(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=31921_28999ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء )
[ ص: 204 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وأبونا شيخ كبير nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26قالت إحداهما ياأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل )
اعلم أن الناس اختلفوا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22ولما توجه تلقاء مدين ) قال بعضهم : إنه خرج وما قصد
مدين ، ولكنه سلم نفسه إلى الله تعالى ، وأخذ يمشي من غير معرفة ، فأوصله الله تعالى إلى
مدين ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال آخرون : لما خرج قصد
مدين ؛ لأنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة ؛ لأنهم من ولد
مدين بن إبراهيم عليه السلام ، وهو كان من
بني إسرائيل ، لكن لم يكن له علم بالطريق ، بل اعتمد على فضل الله تعالى ، ومن الناس من قال : بل جاءه
جبريل عليه السلام ، وعلمه الطريق . وذكر
ابن جرير عن
السدي لما أخذ
موسى عليه السلام في المسير جاءه ملك على فرس ، فسجد له
موسى من الفرح ، فقال : لا تفعل واتبعني ، فاتبعه نحو
مدين . واحتج من قال : إنه خرج وما قصد
مدين بأمرين :
أحدهما : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22ولما توجه تلقاء مدين ) ولو كان قاصدا للذهاب إلى
مدين لقال ، ولما توجه إلى
مدين ، فلما لم يقل ذلك ، بل قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22توجه تلقاء مدين ) علمنا أنه لم يتوجه إلا إلى ذلك الجانب من غير أن يعلم أن ذلك الجانب إلى أين ينتهي .
والثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) وهذا كلام شاك لا عالم ، والأقرب أن يقال : إنه قصد الذهاب إلى
مدين ، وما كان عالما بالطريق . ثم إنه كان يسأل الناس عن كيفية الطريق ؛ لأنه يبعد من
موسى عليه السلام في عقله وذكائه أن لا يسأل ، ثم قال
ابن إسحاق : خرج من
مصر إلى
مدين بغير زاد ولا ظهر ، وبينهما مسيرة ثمانية أيام ، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) فهو نظير قول جده
إبراهيم عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=99إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) ( الصافات : 99 )
وموسى عليه السلام قلما يذكر كلاما في الاستدلال والجواب والدعاء والتضرع إلا ما ذكره
إبراهيم عليه السلام ، وهكذا الخلف الصدق للسلف الصالح صلوات الله عليهم وعلى جميع الطيبين المطهرين (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ولما ورد ماء مدين ) وهو الماء الذي يسقون منه ، وكان بئرا فيما روي ، ووروده مجيئه والوصول إليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وجد عليه ) أي فوق شفيره ومستقاه (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23أمة ) جماعة كثيرة العدد (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23من الناس ) من أناس مختلفين (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23ووجد من دونهم ) في مكان أسفل من مكانهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23امرأتين تذودان ) والذود الدفع والطرد ، فقوله : تذودان أي تحبسان ، ثم فيه أقوال :
الأول : تحبسان أغنامهما ، واختلفوا في علة ذلك الحبس على وجوه :
أحدها : قال
الزجاج : لأن على الماء من كان أقوى منهما ، فلا يتمكنان من السقي .
وثانيها : كانتا تكرهان المزاحمة على الماء .
وثالثها : لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم .
ورابعها : لئلا تختلطا بالرجال .
القول الثاني : كانتا تذودان عن وجوههما نظر الناظر ليراهما .
والقول الثالث : تذودان الناس عن غنمهما .
القول الرابع : قال
الفراء : تحبسانها عن أن تتفرق وتتسرب . (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23قال ما خطبكما ) أي ما شأنكما وحقيقته ما مخطوبكما أي مطلوبكما من الذياد ، فسمي المخطوب خطبا ، كما يسمى المشئون شأنا ، في قولك : ما شأنك (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23قالتا لا نسقي )
[ ص: 205 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ) وذلك يدل على ضعفهما عن السقي من وجوه :
أحدها : أن العادة في السقي للرجال ، والنساء يضعفن عن ذلك .
وثانيها : ما ظهر من ذودهما الماشية على طريق التأخير .
وثالثها : قولهما : حتى يصدر الرعاء .
ورابعها : انتظارهما لما يبقى من القوم من الماء .
وخامسها : قولهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وأبونا شيخ كبير ) ودلالة ذلك على أنه لو كان قويا حضر ولو حضر لم يتأخر السقي ، فعند ذلك سقى لهما قبل صدر الرعاء ، وعادتا إلى أبيهما قبل الوقت المعتاد . قرأ أبو
عمرو وابن عامر وعاصم بفتح الياء وضم الدال ، وقرأ الباقون بضم الياء ، وكسر الدال ؛ فالمعنى في القراءة الأولى : حتى ينصرفوا عن الماء ويرجعوا عن سقيهم ، وصدر ضد ورد ، ومن قرأ بضم الياء ، فالمعنى في القراءة : حتى يصدر القوم مواشيهم .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فسقى لهما ) أي سقى غنمهما لأجلهما ، وفي كيفية السقي أقوال :
أحدها : أنه عليه السلام سأل القوم أن يسمحوا فسمحوا .
وثانيهما : قال قوم : عمد إلى بئر على رأسه صخرة لا يقلها إلا عشرة ، وقيل : أربعون ، وقيل : مائة فنحاها بنفسه واستقى الماء من ذلك البئر .
وثالثها : أن القوم لما زاحمهم
موسى عليه السلام تعمدوا إلقاء ذلك الحجر على رأس البئر ، فهو عليه السلام رمى ذلك الحجر ، وسقى لهما وليس بيان ذلك في القرآن ، والله أعلم بالصحيح منه .
لكن المرأة وصفت
موسى عليه السلام بالقوة ، فدل ذلك على أنها شاهدت منه ما يدل على فضل قوته ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24ثم تولى إلى الظل ) وفيه دلالة على أنه سقى لهما في شمس وحر ، وفيه دلالة أيضا على كمال
nindex.php?page=treesubj&link=31908_31909قوة موسى عليه السلام . قال
الكلبي : أتى
موسى أهل الماء ، فسألهم دلوا من ماء ، فقالوا له : إن شئت ائت الدلو فاستق لهما ، قال : نعم ، وكان يجتمع على الدلو أربعون رجلا حتى يخرجوه من البئر ، فأخذ
موسى عليه السلام الدلو ، فاستقى به وحده ، وصب في الحوض ، ودعا بالبركة ، ثم قرب غنمهما ، فشربت حتى رويت ، ثم سرحهما مع غنمهما .
فإن قيل : كيف ساغ لنبي الله الذي هو
شعيب أن يرضى لابنتيه بسقي الماشية ؟ قلنا : ليس في القرآن ما يدل على أن أباهما كان
شعيبا ، والناس مختلفون فيه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : إن أباهما هو
بيرون ابن أخي
شعيب ،
وشعيب مات بعدما عمي ، وهو اختيار
أبي عبيد . وقال
الحسن : إنه رجل مسلم قبل الدين عن
شعيب . على أنا وإن سلمنا أنه كان
شعيبا عليه السلام لكن لا مفسدة فيه ؛ لأن الدين لا يأباه ، وأما المروءة فالناس فيها مختلفون ، وأحوال أهل البادية غير أحوال أهل الحضر ، لا سيما إذا كانت الحالة حالة الضرورة .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) فالمعنى : إني لأي شيء أنزلت إلي من خير قليل أو كثير غث أو سمين لفقير ، وإنما عدى فقيرا باللام ؛ لأنه ضمن معنى سائل وطالب .
واعلم أن هذا الكلام يدل على الحاجة ، إما إلى الطعام أو إلى غيره ، إلا أن المفسرين حملوه على الطعام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد طعاما يأكله ، وقال
الضحاك : مكث سبعة أيام لم يذق فيها طعاما إلا بقل الأرض . وروي أن
موسى عليه السلام لما قال ذلك رفع صوته ليسمع المرأتين ذلك ، فإن قيل : إنه عليه السلام لما بقي معه من القوة ما قدر بها على حمل ذلك الدلو العظيم ، فكيف يليق بهمته العالية أن يطلب الطعام ، أليس أنه عليه السلام قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013544لا تحل الصدقة لغني ولا لذي قوة سوي " ؟ قلنا : أما رفع الصوت بذلك لإسماع المرأتين وطلب الطعام ، فذاك لا يليق
بموسى عليه السلام البتة ، فلا تقبل تلك الرواية ولكن لعله عليه السلام قال ذلك في نفسه مع ربه تعالى ، وفي الآية وجه آخر : كأنه قال : رب إني بسبب ما أنزلت إلي من خير الدين صرت فقيرا
[ ص: 206 ] في الدنيا لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة ، فقال ذلك رضى بهذا البدل وفرحا به وشكرا له ، وهذا التأويل أليق بحال
موسى عليه السلام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22nindex.php?page=treesubj&link=31921_28999وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ )
[ ص: 204 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=25فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ )
اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ) قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ خَرَجَ وَمَا قَصَدَ
مَدْيَنَ ، وَلَكِنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَخَذَ يَمْشِي مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ ، فَأَوْصَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى
مَدْيَنَ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمَّا خَرَجَ قَصَدَ
مَدْيَنَ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ قَرَابَةً ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ
مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ كَانَ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ ، بَلِ اعْتَمَدَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ : بَلْ جَاءَهُ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَلَّمَهُ الطَّرِيقَ . وَذَكَرَ
ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ
السُّدِّيِّ لَمَّا أَخَذَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَسِيرِ جَاءَهُ مَلَكٌ عَلَى فَرَسٍ ، فَسَجَدَ لَهُ
مُوسَى مِنَ الْفَرَحِ ، فَقَالَ : لَا تَفْعَلْ وَاتَّبِعْنِي ، فَاتَّبَعَهُ نَحْوَ
مَدْيَنَ . وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ خَرَجَ وَمَا قَصَدَ
مَدْيَنَ بِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ) وَلَوْ كَانَ قَاصِدًا لِلذَّهَابِ إِلَى
مَدْيَنَ لَقَالَ ، وَلَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى
مَدْيَنَ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ، بَلْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ ) عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَّا إِلَى ذَلِكَ الْجَانِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْجَانِبَ إِلَى أَيْنَ يَنْتَهِي .
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) وَهَذَا كَلَامُ شَاكٍّ لَا عَالِمٍ ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ قَصَدَ الذَّهَابَ إِلَى
مَدْيَنَ ، وَمَا كَانَ عَالِمًا بِالطَّرِيقِ . ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَقْلِهِ وَذَكَائِهِ أَنْ لَا يَسْأَلَ ، ثم قال
ابْنُ إِسْحَاقَ : خَرَجَ مِنْ
مِصْرَ إِلَى
مَدْيَنَ بِغَيْرِ زَادٍ وَلَا ظَهْرٍ ، وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَعَامٌ إِلَّا وَرَقَ الشَّجَرِ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ جَدِّهُ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=99إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) ( الصَّافَّاتِ : 99 )
وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَلَّمَا يَذْكُرُ كَلَامًا فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالْجَوَابِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهَكَذَا الْخَلَفُ الصِّدْقُ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ الطَّيِّبِينَ الْمُطَهَّرِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ) وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يَسْقُونَ مِنْهُ ، وَكَانَ بِئْرًا فِيمَا رُوِيَ ، وَوُرُودُهُ مَجِيئُهُ وَالْوُصُولُ إِلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَجَدَ عَلَيْهِ ) أَيْ فَوْقَ شَفِيرِهِ وَمُسْتَقَاهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23أُمَّةً ) جَمَاعَةً كَثِيرَةَ الْعَدَدِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23مِنَ النَّاسِ ) مِنْ أُنَاسٍ مُخْتَلِفِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ ) فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ مِنْ مَكَانِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ ) وَالذَّوْدُ الدَّفْعُ وَالطَّرْدُ ، فَقَوْلُهُ : تَذُودَانِ أَيْ تَحْبِسَانِ ، ثُمَّ فِيهِ أَقْوَالٌ :
الْأَوَّلُ : تَحْبِسَانِ أَغْنَامَهُمَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ ذَلِكَ الْحَبْسِ عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : قَالَ
الزَّجَّاجُ : لِأَنَّ عَلَى الْمَاءِ مَنْ كَانَ أَقْوَى مِنْهُمَا ، فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنَ السَّقْيِ .
وَثَانِيهَا : كَانَتَا تَكْرَهَانِ الْمُزَاحِمَةَ عَلَى الْمَاءِ .
وَثَالِثُهَا : لِئَلَّا تَخْتَلِطَ أَغْنَامُهُمَا بِأَغْنَامِهِمْ .
وَرَابِعُهَا : لِئَلَّا تَخْتَلِطَا بِالرِّجَالِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : كَانَتَا تَذُودَانِ عَنْ وُجُوهِهِمَا نَظَرَ النَّاظِرِ لِيَرَاهُمَا .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ غَنَمِهِمَا .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ : قَالَ
الْفَرَّاءُ : تَحْبِسَانِهَا عَنْ أَنْ تَتَفَرَّقَ وَتَتَسَرَّبَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ) أَيْ مَا شَأْنُكُمَا وَحَقِيقَتُهُ مَا مَخْطُوبُكُمَا أَيْ مَطْلُوبُكُمَا مِنَ الذِّيَادِ ، فَسُمِّيَ الْمَخْطُوبُ خَطْبًا ، كَمَا يُسَمَّى الْمَشْئُونُ شَأْنًا ، فِي قَوْلِكَ : مَا شَأْنُكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23قَالَتَا لَا نَسْقِي )
[ ص: 205 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِمَا عَنِ السَّقْيِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْعَادَةَ فِي السَّقْيِ لِلرِّجَالِ ، وَالنِّسَاءُ يَضْعُفْنَ عَنْ ذَلِكَ .
وَثَانِيهَا : مَا ظَهَرَ مِنْ ذَوْدِهِمَا الْمَاشِيَةَ عَلَى طَرِيقِ التَّأْخِيرِ .
وَثَالِثُهَا : قَوْلُهُمَا : حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ .
وَرَابِعُهَا : انْتِظَارُهُمَا لِمَا يَبْقَى مِنَ الْقَوْمِ مِنَ الْمَاءِ .
وَخَامِسُهَا : قَوْلُهُمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=23وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) وَدَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوِيًّا حَضَرَ وَلَوْ حَضَرَ لَمْ يَتَأَخَّرِ السَّقْيُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ سَقَى لَهُمَا قَبْلَ صَدْرِ الرِّعَاءِ ، وَعَادَتَا إِلَى أَبِيهِمَا قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ . قَرَأَ أَبُو
عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الدَّالِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ ، وَكَسْرِ الدَّالِ ؛ فَالْمَعْنَى فِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى : حَتَّى يَنْصَرِفُوا عَنِ الْمَاءِ وَيَرْجِعُوا عَنْ سَقْيِهِمْ ، وَصَدَرَ ضِدُّ وَرَدَ ، وَمَنْ قَرَأَ بِضَمِّ الْيَاءِ ، فَالْمَعْنَى فِي الْقِرَاءَةِ : حَتَّى يُصْدِرَ الْقَوْمُ مَوَاشِيهمْ .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فَسَقَى لَهُمَا ) أَيْ سَقَى غَنَمَهُمَا لِأَجْلِهِمَا ، وَفِي كَيْفِيَّةِ السَّقْيِ أَقْوَالٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ الْقَوْمَ أَنْ يَسْمَحُوا فَسَمَحُوا .
وَثَانِيهِمَا : قَالَ قَوْمٌ : عَمَدَ إِلَى بِئْرٍ عَلَى رَأْسِهِ صَخْرَةٌ لَا يُقِلُّهَا إِلَّا عَشَرَةٌ ، وَقِيلَ : أَرْبَعُونَ ، وَقِيلَ : مِائَةٌ فَنَحَّاهَا بِنَفْسِهِ وَاسْتَقَى الْمَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْبِئْرِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا زَاحَمَهُمْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تَعَمَّدُوا إِلْقَاءَ ذَلِكَ الْحَجَرِ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ ، فَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَمَى ذَلِكَ الْحَجَرَ ، وَسَقَى لَهُمَا وَلَيْسَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّحِيحِ مِنْهُ .
لَكِنَّ الْمَرْأَةَ وَصَفَتْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقُوَّةِ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا شَاهَدَتْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ قُوَّتِهِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ) وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ سَقَى لَهُمَا فِي شَمْسٍ وَحَرٍّ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى كَمَالِ
nindex.php?page=treesubj&link=31908_31909قُوَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ . قَالَ
الْكَلْبِيُّ : أَتَى
مُوسَى أَهْلَ الْمَاءَ ، فَسَأَلَهُمْ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ ، فَقَالُوا لَهُ : إِنْ شِئْتَ ائْتِ الدَّلْوَ فَاسْتَقِ لَهُمَا ، قَالَ : نَعَمْ ، وَكَانَ يَجْتَمِعُ عَلَى الدَّلْوِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا حَتَّى يُخْرِجُوهُ مِنَ الْبِئْرِ ، فَأَخَذَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الدَّلْوَ ، فَاسْتَقَى بِهِ وَحْدَهُ ، وَصَبَّ فِي الْحَوْضِ ، وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ ، ثُمَّ قَرَّبَ غَنَمَهُمَا ، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ ، ثُمَّ سَرَّحَهُمَا مَعَ غَنَمِهِمَا .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ سَاغَ لِنَبِيِّ اللَّهِ الَّذِي هُوَ
شُعَيْبٌ أَنْ يَرْضَى لِابْنَتَيْهِ بِسَقْيِ الْمَاشِيَةِ ؟ قُلْنَا : لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَاهُمَا كَانَ
شُعَيْبًا ، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إِنَّ أَبَاهُمَا هُوَ
بَيْرُونُ ابْنُ أَخِي
شُعَيْبٍ ،
وَشُعَيْبٌ مَاتَ بَعْدَمَا عَمِيَ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي عَبِيدٍ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : إِنَّهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَبِلَ الدِّينَ عَنْ
شُعَيْبٍ . عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ
شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَكِنْ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الدِّينَ لَا يَأْبَاهُ ، وَأَمَّا الْمُرُوءَةُ فَالنَّاسُ فِيهَا مُخْتَلِفُونَ ، وَأَحْوَالُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ غَيْرُ أَحْوَالِ أَهْلِ الْحَضَرِ ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتِ الْحَالَةُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=24فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) فَالْمَعْنَى : إِنِّي لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ غَثٍّ أَوْ سَمِينٍ لَفَقِيرٌ ، وَإِنَّمَا عَدَّى فَقِيرًا بِاللَّامِ ؛ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى سَائِلٍ وَطَالِبٍ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى الْحَاجَةِ ، إِمَّا إِلَى الطَّعَامِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ ، إِلَّا أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ حَمَلُوهُ عَلَى الطَّعَامِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ طَعَامًا يَأْكُلُهُ ، وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَذُقْ فِيهَا طَعَامًا إِلَّا بَقْلَ الْأَرْضِ . وَرُوِيَ أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَفَعَ صَوْتَهُ لِيُسْمِعَ الْمَرْأَتَيْنِ ذَلِكَ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بَقِيَ مَعَهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا قَدَرَ بِهَا عَلَى حَمْلِ ذَلِكَ الدَّلْوِ الْعَظِيمِ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِمَّتِهِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَطْلُبَ الطَّعَامَ ، أَلَيْسَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013544لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي قُوَّةٍ سَوِيٍّ " ؟ قُلْنَا : أَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ لِإِسْمَاعِ الْمَرْأَتَيْنِ وَطَلَبِ الطَّعَامِ ، فَذَاكَ لَا يَلِيقُ
بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الْبَتَّةَ ، فَلَا تُقْبَلُ تِلْكَ الرِّوَايَةُ وَلَكِنْ لَعَلَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ مَعَ رَبِّهِ تَعَالَى ، وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ : كَأَنَّهُ قَالَ : رَبِّ إِنِّي بِسَبَبِ مَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرِ الدِّينِ صِرْتُ فَقِيرًا
[ ص: 206 ] فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي مُلْكٍ وَثَرْوَةٍ ، فَقَالَ ذَلِكَ رِضًى بِهَذَا الْبَدَلِ وَفَرَحًا بِهِ وَشُكْرًا لَهُ ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَلْيَقُ بِحَالِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .