القصة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=31873_32016قصة إبراهيم عليه السلام
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=69واتل عليهم نبأ إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قال هل يسمعونكم إذ تدعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أو ينفعونكم أو يضرون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أنتم وآباؤكم الأقدمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=69واتل عليهم نبأ إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قال هل يسمعونكم إذ تدعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أو ينفعونكم أو يضرون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أنتم وآباؤكم الأقدمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) .
اعلم أنه تعالى ذكر في أول السورة شدة حزن
محمد صلى الله عليه وسلم بسبب كفر قومه ثم إنه ذكر قصة
موسى عليه السلام ليعرف
محمد أن مثل تلك المحنة كانت حاصلة
لموسى ، ثم ذكر عقبها قصة
إبراهيم عليه السلام ليعرف
محمد أيضا أن حزن
إبراهيم عليه السلام بهذا السبب كان أشد من حزنه ، لأن من
nindex.php?page=treesubj&link=32016_31873عظيم المحنة على إبراهيم عليه السلام أن يرى أباه وقومه في النار وهو لا يتمكن من إنقاذهم إلا بقدر الدعاء والتنبيه فقال لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70ما تعبدون ) وكان
إبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة أصنام ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء كما تقول لتاجر الرقيق ما مالك ؟ وأنت تعلم أن ماله الرقيق ، ثم تقول : الرقيق جمال وليس بمال . فأجابوا
إبراهيم عليه السلام بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ) والعكوف : الإقامة
[ ص: 123 ] على الشيء ، وإنما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71فنظل ) لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل ، واعلم أنه كان يكفيهم في الجواب أن يقولوا : نعبد أصناما ، ولكنهم ضموا إليه زيادة على الجواب وهي قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71فنظل لها عاكفين ) وإنما ذكروا هذه الزيادة إظهارا لما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار بعبادة الأصنام ، فقال
إبراهيم عليه السلام منبها على فساد مذهبهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72هل يسمعونكم إذ تدعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أو ينفعونكم أو يضرون ) قال صاحب " الكشاف " : لا بد في يسمعونكم من تقدير حذف المضاف معناه هل يسمعون دعاءكم ؟ وقرأ
قتادة : " هل يسمعونكم " أي هل يسمعونكم الجواب عن دعائكم ؟ وهل يقدرون على ذلك ؟ وتقرير هذه الحجة التي ذكرها
إبراهيم عليه السلام أن الغالب من حال من يعبد غيره أن يلتجئ إليه في المسألة ليعرف مراده إذا سمع دعاءه ثم يستجيب له في بذل منفعة أو دفع مضرة ، فقال لهم : فإذا كان من تعبدونه لا يسمع دعاءكم حتى يعرف مقصودكم ، ولو عرف ذلك لما صح أن يبذل النفع أو يدفع الضرر فكيف تستجيزون أن تعبدوا ما هذا وصفه ؟ فعند هذه الحجة القاهرة لم يجد أبوه وقومه ما يدفعون به هذه الحجة فعدلوا إلى أن قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ) وهذا من أقوى الدلائل على
nindex.php?page=treesubj&link=22311فساد التقليد ووجوب التمسك بالاستدلال ، إذ لو قلبنا الأمر فمدحنا التقليد وذممنا الاستدلال لكان ذلك مدحا لطريقة الكفار التي ذمها الله تعالى وذما لطريقة
إبراهيم عليه السلام التي مدحها الله تعالى فأجابهم
إبراهيم عليه السلام بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أنتم وآباؤكم الأقدمون ) أراد به أن الباطل لا يتغير بأن يكون قديما أو حديثا ، ولا بأن يكون في فاعليه كثرة أو قلة .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ) ففيه أسئلة :
السؤال الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=30554_28675_34077كيف يكون الصنم عدوا مع أنه جماد ؟ جوابه من وجهين :
أحدهما : أنه تعالى قال في سورة مريم في صفة الأوثان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=82كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) [ مريم : 82 ] فقيل في تفسيره إن الله يحيي ما عبدوه من الأصنام حتى يقع منهم التوبيخ لهم والبراءة منهم ، فعلى هذا الوجه أن الأوثان ستصير أعداء لهؤلاء الكفار في الآخرة فأطلق
إبراهيم عليه السلام لفظ العداوة عليهم على هذا التأويل .
وثانيها : أن الكفار لما عبدوها وعظموها ورجوها في طلب المنافع ودفع المضار نزلت منزلة الأحياء العقلاء في اعتقاد الكفار ، ثم إنها صارت أسبابا لانقطاع الإنسان عن السعادة ووصوله إلى الشقاوة ، فلما نزلت هذه الأصنام منزلة الأحياء وجرت مجرى الدافع للمنفعة والجالب للمضرة لا جرم جرت مجرى الأعداء ، فلا جرم أطلق إبراهيم عليه السلام عليها لفظ العدو .
وثالثها : المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي ) عداوة من يعبدها ، فإن قيل : فلم لم يقل : إن من يعبد الأصنام عدو لي ليكون الكلام حقيقة ؟ جوابه : لأن الذي تقدم ذكره ما عبدوه دون العابدين .
السؤال الثاني : لم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي ) ولم يقل : فإنها عدو لكم ؟ جوابه : أنه عليه السلام صور المسألة في نفسه على معنى إني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها ، وأراهم أنها نصيحة نصح بها نفسه ، فإذا تفكروا قالوا : ما نصحنا
إبراهيم إلا بما نصح به نفسه ، فيكون ذلك أدعى للقبول .
[ ص: 124 ] السؤال الثالث : لم لم يقل فإنهم أعدائي ؟ جوابه :
nindex.php?page=treesubj&link=34077العدو والصديق يجيئان في معنى الواحد والجماعة ، قال :
وقوم علي ذوي مرة أراهم عدوا وكانوا صديقا
ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وهم لكم عدو ) وتحقيق القول فيه ما تقدم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=16إنا رسول رب العالمين ) .
السؤال الرابع : ما هذا الاستثناء ؟ جوابه : أنه استثناء منقطع كأنه قال : لكن رب العالمين .
الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=31873_32016قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=69وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=69وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ شِدَّةَ حُزْنِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ كُفْرِ قَوْمِهِ ثُمَّ إِنَّهُ ذَكَرَ قِصَّةَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَعْرِفَ
مُحَمَّدٌ أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الْمِحْنَةِ كَانَتْ حَاصِلَةً
لِمُوسَى ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهَا قِصَّةَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَعْرِفَ
مُحَمَّدٌ أَيْضًا أَنَّ حُزْنَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا السَّبَبِ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنِهِ ، لِأَنَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32016_31873عَظِيمِ الْمِحْنَةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَرَى أَبَاهُ وَقَوْمَهُ فِي النَّارِ وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِنْقَاذِهِمْ إِلَّا بِقَدْرِ الدُّعَاءِ وَالتَّنْبِيهِ فَقَالَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70مَا تَعْبُدُونَ ) وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ عَبَدَةُ أَصْنَامٍ وَلَكِنَّهُ سَأَلَهُمُ لِيُرِيَهُمْ أَنَّ مَا يَعْبُدُونَهُ لَيْسَ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ فِي شَيْءٍ كَمَا تَقُولُ لِتَاجِرِ الرَّقِيقِ مَا مَالُكَ ؟ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مَالَهُ الرَّقِيقُ ، ثُمَّ تَقُولُ : الرَّقِيقُ جَمَالٌ وَلَيْسَ بِمَالٍ . فَأَجَابُوا
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ) وَالْعُكُوفُ : الْإِقَامَةُ
[ ص: 123 ] عَلَى الشَّيْءِ ، وَإِنَّمَا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71فَنَظَلُّ ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ يَكْفِيهِمْ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَقُولُوا : نَعْبُدُ أَصْنَامًا ، وَلَكِنَّهُمْ ضَمُّوا إِلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى الْجَوَابِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ) وَإِنَّمَا ذَكَرُوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِظْهَارًا لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الِابْتِهَاجِ وَالِافْتِخَارِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، فَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُنَبِّهًا عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ) قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : لَا بُدَّ فِي يَسْمَعُونَكُمْ مِنْ تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ مَعْنَاهُ هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُمْ ؟ وَقَرَأَ
قَتَادَةُ : " هَلْ يُسْمِعُونَكُمْ " أَيْ هَلْ يُسْمِعُونَكُمُ الْجَوَابَ عَنْ دُعَائِكُمْ ؟ وَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ؟ وَتَقْرِيرُ هَذِهِ الحجة الَّتِي ذَكَرَهَا
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ مَنْ يَعْبُدُ غَيْرَهُ أَنْ يَلْتَجِئَ إِلَيْهِ فِي المسألة لِيَعْرِفَ مُرَادَهُ إِذَا سَمِعَ دُعَاءَهُ ثُمَّ يَسْتَجِيبَ لَهُ فِي بَذْلِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ ، فَقَالَ لَهُمْ : فَإِذَا كَانَ مَنْ تَعْبُدُونَهُ لَا يَسْمَعُ دُعَاءَكُمْ حَتَّى يَعْرِفَ مَقْصُودَكُمْ ، وَلَوْ عَرَفَ ذَلِكَ لَمَا صَحَّ أَنْ يَبْذُلَ النَّفْعَ أَوْ يَدْفَعَ الضَّرَرَ فَكَيْفَ تَسْتَجِيزُونَ أَنْ تَعْبُدُوا مَا هَذَا وَصْفُهُ ؟ فَعِنْدَ هَذِهِ الحجة الْقَاهِرَةِ لَمْ يَجِدْ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ مَا يَدْفَعُونَ بِهِ هَذِهِ الحجة فَعَدَلُوا إِلَى أَنْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22311فَسَادِ التَّقْلِيدِ وَوُجُوبِ التَّمَسُّكِ بِالِاسْتِدْلَالِ ، إِذْ لَوْ قَلَبْنَا الْأَمْرَ فَمَدَحْنَا التَّقْلِيدَ وَذَمَمْنَا الِاسْتِدْلَالَ لَكَانَ ذَلِكَ مَدْحًا لِطَرِيقَةِ الْكُفَّارِ الَّتِي ذَمَّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَذَمًّا لِطَرِيقَةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي مَدَحَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَجَابَهُمْ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ) أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَتَغَيَّرُ بِأَنْ يَكُونَ قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا ، وَلَا بِأَنْ يَكُونَ فِي فَاعِلِيهِ كَثْرَةٌ أَوْ قِلَّةٌ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ) فَفِيهِ أَسْئِلَةٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30554_28675_34077كَيْفَ يَكُونُ الصَّنَمُ عَدُوًّا مَعَ أَنَّهُ جَمَادٌ ؟ جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فِي صِفَةِ الْأَوْثَانِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=82كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) [ مَرْيَمَ : 82 ] فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ إِنَّ اللَّهَ يُحْيِي مَا عَبَدُوهُ مِنَ الْأَصْنَامِ حَتَّى يَقَعَ مِنْهُمُ التَّوْبِيخُ لَهُمْ وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُمْ ، فَعَلَى هَذَا الوجه أَنَّ الْأَوْثَانَ سَتَصِيرُ أَعْدَاءً لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ فِي الْآخِرَةِ فَأَطْلَقَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَفْظَ الْعَدَاوَةِ عَلَيْهِمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا عَبَدُوهَا وَعَظَّمُوهَا وَرَجَوْهَا فِي طَلَبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْأَحْيَاءِ الْعُقَلَاءِ فِي اعْتِقَادِ الْكُفَّارِ ، ثُمَّ إِنَّهَا صَارَتْ أَسْبَابًا لِانْقِطَاعِ الْإِنْسَانِ عَنِ السَّعَادَةِ وَوُصُولِهِ إِلَى الشَّقَاوَةِ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ مَنْزِلَةَ الْأَحْيَاءِ وَجَرَتْ مَجْرَى الدَّافِعِ لِلْمَنْفَعَةِ وَالْجَالِبِ لِلْمَضَرَّةِ لَا جَرَمَ جَرَتْ مَجْرَى الْأَعْدَاءِ ، فَلَا جَرَمَ أَطْلَقَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهَا لَفْظَ الْعَدُوِّ .
وَثَالِثُهَا : الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ) عَدَاوَةُ مَنْ يَعْبُدُهَا ، فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَمْ يَقُلْ : إِنَّ مَنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ عَدُوٌّ لِي لِيَكُونَ الْكَلَامُ حَقِيقَةً ؟ جَوَابُهُ : لِأَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَا عَبَدُوهُ دُونَ الْعَابِدِينَ .
السُّؤَالُ الْثَّانِي : لِمَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ) وَلَمْ يَقُلْ : فَإِنَّهَا عَدُوٌّ لَكُمْ ؟ جَوَابُهُ : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَوَّرَ المسألة فِي نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى إِنِّي فَكَّرْتُ فِي أَمْرِي فَرَأَيْتُ عِبَادَتِي لَهَا عِبَادَةً لِلْعَدُوِّ فَاجْتَنَبْتُهَا ، وَأَرَاهُمْ أَنَّهَا نَصِيحَةٌ نَصَحَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَإِذَا تَفَكَّرُوا قَالُوا : مَا نَصَحَنَا
إِبْرَاهِيمُ إِلَّا بِمَا نَصَحَ بِهِ نَفْسَهُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَدْعَى لِلْقَبُولِ .
[ ص: 124 ] السُّؤَالُ الثَّالِثُ : لِمَ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُمْ أَعْدَائِي ؟ جَوَابُهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077الْعَدُوُّ وَالصَّدِيقُ يَجِيئَانِ فِي مَعْنَى الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ ، قَالَ :
وَقَوْمٍ عَلَيَّ ذَوِي مِرَّةٍ أَرَاهُمْ عَدُوًّا وَكَانُوا صَدِيقًا
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=16إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
السُّؤَالُ الرَّابِعُ : مَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ؟ جَوَابُهُ : أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ كَأَنَّهُ قَالَ : لَكِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ .