المطلب الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=33177_28910الحكم المطلوب في الدعاء إما أن يكون هو العلم بالله أو بغيره والثاني باطل ، لأن الإنسان حال كونه مستحضرا للعلم بشيء لا يمكنه أن يكون مستحضرا للعلم بشيء آخر فلو كان المطلوب بهذا الدعاء العلم بغير الله تعالى ، والعلم بغير الله تعالى شاغل عن الاستغراق في العلم بالله كان هذا السؤال طلبا لما يشغله عن الاستغراق في العلم بالله تعالى ، وذلك غير جائز لأنه لا كمال فوق ذلك الاستغراق ، فإذن المطلوب بهذا الدعاء هو العلم بالله . ثم إن ذلك العلم إما أن يكون هو العلم بالله تعالى الذي هو شرط صحة الإيمان أو غيره ، والأول باطل لأنه لما وجب أن يكون حاصلا لكل المؤمنين فكيف لا يكون حاصلا عند
إبراهيم عليه السلام ، وإذا كان حاصلا عنده امتنع طلب تحصيله ، فثبت أن المطلوب بهذا الدعاء درجات في معرفة الله تعالى أزيد من العلم بوجوده وبأنه ليس بمتحيز ولا حال في المتحيز وبأنه عالم قادر حي ، وما ذاك إلا الوقوف على صفات الجلال أو الوقوف على حقيقة الذات أو ظهور نور تلك المعرفة
[ ص: 129 ] في القلب . ثم هناك أحوال لا يعبر عنها المقال ولا يشرحها الخيال ، ومن أراد أن يصل إليها فليكن من الواصلين إلى العين ، دون السامعين للأثر .
المطلوب الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) وفيه ثلاث تأويلات :
التأويل الأول : أنه عليه السلام ابتدأ بطلب ما هو الكمال الذاتي للإنسان في الدنيا والآخرة وهو طلب الحكم الذي هو العلم ، ثم طلب بعده كمالات الدنيا وبعد ذلك طلب كمالات الآخرة ، فأما كمالات الدنيا فبعضها داخلية وبعضها خارجية ، أما الداخلية : فهي الخلق الظاهر والخلق الباطن والخلق الظاهر أشد جسمانية والخلق الباطن أشد روحانية ، فترك
إبراهيم عليه السلام الأمر الجسماني وهو الخلق الظاهر وطلب الأمر الروحاني وهو الخلق الباطن ، وهو المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وألحقني بالصالحين ) وأما الخارجية : فهي المال والجاه ، والمال أشد جسمانية والجاه أشد روحانية فترك
إبراهيم عليه السلام الأمر الجسماني وهو المال وطلب الأمر الروحاني وهو الجاه والذكر الجميل الباقي على وجه الدهر ، وهو المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : وقد أعطاه ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=108وتركنا عليه في الآخرين ) [ الصافات : 108 ] فإن قيل وأي غرض له في أن يثني عليه ويمدح ؟ جوابه من وجهين :
الأول : وهو على لسان الحكمة : أن الأرواح البشرية قد بينا أنها مؤثرة في الجملة إلا أن بعضها قد يكون ضعيفا فيعجز عن التأثير فإذا اجتمعت طائفة منها فربما قوي مجموعها على ما عجزت الآحاد عنه ، وهذا المعنى مشاهد في المؤثرات الجسمانية ، إذا ثبت هذا فالإنسان الواحد إذا كان بحيث يثني عليه الجمع العظيم ويمدحونه ويعظمونه ، فربما صار انصراف هممهم عند الاجتماع إليه سببا لحصول زيادة كمال له .
الثاني : وهو على لسان الكمال : أن من صار ممدوحا فيما بين الناس بسبب ما عنده من الفضائل ، فإنه يصير ذلك المدح وتلك الشهرة داعيا لغيره إلى اكتساب مثل تلك الفضائل .
التأويل الثاني : أنه سأل ربه أن يجعل من ذريته في آخر الزمان من يكون داعيا إلى الله تعالى ، وذلك هو
محمد صلى الله عليه وسلم فالمراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) بعثة
محمد صلى الله عليه وسلم .
التأويل الثالث : قال بعضهم : المراد اتفاق أهل الأديان على حبه ، ثم إن الله تعالى أعطاه ذلك لأنك لا ترى أهل دين إلا ويتولون
إبراهيم عليه السلام ، وقدح بعضهم فيه بأنه لا تقوى الرغبة في مدح الكافر وجوابه : أنه ليس المقصود مدح الكافر من حيث هو كافر ، بل المقصود أن يكون ممدوح كل إنسان ومحبوب كل قلب .
المطلوب الثالث : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=85واجعلني من ورثة جنة النعيم ) اعلم أنه لما طلب سعادة الدنيا طلب بعدها سعادة الآخرة وهي جنة النعيم ، وشبهها بما يورث لأنه الذي يغتنم في الدنيا ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28914_34080فشبه غنيمة الآخرة بغنيمة الدنيا .
المطلوب الرابع : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86واغفر لأبي إنه كان من الضالين ) واعلم أنه لما فرغ من طلب السعادات الدنيوية والأخروية لنفسه طلبها لأشد الناس التصاقا به وهو أبوه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86واغفر لأبي ) ثم فيه وجوه :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19883المغفرة مشروطة بالإسلام وطلب المشروط متضمن لطلب الشرط فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86واغفر لأبي ) يرجع حاصله إلى أنه دعاء لأبيه بالإسلام .
الثاني : أن أباه وعده الإسلام كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن [ ص: 130 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114موعدة وعدها إياه ) [ التوبة : 114 ] فدعا له لهذا الشرط ولا يمتنع
nindex.php?page=treesubj&link=27928الدعاء للكافر على هذا الشرط (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) [ التوبة : 114 ] وهذا ضعيف لأن الدعاء بهذا الشرط جائز للكافر فلو كان دعاؤه مشروطا لما منعه الله عنه .
الثالث : أن أباه قال له : إنه على دينه باطنا وعلى دين نمروذ ظاهرا تقية وخوفا ، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه ، لذلك قال في دعائه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86إنه كان من الضالين ) فلولا اعتقاده فيه أنه في الحال ليس بضال لما قال ذلك .
المطلوب الخامس : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87ولا تخزني يوم يبعثون ) قال صاحب " الكشاف " : الإخزاء من الخزي وهو الهوان ، أو من الخزاية وهي الحياء وههنا أبحاث :
أحدها : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87ولا تخزني ) يدل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=29723_28783لا يجب على الله تعالى شيء على ما بيناه في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) .
وثانيها : أن لقائل أن يقول لما قال أولا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=85واجعلني من ورثة جنة النعيم ) ومتى حصلت الجنة امتنع حصول الخزي ، فكيف قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87ولا تخزني يوم يبعثون ) وأيضا فقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) [ النحل : 27 ] فما كان نصيب الكفار فقط فكيف يخافه المعصوم ؟ جوابه : كما أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فكذا درجات الأبرار دركات المقربين وخزي كل واحد بما يليق به .
وثالثها : قال صاحب " الكشاف " : في [ يبعثون ] ضمير العباد لأنه معلوم أو ضمير الضالين .
الْمَطْلَبُ الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33177_28910الْحُكْمَ الْمَطْلُوبَ فِي الدُّعَاءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حَالَ كَوْنِهِ مُسْتَحْضِرًا لِلْعِلْمِ بِشَيْءٍ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحْضِرًا لِلْعِلْمِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَوْ كَانَ الْمَطْلُوبُ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْعِلْمَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْعِلْمُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى شَاغِلٌ عَنِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعِلْمِ بِاللَّهِ كَانَ هَذَا السُّؤَالُ طَلَبًا لِمَا يَشْغَلُهُ عَنِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعِلْمِ بِاللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ لَا كَمَالَ فَوْقَ ذَلِكَ الِاسْتِغْرَاقِ ، فَإِذَنِ الْمَطْلُوبُ بِهَذَا الدُّعَاءِ هُوَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ . ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِيمَانِ أَوْ غَيْرُهُ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ حَاصِلًا عِنْدَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَإِذَا كَانَ حَاصِلًا عِنْدَهُ امْتَنَعَ طَلَبُ تَحْصِيلِهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَذَا الدُّعَاءِ دَرَجَاتٌ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَزْيَدُ مِنَ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ وَبِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ وَلَا حَالٍّ فِي الْمُتَحَيِّزِ وَبِأَنَّهُ عَالَمٌ قَادِرٌ حَيٌّ ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا الْوُقُوفُ عَلَى صِفَاتِ الْجَلَالِ أَوِ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ الذَّاتِ أَوْ ظُهُورُ نُورِ تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ
[ ص: 129 ] فِي الْقَلْبِ . ثُمَّ هُنَاكَ أَحْوَالٌ لَا يُعَبِّرُ عَنْهَا الْمَقَالُ وَلَا يَشْرَحُهَا الْخَيَالُ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا فَلْيَكُنْ مِنَ الْوَاصِلِينَ إِلَى الْعَيْنِ ، دُونَ السَّامِعِينَ لِلْأَثَرِ .
الْمَطْلُوبُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) وَفِيهِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ :
التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ابْتَدَأَ بِطَلَبِ مَا هُوَ الْكَمَالُ الذَّاتِيُّ لِلْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ طَلَبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ ، ثُمَّ طَلَبَ بَعْدَهُ كِمَالَاتِ الدُّنْيَا وَبَعْدَ ذَلِكَ طَلَبَ كِمَالَاتِ الْآخِرَةِ ، فَأَمَّا كِمَالَاتُ الدُّنْيَا فَبَعْضُهَا دَاخِلِيَّةٌ وَبَعْضُهَا خَارِجِيَّةٌ ، أَمَّا الدَّاخِلِيَّةُ : فَهِيَ الْخَلْقُ الظَّاهِرُ وَالْخَلْقُ الْبَاطِنُ وَالْخَلْقُ الظَّاهِرُ أَشَدُّ جُسْمَانِيَّةً وَالْخَلْقُ الْبَاطِنُ أَشَدُّ رُوحَانِيَّةً ، فَتَرَكَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَمْرَ الْجُسْمَانِيَّ وَهُوَ الْخَلْقُ الظَّاهِرُ وَطَلَبَ الْأَمْرَ الرُّوحَانِيَّ وَهُوَ الْخَلْقُ الْبَاطِنُ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) وَأَمَّا الْخَارِجِيَّةُ : فَهِيَ الْمَالُ وَالْجَاهُ ، وَالْمَالُ أَشَدُّ جُسْمَانِيَّةً وَالْجَاهُ أَشَدُّ رُوحَانِيَّةً فَتَرَكَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَمْرَ الْجُسْمَانِيَّ وَهُوَ الْمَالُ وَطَلَبَ الْأَمْرَ الرُّوحَانِيَّ وَهُوَ الْجَاهُ وَالذِّكْرُ الْجَمِيلُ الْبَاقِي عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : وَقَدْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=108وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ) [ الصَّافَّاتِ : 108 ] فَإِنْ قِيلَ وَأَيُّ غَرَضٍ لَهُ فِي أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيَمْدَحَ ؟ جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ عَلَى لِسَانِ الْحِكْمَةِ : أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْبَشَرِيَّةَ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إِلَّا أَنَّ بَعْضَهَا قَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا فَيَعْجِزُ عَنِ التَّأْثِيرِ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهَا فَرُبَّمَا قَوِيَ مَجْمُوعُهَا عَلَى مَا عَجَزَتِ الْآحَادُ عَنْهُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَشَاهَدٌ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْإِنْسَانُ الْوَاحِدُ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ يُثْنِي عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ وَيَمْدَحُونَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ ، فَرُبَّمَا صَارَ انْصِرَافُ هِمَمِهِمْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ إِلَيْهِ سَبَبًا لِحُصُولِ زِيَادَةِ كَمَالٍ لَهُ .
الثَّانِي : وَهُوَ عَلَى لِسَانِ الْكَمَالِ : أَنَّ مَنْ صَارَ مَمْدُوحًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِسَبَبِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْفَضَائِلِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ ذَلِكَ الْمَدْحُ وَتِلْكَ الشُّهْرَةُ دَاعِيًا لِغَيْرِهِ إِلَى اكْتِسَابِ مِثْلِ تِلْكَ الْفَضَائِلِ .
التَّأْوِيلُ الثَّانِي : أَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْ يَكُونُ دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَلِكَ هُوَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) بَعْثَةُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ : قَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُرَادُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْأَدْيَانِ عَلَى حُبِّهِ ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّكَ لَا تَرَى أَهْلَ دِينٍ إِلَّا وَيَتَوَلَّوْنَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدَحَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا تَقْوَى الرَّغْبَةُ فِي مَدْحِ الْكَافِرِ وَجَوَابُهُ : أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مَدْحَ الْكَافِرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَافِرٌ ، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ مَمْدُوحَ كُلِّ إِنْسَانٍ وَمَحْبُوبَ كُلِّ قَلْبٍ .
الْمَطْلُوبُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=85وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ سَعَادَةَ الدُّنْيَا طَلَبَ بَعْدَهَا سَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَهِيَ جَنَّةُ النَّعِيمِ ، وَشَبَّهَهَا بِمَا يُوَرَّثُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُغْتَنَمُ فِي الدُّنْيَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28914_34080فَشَبَّهَ غَنِيمَةَ الْآخِرَةِ بِغَنِيمَةِ الدُّنْيَا .
الْمَطْلُوبُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَلَبِ السَّعَادَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ لِنَفْسِهِ طَلَبَهَا لِأَشَدِّ النَّاسِ الْتِصَاقًا بِهِ وَهُوَ أَبُوهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86وَاغْفِرْ لِأَبِي ) ثُمَّ فِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19883الْمَغْفِرَةَ مَشْرُوطَةٌ بِالْإِسْلَامِ وَطَلَبُ الْمَشْرُوطِ مُتَضَمِّنٌ لِطَلَبِ الشَّرْطِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86وَاغْفِرْ لِأَبِي ) يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إِلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ لِأَبِيهِ بِالْإِسْلَامِ .
الثَّانِي : أَنَّ أَبَاهُ وَعَدَهُ الْإِسْلَامَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ [ ص: 130 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ) [ التَّوْبَةِ : 114 ] فَدَعَا لَهُ لِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يَمْتَنِعُ
nindex.php?page=treesubj&link=27928الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) [ التَّوْبَةِ : 114 ] وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ جَائِزٌ لِلْكَافِرِ فَلَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ مَشْرُوطًا لَمَا مَنَعَهُ اللَّهُ عَنْهُ .
الثَّالِثُ : أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ : إِنَّهُ عَلَى دِينِهِ بَاطِنًا وَعَلَى دِينِ نَمْرُوذَ ظَاهِرًا تَقِيَّةً وَخَوْفًا ، فَدَعَا لَهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافَ ذَلِكَ تَبَرَّأَ مِنْهُ ، لِذَلِكَ قَالَ فِي دُعَائِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ) فَلَوْلَا اعْتِقَادُهُ فِيهِ أَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِضَالٍّ لَمَا قَالَ ذَلِكَ .
الْمَطْلُوبُ الْخَامِسُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : الْإِخْزَاءُ مِنَ الْخِزْيِ وَهُوَ الْهَوَانُ ، أَوْ مِنَ الْخَزَايَةِ وَهِيَ الْحَيَاءُ وَهَهُنَا أَبْحَاثٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87وَلَا تُخْزِنِي ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29723_28783لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) .
وَثَانِيهَا : أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=85وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ) وَمَتَى حَصَلَتِ الْجَنَّةُ امْتَنَعَ حُصُولُ الْخِزْيِ ، فَكَيْفَ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=27إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ النَّحْلِ : 27 ] فَمًا كَانَ نَصِيبُ الْكُفَّارِ فَقَطْ فَكَيْفَ يَخَافُهُ الْمَعْصُومُ ؟ جَوَابُهُ : كَمَا أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ فَكَذَا دَرَجَاتُ الْأَبْرَارِ دَرَكَاتُ الْمُقَرَّبِينَ وَخِزْيُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : فِي [ يُبْعَثُونَ ] ضَمِيرُ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَوْ ضَمِيرُ الضَّالِّينَ .