الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا ) ففيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : " ما " نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس بمعنى بئس الشيء شيئا اشتروا به أنفسهم والمخصوص بالذم " أن يكفروا " .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في الشراء ههنا قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنه بمعنى البيع ، وبيانه أنه تعالى لما مكن المكلف من الإيمان الذي يفضي به إلى الجنة والكفر الذي يؤدي به إلى النار صار اختياره لأحدهما على الآخر بمنزلة اختيار تملك سلعة على سلعة فإذا اختار الإيمان الذي فيه فوزه ونجاته . قيل : نعم ما اشترى ، ولما كان الغرض بالبيع والشراء هو إبدال ملك يملك صلح أن يوصف كل واحد منهما بأنه بائع ومشتر لوقوع هذا المعنى من كل واحد منهما فصح تأويل قوله تعالى : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) بأن المراد باعوا أنفسهم بكفرهم لأن الذي حصلوه على منافع أنفسهم لما كان هو الكفر صاروا بائعين أنفسهم بذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني : وهو الأصح عندي أن المكلف إذا كان يخاف على نفسه من عقاب الله يأتي بأعمال يظن أنها تخلصه من العقاب فكأنه قد اشترى نفسه بتلك الأعمال ، فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنها تخلصهم من العقاب ، وتوصلهم إلى الثواب فقد ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم بها ، فذمهم الله تعالى ، وقال : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) وهذا الوجه أقرب إلى المعنى واللفظ من الأول ، ثم إنه تعالى بين تفسير ما اشتروا به أنفسهم بقوله تعالى : ( أن يكفروا بما أنزل الله ) ولا شبهة أن المراد بذلك كفرهم بالقرآن لأن الخطاب في اليهود وكانوا مؤمنين بغيره ، ثم بين الوجه الذي لأجله اختاروا هذا الكفر بما أنزل الله فقال : ( بغيا ) وأشار بذلك إلى غرضهم بالكفر كما يقال يعادي فلان فلانا حسدا ؛ تنبيها بذلك على غرضه ولولا هذا القول لجوزنا أن يكفروا جهلا لا بغيا .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذه الآية تدل على أن الحسد حرام . ولما كان البغي قد يكون لوجوه شتى بين تعالى غرضهم من هذا البغي بقوله : ( أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) والقصة لا تليق إلا بما حكيناه من أنهم ظنوا أن هذا الفضل العظيم بالنبوة المنتظرة يحصل في قومهم فلما وجدوه في العرب حملهم ذلك على البغي والحسد .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فباءوا بغضب على غضب ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية