرَدِ ، وَمَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ قَدْ يَضُرُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ حَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ ، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ عَلَى وَفْقِ الْمَصْلَحَةِ وَيَصْرِفُهُ ، أَيْ يَصْرِفُ ضَرَرَهُ عَمَّنْ يَشَاءُ بِأَنْ لَا يَسْقُطَ عَلَيْهِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ الْبَرَدَ عَلَى الْحَجَرِ وَجَعَلَ نُزُولَهُ جَارِيًا مَجْرَى عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ وَذَلِكَ بِعِيدٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قُرِئَ "يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ" عَلَى الْإِدْغَامِ وَقُرِئَ "بُرُقِهِ" جَمْعُ بُرْقَةٍ وَهِيَ الْمِقْدَارُ مِنَ الْبَرْقِ ، وَبُرُقِهِ بِضَمَّتَيْنِ لِلْإِتْبَاعِ كَمَا قِيلَ فِي جَمْعِ فُعْلَةٍ فُعُلَاتٍ كَظُلُمَاتٍ ، وَ "سَنَاءُ بَرْقِهِ" عَلَى الْمَدِّ ، وَالْمَقْصُورُ بِمَعْنَى الضَّوْءِ ، وَالْمَمْدُودُ بِمَعْنَى الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ مِنْ قَوْلِكَ سَنَى لِلْمُرْتَفِعِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ) عَلَى زِيَادَةِ الْبَاءِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [الْبَقَرَةِ : 195] عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ .
المسألة الثَّانِيَةُ : وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=43يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ) أَنَّ الْبَرْقَ الَّذِي يَكُونُ صِفَتُهُ ذَلِكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ نَارًا عَظِيمَةً خَالِصَةً ، وَالنَّارُ ضِدُّ الْمَاءِ وَالْبَرَدِ ، فَظُهُورُهُ مِنَ الْبَرَدِ يَقْتَضِي ظُهُورَ الضِّدِّ مِنَ الضِّدِّ ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِقُدْرَةِ قَادِرٍ حَكِيمٍ .
المسألة الثَّالِثَةُ : اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ : ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ إِلَى الدَّارِ ، فَهَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ ذَاهِبًا مَعَهُ
[ ص: 15 ] إِلَى الدَّارِ . فَالْمُنْكِرُونَ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ .