أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16كان على ربك وعدا مسئولا ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : كلمة ( على ) للوجوب ، قال عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013493من nindex.php?page=treesubj&link=4188_33073نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16كان على ربك ) يفيد أن ذلك واجب على الله تعالى ، والواجب هو الذي لو لم يفعل لاستحق تاركه بفعله الذم ، أو أنه الذي يكون عدمه ممتنعا ، فإن كان الوجوب على التفسير الأول كان تركه محالا ; لأن تركه لما استلزم استحقاق الذم ، واستحقاق الله تعالى الذم محال ، ومستلزم المحال محال ، كان ذلك الترك محالا ، والمحال غير مقدور ، فلم يكن الله تعالى قادرا على أن لا يفعل ، فيلزم أن يكون ملجأ إلى الفعل ، وإن كان الوجوب على التفسير الثاني وهو أن يقال : الواجب ما يكون عدمه ممتنعا يكون القول بالإلجاء لازما ، فلم يكن الله قادرا ، فإن قيل : إنه ثبت بحكم الوعد ، فنقول : لو لم يفعل لانقلب خبره الصدق كذبا ، وعلمه جهلا ، وذلك محال ، والمؤدي إلى المحال محال ، فالترك محال ، فيلزم أن يكون ملجأ إلى الفعل ، والملجأ إلى الفعل لا يكون قادرا ، ولا يكون مستحقا للثناء والمدح .
تمام السؤال وجوابه : أن فعل الشيء متقدم على الإخبار عن فعله وعن العلم بفعله ، فيكون ذلك الفعل فعلا لا على سبيل الإلجاء ، فكان قادرا ومستحقا للثناء والمدح .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16وعدا ) يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30394_33678الجنة حصلت بحكم الوعد ، لا بحكم الاستحقاق ، وقد تقدم تقريره .
[ ص: 53 ] المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16مسئولا ) ذكروا فيه وجوها :
أحدها : أن المكلفين سألوه بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) [آل عمران : 194] .
وثانيها : أن المكلفين سألوه بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعته كان ذلك قائما مقام السؤال ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15155المتنبي :
وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي كلام عندها وخطاب
وثالثها : الملائكة سألوا الله تعالى ذلك بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8ربنا وأدخلهم جنات عدن ) [غافر : 8] .
ورابعها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16وعدا مسئولا ) أي واجبا ، يقال : لأعطينك ألفا وعدا مسئولا ، أي واجبا وإن لم تسأل ، قاله
الفراء . وسائر الوجوه أقرب من هذا ؛ لأن سائر الوجوه أقرب إلى الحقيقة ، وما قاله
الفراء مجاز .
وخامسها : مسئولا أي من حقه أن يكون مسئولا ؛ لأنه حق واجب ، إما بحكم الاستحقاق على قول
المعتزلة ، أو بحكم الوعد على قول أهل السنة .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : كَلِمَةُ ( عَلَى ) لِلْوُجُوبِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013493مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=4188_33073نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16كَانَ عَلَى رَبِّكَ ) يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْوَاجِبُ هُوَ الَّذِي لَوْ لَمْ يُفْعَلْ لَاسْتَحَقَّ تَارِكُهُ بِفِعْلِهِ الذَّمَّ ، أَوْ أَنَّهُ الَّذِي يَكُونُ عَدَمُهُ مُمْتَنِعًا ، فَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ كَانَ تَرْكُهُ مُحَالًا ; لِأَنَّ تَرْكَهُ لَمَّا اسْتَلْزَمَ اسْتِحْقَاقَ الذَّمِّ ، وَاسْتِحْقَاقُ اللَّهِ تَعَالَى الذَّمَّ مُحَالٌ ، وَمُسْتَلْزَمُ الْمُحَالِ مُحَالٌ ، كَانَ ذَلِكَ التَّرْكُ مُحَالًا ، وَالْمُحَالُ غَيْرُ مَقْدُورٍ ، فَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُلْجَأً إِلَى الْفِعْلِ ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : الْوَاجِبُ مَا يَكُونُ عَدَمُهُ مُمْتَنِعًا يَكُونُ الْقَوْلُ بِالْإِلْجَاءِ لَازِمًا ، فَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَادِرًا ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ ثَبَتَ بِحُكْمِ الْوَعْدِ ، فَنَقُولُ : لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَانْقَلَبَ خَبَرُهُ الصِّدْقُ كَذِبًا ، وَعِلْمُهُ جَهْلًا ، وَذَلِكَ مُحَالٌ ، وَالْمُؤَدِّي إِلَى الْمُحَالِ مُحَالٌ ، فَالتَّرْكُ مُحَالٌ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُلْجَأً إِلَى الْفِعْلِ ، وَالْمُلْجَأُ إِلَى الْفِعْلِ لَا يَكُونُ قَادِرًا ، وَلَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ .
تَمَامُ السُّؤَالِ وَجَوَابُهُ : أَنَّ فِعْلَ الشَّيْءِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ فِعْلِهِ وَعَنِ الْعِلْمِ بِفِعْلِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ فِعْلًا لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِلْجَاءِ ، فَكَانَ قَادِرًا وَمُسْتَحِقًّا لِلثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16وَعْدًا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30394_33678الْجَنَّةَ حَصَلَتْ بِحُكْمِ الْوَعْدِ ، لَا بِحُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ .
[ ص: 53 ] المسألة الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16مَسْئُولًا ) ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ سَأَلُوهُ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ ) [آلِ عِمْرَانَ : 194] .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ سَأَلُوهُ بِلِسَانِ الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ الشَّدِيدَةَ فِي طَاعَتِهِ كَانَ ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ السُّؤَالِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15155الْمُتَنَبِّي :
وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وَفِيكَ فَطَانَةٌ سُكُوتِي كَلَامٌ عِنْدَهَا وَخِطَابُ
وَثَالِثُهَا : الْمَلَائِكَةُ سَأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=8رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ) [غَافِرٍ : 8] .
وَرَابِعُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=16وَعْدًا مَسْئُولًا ) أَيْ وَاجِبًا ، يُقَالُ : لَأُعْطِيَنَّكَ أَلْفًا وَعْدًا مَسْئُولًا ، أَيْ وَاجِبًا وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْ ، قَالَهُ
الْفَرَّاءُ . وَسَائِرُ الْوُجُوهِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْوُجُوهِ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ ، وَمَا قَالَهُ
الْفَرَّاءُ مَجَازٌ .
وَخَامِسُهَا : مَسْئُولًا أَيْ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ مَسْئُولًا ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ ، إِمَّا بِحُكْمِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى قَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، أَوْ بِحُكْمِ الْوَعْدِ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ .