(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=73فسجد الملائكة كلهم أجمعون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=74إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أأستكبرت أم كنت من العالين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=77قال فاخرج منها فإنك رجيم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=78وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=79قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=80قال فإنك من المنظرين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=81إلى يوم الوقت المعلوم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=83إلا عبادك منهم المخلصين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=84قال فالحق والحق أقول nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) .
[ ص: 198 ] قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=73فسجد الملائكة كلهم أجمعون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=74إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أأستكبرت أم كنت من العالين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=77قال فاخرج منها فإنك رجيم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=78وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=79قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=80قال فإنك من المنظرين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=81إلى يوم الوقت المعلوم nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=83إلا عبادك منهم المخلصين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=84قال فالحق والحق أقول nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) .
اعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة المنع من
nindex.php?page=treesubj&link=18717_18682الحسد والكبر ، وذلك لأن إبليس ، إنما وقع فيما وقع فيه بسبب الحسد والكبر ، والكفار إنما نازعوا
محمدا عليه السلام بسبب الحسد والكبر ، فالله تعالى ذكر هذه القصة ههنا ليصير سماعها زاجرا لهم عن هاتين الخصلتين المذمومتين ، والحاصل أنه تعالى رغب المكلفين في
nindex.php?page=treesubj&link=28658النظر والاستدلال ، ومنعهم عن الإصرار والتقليد وذكر في تقريره أمورا أربعة :
أولها : أنه نبأ عظيم فيجب الاحتياط فيه .
والثاني : أن قصة سؤال الملائكة عن الحكمة في تخليق البشر يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=32404الحكمة الأصلية في تخليق آدم هو المعرفة والطاعة لا الجهل والتكبر .
الثالث : أن إبليس إنما خاصم
آدم عليه السلام لأجل الحسد والكبر فيجب على العاقل أن يحترز عنهما ، فهذا هو وجه النظم في هذه الآيات ، واعلم أن هذه القصة قد تقدم شرحها في سور كثيرة ، فلا فائدة في الإعادة إلا ما لا بد منه وفيها مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إني خالق بشرا من طين ) سؤالات :
الأول : أن هذا النظم إنما يصح لو أمكن خلق البشر لا من الطين ، كما إذا قيل أنا متخذ سوارا من ذهب ، فهذا إنما يستقيم لو أمكن اتخاذه من الفضة .
الثاني : ذكر ههنا أنه خلق البشر من طين ، وفي سائر الآيات ذكر أنه خلقه من سائر الأشياء كقوله تعالى في
آدم إنه خلقه من تراب ، وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=28من صلصال من حمإ مسنون ) [الحجر : 28] وكقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خلق الإنسان من عجل ) [الأنبياء : 37] .
الثالث : أن هذه الآية تدل على أنه تعالى لما أخبر الملائكة بأنه خلق بشرا من طين . لم يقولوا شيئا ، وفي الآية الأخرى وهي التي قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني جاعل في الأرض خليفة ) بين أنهم أوردوا السؤال والجواب فبينهما تناقض ، والجواب عن الأول أن التقدير كأنه سبحانه وصف لهم أولا أن
nindex.php?page=treesubj&link=32406البشر شخص جامع للقوة البهيمية والسبعية والشيطانية والملكية ، فلما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إني خالق بشرا من طين ) فكأنه قال ذلك الشخص المستجمع لتلك الصفات ، إنما أخلقه من الطين .
والجواب عن الثاني أن
nindex.php?page=treesubj&link=32405المادة البعيدة هو التراب ، وأقرب منه الطين ، وأقرب منه الحمأ المسنون ، وأقرب منه الصلصال فثبت أنه لا منافاة بين الكل .
والجواب عن الثالث أنه في الآية المذكورة في سورة البقرة بين لهم أنه يخلق في الأرض خليفة ، وبالآية المذكورة ههنا بين أن ذلك الخليفة بشر مخلوق من الطين .
المسألة الثانية : قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) وهذا يدل على أن تخليق البشر لا يتم إلا بأمرين التسوية أولا ، ثم نفخ الروح ثانيا ، وهذا حق لأن الإنسان مركب من جسد ونفس .
[ ص: 199 ] أما الجسد فإنه إنما يتولد من المني ، والمني إنما يتولد من دم الطمث وهو إنما يتولد من الأخلاط الأربعة ، وهي إنما تتولد من الأركان الأربعة ، ولا بد في حصول هذه التسوية من رعاية مقدار مخصوص لكل واحد منها ، ومن رعاية كيفية امتزاجاتها وتركيباتها ، ومن رعاية المدة التي في مثلها حصل ذلك المزاج الذي لأجله يحصل الاستعداد لقبول النفس الناطقة .
وأما النفس فإليها الإشارة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72ونفخت فيه من روحي ) ولما أضاف الروح إلى نفسه دل على أنه جوهر شريف علوي قدسي ، وذهبت
الحلولية إلى أن كلمة " من " تدل على التبعيض ، وهذا يوهم أن الروح جزء من أجزاء الله تعالى ، وهذا غاية الفساد ، لأن كل ما له جزء وكل ، فهو مركب وممكن الوجود لذاته ومحدث .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29662كيفية نفخ الروح ، فاعلم أن الأقرب أن جوهر النفس عبارة عن أجسام شفافة نورانية ، علوية العنصر ، قدسية الجوهر ، وهي تسري في البدن سريان الضوء في الهواء ، وسريان النار في الفحم ، فهذا القدر معلوم . أما كيفية ذلك النفخ فمما لا يعلمه إلا الله تعالى .
المسألة الثالثة : الفاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72فقعوا له ساجدين ) تدل على أنه كما تم نفخ الروح في الجسد توجه أمر الله عليهم بالسجود ، وأما أن المأمور بذلك السجود ملائكة الأرض ، أو دخل فيه ملائكة السماوات مثل
جبريل وميكائيل ، والروح الأعظم المذكور في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) [النبأ : 38] ففيه مباحث عميقة . وقال بعض
الصوفية :
nindex.php?page=treesubj&link=31770الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم ، هم القوى النباتية والحيوانية الحسية والحركية ، فإنها في بدن الإنسان خوادم النفس الناطقة ، وإبليس الذي لم يسجد هو القوة الوهمية التي هي المنازعة لجوهر العقل ، والكلام فيه طويل . وأما بقية المسائل وهي : كيفية سجود الملائكة لآدم ، وأن ذلك هل يدل على كونه أفضل من الملائكة أم لا ، وأن إبليس هل كان من الملائكة أم لا ، وأنه هل كان كافرا أصليا أم لا ، فكل ذلك تقدم في سورة البقرة وغيرها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=73فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=74إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَأَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=77قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=78وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=79قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=80قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=81إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=83إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=84قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) .
[ ص: 198 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=73فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=74إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَأَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=77قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=78وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=79قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=80قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=81إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=83إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=84قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَنْعُ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=18717_18682الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِبْلِيسَ ، إِنَّمَا وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بِسَبَبِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ ، وَالْكَفَّارُ إِنَّمَا نَازَعُوا
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسَبَبِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ ، فَاللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ هَهُنَا لِيَصِيرَ سَمَاعُهَا زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ الْمَذْمُومَتَيْنِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى رَغَّبَ الْمُكَلَّفِينَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28658النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ ، وَمَنَعَهُمْ عَنِ الْإِصْرَارِ وَالتَّقْلِيدِ وَذَكَرَ فِي تَقْرِيرِهِ أُمُورًا أَرْبَعَةً :
أَوَّلُهَا : أَنَّهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ قِصَّةَ سُؤَالِ الْمَلَائِكَةِ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي تَخْلِيقِ الْبَشَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32404الْحِكْمَةَ الْأَصْلِيَّةَ فِي تَخْلِيقِ آدَمَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَالطَّاعَةُ لَا الْجَهْلُ وَالتَّكَبُّرُ .
الثَّالِثُ : أَنَّ إِبْلِيسَ إِنَّمَا خَاصَمَ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَجْلِ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُمَا ، فَهَذَا هُوَ وَجْهُ النَّظْمِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي سُوَرٍ كَثِيرَةٍ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِيهَا مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ) سُؤَالَاتٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا النَّظْمَ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ أَمْكَنَ خَلْقُ الْبَشَرِ لَا مِنَ الطِّينِ ، كَمَا إِذَا قِيلَ أَنَا مُتَّخِذٌ سُوَارًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ لَوْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنَ الْفِضَّةِ .
الثَّانِي : ذَكَرَ هَهُنَا أَنَّهُ خَلَقَ الْبَشَرَ مِنْ طِينٍ ، وَفِي سَائِرِ الْآيَاتِ ذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي
آدَمَ إِنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ، وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=28مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) [الْحِجْرِ : 28] وَكَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 37] .
الثَّالِثُ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ الْمَلَائِكَةَ بِأَنَّهُ خَلَقَ بَشَرًا مِنْ طِينٍ . لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا ، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ الَّتِي قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) بَيَّنَ أَنَّهُمْ أَوْرَدُوا السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ فَبَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ ، وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّقْدِيرَ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَفَ لَهُمْ أَوَّلًا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32406الْبَشَرَ شَخْصٌ جَامِعٌ لِلْقُوَّةِ الْبَهِيمِيَّةِ وَالسَّبْعِيَّةِ وَالشَّيْطَانِيَّةِ وَالْمَلَكِيَّةِ ، فَلَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=71إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ) فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُسْتَجْمِعُ لِتِلْكَ الصِّفَاتِ ، إِنَّمَا أَخْلُقُهُ مِنَ الطِّينِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32405الْمَادَّةَ الْبَعِيدَةَ هُوَ التُّرَابُ ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الطِّينُ ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْحَمَأُ الْمَسْنُونُ ، وَأَقْرَبُ مِنْهُ الصَّلْصَالُ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكُلِّ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ يَخْلُقُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ، وَبِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ هَهُنَا بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ بَشَرٌ مَخْلُوقٌ مِنَ الطِّينِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَخْلِيقَ الْبَشَرِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ التَّسْوِيَةُ أَوَّلًا ، ثُمَّ نَفْخُ الرُّوحِ ثَانِيًا ، وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ جَسَدٍ وَنَفْسٍ .
[ ص: 199 ] أَمَّا الْجَسَدُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْمَنِيِّ ، وَالْمَنِيُّ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ دَمِ الطَّمْثِ وَهُوَ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ ، وَهِيَ إِنَّمَا تَتَوَلَّدُ مِنَ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ ، وَلَا بُدَّ فِي حُصُولِ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ مِنْ رِعَايَةِ مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ، وَمِنْ رِعَايَةِ كَيْفِيَّةِ امْتِزَاجَاتِهَا وَتَرْكِيبَاتِهَا ، وَمِنْ رِعَايَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي فِي مِثْلِهَا حَصَلَ ذَلِكَ الْمِزَاجُ الَّذِي لِأَجْلِهِ يَحْصُلُ الِاسْتِعْدَادُ لِقَبُولِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ .
وَأَمَّا النَّفْسُ فَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) وَلَمَّا أَضَافَ الرُّوحَ إِلَى نَفْسِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَوْهَرٌ شَرِيفٌ عُلْوِيٌّ قُدْسِيٌّ ، وَذَهَبَتِ
الْحُلُولِيَّةُ إِلَى أَنَّ كَلِمَةَ " مِنْ " تَدُلُّ عَلَى التَّبْعِيضِ ، وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ الرُّوحَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا غَايَةُ الْفَسَادِ ، لِأَنَّ كُلَّ مَا لَهُ جُزْءٌ وَكُلٌّ ، فَهُوَ مُرَكَّبٌ وَمُمْكِنُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29662كَيْفِيَّةُ نَفْخِ الرُّوحِ ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ جَوْهَرَ النَّفْسِ عِبَارَةٌ عَنْ أَجْسَامٍ شَفَّافَةٍ نُورَانِيَّةٍ ، عُلْوِيَّةِ الْعُنْصُرِ ، قُدْسِيَّةِ الْجَوْهَرِ ، وَهِيَ تَسْرِي فِي الْبَدَنِ سَرَيَانَ الضَّوْءِ فِي الْهَوَاءِ ، وَسَرَيَانَ النَّارِ فِي الْفَحْمِ ، فَهَذَا الْقَدْرُ مَعْلُومٌ . أَمَّا كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ النَّفْخِ فَمِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=72فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَمَا تَمَّ نَفْخُ الرَّوْحِ فِي الْجَسَدِ تَوَّجَهُ أَمْرُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالسُّجُودِ ، وَأَمَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ السُّجُودِ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ ، أَوْ دَخَلَ فِيهِ مَلَائِكَةُ السَّمَاوَاتِ مِثْلُ
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ ، وَالرُّوحِ الْأَعْظَمِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ) [النَّبَأِ : 38] فَفِيهِ مَبَاحِثٌ عَمِيقَةٌ . وَقَالَ بَعْضُ
الصُّوفِيَّةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=31770الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ لِآدَمَ ، هُمُ الْقُوَى النَّبَاتِيَّةُ وَالْحَيَوَانِيَّةُ الْحِسِّيَّةُ وَالْحَرَكِيَّةُ ، فَإِنَّهَا فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ خَوَادِمُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ ، وَإِبْلِيسُ الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ هُوَ الْقُوَّةُ الْوَهْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ الْمُنَازِعَةُ لِجَوْهَرِ الْعَقْلِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ طَوِيلٌ . وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ وَهِيَ : كَيْفِيَّةُ سُجُودِ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ هَلْ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَمْ لَا ، وَأَنَّ إِبْلِيسَ هَلْ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَمْ لَا ، وَأَنَّهُ هَلْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا أَمْ لَا ، فَكُلُّ ذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا .