[ ص: 192 ] ( سورة القصص )
مكية كلها إلا قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=52الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55لا نبتغي الجاهلين ) وقيل : إلا آية وهي (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=85إن الذي فرض عليك القرآن ) الآية ، وهي سبع أو ثمان وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تلك آيات الكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28999نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تلك آيات الكتاب المبين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون )
اعلم أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم ) كسائر الفواتح ، وقد تقدم القول فيها و (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تلك ) إشارة إلى آيات السورة و (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2الكتاب المبين ) هو إما اللوح وإما الكتاب الذي وعد الله إنزاله على
محمد صلى الله عليه وسلم ، فبين أن آيات هذه السورة هي آيات ذلك الكتاب ، ووصفه بأنه مبين ؛ لأنه بين فيه الحلال والحرام ، أو لأنه بين بفصاحته أنه من كلام الله دون كلام العباد ، أو لأنه يبين صدق نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم ، أو لأنه يبين خبر الأولين والآخرين ، أو لأنه يبين كيفية التخلص عن شبهات أهل الضلال .
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نتلوا عليك ) أي على لسان
جبريل عليه السلام ؛ لأنه كان يتلو على
محمد حتى يحفظه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3من نبإ موسى وفرعون ) فهو مفعول (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نتلوا عليك ) أي نتلو عليك بعض خبرهما بالحق محقين ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20تنبت بالدهن ) ( المؤمنون : 20 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3لقوم يؤمنون ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه تعالى قد
[ ص: 193 ] أراد بذلك من لا يؤمن أيضا لكنه خص المؤمنين بالذكر ؛ لأنهم قبلوا وانتفعوا ، فهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين ) ( البقرة : 2 ) .
والثاني : يحتمل أنه تعالى علم أن الصلاح في تلاوته هو إيمانهم ، وتكون إرادته لمن لا يؤمن كالتبع . قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض ) قرئ (فرعون) بضم الفاء وكسرها ، والكسر أحسن وهو كالقسطاس والقسطاس (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4علا ) استكبر وتجبر وتعظم وبغى ، والمراد به قوة الملك والعلو في الأرض يعني أرض مملكته ، ثم فصل الله تعالى بعض ذلك بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4وجعل أهلها شيعا ) أي فرقا يشيعونه على ما يريد ويطيعونه لا يملك أحد منهم مخالفته أو يشيع بعضهم بعضا في استخدامه أو أصنافا في استخدامه ، أو فرقا مختلفة قد أغرى بينهم العداوة ؛ ليكونوا له أطوع ، أو المراد ما فسره بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يستضعف طائفة منهم ) أي يستخدمهم و (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ) فهذا هو المراد بالشيع .
قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يستضعف طائفة منهم ) تلك الطائفة
بنو إسرائيل ، وفي
nindex.php?page=treesubj&link=31920سبب ذبح الأبناء وجوه :
أحدها : أن كاهنا قال له : يولد مولود في
بني إسرائيل في ليلة كذا يذهب ملكك على يده ، فولد تلك الليلة اثنا عشر غلاما فقتلهم ، وعند أكثر المفسرين بقي هذا العذاب في
بني إسرائيل سنين كثيرة ، قال
وهب : قتل القبط في طلب
موسى عليه السلام تسعين ألفا من
بني إسرائيل . قال بعضهم : في هذا دليل على حمق فرعون ، فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن ، وإن كذب فما وجه القتل ؟ وهذا السؤال قد يذكر في تزييف علم الأحكام من علم النجوم ، ونظيره ما يقوله نفاة التكليف : إن كان زيد في علم الله وفي قضائه من السعداء ، فلا حاجة إلى الطاعة ، وإن كان من الأشقياء فلا فائدة في الطاعة ، وأيضا فهذا السؤال لو صح لبطل علم التعبير ومنفعته ، وأيضا فجواب المنجم أن النجوم دلت على أنه يولد ولد لو لم يقتل لصار كذا وكذا ، وعلى هذا التقدير : لا يكون السعي في قتله عبثا .
واعلم أن هذا الوجه ضعيف ؛ لأن إسناد مثل هذا الخبر إلى الكاهن اعتراف بأنه قد يخبر عن الغيب على سبيل التفصيل ، ولو جوزناه لبطلت دلالة الإخبار عن الغيب على صدق الرسل وهو بإجماع المسلمين باطل .
وثانيها : وهو قول
السدي أن فرعون رأى في منامه أن نارا أقبلت من
بيت المقدس ، واشتملت على
مصر ، فأحرقت القبط دون
بني إسرائيل ، فسأل عن رؤياه ، فقالوا : يخرج من هذا البلد الذي جاء
بنو إسرائيل منه رجل يكون على يده هلاك
مصر ، فأمر بقتل الذكور .
وثالثها : إن الأنبياء الذين كانوا قبل
موسى عليه السلام بشروا بمجيئه ، وفرعون كان قد سمع ذلك ، فلهذا كان يذبح أبناء
بني إسرائيل ، وهذا الوجه هو الأولى بالقبول ، قال صاحب "الكشاف" : ( يستضعف ) حال من الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4وجعل ) أو صفة لـ (شيعا) ، أو كلام مستأنف أو (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يذبح ) بدل من (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يستضعف ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إنه كان من المفسدين ) يدل على أن ذلك القتل ما حصل منه إلا الفساد ، وأنه لا أثر له في دفع قضاء الله تعالى .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونريد أن نمن ) فهو جملة معطوفة على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض ) ؛ لأنها نظيرة تلك في وقوعها تفسيرا لنبأ
موسى عليه السلام وفرعون واقتصاصا له ، واللفظ في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونريد ) للاستقبال ، ولكن أريد به حكاية حال ماضية ، ويجوز أن يكون حالا من (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يستضعف ) أي يستضعفهم فرعون ، ونحن نريد أن نمن عليهم ، فإن قيل : كيف يجتمع استضعافهم وإرادة الله تعالى المن عليهم ، وإذا أراد الله شيئا كان ولم يتوقف إلى وقت آخر ؟ قلنا : لما كان منة الله عليهم بتخليصهم من فرعون قريبة الوقوع جعلت إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم .
[ ص: 194 ] أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونجعلهم أئمة ) أي متقدمين في الدنيا والدين ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : دعاة إلى الخير ، وعن
قتادة : ولاة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وجعلكم ملوكا ) ( المائدة : 20 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونجعلهم الوارثين ) يعني لملك فرعون وأرضه وما في يده .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6ونمكن لهم في الأرض ) فاعلم أنه يقال : مكن له إذا جعل له مكانا يقعد عليه ، أو يرقد فوطأه ومهده ، ونظيره : أرض له ، ومعنى التمكين لهم في الأرض ، وهي أرض
مصر والشام أن ينفذ أمرهم ، ويطلق أيديهم ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) قرئ ( ويرى فرعون وهامان وجنودهما ) أي يرون منهم ما كانوا خائفين منه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود
بني إسرائيل .
[ ص: 192 ] ( سُورَةُ الْقَصَصِ )
مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا إِلَّا قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=52الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) وَقِيلَ : إِلَّا آيَةً وَهِيَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=85إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ) الْآيَةِ ، وَهِيَ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٌ وَثَمَانُونَ آيَةً
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28999نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ )
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم ) كَسَائِرِ الْفَوَاتِحِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2تِلْكَ ) إِشَارَةٌ إِلَى آيَاتِ السُّورَةِ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) هُوَ إِمَّا اللَّوْحُ وَإِمَّا الْكِتَابُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ إِنْزَالَهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَيَّنَ أَنَّ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ هِيَ آيَاتُ ذَلِكَ الْكِتَابِ ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ مُبِينٌ ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ ، أَوْ لِأَنَّهُ بَيَّنَ بِفَصَاحَتِهِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ دُونَ كَلَامِ الْعِبَادِ ، أَوْ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ صِدْقَ نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ خَبَرَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، أَوْ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ التَّخَلُّصِ عَنْ شُبَهَاتِ أَهْلِ الضَّلَالِ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نَتْلُوا عَلَيْكَ ) أَيْ عَلَى لِسَانِ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتْلُو عَلَى
مُحَمَّدٍ حَتَّى يَحْفَظَهُ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ ) فَهُوَ مَفْعُولُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نَتْلُوا عَلَيْكَ ) أَيْ نَتْلُو عَلَيْكَ بَعْضَ خَبَرِهِمَا بِالْحَقِّ مُحِقِّينَ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=20تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ) ( الْمُؤْمِنُونَ : 20 ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ
[ ص: 193 ] أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ أَيْضًا لَكِنَّهُ خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَبِلُوا وَانْتَفَعُوا ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) ( الْبَقَرَةِ : 2 ) .
وَالثَّانِي : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ الصَّلَاحَ فِي تِلَاوَتِهِ هُوَ إِيمَانُهُمْ ، وَتَكُونُ إِرَادَتُهُ لِمَنْ لَا يُؤْمِنُ كَالتَّبَعِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ) قُرِئَ (فُرْعَوْنَ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا ، وَالْكَسْرُ أَحْسَنُ وَهُوَ كَالْقُسْطَاسِ وَالْقِسْطَاسِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4عَلَا ) اسْتَكْبَرَ وَتَجَبَّرَ وَتَعَظَّمَ وَبَغَى ، وَالْمُرَادُ بِهِ قُوَّةُ الْمُلْكِ وَالْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ يَعْنِي أَرْضَ مَمْلَكَتِهِ ، ثُمَّ فَصَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْضَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ) أَيْ فِرَقًا يُشَيِّعُونَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ وَيُطِيعُونَهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُخَالَفَتَهُ أَوْ يَشَيِّعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي اسْتِخْدَامِهِ أَوْ أَصْنَافًا فِي اسْتِخْدَامِهِ ، أَوْ فِرَقًا مُخْتَلِفَةً قَدْ أَغْرَى بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ ؛ لِيَكُونُوا لَهُ أَطْوَعَ ، أَوِ الْمُرَادُ مَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ) أَيْ يَسْتَخْدِمُهُمْ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ) فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالشِّيَعِ .
قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ) تِلْكَ الطَّائِفَةُ
بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=31920سَبَبِ ذَبْحِ الْأَبْنَاءِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّ كَاهِنًا قَالَ لَهُ : يُولَدُ مَوْلُودٌ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي لَيْلَةِ كَذَا يَذْهَبُ مُلْكُكَ عَلَى يَدِهِ ، فَوُلِدَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ اثْنَا عَشَرَ غُلَامًا فَقَتَلَهُمْ ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ بَقِيَ هَذَا الْعَذَابُ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ سِنِينَ كَثِيرَةً ، قَالَ
وَهْبٌ : قَتَلَ الْقِبْطُ فِي طَلَبِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تِسْعِينَ أَلْفًا مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ . قَالَ بَعْضُهُمْ : فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى حُمْقِ فِرْعَوْنَ ، فَإِنَّهُ إِنْ صَدَّقَ الْكَاهِنَ لَمْ يَدْفَعِ الْقَتْلُ الْكَائِنَ ، وَإِنَّ كَذَبَ فَمَا وَجْهُ الْقَتْلِ ؟ وَهَذَا السُّؤَالُ قَدْ يُذْكَرُ فِي تَزْيِيفِ عِلْمِ الْأَحْكَامِ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ ، وَنَظِيرُهُ مَا يَقُولُهُ نُفَاةُ التَّكْلِيفِ : إِنْ كَانَ زَيْدٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَفِي قَضَائِهِ مِنَ السُّعَدَاءِ ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الطَّاعَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الطَّاعَةِ ، وَأَيْضًا فَهَذَا السُّؤَالُ لَوْ صَحَّ لَبَطَلَ عِلْمُ التَّعْبِيرِ وَمَنْفَعَتُهُ ، وَأَيْضًا فَجَوَابُ الْمُنَجِّمِ أَنَّ النُّجُومَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ يُولَدُ وَلَدٌ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَصَارَ كَذَا وَكَذَا ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ : لَا يَكُونُ السَّعْيُ فِي قَتْلِهِ عَبَثًا .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الوجه ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ إِسْنَادَ مِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ إِلَى الْكَاهِنِ اعْتِرَافٌ بِأَنَّهُ قَدْ يُخْبِرُ عَنِ الْغَيْبِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ ، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لَبَطَلَتْ دَلَالَةُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ عَلَى صِدْقِ الرُّسُلِ وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ .
وَثَانِيهَا : وَهُوَ قَوْلُ
السُّدِّيِّ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَاشْتَمَلَتْ عَلَى
مِصْرَ ، فَأَحْرَقَتِ الْقِبْطَ دُونَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَسَأَلَ عَنْ رُؤْيَاهُ ، فَقَالُوا : يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ الَّذِي جَاءَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْهُ رَجُلٌ يَكُونُ عَلَى يَدِهِ هَلَاكُ
مِصْرَ ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الذُّكُورِ .
وَثَالِثُهَا : إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَشَّرُوا بِمَجِيئِهِ ، وَفِرْعَوْنُ كَانَ قَدْ سَمِعَ ذَلِكَ ، فَلِهَذَا كَانَ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَهَذَا الوجه هُوَ الْأَوْلَى بِالْقَبُولِ ، قَالَ صَاحِبُ "الْكَشَّافِ" : ( يَسْتَضْعِفُ ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4وَجَعَلَ ) أَوْ صِفَةٌ لـِ (شِيَعًا) ، أَوْ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ أَوْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يُذَبِّحُ ) بَدَلٌ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يَسْتَضْعِفُ ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَتْلَ مَا حَصَلَ مِنْهُ إِلَّا الْفَسَادُ ، وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي دَفْعِ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ) فَهُوَ جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ) ؛ لِأَنَّهَا نَظِيرَةُ تِلْكَ فِي وُقُوعِهَا تَفْسِيرًا لِنَبَأِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِرْعَوْنَ وَاقْتِصَاصًا لَهُ ، وَاللَّفْظُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنُرِيدُ ) لِلِاسْتِقْبَالِ ، وَلَكِنْ أُرِيدَ بِهِ حِكَايَةُ حَالٍ مَاضِيَةٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يَسْتَضْعِفُ ) أَيْ يَسْتَضْعِفُهُمْ فِرْعَوْنُ ، وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَيْهِمْ ، فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجْتَمِعُ اسْتِضْعَافُهُمْ وَإِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنَّ عَلَيْهِمْ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ شَيْئًا كَانَ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ ؟ قُلْنَا : لَمَّا كَانَ مِنَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِتَخْلِيصِهِمْ مِنْ فِرْعَوْنَ قَرِيبَةَ الْوُقُوعِ جُعِلَتْ إِرَادَةُ وُقُوعِهَا كَأَنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِاسْتِضْعَافِهِمْ .
[ ص: 194 ] أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ) أَيْ مُتَقَدِّمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ : دُعَاةً إِلَى الْخَيْرِ ، وَعَنْ
قَتَادَةَ : وُلَاةً كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا ) ( الْمَائِدَةِ : 20 ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) يَعْنِي لِمُلْكِ فِرْعَوْنَ وَأَرْضِهِ وَمَا فِي يَدِهِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ : مُكِّنَ لَهُ إِذَا جُعِلَ لَهُ مَكَانًا يَقْعُدُ عَلَيْهِ ، أَوْ يَرْقُدُ فَوَطَّأَهُ وَمَهَّدَهُ ، وَنَظِيرُهُ : أَرَّضَ لَهُ ، وَمَعْنَى التَّمْكِينِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ، وَهِيَ أَرْضُ
مِصْرَ وَالشَّامِ أَنْ يُنَفِّذَ أَمْرَهُمْ ، وَيُطْلِقَ أَيْدِيَهُمْ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) قُرِئَ ( وَيَرَى فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَجُنُودُهُمَا ) أَيْ يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا خَائِفِينَ مِنْهُ مِنْ ذَهَابِ مُلْكِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ عَلَى يَدِ مَوْلُودِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ .