أما قوله : ( وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون     ) فهذا يدل على أنهم كانوا عارفين بالله تعالى إلا أنهم كانوا ينكرون البعث ، فلأجل ذلك تمردوا وطغوا . 
أما قوله : ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم    ) فهو من الكلام المفحم الذي دل به على عظم شأنه وكبرياء سلطانه ، شبههم استحقارا لهم واستقلالا لعددهم ، وإن كانوا الكبير الكثير والجم الغفير بحصيات أخذهن آخذ في كفه ، فطرحهن في البحر ونحو ذلك ، وقوله : ( وجعلنا فيها رواسي شامخات    ) ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة    ) ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه    ) سبحانه وتعالى ، وليس الغرض منه إلا تصوير أن كل مقدور وإن عظم فهو حقير بالقياس إلى قدرته . 
أما قوله : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار     ) فقد تمسك به الأصحاب في كونه تعالى خالقا للخير والشر ، قال الجبائي    : المراد بقوله : ( وجعلناهم    ) أي بينا ذلك من حالهم وسميناهم به ، ومنه قوله : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا    ) [ الزخرف : 19 ] وتقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله جعله فاسقا وبخيلا ، لا أنه خلقهم أئمة ؛ لأنهم حال خلقه لهم كانوا أطفالا ، وقال الكعبي    : إنما قال : ( وجعلناهم أئمة    ) من حيث خلى بينهم وبين ما فعلوه ولم يعاجل بالعقوبة ، ومن حيث كفروا ولم يمنعهم بالقسر ، وذلك كقوله : ( فزادتهم رجسا    ) [ التوبة : 125 ] لما زادوا عندها ، ونظير ذلك أن الرجل يسأل ما يثقل عليه ، وإن أمكنه فإذا   [ ص: 218 ] بخل به ، قيل للسائل : جعلت فلانا بخيلا أي قد بخلته ، وقال أبو مسلم    : معنى الإمامة التقدم ، فلما عجل الله تعالى لهم العذاب صاروا متقدمين لمن وراءهم من الكافرين . واعلم أن الكلام فيه قد تقدم في سورة مريم في قوله : ( أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين    ) [ مريم : 83 ] ومعنى دعوتهم إلى النار  دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي ، فإن أحدا لا يدعو إلى النار البتة ، وإنما جعلهم الله تعالى أئمة في هذا الباب ؛ لأنهم بلغوا في هذا الباب أقصى النهايات ، ومن كان كذلك استحق أن يكون إماما يقتدى به في ذلك الباب ، ثم بين تعالى أن ذلك العقاب سينزل بهم على وجه لا يمكن التخلص منه ، وهو معنى قوله : ( ويوم القيامة لا ينصرون    ) أو يكون معناه : ( ويوم القيامة لا ينصرون    ) كما ينصر الأئمة الدعاة إلى الجنة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					