أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15كانت لهم جزاء ومصيرا ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
المعتزلة احتجوا بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين :
الأول : أن اسم الجزاء لا يتناول إلا المستحق ، فأما الوعد بمحض التفضيل فإنه لا يسمى جزاء .
والثاني : لو كان المراد من الجزاء الأمر الذي يصيرون إليه بمجرد الوعد ، فحينئذ لا يبقى بين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15جزاء ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15ومصيرا ) تفاوت ، فيصير ذلك تكرارا من غير فائدة .
قال أصحابنا رحمهم الله : لا نزاع في كونه (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15جزاء ) إنما النزاع في أن كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق ، وليس في الآية ما يدل على التعيين .
المسألة الثانية : قالت
المعتزلة : الآية تدل على أن الله تعالى لا يعفو عن
nindex.php?page=treesubj&link=21482_28652_19715صاحب الكبيرة من وجهين :
الأول : أن صاحب الكبيرة يستحق العقاب ، فوجب أن لا يكون مستحقا للثواب ; لأن الثواب هو النفع الدائم الخالص عن شوب الضرر ، والعقاب هو الضرر الدائم الخالص عن شوب النفع ، والجمع بينهما محال ، وما كان ممتنع الوجود امتنع أن يحصل استحقاقه ، فإذن متى ثبت استحقاق العقاب وجب أن يزول استحقاق الثواب . فنقول : لو عفا الله عن صاحب الكبيرة لكان إما أن يخرجه من النار ولا يدخله الجنة ، وذلك باطل بالإجماع لأنهم أجمعوا على أن المكلفين يوم القيامة ، إما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار ; لأنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=7فريق في الجنة وفريق في السعير ) [الشورى : 7] وإما أن يخرجه من النار ويدخله الجنة ، وذلك باطل ؛ لأن الجنة حق المتقين ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15كانت لهم جزاء ومصيرا ) فجعل الجنة لهم ومختصة بهم ، وبين أنها إنما كانت لهم لكونها جزاء لهم على أعمالهم ، فكانت حقا لهم ، وإعطاء حق الإنسان لغيره لا يجوز ، ولما بطلت الأقسام ثبت أن العفو غير جائز . أجاب أصحابنا : لم لا يجوز أن يقال : المتقون يرضون بإدخال الله أهل العفو في الجنة ؟ فحينئذ لا يمتنع دخولهم فيها .
الوجه الثاني : قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=19862المتقي في عرف الشرع مختص بمن اتقى الكفر والكبائر ، وإن اختلفنا في أن صاحب الكبيرة هل يسمى مؤمنا أم لا ، لكنا اتفقنا على أنه لا يسمى متقيا ، ثم قال في وصف الجنة : إنها كانت لهم جزاء ومصيرا ، وهذا للحصر ، والمعنى أنها مصير للمتقين لا لغيرهم ، وإذا كان كذلك وجب أن لا يدخلها صاحب الكبيرة ، قلنا : أقصى ما في الباب أن هذا العموم صريح في الوعيد ، فتخصه بآيات الوعد .
المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيرا ، لكنها بعدما صارت كذلك ، فلم قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15كانت لهم جزاء ومصيرا ) ؟ جوابه من وجهين :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=33678_33679ما وعد الله فهو في تحققه كأنه قد كان .
والثاني : أنه كان مكتوبا في اللوح قبل أن يخلقهم الله تعالى بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى :
الْمُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ اسْمَ الْجَزَاءِ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْمُسْتَحِقَّ ، فَأَمَّا الْوَعْدُ بِمَحْضِ التَّفْضِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى جَزَاءً .
وَالثَّانِي : لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْجَزَاءِ الْأَمْرَ الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ ، فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى بَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15جَزَاءً ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15وَمَصِيرًا ) تَفَاوُتٌ ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ تَكْرَارًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ .
قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ : لَا نِزَاعَ فِي كَوْنِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15جَزَاءً ) إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ كَوْنَهُ جَزَاءً ثَبَتَ بِالْوَعْدِ أَوْ بِالِاسْتِحْقَاقِ ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْيِينِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْفُو عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=21482_28652_19715صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِلثَّوَابِ ; لِأَنَّ الثَّوَابَ هُوَ النَّفْعُ الدَّائِمُ الْخَالِصُ عَنْ شَوْبِ الضَّرَرِ ، وَالْعِقَابُ هُوَ الضَّرَرُ الدَّائِمُ الْخَالِصُ عَنْ شَوْبِ النَّفْعِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ ، وَمَا كَانَ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ امْتَنَعَ أَنْ يَحْصُلَ اسْتِحْقَاقُهُ ، فَإِذَنْ مَتَى ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ وَجَبَ أَنْ يَزُولَ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ . فَنَقُولُ : لَوْ عَفَا اللَّهُ عَنْ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ لَكَانَ إِمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ النَّارِ وَلَا يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=7فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) [الشُّورَى : 7] وَإِمَّا أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ النَّارِ وَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ حَقُّ الْمُتَّقِينَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ) فَجَعَلَ الْجَنَّةَ لَهُمْ وَمُخْتَصَّةً بِهِمْ ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ لَهُمْ لِكَوْنِهَا جَزَاءً لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، فَكَانَتْ حَقًّا لَهُمْ ، وَإِعْطَاءُ حَقِّ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ ، وَلَمَّا بَطَلَتِ الْأَقْسَامُ ثَبَتَ أَنَّ الْعَفْوَ غَيْرُ جَائِزٍ . أَجَابَ أَصْحَابُنَا : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الْمُتَّقُونَ يَرْضَوْنَ بِإِدْخَالِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَفْوِ فِي الْجَنَّةِ ؟ فَحِينَئِذٍ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُهُمْ فِيهَا .
الوجه الثَّانِي : قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=19862الْمُتَّقِي فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مُخْتَصٌّ بِمَنِ اتَّقَى الْكُفْرَ وَالْكَبَائِرَ ، وَإِنِ اخْتَلَفْنَا فِي أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ هَلْ يُسَمَّى مُؤْمِنًا أَمْ لَا ، لَكِنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَّقِيًا ، ثم قال فِي وَصْفِ الْجَنَّةِ : إِنَّهَا كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ، وَهَذَا لِلْحَصْرِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مَصِيرٌ لِلْمُتَّقِينَ لَا لِغَيْرِهِمْ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ ، قُلْنَا : أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا الْعُمُومَ صَرِيحٌ فِي الْوَعِيدِ ، فَتَخُصُّهُ بِآيَاتِ الْوَعْدِ .
المسألة الثَّالِثَةُ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الْجَنَّةَ سَتَصِيرُ لِلْمُتَّقِينَ جَزَاءً وَمَصِيرًا ، لَكِنَّهَا بَعْدَمَا صَارَتْ كَذَلِكَ ، فَلِمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا ) ؟ جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33678_33679مَا وَعَدَ اللَّهُ فَهُوَ فِي تَحَقُّقِهِ كَأَنَّهُ قَدْ كَانَ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ أَنَّ الْجَنَّةَ جَزَاؤُهُمْ وَمَصِيرُهُمْ .