(
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=46وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=46وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين ) قرئ :" قوم " بالجر والنصب فما وجههما ؟
نقول : أما الجر فظاهر عطفا على ما تقدم في قوله تعالى : وفي
عاد وفي
موسى ، تقول لك في فلان عبرة وفي فلان وفلان ، وأما النصب فعلى تقدير : وأهلكنا
قوم نوح من قبل ; لأن ما تقدم دل على الهلاك فهو عطف على المحل ، وعلى هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=46من قبل ) معناه ظاهر كأنه يقول : " وأهلكنا
قوم نوح من قبل " وأما على الوجه الأول فتقديره :
nindex.php?page=treesubj&link=32016_31832وفي قوم نوح لكم عبرة من قبل ثمود وعاد وغيرهم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) . وهو بيان للوحدانية ، وما تقدم كان بيانا للحشر .
وأما قوله ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47والسماء بنيناها بأيد ) وأنتم تعرفون أن ما تعبدون من دون الله ما خلقوا منها شيئا فلا يصح الإشراك ، ويمكن أن يقال هذا عود بعد التهديد إلى إقامة الدليل ،
nindex.php?page=treesubj&link=33679_31756_29426وبناء السماء دليل على القدرة على خلق الأجسام ثانيا ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) [ يس : 81 ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : النصب على شريطة التفسير يختار في مواضع ، وإذا كان العطف على جملة فعلية فما تلك الجملة ؟ نقول في بعض الوجوه التي ذكرناها في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=70وعاد وثمود ) [التوبة : 70 ] تقديره وهل أتاك حديث
عاد وهل أتاك حديث
ثمود ، عطفا على قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=24هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) وعلى هذا يكون ما تقدم جملة فعلية لا خفاء فيه ، وعلى غير ذلك الوجه فالجار والمجرور النصب أقرب منه إلى الرفع فكان عطفا على ما بالنصب أولى ، ولأن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=40فنبذناهم ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=41أرسلنا ) وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=44فأخذتهم الصاعقة ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=45فما استطاعوا ) كلها فعليات فصار النصب مختارا .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=34077كرر ذكر البناء في السماوات ، قال تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5والسماء وما بناها ) [ الشمس : 5 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أم السماء بناها ) [ النازعات : 27 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء ) [ غافر : 65 ] فما الحكمة فيه ؟ نقول فيه وجوه .
أحدها : أن البناء باق إلى قيام القيامة لم يسقط منه شيء ولم يعدم منه جزء ، وأما الأرض فهي في التبدل والتغير فهي كالفرش الذي يبسط ويطوى وينقل ،
nindex.php?page=treesubj&link=31756والسماء كالبناء المبني الثابت ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=12سبعا شدادا ) [ النبأ : 12 ] وأما الأراضي فكم منها ما صار بحرا وعاد أرضا من وقت حدوثها .
ثانيها : أن السماء ترى كالقبة المبنية فوق الرءوس ،
nindex.php?page=treesubj&link=31756والأرض مبسوطة مدحوة , والبناء بالمرفوع أليق ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رفع سمكها ) [ النازعات : 28 ] .
ثالثها : قال بعض الحكماء : السماء مسكن الأرواح والأرض
[ ص: 194 ] موضع الأعمال والمسكن أليق بكونه بناء والله أعلم .
المسألة الثالثة : الأصل تقديم العامل على المعمول والفعل هو العامل فقوله : " بنينا " عامل في السماء ، فما
nindex.php?page=treesubj&link=34077الحكمة في تقديم المفعول على الفعل ولو قال : وبنينا السماء بأيد ، كان أوجز ؟ نقول الصانع قبل الصنع عند الناظر في المعرفة ، فلما كان المقصود إثبات العلم بالصانع ، قدم الدليل فقال والسماء المزينة التي لا تشكون فيها بنيناها فاعرفونا بها إن كنتم لا تعرفوننا .
المسألة الرابعة : إذا كان المقصود إثبات التوحيد ، فكيف قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بنيناها ) ولم يقل بنيتها أو بناها الله ؟ نقول قوله :" بنينا " أدل على
nindex.php?page=treesubj&link=29705_28675عدم الشريك في التصرف والاستبداد , وقوله بنيتها يمكن أن يكون فيه تشريك ، وتمام التقرير هو أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بنيناها ) لا يورث إيهاما بأن الآلهة التي كانوا يعبدونها هي التي يرجع إليها الضمير في (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بنيناها ) لأن تلك إما أصنام منحوتة وإما كواكب جعلوا الأصنام على صورها وطبائعها ، فأما الأصنام المنحوتة فلا يشكون أنها ما بنت من السماء شيئا ، وأما الكواكب فهي في السماء محتاجة إليها فلا تكون هي بانيتها ، وإنما يمكن أن يقال إنما بنيت لها وجعلت أماكنها ، فلما لم يتوهم ما قالوا قال بنينا نحن ونحن غير ما يقولون ويدعونه فلا يصلحون لنا شركاء ; لأن كل ما هو غير السماء ودون السماء في المرتبة فلا يكون خالق السماء وبانيها .
فإذن علم أن المراد جمع التعظيم , وأفاد النص عظمته ، فالعظمة أنفى للشريك فثبت أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بنيناها ) أدل على نفي الشريك من بنيتها وبناها الله .
فإن قيل : لم قلت : إن الجمع يدل على التعظيم ؟ قلنا : الجواب من الوجهين .
الأول : أن الكلام على قدر فهم السامع ، والسامع هو الإنسان ، والإنسان يقيس الشاهد على الغائب ، فإن الكبير عندهم من يفعل الشيء بجنده وخدمه ولا يباشر بنفسه ، فيقول الملك فعلنا أي فعله عبادنا بأمرنا ويكون في ذلك تعظيم ، فكذلك في حق الغائب .
الوجه الآخر : هو أن القول إذا وقع من واحد وكان الغير به راضيا يقول القائل فعلنا كلنا كذا وإذا اجتمع جمع على فعل لا يقع إلا بالبعض ، كما إذا خرج جم غفير وجمع كثير لقتل سبع وقتلوه يقال قتله أهل بلدة كذا لرضا الكل به وقصد الكل إليه ، إذا عرفت هذا فالله تعالى كيفما أمر بفعل شيء لا يكون لأحد رده وكان كل واحد منقادا له ، يقول بدل فعلت فعلنا ، ولهذا الملك العظيم أجمعنا بحيث لا ينكره أحد ولا يردده نفس ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بأيد ) أي قوة والأيد القوة هذا هو المشهور وبه فسر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17ذا الأيد إنه أواب ) [ ص : 17 ] يحتمل أن يقال إن المراد جمع اليد ، ودليله أنه قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي ) [ ص : 75 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا أنعاما ) [ يس : 71 ] وهو راجع في الحقيقة إلى المعنى الأول وعلى هذا فحيث قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56خلقت ) قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75بيدي ) وحيث قال : ( بنينا ) قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بأيد ) لمقابلة الجمع بالجمع ، فإن قيل
nindex.php?page=treesubj&link=34077لم يقل بنيناها بأيدينا وقال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا ) ؟ نقول : لفائدة جليلة ، وهي أن السماء لا يخطر ببال أحد أنها مخلوقة لغير الله , والأنعام ليست كذلك ، فقال هناك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا ) [ص: 71] تصريحا بأن
nindex.php?page=treesubj&link=31753_33679الحيوان مخلوق لله تعالى من غير واسطة وكذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خلقت بيدي ) [ص: 75 ] وفي السماء (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بأيد ) من غير إضافة للاستغناء عنها وفيه لطيفة أخرى وهي أن هناك لما أثبت الإضافة بعد حذف الضمير العائد إلى المفعول ، فلم يقل خلقته بيدي ولا قال عملته أيدينا وقال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بنيناها ) لأن هناك لم يخطر ببال أحد أن الإنسان غير مخلوق وأن الحيوان غير معمول فلم يقل خلقته ولا عملته وأما السماء فبعض الجهال يزعم أنها غير مجعولة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بنيناها ) بعود الضمير تصريحا بأنها مخلوقة .
[ ص: 195 ] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وإنا لموسعون ) فيه وجوه :
أحدها : أنه من السعة أي أوسعناها بحيث صارت الأرض وما يحيط بها من
nindex.php?page=treesubj&link=33679الماء والهواء بالنسبة إلى السماء وسعتها كحلقة في فلاة ، والبناء الواسع الفضاء عجيب فإن القبة الواسعة لا يقدر عليها البناءون لأنهم يحتاجون إلى إقامة آلة يصح بها استدارتها ويثبت بها تماسك أجزائها إلى أن يتصل بعضها ببعض .
ثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وإنا لموسعون ) أي لقادرون ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) [ البقرة : 286 ] أي قدرتها والمناسبة حينئذ ظاهرة ، ويحتمل أن يقال بأن ذلك حينئذ إشارة إلى المقصود الآخر وهو الحشر كأنه يقول : بنينا السماء ، وإنا لقادرون على أن نخلق أمثالها ، كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) [ يس : 81 ] .
ثالثها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وإنا لموسعون ) الرزق على الخلق .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=46وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=46وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) قُرِئَ :" قَوْمَ " بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ فَمَا وَجْهُهُمَا ؟
نَقُولُ : أَمَّا الْجَرُّ فَظَاهِرٌ عَطْفًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَفِي
عَادٍ وَفِي
مُوسَى ، تَقُولُ لَكَ فِي فُلَانٍ عِبْرَةٌ وَفِي فُلَانٍ وَفُلَانٍ ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى تَقْدِيرِ : وَأَهْلَكْنَا
قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ; لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ دَلَّ عَلَى الْهَلَاكِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْمَحَلِّ ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=46مِنْ قَبْلُ ) مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ كَأَنَّهُ يَقُولُ : " وَأَهْلَكْنَا
قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ " وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَتَقْدِيرُهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=32016_31832وَفِي قَوْمِ نُوحٍ لَكُمْ عِبْرَةٌ مِنْ قَبْلِ ثَمُودَ وَعَادٍ وَغَيْرِهِمْ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) . وَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَحْدَانِيَّةِ ، وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ بَيَانًا لِلْحَشْرِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنَّ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا خَلَقُوا مِنْهَا شَيْئًا فَلَا يَصِحُّ الْإِشْرَاكُ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا عَوْدٌ بَعْدَ التَّهْدِيدِ إِلَى إِقَامَةِ الدَّلِيلِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=33679_31756_29426وَبِنَاءُ السَّمَاءِ دَلِيلٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى خَلْقِ الْأَجْسَامِ ثَانِيًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) [ يس : 81 ] وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : النَّصْبُ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ يُخْتَارُ فِي مَوَاضِعَ ، وَإِذَا كَانَ الْعَطْفُ عَلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ فَمَا تِلْكَ الْجُمْلَةُ ؟ نَقُولُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=70وَعَادٍ وَثَمُودَ ) [التَّوْبَةِ : 70 ] تَقْدِيرُهُ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
عَادٍ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
ثَمُودَ ، عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=24هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ) وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا تَقَدَّمَ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً لَا خَفَاءَ فِيهِ ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ النَّصْبُ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الرَّفْعِ فَكَانَ عَطْفًا عَلَى مَا بِالنَّصْبِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=40فَنَبَذْنَاهُمْ ) وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=41أَرْسَلْنَا ) وَقَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=44فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=45فَمَا اسْتَطَاعُوا ) كُلُّهَا فِعْلِيَّاتٌ فَصَارَ النَّصْبُ مُخْتَارًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077كَرَّرَ ذِكْرَ الْبِنَاءِ فِي السَّمَاوَاتِ ، قَالَ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ) [ الشَّمْسِ : 5 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=27أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ) [ النَّازِعَاتِ : 27 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=64جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ) [ غَافِرٍ : 65 ] فَمَا الْحِكْمَةُ فِيهِ ؟ نَقُولُ فِيهِ وُجُوهٌ .
أَحَدُهَا : أَنَّ الْبِنَاءَ بَاقٍ إِلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يُعْدَمْ مِنْهُ جُزْءٌ ، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَهِيَ فِي التَّبَدُّلِ وَالتَّغَيُّرِ فَهِيَ كَالْفَرْشِ الَّذِي يُبْسَطُ وَيُطْوَى وَيُنْقَلُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31756وَالسَّمَاءُ كَالْبِنَاءِ الْمَبْنِيِّ الثَّابِتِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=12سَبْعًا شِدَادًا ) [ النَّبَأِ : 12 ] وَأَمَّا الْأَرَاضِي فَكَمْ مِنْهَا مَا صَارَ بَحْرًا وَعَادَ أَرْضًا مِنْ وَقْتِ حُدُوثِهَا .
ثَانِيهَا : أَنَّ السَّمَاءَ تُرَى كَالْقُبَّةِ الْمَبْنِيَّةِ فَوْقَ الرُّءُوسِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31756وَالْأَرْضَ مَبْسُوطَةٌ مَدْحُوَّةٌ , وَالْبِنَاءُ بِالْمَرْفُوعِ أَلْيَقُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=28رَفَعَ سَمْكَهَا ) [ النَّازِعَاتِ : 28 ] .
ثَالِثُهَا : قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : السَّمَاءُ مَسْكَنُ الْأَرْوَاحِ وَالْأَرْضُ
[ ص: 194 ] مَوْضِعُ الْأَعْمَالِ وَالْمَسْكَنُ أَلْيَقُ بِكَوْنِهِ بِنَاءً وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْأَصْلُ تَقْدِيمُ الْعَامِلِ عَلَى الْمَعْمُولِ وَالْفِعْلُ هُوَ الْعَامِلُ فَقَوْلُهُ : " بَنَيْنَا " عَامِلٌ فِي السَّمَاءِ ، فَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=34077الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ وَلَوْ قَالَ : وَبَنَيْنَا السَّمَاءَ بِأَيْدٍ ، كَانَ أَوْجَزَ ؟ نَقُولُ الصَّانِعُ قَبْلَ الصُّنْعِ عِنْدَ النَّاظِرِ فِي الْمَعْرِفَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ إِثْبَاتُ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ ، قُدِّمَ الدَّلِيلُ فَقَالَ وَالسَّمَاءَ الْمُزَيَّنَةَ الَّتِي لَا تَشُكُّونَ فِيهَا بَنَيْنَاهَا فَاعْرِفُونَا بِهَا إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْرِفُونَنَا .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ إِثْبَاتَ التَّوْحِيدِ ، فَكَيْفَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بَنَيْنَاهَا ) وَلَمْ يَقُلْ بَنَيْتُهَا أَوْ بَنَاهَا اللَّهُ ؟ نَقُولُ قَوْلُهُ :" بَنَيْنَا " أَدَلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29705_28675عَدَمِ الشَّرِيكِ فِي التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِبْدَادِ , وَقَوْلُهُ بَنَيْتُهَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَشْرِيكٌ ، وَتَمَامُ التَّقْرِيرِ هُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بَنَيْنَاهَا ) لَا يُورِثُ إِيهَامًا بِأَنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا هِيَ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا الضَّمِيرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بَنَيْنَاهَا ) لِأَنَّ تِلْكَ إِمَّا أَصْنَامٌ مَنْحُوتَةٌ وَإِمَّا كَوَاكِبُ جَعَلُوا الْأَصْنَامَ عَلَى صُوَرِهَا وَطَبَائِعِهَا ، فَأَمَّا الْأَصْنَامُ الْمَنْحُوتَةُ فَلَا يَشُكُّونَ أَنَّهَا مَا بَنَتْ مِنَ السَّمَاءِ شَيْئًا ، وَأَمَّا الْكَوَاكِبُ فَهِيَ فِي السَّمَاءِ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهَا فَلَا تَكُونُ هِيَ بَانِيَتَهَا ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا بُنِيَتْ لَهَا وَجُعِلَتْ أَمَاكِنُهَا ، فَلَمَّا لَمْ يُتَوَهَّمْ مَا قَالُوا قَالَ بَنَيْنَا نَحْنُ وَنَحْنُ غَيْرُ مَا يَقُولُونَ وَيَدَعُونَهُ فَلَا يَصْلُحُونَ لَنَا شُرَكَاءَ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ غَيْرُ السَّمَاءِ وَدُونَ السَّمَاءِ فِي الْمَرْتَبَةِ فَلَا يَكُونُ خَالِقَ السَّمَاءِ وَبَانِيَهَا .
فَإِذَنْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمْعُ التَّعْظِيمِ , وَأَفَادَ النَّصُّ عَظَمَتَهُ ، فَالْعَظَمَةُ أَنْفَى لِلشَّرِيكِ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بَنَيْنَاهَا ) أَدَلُّ عَلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ مِنْ بَنَيْتُهَا وَبَنَاهَا اللَّهُ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ قُلْتَ : إِنَّ الْجَمْعَ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ ؟ قُلْنَا : الْجَوَابُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ .
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى قَدْرٍ فَهْمِ السَّامِعِ ، وَالسَّامِعُ هُوَ الْإِنْسَانُ ، وَالْإِنْسَانُ يَقِيسُ الشَّاهِدَ عَلَى الْغَائِبِ ، فَإِنَّ الْكَبِيرَ عِنْدَهُمْ مَنْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ بِجُنْدِهِ وَخَدَمِهِ وَلَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ ، فَيَقُولُ الْمَلِكُ فَعَلْنَا أَيْ فَعَلَهُ عِبَادُنَا بِأَمْرِنَا وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَعْظِيمٌ ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ .
الْوَجْهُ الْآخَرُ : هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ إِذَا وَقَعَ مِنْ وَاحِدٍ وَكَانَ الْغَيْرُ بِهِ رَاضِيًا يَقُولُ الْقَائِلُ فَعَلْنَا كُلُّنَا كَذَا وَإِذَا اجْتَمَعَ جَمْعٌ عَلَى فِعْلٍ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْبَعْضِ ، كَمَا إِذَا خَرَجَ جَمٌّ غَفِيرٌ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ لِقَتْلِ سَبْعٍ وَقَتَلُوهُ يُقَالُ قَتَلَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ كَذَا لِرِضَا الْكُلِّ بِهِ وَقَصْدِ الْكُلِّ إِلَيْهِ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاللَّهُ تَعَالَى كَيْفَمَا أَمَرَ بِفِعْلِ شَيْءٍ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ رَدُّهُ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُنْقَادًا لَهُ ، يَقُولُ بَدَلَ فَعَلْتُ فَعَلْنَا ، وَلِهَذَا الْمَلِكِ الْعَظِيمِ أَجْمَعْنَا بِحَيْثُ لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ وَلَا يُرَدِّدُهُ نَفْسٌ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بِأَيْدٍ ) أَيْ قُوَّةٍ وَالْأَيْدُ الْقُوَّةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=17ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) [ ص : 17 ] يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْمُرَادَ جَمْعُ الْيَدِ ، وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) [ ص : 75 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا ) [ يس : 71 ] وَهُوَ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَعَلَى هَذَا فَحَيْثُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56خَلَقْتُ ) قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75بِيَدَيَّ ) وَحَيْثُ قَالَ : ( بَنَيْنَا ) قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بِأَيْدٍ ) لِمُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ ، فَإِنْ قِيلَ
nindex.php?page=treesubj&link=34077لَمْ يَقُلْ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدِينَا وَقَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ) ؟ نَقُولُ : لِفَائِدَةٍ جَلِيلَةٍ ، وَهِيَ أَنَّ السَّمَاءَ لَا يَخْطُرُ بِبَالِ أَحَدٍ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ , وَالْأَنْعَامُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ، فَقَالَ هُنَاكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ) [ص: 71] تَصْرِيحًا بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31753_33679الْحَيَوَانَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَكَذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) [ص: 75 ] وَفِي السَّمَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بِأَيْدٍ ) مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا وَفِيهِ لَطِيفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ هُنَاكَ لَمَّا أَثْبَتَ الْإِضَافَةَ بَعْدَ حَذْفِ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إِلَى الْمَفْعُولِ ، فَلَمْ يَقُلْ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ وَلَا قَالَ عَمِلَتْهُ أَيْدِينَا وَقَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بَنَيْنَاهَا ) لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ أَحَدٍ أَنَّ الْإِنْسَانَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ الْحَيَوَانَ غَيْرُ مَعْمُولٍ فَلَمْ يَقُلْ خَلَقْتُهُ وَلَا عَمِلْتُهُ وَأَمَّا السَّمَاءُ فَبَعْضُ الْجُهَّالِ يَزْعُمُ أَنَّهَا غَيْرُ مَجْعُولَةٍ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47بَنَيْنَاهَا ) بِعَوْدِ الضَّمِيرِ تَصْرِيحًا بِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ .
[ ص: 195 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مِنَ السَّعَةِ أَيْ أَوْسَعْنَاهَا بِحَيْثُ صَارَتِ الْأَرْضُ وَمَا يُحِيطُ بِهَا مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=33679الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّمَاءِ وَسَعَتِهَا كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ ، وَالْبِنَاءُ الْوَاسِعُ الْفَضَاءِ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقُبَّةَ الْوَاسِعَةَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْبَنَّاءُونَ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى إِقَامَةِ آلَةٍ يَصِحُّ بِهَا اسْتِدَارَتُهَا وَيَثْبُتُ بِهَا تَمَاسُكُ أَجْزَائِهَا إِلَى أَنْ يَتَّصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ .
ثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) أَيْ لَقَادِرُونَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) [ الْبَقَرَةِ : 286 ] أَيْ قُدْرَتُهَا وَالْمُنَاسَبَةُ حِينَئِذٍ ظَاهِرَةٌ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَقْصُودِ الْآخَرِ وَهُوَ الْحَشْرُ كَأَنَّهُ يَقُولُ : بَنَيْنَا السَّمَاءَ ، وَإِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نَخْلُقَ أَمْثَالَهَا ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) [ يس : 81 ] .
ثَالِثُهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) الرِّزْقَ عَلَى الْخَلْقِ .