أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) فاعلم أنه سبحانه لما بين حال الكفار في الخسار الكلي والخيبة التامة شرح
nindex.php?page=treesubj&link=30395وصف أهل الجنة تنبيها على أن الحظ كل الحظ في
nindex.php?page=treesubj&link=30491طاعة الله تعالى ، وههنا سؤالات :
الأول : كيف يكون أصحاب الجنة خيرا مستقرا من أهل النار ، ولا خير في النار ، ولا يقال في العسل : هو أحلى من الخل ؟ والجواب من وجوه :
الأول : ما تقدم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15أذلك خير أم جنة الخلد ) [الفرقان : 15] .
والثاني : يجوز أن يريد أنهم في غاية الخير ؛ لأن مستقر الجنة خير من النار ، كقول الشاعر :
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول
الثالث : التفاضل الذي ذكر بين المنزلتين إنما يرجع إلى الموضع ، والموضع من حيث إنه موضع لا شر فيه .
الرابع : هذا التفاضل واقع على هذا التقدير ، أي لو كان لهم مستقر فيه خير لكان مستقر أهل الجنة خيرا منه .
السؤال الثاني : الآية دلت على أن مستقرهم غير مقيلهم ، فكيف ذلك ؟ والجواب من وجوه :
الأول : أن المستقر مكان الاستقرار ، والمقيل زمان القيلولة ، فهذا إشارة إلى أنهم من المكان في أحسن مكان ، ومن
[ ص: 64 ] الزمان في أطيب زمان .
الثاني : أن مستقر أهل الجنة غير مقيلهم ، فإنهم يقيلون في الفردوس ، ثم يعودون إلى مستقرهم .
الثالث : أن بعد الفراغ من المحاسبة والذهاب إلى الجنة يكون الوقت وقت القيلولة ، قال
ابن مسعود : "لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار" ، وقرأ
ابن مسعود : " ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم" . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : إن الله تعالى إذا أخذ في فصل القضاء قضى بينهم بقدر ما بين صلاة الغداة إلى انتصاف النهار ، فيقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار . وقال
مقاتل : يخفف الحساب على أهل الجنة حتى يكون بمقدار نصف يوم من أيام الدنيا ، ثم يقيلون من يومهم ذلك في الجنة .
السؤال الثالث : كيف يصح القيلولة في الجنة والنار ، وعندكم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30395_30387أهل الجنة في الآخرة لا ينامون ،
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30438وأهل النار أبدا في عذاب يعرفونه ، وأهل الجنة في نعيم يعرفونه ؟ والجواب : قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) [مريم : 62] وليس في الجنة بكرة وعشي ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=13لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ) [ الإنسان : 13] ولأنه إذا لم يكن هناك شمس لم يكن هناك نصف النهار ولا وقت القيلولة ، بل المراد منه بيان أن ذلك الموضع أطيب المواضع وأحسنها ، كما أن موضع القيلولة يكون أطيب المواضع ، والله أعلم .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=24أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الْكُفَّارِ فِي الْخَسَارِ الْكُلِّيِّ وَالْخَيْبَةِ التَّامَّةِ شَرَحَ
nindex.php?page=treesubj&link=30395وَصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْحَظَّ كُلَّ الْحَظِّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30491طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : كَيْفَ يَكُونُ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَيْرًا مُسْتَقِرًّا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَلَا خَيْرَ فِي النَّارِ ، وَلَا يُقَالُ فِي الْعَسَلِ : هُوَ أَحْلَى مِنَ الْخَلِّ ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=15أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ ) [الْفُرْقَانِ : 15] .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ فِي غَايَةِ الْخَيْرِ ؛ لِأَنَّ مُسْتَقَرَّ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ النَّارِ ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ :
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
الثَّالِثُ : التَّفَاضُلُ الَّذِي ذُكِرَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَوْضِعِ ، وَالْمَوْضِعُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَوْضِعٌ لَا شَرَّ فِيهِ .
الرَّابِعُ : هَذَا التَّفَاضُلُ وَاقِعٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، أَيْ لَوْ كَانَ لَهُمْ مُسْتَقَرٌّ فِيهِ خَيْرٌ لَكَانَ مُسْتَقَرُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَيْرًا مِنْهُ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مُسْتَقَرَّهُمْ غَيْرُ مَقِيلِهِمْ ، فَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُسْتَقَرَّ مَكَانُ الِاسْتِقْرَارِ ، وَالْمَقِيلَ زَمَانُ الْقَيْلُولَةِ ، فَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْمَكَانِ فِي أَحْسَنِ مَكَانٍ ، وَمِنَ
[ ص: 64 ] الزَّمَانِ فِي أَطْيَبِ زَمَانٍ .
الثَّانِي : أَنَّ مُسْتَقَرَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ غَيْرُ مَقِيلِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ يَقِيلُونَ فِي الْفِرْدَوْسِ ، ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَى مُسْتَقَرِّهِمْ .
الثَّالِثُ : أَنَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْمُحَاسَبَةِ وَالذَّهَابِ إِلَى الْجَنَّةِ يَكُونُ الْوَقْتُ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ ، قَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : "لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ" ، وَقَرَأَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : " ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ" . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَخَذَ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ قَضَى بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ إِلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ ، فَيَقِيلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : يُخَفِّفُ الْحِسَابَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَكُونَ بِمِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَقِيلُونَ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : كَيْفَ يَصِحُّ الْقَيْلُولَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَعِنْدَكُمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30395_30387أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ لَا يَنَامُونَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30438وَأَهْلَ النَّارِ أَبَدًا فِي عَذَابٍ يَعْرِفُونَهُ ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ يَعْرِفُونَهُ ؟ وَالْجَوَابُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) [مَرْيَمَ : 62] وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ بُكْرَةٌ وَعَشِيٌّ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=13لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ) [ الْإِنْسَانِ : 13] وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَمْسٌ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نِصْفُ النَّهَارِ وَلَا وَقْتُ الْقَيْلُولَةِ ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ أَطْيَبُ الْمَوَاضِعِ وَأَحْسَنُهَا ، كَمَا أَنَّ مَوْضِعَ الْقَيْلُولَةِ يَكُونُ أَطْيَبَ الْمَوَاضِعِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .