(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=46ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=47وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=49لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=46ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=47وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=49لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ) .
[ ص: 77 ] اعلم أنه تعالى لما بين جهل المعرضين عن دلائل الله تعالى وفساد طريقهم في ذلك ذكر بعده أنواعا من
nindex.php?page=treesubj&link=28659الدلائل الدالة على وجود الصانع :
النوع الأول : الاستدلال بحال الظل في زيادته ونقصانه وتغيره من حال إلى حال ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45ألم تر ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه من رؤية العين .
والثاني : أنه من رؤية القلب ، يعني العلم ، فإن حملناه على رؤية العين فالمعنى : ألم تر إلى الظل كيف مده ربك ، وإن كان تخريج لفظه على عادة العرب أفصح . وإن حملناه على العلم ، وهو اختيار
الزجاج ، فالمعنى : ألم تعلم ، وهذا أولى ، وذلك أن الظل إذا جعلناه من المبصرات فتأثير قدرة الله تعالى في تمديده غير مرئي بالاتفاق ، ولكنه معلوم من حيث إن كل متغير جائز وكل جائز فله مؤثر ، فحمل هذا اللفظ على رؤية القلب أولى من هذا الوجه .
المسألة الثانية : المخاطب بهذا الخطاب ، وإن كان هو الرسول عليه السلام بحسب ظاهر اللفظ ، ولكن الخطاب عام في المعنى ؛ لأن المقصود من الآية بيان
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32409نعم الله تعالى بالظل ، وجميع المكلفين مشتركون في أنه يجب تنبههم لهذه النعمة وتمكنهم من الاستدلال بها على وجود الصانع .
المسألة الثالثة : الناس أكثروا في تأويل هذه الآية ، والكلام الملخص يرجع إلى وجهين :
الأول : أن الظل هو الأمر المتوسط بين الضوء الخالص وبين الظلمة الخالصة ، وهو ما بين ظهور الفجر إلى طلوع الشمس ، وكذا الكيفيات الحاصلة داخل السقف وأفنية الجدران ، وهذه الحالة أطيب الأحوال ؛ لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس ، وأما الضوء الخالص ، وهو الكيفية الفائضة من الشمس ، فهي لقوتها تبهر الحس البصري ، وتفيد السخونة القوية ، وهي مؤذية ، فإذن أطيب الأحوال هو الظل ، ولذلك وصف الجنة به فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=30وظل ممدود ) [الواقعة : 30] وإذا ثبت هذا فنقول : إنه سبحانه بين أنه من النعم العظيمة والمنافع الجليلة ، ثم إن الناظر إلى الجسم الملون وقت الظل كأنه لا يشاهد شيئا سوى الجسم وسوى اللون ، ونقول : الظل ليس أمرا ثالثا ، ولا يعرف به إلا إذا طلعت
nindex.php?page=treesubj&link=31759الشمس ووقع ضوءها على الجسم زال ذلك الظل ، فلولا الشمس ووقوع ضوئها على الأجرام لما عرف أن للظل وجودا وماهية ؛ لأن الأشياء إنما تعرف بأضدادها ، فلولا الشمس لما عرف الظل ، ولولا الظلمة لما عرف النور ، فكأنه سبحانه وتعالى لما طلع الشمس على الأرض وزال الظل ، فحينئذ ظهر للعقول أن الظل كيفية زائدة على الجسم واللون ، فلهذا قال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=31759ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) أي خلقنا الظل أولا بما فيه من المنافع واللذات ، ثم إنا هدينا العقول إلى معرفة وجوده بأن أطلعنا الشمس ، فكانت الشمس دليلا على وجود هذه النعمة ، ثم قبضناه ؛ أي : أزلنا الظل لا دفعة بل يسيرا يسيرا ، فإن كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل في جانب المغرب ، ولما كانت الحركات المكانية لا توجد دفعة ، بل يسيرا يسيرا ، فكذا زوال الإظلال لا يكون دفعة ، بل يسيرا يسيرا ، ولأن قبض الظل لو حصل دفعة لاختلت المصالح ، ولكن قبضها يسيرا يسيرا يفيد معه أنواع مصالح العالم ، والمراد بالقبض الإزالة والإعدام ، هذا أحد التأويلين .
التأويل الثاني : وهو أنه سبحانه وتعالى لما خلق الأرض والسماء وخلق الكواكب والشمس والقمر ، وقع الظل على الأرض ، ثم إنه سبحانه خلق الشمس دليلا عليه ؛ وذلك لأن بحسب حركات الأضواء تتحرك الأظلال فإنهما متعاقبان متلازمان ، لا واسطة بينهما ، فبمقدار ما يزداد أحدهما ينقص الآخر ، وكما أن المهتدي
[ ص: 78 ] يهتدي بالهادي والدليل ويلازمه ، فكذا الأظلال كأنها مهتدية وملازمة للأضواء ، فلهذا جعل الشمس دليلا عليها .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=31759ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) فإما أن يكون المراد منه انتهاء الأظلال يسيرا يسيرا إلى غاية نقصاناتها ، فسمى إزالة الأظلال قبضا لها ، أو يكون المراد من قبضها يسيرا قبضها عند قيام الساعة ، وذلك بقبض أسبابها ، وهي الأجرام التي تلقي الأظلال . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=46يسيرا ) هو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=44ذلك حشر علينا يسير ) [ق : 44] ، فهذا هو التأويل الملخص .
المسألة الرابعة : وجه الاستدلال به على وجود الصانع المحسن أن حصول الظل أمر نافع للأحياء والعقلاء ، وأما حصول الضوء الخالص ، أو الظلمة الخالصة ، فهو ليس من باب المنافع ، فحصول ذلك الظل إما أن يكون من الواجبات أو من الجائزات ، والأول باطل ، وإلا لما تطرق التغير إليه ؛ لأن الواجب لا يتغير ، فوجب أن يكون من الجائزات ، فلا بد له في وجوده بعد العدم ، وعدمه بعد الوجود ، من صانع قادر مدبر محسن يقدره بالوجه النافع ، وما ذاك إلا من يقدر على تحريك الأجرام العلوية وتدبير الأجسام الفلكية وترتيبها على الوصف الأحسن والترتيب الأكمل ، وما هو إلا الله سبحانه وتعالى . فإن قيل : الظل عبارة عن عدم الضوء عما شأنه أن يضيء ، فكيف استدل بالأمر العدمي على ذاته ، وكيف عده من النعم ؟ قلنا : الظل ليس عدما محضا ، بل هو أضواء مخلوطة بظلم ، والتحقيق أن الظل عبارة عن الضوء الثاني ، وهو أمر وجودي ، وفي تحقيقه وبسطه كلام دقيق يرجع فيه إلى كتبنا العقلية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=46ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=47وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=49لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=46ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=47وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=49لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ) .
[ ص: 77 ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ جَهْلَ الْمُعْرِضِينَ عَنْ دَلَائِلِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَسَادِ طَرِيقِهِمْ فِي ذَلِكَ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنْوَاعًا مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28659الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ :
النوع الْأَوَّلُ : الِاسْتِدْلَالُ بِحَالِ الظِّلِّ فِي زِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ وَتَغَيُّرِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
المسألة الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45أَلَمْ تَرَ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ ، يَعْنِي الْعِلْمَ ، فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْعَيْنِ فَالْمَعْنَى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الظِّلِّ كَيْفَ مَدَّهُ رَبُّكَ ، وَإِنْ كَانَ تَخْرِيجُ لَفْظِهِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ أَفْصَحَ . وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْعِلْمِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
الزَّجَّاجِ ، فَالْمَعْنَى : أَلَمْ تَعْلَمْ ، وَهَذَا أَوْلَى ، وَذَلِكَ أَنَّ الظِّلَّ إِذَا جَعَلْنَاهُ مِنَ الْمُبْصَرَاتِ فَتَأْثِيرُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَمْدِيدِهِ غَيْرُ مَرْئِيٍّ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ مُتَغَيِّرٍ جَائِزٌ وَكُلُّ جَائِزٍ فَلَهُ مُؤَثِّرٌ ، فَحَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَلْبِ أَوْلَى مِنْ هَذَا الوجه .
المسألة الثَّانِيَةُ : الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْخِطَابِ ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِحَسَبِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ ، وَلَكِنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ فِي الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32409نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالظِّلِّ ، وَجَمِيعُ الْمُكَلَّفِينَ مُشْتَرِكُونَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ تَنَبُّهُهُمْ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَتَمَكُّنُهُمْ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ .
المسألة الثَّالِثَةُ : النَّاسُ أَكْثَرُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَالْكَلَامُ الْمُلَخَّصُ يَرْجِعُ إِلَى وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الظِّلَّ هُوَ الْأَمْرُ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الضَّوْءِ الْخَالِصِ وَبَيْنَ الظُّلْمَةِ الْخَالِصَةِ ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ظُهُورِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَكَذَا الْكَيْفِيَّاتُ الْحَاصِلَةُ دَاخِلَ السَّقْفِ وَأَفْنِيَةِ الْجُدْرَانِ ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ أَطْيَبُ الْأَحْوَالِ ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَةَ الْخَالِصَةَ يَكْرَهُهَا الطَّبْعُ وَيَنْفِرُ عَنْهَا الْحِسُّ ، وَأَمَّا الضَّوْءُ الْخَالِصُ ، وَهُوَ الْكَيْفِيَّةُ الْفَائِضَةُ مِنَ الشَّمْسِ ، فَهِيَ لِقُوَّتِهَا تَبْهَرُ الْحِسَّ الْبَصَرِيَّ ، وَتُفِيدُ السُّخُونَةَ الْقَوِيَّةَ ، وَهِيَ مُؤْذِيَةٌ ، فَإِذَنْ أَطْيَبُ الْأَحْوَالِ هُوَ الظِّلُّ ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ الْجَنَّةَ بِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=30وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) [الْوَاقِعَةِ : 30] وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ أَنَّهُ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ وَالْمَنَافِعِ الْجَلِيلَةِ ، ثُمَّ إِنَّ النَّاظِرَ إِلَى الْجِسْمِ الْمُلَوَّنِ وَقْتَ الظِّلِّ كَأَنَّهُ لَا يُشَاهِدُ شَيْئًا سِوَى الْجِسْمِ وَسِوَى اللَّوْنِ ، وَنَقُولُ : الظِّلُّ لَيْسَ أَمْرًا ثَالِثًا ، وَلَا يُعْرَفُ بِهِ إِلَّا إِذَا طَلَعَتِ
nindex.php?page=treesubj&link=31759الشَّمْسُ وَوَقَعَ ضَوْءُهَا عَلَى الْجِسْمِ زَالَ ذَلِكَ الظِّلُّ ، فَلَوْلَا الشَّمْسُ وَوُقُوعُ ضَوْئِهَا عَلَى الْأَجْرَامِ لَمَا عُرِفَ أَنَّ لِلظِّلِّ وُجُودًا وَمَاهِيَّةً ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ إِنَّمَا تُعْرَفُ بِأَضْدَادِهَا ، فَلَوْلَا الشَّمْسُ لَمَا عُرِفَ الظِّلُّ ، وَلَوْلَا الظُّلْمَةُ لَمَا عُرِفَ النُّورُ ، فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا طَلَعَ الشَّمْسُ عَلَى الْأَرْضِ وَزَالَ الظِّلُّ ، فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ لِلْعُقُولِ أَنَّ الظِّلَّ كَيْفِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِسْمِ وَاللَّوْنِ ، فَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45nindex.php?page=treesubj&link=31759ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ) أَيْ خَلَقْنَا الظِّلَّ أَوَّلًا بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَاللَّذَّاتِ ، ثُمَّ إِنَّا هَدَيْنَا الْعُقُولَ إِلَى مَعْرِفَةِ وَجُودِهِ بِأَنْ أَطْلَعْنَا الشَّمْسَ ، فَكَانَتِ الشَّمْسُ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ هَذِهِ النِّعْمَةِ ، ثُمَّ قَبَضْنَاهُ ؛ أَيْ : أَزَلْنَا الظِّلَّ لَا دَفْعَةً بَلْ يَسِيرًا يَسِيرًا ، فَإِنَّ كُلَّمَا ازْدَادَ ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ ازْدَادَ نُقْصَانُ الظِّلِّ فِي جَانِبِ الْمَغْرِبِ ، وَلَمَّا كَانَتِ الْحَرَكَاتُ الْمَكَانِيَّةُ لَا تُوجَدُ دَفْعَةً ، بَلْ يَسِيرًا يَسِيرًا ، فَكَذَا زَوَالُ الْإِظْلَالِ لَا يَكُونُ دَفْعَةً ، بَلْ يَسِيرًا يَسِيرًا ، وَلِأَنَّ قَبْضَ الظِّلِّ لَوْ حَصَلَ دَفْعَةً لَاخْتَلَّتِ الْمَصَالِحُ ، وَلَكِنَّ قَبْضَهَا يَسِيرًا يَسِيرًا يُفِيدُ مَعَهُ أَنْوَاعَ مَصَالِحِ الْعَالَمِ ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْإِزَالَةُ وَالْإِعْدَامُ ، هَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ .
التَّأْوِيلُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاءَ وَخَلَقَ الْكَوَاكِبَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، وَقَعَ الظِّلُّ عَلَى الْأَرْضِ ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الشَّمْسَ دَلِيلًا عَلَيْهِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ بِحَسَبِ حَرَكَاتِ الْأَضْوَاءِ تَتَحَرَّكُ الْأَظْلَالُ فَإِنَّهُمَا مُتَعَاقِبَانِ مُتَلَازِمَانِ ، لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا ، فَبِمِقْدَارِ مَا يَزْدَادُ أَحَدُهُمَا يَنْقُصُ الْآخَرُ ، وَكَمَا أَنَّ الْمُهْتَدِيَ
[ ص: 78 ] يَهْتَدِي بِالْهَادِي وَالدَّلِيلِ وَيُلَازِمُهُ ، فَكَذَا الْأَظْلَالُ كَأَنَّهَا مُهْتَدِيَةٌ وَمُلَازِمَةٌ لِلْأَضْوَاءِ ، فَلِهَذَا جَعَلَ الشَّمْسَ دَلِيلًا عَلَيْهَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=46nindex.php?page=treesubj&link=31759ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ) فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ انْتِهَاءَ الْأَظْلَالِ يَسِيرًا يَسِيرًا إِلَى غَايَةِ نُقْصَانَاتِهَا ، فَسَمَّى إِزَالَةَ الْأَظْلَالِ قَبْضًا لَهَا ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ قَبْضِهَا يَسِيرًا قَبْضَهَا عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ ، وَذَلِكَ بِقَبْضِ أَسْبَابِهَا ، وَهِيَ الْأَجْرَامُ الَّتِي تُلْقِي الْأَظْلَالَ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=46يَسِيرًا ) هُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=44ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ) [ق : 44] ، فَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الْمُلَخَّصُ .
المسألة الرَّابِعَةُ : وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْمُحْسِنِ أَنَّ حُصُولَ الظِّلِّ أَمْرٌ نَافِعٌ لِلْأَحْيَاءِ وَالْعُقَلَاءِ ، وَأَمَّا حُصُولُ الضَّوْءِ الْخَالِصِ ، أَوِ الظُّلْمَةِ الْخَالِصَةِ ، فَهُوَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمَنَافِعِ ، فَحُصُولُ ذَلِكَ الظِّلِّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ أَوْ مِنَ الْجَائِزَاتِ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ، وَإِلَّا لَمَا تَطَرَّقَ التَّغَيُّرُ إِلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَغَيَّرُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَائِزَاتِ ، فَلَا بُدَّ لَهُ فِي وُجُودِهِ بَعْدَ الْعَدَمِ ، وَعَدَمِهِ بَعْدَ الْوُجُودِ ، مِنْ صَانِعٍ قَادِرٍ مُدَبِّرٍ مُحْسِنٍ يُقَدِّرُهُ بِالوجه النَّافِعِ ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَحْرِيكِ الْأَجْرَامِ الْعُلْوِيَّةِ وَتَدْبِيرِ الْأَجْسَامِ الْفَلَكِيَّةِ وَتَرْتِيبِهَا عَلَى الْوَصْفِ الْأَحْسَنِ وَالتَّرْتِيبِ الْأَكْمَلِ ، وَمَا هُوَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . فَإِنْ قِيلَ : الظِّلُّ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الضَّوْءِ عَمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُضِيءَ ، فَكَيْفَ اسْتَدَلَّ بِالْأَمْرِ الْعَدَمِيِّ عَلَى ذَاتِهِ ، وَكَيْفَ عَدَّهُ مِنَ النِّعَمِ ؟ قُلْنَا : الظِّلُّ لَيْسَ عَدَمًا مَحْضًا ، بَلْ هُوَ أَضْوَاءٌ مَخْلُوطَةٌ بِظُلَمٍ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الظِّلَّ عِبَارَةٌ عَنِ الضَّوْءِ الثَّانِي ، وَهُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ ، وَفِي تَحْقِيقِهِ وَبَسْطِهِ كَلَامٌ دَقِيقٌ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى كُتُبِنَا الْعَقْلِيَّةِ .