( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون  ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون    ) 
قوله تعالى : ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون  ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون    ) 
اعلم أنه تعالى لما تكلم في علامات القيامة شرح بعد ذلك أحوال المكلفين بعد قيام القيامة  ، والمكلف إما أن يكون مطيعا أو عاصيا ، أما المطيع فهو الذي جاء بالحسنة ، وله أمران : 
أحدهما : أن له ما هو خير منها وذلك هو الثواب ، فإن قيل : الحسنة التي جاء العبد بها يدخل فيها معرفة الله تعالى والإخلاص في الطاعات , والثواب إنما هو الأكل والشرب ، فكيف يجوز أن يقال : الأكل والشرب خير من معرفة الله ؟ جوابه من وجوه : 
 [ ص: 190 ] أحدها : أن ثواب المعرفة النظرية الحاصلة في الدنيا هي المعرفة الضرورية الحاصلة في الآخرة ، ولذة النظر إلى وجهه الكريم سبحانه وتعالى  ، وقد دلت الدلائل على أن أشرف السعادات هي هذه اللذة ، ولو لم تحمل الآية على ذلك لزم أن يكون الأكل والشرب خيرا من معرفة الله تعالى وأنه باطل . 
وثانيها : أن الثواب خير من العمل من حيث إن الثواب دائم والعمل منقضي ؛ ولأن العمل فعل العبد ، والثواب فعل الله تعالى . 
وثالثها : ( فله خير منها    ) أي له خير حاصل من جهتها وهو الجنة . 
السؤال الثاني : الحسنة لفظة مفردة معرفة ، وقد ثبت أنها لا تفيد العموم بل يكفي في تحققها حصول فرد ، وإذا كان كذلك فلنحملها على أكمل الحسنات شأنا وأعلاها درجة وهو الإيمان ، فلهذا قال  ابن عباس    : من أفراد الحسنة كلمة الشهادة ، وهذا يوجب القطع بأن لا يعاقب أهل الإيمان . وجوابه : ذلك الخير هو أن لا يكون عقابه مخلدا . 
الأمر الثاني للمطيع هو أنهم آمنون من كل فزع ، لا كما قال بعضهم : إن أهوال القيامة تعم المؤمن والكافر ، فإن قيل : أليس أنه تعالى قال في أول الآية : ( ففزع من في السماوات ومن في الأرض    ) فكيف نفى الفزع ههنا ؟ جوابه : أن الفزع الأول هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس لشدة تقع ، وهو يفجأ من رعب وهيبة ، وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه ، كما قيل : يدخل الرجل بصدر هياب وقلب وجاب ، وإن كانت ساعة إعزاز وتكرمة . 
وأما الثاني : فالخوف من العذاب . 
أما قراءة من قرأ "من فزع" بالتنوين فهي تحتمل معنيين : من فزع واحد ، وهو خوف العقاب ، وأما ما يلحق الإنسان من الهيبة والرعب عند مشاهدة الأهوال  ، فلا ينفك منه أحد ، وفي الأخبار ما يدل عليه ، ومن فزع شديد مفرط الشدة لا يكتنهه الوصف ، وهو خوف النار وأمن يعدى بالجار وبنفسه ، كقوله تعالى : ( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله    ) ( الأعراف : 99 ) فهذا شرح حال المطيعين ، أما شرح حال العصاة فهو قوله : ( ومن جاء بالسيئة    ) قيل : السيئة الإشراك ، وقوله : ( فكبت وجوههم في النار    ) فاعلم أنه يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة ، فكأنه قيل : فكبوا في النار ، كقوله : ( فكبكبوا    ) ( الشعراء : 94 ) ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذانا بأنهم يلقون على وجوههم فيها مكبوبين . 
أما قوله : ( هل تجزون إلا ما كنتم تعملون    ) فيجوز فيه الالتفات ، وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول . 
				
						
						
