أما قوله : ( كانت لهم جزاء ومصيرا    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : المعتزلة  احتجوا بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين : 
الأول : أن اسم الجزاء لا يتناول إلا المستحق ، فأما الوعد بمحض التفضيل فإنه لا يسمى جزاء . 
والثاني : لو كان المراد من الجزاء الأمر الذي يصيرون إليه بمجرد الوعد ، فحينئذ لا يبقى بين قوله : ( جزاء    ) وبين قوله : ( ومصيرا    ) تفاوت ، فيصير ذلك تكرارا من غير فائدة . 
قال أصحابنا رحمهم الله : لا نزاع في كونه ( جزاء    ) إنما النزاع في أن كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق ، وليس في الآية ما يدل على التعيين . 
المسألة الثانية : قالت المعتزلة    : الآية تدل على أن الله تعالى لا يعفو عن صاحب الكبيرة  من وجهين : 
الأول : أن صاحب الكبيرة يستحق العقاب ، فوجب أن لا يكون مستحقا للثواب ; لأن الثواب هو النفع الدائم الخالص عن شوب الضرر ، والعقاب هو الضرر الدائم الخالص عن شوب النفع ، والجمع بينهما محال ، وما كان ممتنع الوجود امتنع أن يحصل استحقاقه ، فإذن متى ثبت استحقاق العقاب وجب أن يزول استحقاق الثواب . فنقول : لو عفا الله عن صاحب الكبيرة لكان إما أن يخرجه من النار ولا يدخله الجنة ، وذلك باطل بالإجماع لأنهم أجمعوا على أن المكلفين يوم القيامة ، إما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار ; لأنه تعالى قال : ( فريق في الجنة وفريق في السعير    ) [الشورى : 7] وإما أن يخرجه من النار ويدخله الجنة ، وذلك باطل ؛ لأن الجنة حق المتقين ؛ لقوله تعالى : ( كانت لهم جزاء ومصيرا    ) فجعل الجنة لهم ومختصة بهم ، وبين أنها إنما كانت لهم لكونها جزاء لهم على أعمالهم ، فكانت حقا لهم ، وإعطاء حق الإنسان لغيره لا يجوز ، ولما بطلت الأقسام ثبت أن العفو غير جائز . أجاب أصحابنا : لم لا يجوز أن يقال : المتقون يرضون بإدخال الله أهل العفو في الجنة ؟ فحينئذ لا يمتنع دخولهم فيها . 
الوجه الثاني : قالوا : المتقي في عرف الشرع  مختص بمن اتقى الكفر والكبائر ، وإن اختلفنا في أن صاحب الكبيرة هل يسمى مؤمنا أم لا ، لكنا اتفقنا على أنه لا يسمى متقيا ، ثم قال في وصف الجنة : إنها كانت لهم جزاء ومصيرا ، وهذا للحصر ، والمعنى أنها مصير للمتقين لا لغيرهم ، وإذا كان كذلك وجب أن لا يدخلها صاحب الكبيرة ، قلنا : أقصى ما في الباب أن هذا العموم صريح في الوعيد ، فتخصه بآيات الوعد . 
المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيرا ، لكنها بعدما صارت كذلك ، فلم قال الله تعالى : ( كانت لهم جزاء ومصيرا    ) ؟ جوابه من وجهين : 
الأول : أن ما وعد الله فهو في تحققه كأنه قد كان    . 
والثاني : أنه كان مكتوبا في اللوح قبل أن يخلقهم الله تعالى بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم . 
				
						
						
