البحث الثاني : في
nindex.php?page=treesubj&link=33177_32063الأمور التي طلبها في الدعاء وهي مطاليب :
المطلوب الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ) ، ولقد أجابه الله تعالى حيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ البقرة : 130 ] وفيه مطالب :
أحدها : أنه لا يجوز تفسير الحكم بالنبوة لأن
[ ص: 128 ] النبوة كانت حاصلة فلو طلب النبوة لكانت النبوة المطلوبة ، إما عين النبوة الحاصلة أو غيرها ، والأول محال لأن تحصيل الحاصل محال ، والثاني محال لأنه يمتنع أن يكون الشخص الواحد نبيا مرتين ، بل المراد من الحكم ما هو كمال القوة النظرية ، وذلك بإدراك الحق ومن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وألحقني بالصالحين ) كمال القوة العملية ، وذلك بأن يكون عاملا بالخير فإن كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته ، والخير لأجل العمل به ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=28997_33177_28912قدم قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما ) على قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وألحقني بالصالحين ) لما أن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية بالشرف وبالذات ، وأيضا فإنه يمكنه أن يعلم الحق وإن لم يعلم بالخير وعكسه غير ممكن ، ولأن العلم صفة الروح والعمل صفة البدن ، ولما كان الروح أشرف من البدن كان العلم أفضل من العمل ، وإنما فسرنا معرفة الأشياء بالحكم وذلك لأن الإنسان لا يعرف حقائق الأشياء إلا إذا استحضر في ذهنه صور الماهيات ، ثم نسب بعضها إلى بعض بالنفي أو بالإثبات ، وتلك النسبة وهي الحكم ، ثم إن كانت النسب الذهنية مطابقة للنسب الخارجية كانت النسب الذهنية ممتنعة التغير فكانت مستحكمة قوية ، فمثل هذا الإدراك يسمى حكمة وحكما ، وهو المراد من قوله عليه السلام : "
أرنا الأشياء كما هي " وأما الصلاح فهو كون القوة العاقلة متوسطة بين رذيلتي الإفراط والتفريط ، وذلك لأن الإفراط في أحد الجانبين تفريط في الجانب الآخر وبالعكس فالصلاح لا يحصل إلا بالاعتدال ، ولما كان الاعتدال الحقيقي شيئا واحدا لا يقبل القسمة البتة والأفكار البشرية في هذا العالم قاصرة على إدراك أمثال هذه الأشياء ، لا جرم لا ينفك البشر عن الخروج عن ذلك الحد وإن قل ، إلا أن خروج المقربين عنه يكون في القلة بحيث لا يحس به ، وخروج العصاة عنه يكون متفاحشا جدا فقد ظهر من هذا تحقيق ما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وظهر احتياج
إبراهيم عليه السلام إلى أن يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وألحقني بالصالحين ) .
المطلب الثاني : لما ثبت أن المراد من الحكم العلم ، ثبت أنه عليه السلام طلب من الله أن يعطيه العلم بالله تعالى وبصفاته ، وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30454_28785معرفة الله تعالى لا تحصل في قلب العبد إلا بخلق الله تعالى ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وألحقني بالصالحين ) يدل على أن كون العبد صالحا ليس إلا بخلق الله تعالى ، وحمل هذه الأشياء على الألطاف بعيد ، لأن عند الخصم كل ما في قدرة الله تعالى من الألطاف فقد فعله فلو صرفنا الدعاء إليه لكان ذلك طلبا لتحصيل الحاصل وهو فاسد .
الْبَحْثُ الثَّانِي : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33177_32063الْأُمُورِ الَّتِي طَلَبَهَا فِي الدُّعَاءِ وَهِيَ مَطَالِيبُ :
الْمَطْلُوبُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) ، وَلَقَدْ أَجَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) [ الْبَقَرَةِ : 130 ] وَفِيهِ مَطَالِبُ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحُكْمِ بِالنُّبُوَّةِ لِأَنَّ
[ ص: 128 ] النُّبُوَّةَ كَانَتْ حَاصِلَةً فَلَوْ طَلَبَ النُّبُوَّةَ لَكَانَتِ النُّبُوَّةُ الْمَطْلُوبَةُ ، إِمَّا عَيْنَ النُّبُوَّةِ الْحَاصِلَةَ أَوْ غَيْرَهَا ، وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ ، وَالثَّانِي مُحَالٌ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ نَبِيًّا مَرَّتَيْنِ ، بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الْحُكْمِ مَا هُوَ كَمَالُ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ ، وَذَلِكَ بِإِدْرَاكِ الْحَقِّ وَمِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) كَمَالُ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَامِلًا بِالْخَيْرِ فَإِنَّ كَمَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ لِذَاتِهِ ، وَالْخَيْرَ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28997_33177_28912قَدَّمَ قَوْلَهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا ) عَلَى قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) لِمَا أَنَّ الْقُوَّةَ النَّظَرِيَّةَ مُقَدِّمَةٌ عَلَى الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِالشَّرَفِ وَبِالذَّاتِ ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ الْحَقَّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْخَيْرِ وَعَكْسُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةُ الرُّوحِ وَالْعَمَلَ صِفَةُ الْبَدَنِ ، وَلَمَّا كَانَ الرُّوحُ أَشْرَفَ مِنَ الْبَدَنِ كَانَ الْعِلْمُ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا مَعْرِفَةَ الْأَشْيَاءِ بِالْحُكْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْرِفُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا إِذَا اسْتَحْضَرَ فِي ذِهْنِهِ صُوَرَ الْمَاهِيَّاتِ ، ثُمَّ نَسَبَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ بِالنَّفْيِ أَوْ بِالْإِثْبَاتِ ، وَتِلْكَ النِّسْبَةُ وَهِيَ الْحُكْمُ ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ النِّسَبُ الذِّهْنِيَّةُ مُطَابِقَةً لِلنِّسَبِ الْخَارِجِيَّةِ كَانَتِ النِّسَبُ الذِّهْنِيَّةُ مُمْتَنِعَةَ التَّغَيُّرِ فَكَانَتْ مُسْتَحْكِمَةً قَوِيَّةً ، فَمِثْلُ هَذَا الْإِدْرَاكِ يُسَمَّى حِكْمَةً وَحُكْمًا ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ " وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَهُوَ كَوْنُ الْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ رَذِيلَتِيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِفْرَاطَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ تَفْرِيطٌ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَبِالْعَكْسِ فَالصَّلَاحُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالِاعْتِدَالِ ، وَلَمَّا كَانَ الِاعْتِدَالُ الْحَقِيقِيُّ شَيْئًا وَاحِدًا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ الْبَتَّةَ وَالْأَفْكَارُ الْبَشَرِيَّةُ فِي هَذَا الْعَالَمِ قَاصِرَةً عَلَى إِدْرَاكِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ، لَا جَرَمَ لَا يَنْفَكُّ الْبَشَرُ عَنِ الْخُرُوجِ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِّ وَإِنْ قَلَّ ، إِلَّا أَنَّ خُرُوجَ الْمُقَرَّبِينَ عَنْهُ يَكُونُ فِي الْقِلَّةِ بِحَيْثُ لَا يُحَسُّ بِهِ ، وَخُرُوجُ الْعُصَاةِ عَنْهُ يَكُونُ مُتَفَاحِشًا جِدًّا فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا تَحْقِيقُ مَا قِيلَ : حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ ، وَظَهَرَ احْتِيَاجُ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَنْ يَقُولَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) .
الْمَطْلَبُ الثَّانِي : لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحُكْمِ الْعِلْمُ ، ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْعِلْمَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30454_28785مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ إِلَّا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْعَبْدِ صَالِحًا لَيْسَ إِلَّا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَحَمْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْأَلْطَافِ بَعِيدٌ ، لِأَنَّ عِنْدَ الْخَصْمِ كُلَّ مَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأَلْطَافِ فَقَدْ فَعَلَهُ فَلَوْ صَرَفْنَا الدُّعَاءَ إِلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ فَاسِدٌ .