(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) .
[ ص: 44 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) .
اعلم أنه سبحانه تكلم أولا في التوحيد ، وثانيا في الرد على عبدة الأوثان ، وثالثا في هذه الآية تكلم في مسألة النبوة ، وحكى سبحانه شبههم في
nindex.php?page=treesubj&link=30172_28757إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم :
الشبهة الأولى : قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103إنما يعلمه بشر ) [النحل : 103] واعلم أنه يحتمل أن يريدوا به أنه كذب في نفسه ، ويحتمل أن يريدوا به أنه كذب في إضافته إلى الله تعالى ، ثم ههنا بحثان :
الأول : قال
أبو مسلم : الافتراء افتعال من فريت ، وقد يقال في تقدير الأديم : فريت الأديم ، فإذا أريد قطع الإفساد قيل : أفريت وافتريت وخلقت واختلقت ، ويقال فيمن شتم امرأ بما ليس فيه : افترى عليه .
البحث الثاني : قال
الكلبي ومقاتل : نزلت في
النضر بن الحارث ، فهو الذي قال هذا القول .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وأعانه عليه قوم آخرون ) يعني :
عداس مولى حويطب بن عبد العزى ،
ويسار غلام عامر بن الحضرمي ،
وجبر مولى عامر ، وهؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب ، وكانوا يقرءون التوراة ويحدثون أحاديث منها ، فلما أسلموا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهدهم ، فمن أجل ذلك قال
النضر ما قال .
واعلم أن الله تعالى أجاب عن هذه الشبهة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4فقد جاءوا ظلما وزورا ) . وفيه أبحاث :
الأول : أن هذا القدر إنما يكفي جوابا عن الشبهة المذكورة ؛ لأنه قد علم كل عاقل أنه عليه السلام تحداهم بالقرآن ، وهم النهاية في الفصاحة ، وقد بلغوا في الحرص على إبطال أمره كل غاية ، حتى أخرجهم ذلك إلى ما وصفوه به في هذه الآيات ، فلو أمكنهم أن يعارضوه لفعلوا ، ولكان ذلك أقرب إلى أن يبلغوا مرادهم فيه مما أوردوه في هذه الآية وغيرها ، ولو استعان
محمد عليه السلام في ذلك بغيره لأمكنهم أيضا أن يستعينوا بغيرهم ؛ لأن
محمدا صلى الله عليه وسلم كأولئك المنكرين في معرفة اللغة وفي المكنة من الاستعانة ، فلما لم يفعلوا ذلك والحالة هذه علم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28899القرآن قد بلغ النهاية في الفصاحة وانتهى إلى حد الإعجاز ، ولما تقدمت هذه الدلالة مرات وكرات في القرآن وظهر بسببها سقوط هذا السؤال ، ظهر أن إعادة هذا السؤال بعد تقدم هذه الأدلة الواضحة لا يكون إلا للتمادي في الجهل والعناد ، فلذلك اكتفى الله في الجواب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4فقد جاءوا ظلما وزورا ) .
البحث الثاني : قال
الكسائي : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4فقد جاءوا ظلما وزورا ) أي : أتوا ظلما وكذبا ، وهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=89لقد جئتم شيئا إدا ) [ مريم : 89 ] فانتصب بوقوع المجيء عليه ، وقال
الزجاج : انتصب بنزع الخافض ، أي : جاءوا بالظلم والزور .
البحث الثالث : أن الله تعالى وصف كلامهم بأنه ظلم وبأنه زور ، أما أنه ظلم فلأنهم نسبوا هذا الفعل القبيح إلى من كان مبرأ عنه ، فقد وضعوا الشيء في غير موضعه ، وذلك هو الظلم ، وأما الزور فلأنهم كذبوا فيه ، وقال
أبو مسلم : الظلم تكذيبهم الرسول والرد عليه ، والزور كذبهم عليهم .
[ ص: 45 ] الشبهة الثانية لهم : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) وفيه أبحاث :
البحث الأول : الأساطير ما سطره المتقدمون كأحاديث
رستم وأسفنديار ، جمع أسطار أو أسطورة كأحدوثة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5اكتتبها ) : انتسخها
محمد من أهل الكتاب ، يعني
عامرا ويسارا وجبرا ، ومعنى اكتتب ههنا أمر أن يكتب له ، كما يقال : احتجم وافتصد إذا أمر بذلك . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5فهي تملى عليه ) أي : تقرأ عليه ، والمعنى أنها كتبت له وهو أمي ، فهي تلقى عليه من كتابه ليحفظها ؛ لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5بكرة وأصيلا ) قال
الضحاك : ما يملى عليه بكرة يقرؤه عليكم عشية ، وما يملى عليه عشية يقرؤه عليكم بكرة .
البحث الثاني : قال
الحسن : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) كلام الله ذكره جوابا عن قولهم ، كأنه تعالى قال : إن هذه
nindex.php?page=treesubj&link=28864الآيات تملى عليه بالوحي حالا بعد حال ، فكيف ينسب إلى أنه أساطير الأولين ، وأما جمهور المفسرين فقد اتفقوا على أن ذلك من كلام القوم ، وأرادوا به أن أهل الكتاب أملوا عليه في هذه الأوقات هذه الأشياء ، ولا شك أن هذا القول أقرب ; لوجوه :
أحدها : شدة تعلق هذا الكلام بما قبله ، فكأنهم قالوا : اكتتب أساطير الأولين فهي تملى عليه .
وثانيها : أن هذا هو المراد بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وأعانه عليه قوم آخرون ) .
وثالثها : أنه تعالى أجاب بعد ذلك عن كلامهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر ) قال صاحب "الكشاف" : وقول
الحسن إنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة للاستفهام الذي في معنى الإنكار ، وحق الحسن أن يقف على " الأولين " ، وأجاب الله عن هذه الشبهة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) ، وفيه أبحاث :
البحث الأول : في بيان أن هذا كيف يصلح أن يكون جوابا عن تلك الشبهة ؟ وتقريره ما قدمنا أنه عليه السلام تحداهم بالمعارضة ، وظهر عجزهم عنها ، ولو كان عليه السلام أتى بالقرآن بأن استعان بأحد لكان من الواجب عليهم أيضا أن يستعينوا بأحد فيأتوا بمثل هذا القرآن ، فلما عجزوا عنه ثبت أنه وحي الله وكلامه ; فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر ) ، وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28781_33679_28424القادر على تركيب ألفاظ القرآن لا بد وأن يكون عالما بكل المعلومات ظاهرها وخافيها من وجوه :
أحدها : أن مثل هذه الفصاحة لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات .
وثانيها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29568القرآن مشتمل على الإخبار عن الغيوب ، وذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات .
وثالثها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29568_28424القرآن مبرأ عن النقص ، وذلك لا يتأتى إلا من العالم ، على ما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) [النساء : 82] .
ورابعها : اشتماله على الأحكام التي هي مقتضية لمصالح العالم ونظام العباد ، وذلك لا يكون إلا من العالم بكل المعلومات .
وخامسها : اشتماله على أنواع العلوم ، وذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات ، فلما دل القرآن من هذه الوجوه على أنه ليس إلا كلام العالم بكل المعلومات ، لا جرم اكتفى في جواب شبههم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قل أنزله الذي يعلم السر ) .
البحث الثاني : اختلفوا في المراد بالسر ، فمنهم من قال : المعنى أن العالم بكل سر في السماوات والأرض هو الذي يمكنه إنزال مثل هذا الكتاب . وقال
أبو مسلم : المعنى أنه أنزله من يعلم السر ، فلو كذب عليه لانتقم منه ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=44ولو تقول علينا بعض الأقاويل nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لأخذنا منه باليمين ) [الحاقة : 44] وقال آخرون : المعنى
[ ص: 46 ] أنه يعلم كل سر خفي في السماوات والأرض ، ومن جملته ما تسرونه أنتم من الكيد لرسوله ، مع علمكم بأن ما يقوله حق ضرورة ، وكذلك باطن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبراءته مما تتهمونه به ، وهو سبحانه مجازيكم ومجازيه على ما علم منكم وعلم منه .
البحث الثالث : إنما ذكر الغفور الرحيم في هذا الموضع لوجهين :
الأول : قال
أبو مسلم : المعنى أنه إنما أنزله لأجل الإنذار ، فوجب أن يكون غفورا رحيما غير مستعجل في العقوبة .
الثاني : أنه تنبيه على أنهم استوجبوا بمكايدتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبا ، ولكن صرف ذلك عنهم كونه غفورا رحيما يمهل ولا يعجل .
الشبهة الثالثة : وهي في نهاية الركاكة ، ذكروا له صفات خمسة فزعموا أنها تخل بالرسالة :
إحداها : قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مال هذا الرسول يأكل الطعام ) .
وثانيتها : قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7ويمشي في الأسواق ) يعني أنه لما كان كذلك فمن أين له الفضل علينا وهو مثلنا في هذه الأمور .
وثالثتها : قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ) يصدقه أو يشهد له ويرد على من خالفه .
ورابعتها : قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أو يلقى إليه كنز ) أي من السماء فينفقه فلا يحتاج إلى التردد لطلب المعاش .
وخامستها : قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أو تكون له جنة يأكل منها ) قرأ
حمزة والكسائي : " نأكل منها " بالنون ، وقرأ الباقون بالياء ، والمعنى : إن لم يكن لك كنز فلا أقل من أن تكون كواحد من الدهاقين ، فيكون لك بستان تأكل منه .
وسادستها : قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) ، وقد تقدمت هذه القصة في آخر سورة بني إسرائيل ، فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة من وجوه :
أحدها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) وفيه أبحاث :
الأول : أن هذا كيف يصلح أن يكون جوابا عن تلك الشبهة ؟ وبيانه أن
nindex.php?page=treesubj&link=28752_29629الذي يتميز الرسول به عن غيره هو المعجزة ، وهذه الأشياء التي ذكروها لا يقدح شيء منها في المعجزة ، فلا يكون شيء منها قادحا في النبوة ، فكأنه تعالى قال : انظر كيف اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوتك لم يجدوا إلى القدح فيه سبيلا البتة ؛ إذ الطعن عليه إنما يكون بما يقدح في المعجزات التي ادعاها ، لا بهذا الجنس من القول .
وفيه وجه آخر ، وهو أنهم لما ضلوا لم يبق فيهم استطاعة قبول الحق ، وهذا إنما يصح على مذهبنا ، وتقريره بالعقل ظاهر ؛ وذلك لأن الإنسان إما أن يكون مستوي الداعي إلى الحق والباطل ، وإما أن يكون داعيته إلى أحدهما أرجح من داعيته إلى الثاني ، فإن كان الأول فحال الاستواء ممتنع الرجحان ، فيمتنع الفعل ، وإن كان الثاني فحال رجحان أحد الطرفين يكون حصول الطرف الآخر ممتنعا ، فثبت أن حال رجحان الضلالة في قلبه استحال منه قبول الحق ، وما كان محالا لم يكن عليه قدرة ، فثبت أنهم لما ضلوا ما كانوا مستطيعين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) .
[ ص: 44 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ تَكَلَّمَ أَوَّلًا فِي التَّوْحِيدِ ، وَثَانِيًا فِي الرَّدِّ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَثَالِثًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ النُّبُوَّةِ ، وَحَكَى سُبْحَانَهُ شُبَهَهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30172_28757إِنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
الشُّبْهَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) [النَّحْلِ : 103] وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهِ أَنَّهُ كَذَبَ فِي نَفْسِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهِ أَنَّهُ كَذَبَ فِي إِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ هَهُنَا بَحْثَانِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الِافْتِرَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ فَرَيْتُ ، وَقَدْ يُقَالُ فِي تَقْدِيرِ الْأَدِيمِ : فَرَيْتُ الْأَدِيمَ ، فَإِذَا أُرِيدَ قَطْعُ الْإِفْسَادِ قِيلَ : أَفْرَيْتُ وَافْتَرَيْتُ وَخَلَقْتُ وَاخْتَلَقْتُ ، وَيُقَالُ فِيمَنْ شَتَمَ امْرَأً بِمَا لَيْسَ فِيهِ : افْتَرَى عَلَيْهِ .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ
الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي
النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) يَعْنِي :
عَدَّاسٌ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ،
وَيَسَارٌ غُلَامُ عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ،
وَجَبْرٌ مَوْلَى عَامِرٍ ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَكَانُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَيُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ مِنْهَا ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَهَّدُهُمْ ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ
النَّضْرُ مَا قَالَ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَابَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ) . وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ إِنَّمَا يَكْفِي جَوَابًا عَنِ الشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ ، وَهُمُ النِّهَايَةُ فِي الْفَصَاحَةِ ، وَقَدْ بَلَغُوا فِي الْحِرْصِ عَلَى إِبْطَالِ أَمْرِهِ كُلَّ غَايَةٍ ، حَتَّى أَخْرَجَهُمْ ذَلِكَ إِلَى مَا وَصَفُوهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ ، فَلَوْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يُعَارِضُوهُ لَفَعَلُوا ، وَلَكَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إِلَى أَنْ يَبْلُغُوا مُرَادَهُمْ فِيهِ مِمَّا أَوْرَدُوهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَوِ اسْتَعَانَ
مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِ لَأَمْكَنَهُمْ أَيْضًا أَنْ يَسْتَعِينُوا بِغَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأُولَئِكَ الْمُنْكِرِينَ فِي مَعْرِفَةِ اللُّغَةِ وَفِي الْمَكِنَةِ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عُلِمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28899الْقُرْآنَ قَدْ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي الْفَصَاحَةِ وَانْتَهَى إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ ، وَلَمَّا تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الدَّلَالَةُ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ فِي الْقُرْآنِ وَظَهَرَ بِسَبَبِهَا سُقُوطُ هَذَا السُّؤَالِ ، ظَهَرَ أَنَّ إِعَادَةَ هَذَا السُّؤَالِ بَعْدَ تَقَدُّمِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلتَّمَادِي فِي الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ ، فَلِذَلِكَ اكْتَفَى اللَّهُ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ) .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ
الْكِسَائِيُّ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ) أَيْ : أَتَوْا ظُلْمًا وَكَذِبًا ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=89لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ) [ مَرْيَمَ : 89 ] فَانْتَصَبَ بِوُقُوعِ الْمَجِيءِ عَلَيْهِ ، وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : انْتَصَبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ ، أَيْ : جَاءُوا بِالظُّلْمِ وَالزُّورِ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ كَلَامَهُمْ بِأَنَّهُ ظُلْمٌ وَبِأَنَّهُ زُورٌ ، أَمَّا أَنَّهُ ظُلْمٌ فَلِأَنَّهُمْ نَسَبُوا هَذَا الْفِعْلَ الْقَبِيحَ إِلَى مَنْ كَانَ مُبَرَّأً عَنْهُ ، فَقَدْ وَضَعُوا الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ الظُّلْمُ ، وَأَمَّا الزُّورُ فَلِأَنَّهُمْ كَذَبُوا فِيهِ ، وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الظُّلْمُ تَكْذِيبُهُمُ الرَّسُولَ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ ، وَالزُّورُ كَذِبُهُمْ عَلَيْهِمْ .
[ ص: 45 ] الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ لَهُمْ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : الْأَسَاطِيرُ مَا سَطَّرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ كَأَحَادِيثِ
رُسْتُمَ وَأسفنديَارَ ، جَمْعُ أَسْطَارٍ أَوْ أُسْطُورَةٍ كَأُحْدُوثَةٍ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5اكْتَتَبَهَا ) : انْتَسَخَهَا
مُحَمَّدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، يَعْنِي
عَامِرًا وَيَسَارًا وَجَبْرًا ، وَمَعْنَى اكْتَتَبَ هَهُنَا أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ لَهُ ، كَمَا يُقَالُ : احْتَجَمَ وَافْتَصَدَ إِذَا أَمَرَ بِذَلِكَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ ) أَيْ : تُقْرَأُ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا كُتِبَتْ لَهُ وَهُوَ أُمِّيٌّ ، فَهِيَ تُلْقَى عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ لِيَحْفَظَهَا ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْإِلْقَاءِ عَلَى الْحَافِظِ كَصُورَةِ الْإِلْقَاءِ عَلَى الْكَاتِبِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) قَالَ
الضَّحَّاكُ : مَا يُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً يَقْرَؤُهُ عَلَيْكُمْ عَشِيَّةً ، وَمَا يُمْلَى عَلَيْهِ عَشِيَّةً يَقْرَؤُهُ عَلَيْكُمْ بُكَرَةً .
الْبَحْثُ الثَّانِي : قَالَ
الْحَسَنُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=5فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) كَلَامُ اللَّهِ ذَكَرَهُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمْ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : إِنَّ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28864الْآيَاتِ تُمْلَى عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ ، فَكَيْفَ يُنْسَبُ إِلَى أَنَّهُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، وَأَمَّا جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ ، وَأَرَادُوا بِهِ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ أَمْلَوْا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَقْرَبُ ; لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : شِدَّةُ تَعَلُّقِ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا : اكْتَتَبَ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى أَجَابَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ كَلَامِهِمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ ) قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : وَقَوْلُ
الْحَسَنِ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ فُتِحَتِ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ الَّذِي فِي مَعْنَى الْإِنْكَارِ ، وَحَقُّ الْحَسَنِ أَنَّ يَقِفَ عَلَى " الْأَوَّلِينَ " ، وَأَجَابَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) ، وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : فِي بَيَانِ أَنَّ هَذَا كَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ ؟ وَتَقْرِيرُهُ مَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحَدَّاهُمْ بِالْمُعَارَضَةِ ، وَظَهَرَ عَجْزُهُمْ عَنْهَا ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى بِالْقُرْآنِ بِأَنِ اسْتَعَانَ بِأَحَدٍ لَكَانَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنَّ يَسْتَعِينُوا بِأَحَدٍ فَيَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا عَجَزُوا عَنْهُ ثَبَتَ أَنَّهُ وَحْيُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ ; فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781_33679_28424الْقَادِرَ عَلَى تَرْكِيبِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ ظَاهِرِهَا وَخَافِيهَا مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْفَصَاحَةِ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِنَ الْعَالِمِ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29568الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِنَ الْعَالِمِ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29568_28424الْقُرْآنَ مُبَرَّأٌ عَنِ النَّقْصِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِنَ الْعَالِمِ ، عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) [النِّسَاءِ : 82] .
وَرَابِعُهَا : اشْتِمَالُهُ عَلَى الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِمَصَالِحِ الْعَالَمِ وَنِظَامِ الْعِبَادِ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْعَالِمِ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ .
وَخَامِسُهَا : اشْتِمَالُهُ عَلَى أَنْوَاعِ الْعُلُومِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا مِنَ الْعَالِمِ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ ، فَلَمَّا دَلَّ الْقُرْآنُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا كَلَامَ الْعَالِمِ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ ، لَا جَرَمَ اكْتَفَى فِي جَوَابِ شُبَهِهِمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=6قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ ) .
الْبَحْثُ الثَّانِي : اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالسِّرِّ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْمَعْنَى أَنَّ الْعَالِمَ بِكُلِّ سِرٍّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ إِنْزَالُ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ . وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الْمَعْنَى أَنَّهُ أَنْزَلَهُ مَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ ، فَلَوْ كَذَبَ عَلَيْهِ لَانْتَقَمَ مِنْهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=44وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ) [الْحَاقَّةِ : 44] وَقَالَ آخَرُونَ : الْمَعْنَى
[ ص: 46 ] أَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ سِرٍّ خَفِيَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ مَا تُسِرُّونَهُ أَنْتُمْ مِنَ الْكَيْدِ لِرَسُولِهِ ، مَعَ عِلْمِكُمْ بِأَنَّ مَا يَقُولُهُ حَقٌّ ضَرُورَةً ، وَكَذَلِكَ بَاطِنُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرَاءَتُهُ مِمَّا تَتَّهِمُونَهُ بِهِ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُجَازِيكُمْ وَمُجَازِيهِ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْكُمْ وَعَلِمَ مِنْهُ .
الْبَحْثُ الثَّالِثُ : إِنَّمَا ذَكَرَ الْغَفُورَ الرَّحِيمَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الْمَعْنَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَهُ لِأَجْلِ الْإِنْذَارِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَفُورًا رَحِيمًا غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ فِي الْعُقُوبَةِ .
الثَّانِي : أَنَّهُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَوْجَبُوا بِمُكَايَدَتِهِمْ هَذِهِ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ صَبًّا ، وَلَكِنْ صَرَفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ كَوْنُهُ غَفُورًا رَحِيمًا يُمْهِلُ وَلَا يُعَجِّلُ .
الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ : وَهِيَ فِي نِهَايَةِ الرَّكَاكَةِ ، ذَكَرُوا لَهُ صِفَاتٍ خَمْسَةً فَزَعَمُوا أَنَّهَا تُخِلُّ بِالرِّسَالَةِ :
إِحْدَاهَا : قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ) .
وَثَانِيَتُهَا : قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا وَهُوَ مِثْلُنَا فِي هَذِهِ الْأُمُورِ .
وَثَالِثَتُهَا : قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ) يُصَدِّقُهُ أَوْ يَشْهَدُ لَهُ وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ .
وَرَابِعَتُهَا : قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ ) أَيْ مِنَ السَّمَاءِ فَيُنْفِقُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّرَدُّدِ لِطَلَبِ الْمَعَاشِ .
وَخَامِسَتُهَا : قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ) قَرَأَ
حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : " نَأْكُلُ مِنْهَا " بِالنُّونِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ ، وَالْمَعْنَى : إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ كَنْزٌ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ كَوَاحِدٍ مِنَ الدَّهَاقِينَ ، فَيَكُونَ لَكَ بُسْتَانٌ تَأْكُلُ مِنْهُ .
وَسَادِسَتُهَا : قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=8إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي آخِرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=9انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا كَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ ؟ وَبَيَانُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28752_29629الَّذِي يَتَمَيَّزُ الرَّسُولُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ الْمُعْجِزَةُ ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي ذَكَرُوهَا لَا يَقْدَحُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الْمُعْجِزَةِ ، فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا قَادِحًا فِي النُّبُوَّةِ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : انْظُرْ كَيْفَ اشْتَغَلَ الْقَوْمُ بِضَرْبِ هَذِهِ الْأَمْثَالِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا لِأَجْلِ أَنَّهُمْ لَمَّا ضَلُّوا وَأَرَادُوا الْقَدْحَ فِي نُبُوَّتِكَ لَمْ يَجِدُوا إِلَى الْقَدْحِ فِيهِ سَبِيلًا الْبَتَّةَ ؛ إِذِ الطَّعْنُ عَلَيْهِ إِنَّمَا يَكُونُ بِمَا يَقْدَحُ فِي الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي ادَّعَاهَا ، لَا بِهَذَا الْجِنْسِ مِنَ الْقَوْلِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا ضَلُّوا لَمْ يَبْقَ فِيهِمُ اسْتِطَاعَةُ قَبُولِ الْحَقِّ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِنَا ، وَتَقْرِيرُهُ بِالْعَقْلِ ظَاهِرٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَوِيَ الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَاعِيَتُهُ إِلَى أَحَدِهِمَا أَرْجَحَ مِنْ دَاعِيَتِهِ إِلَى الثَّانِي ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَحَالُ الِاسْتِوَاءِ مُمْتَنِعُ الرُّجْحَانِ ، فَيَمْتَنِعُ الْفِعْلُ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَحَالُ رُجْحَانِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ يَكُونُ حُصُولُ الطَّرَفِ الْآخَرِ مُمْتَنِعًا ، فَثَبَتَ أَنَّ حَالَ رُجْحَانِ الضَّلَالَةِ فِي قَلْبِهِ اسْتَحَالَ مِنْهُ قَبُولُ الْحَقِّ ، وَمَا كَانَ مُحَالًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قُدْرَةٌ ، فَثَبَتَ أَنَّهُمْ لَمَّا ضَلُّوا مَا كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ .