المسألة الرابعة : في أقوال المسلمين في أن هذه الأنواع هل هي ممكنة أم لا  ؟ 
أما المعتزلة  فقد اتفقوا على إنكارها إلا النوع المنسوب إلى التخيل ، والمنسوب إلى إطعام بعض الأدوية المبلدة ، والمنسوب إلى التضريب والنميمة ، فأما الأقسام الخمسة الأول فقد أنكروها ، ولعلهم كفروا من قال بها وجوز وجودها . 
وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء ، ويقلب الإنسان حمارا ، والحمار إنسانا ، إلا أنهم قالوا : إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء عندما يقرأ الساحر رقى مخصوصة وكلمات معينة . فأما أن يكون المؤثر في ذلك الفلك والنجوم فلا . 
وأما الفلاسفة والمنجمون والصابئة فقولهم على ما سلف تقريره ،   [ ص: 194 ] واحتج أصحابنا على فساد قول الصابئة : أنه قد ثبت أن العالم محدث ، فوجب أن يكون موجده قادرا ، والشيء الذي حكم العقل بأنه مقدور إنما يصح أن يكون مقدورا لكونه ممكنا ، والإمكان قدر مشترك بين كل الممكنات ، فإذن كل الممكنات مقدور لله تعالى ، ولو وجد شيء من تلك المقدورات بسبب آخر يلزم أن يكون ذلك السبب مزيلا لتعلق قدرة الله تعالى بذلك المقدور ، فيكون الحادث سببا لعجز الله ، وهو محال ، فثبت أنه يستحيل وقوع شيء من الممكنات إلا بقدرة الله ، وعنده يبطل كل ما قاله الصابئة ، قالوا : إذا ثبت هذا فندعي أنه يمتنع وقوع هذه الخوارق بإجراء العادة عند سحر السحرة ، فقد احتجوا على وقوع هذا النوع من السحر بالقرآن والخبر . 
أما القرآن فقوله تعالى في هذه الآية : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله    ) ، والاستثناء يدل على حصول الآثار بسببه ، وأما الأخبار فهي واردة عنه - صلى الله عليه وسلم - متواترة وآحادا : 
أحدها : ما روي أنه عليه السلام سحر  ، وأن السحر عمل فيه حتى قال : " إنه ليخيل إلي أني أقول الشيء وأفعله ، ولم أقله ولم أفعله   " ، وأن امرأة يهودية سحرته ، وجعلت ذلك السحر تحت راعوفة البئر ، فلما استخرج ذلك زال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك العارض ، وأنزل المعوذتان  بسببه . 
وثانيها : أن امرأة أتت عائشة    - رضي الله عنها - فقالت لها : إني ساحرة فهل لي من توبة ؟ فقالت : وما سحرك ؟ فقالت : صرت إلى الموضع الذي فيه هاروت  وماروت  ببابل  لطلب علم السحر ؛ فقالا لي : يا أمة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا ، فأبيت ، فقالا لي : اذهبي فبولي على ذلك الرماد ، فذهبت لأبول عليه ، ففكرت في نفسي ، فقلت : لا أفعل . وجئت إليهما ، فقلت : قد فعلت ، فقالا لي : ما رأيت لما فعلت ؟ فقلت : ما رأيت شيئا . فقالا لي : أنت على رأس أمر ؛ فاتقي الله ولا تفعلي ، فأبيت ؛ فقالا لي : اذهبي فافعلي ، فذهبت ففعلت ، فرأيت كأن فارسا مقنعا بالحديد قد خرج من فرجي ، فصعد إلى السماء ، فجئتهما فأخبرتهما ، فقالا : إيمانك قد خرج عنك ، وقد أحسنت السحر ، فقلت : وما هو ؟ قالا : ما تريدين شيئا فتصوريه في وهمك إلا كان ، فصورت في نفسي حبا من حنطة ، فإذا أنا بحب ، فقلت : انزرع . فانزرع فخرج من ساعته سنبلا ، فقلت : انطحن . فانطحن من ساعته ، فقلت : انخبز . فانخبز ، وأنا لا أريد شيئا أصوره في نفسي إلا حصل ، فقالت عائشة    : ليس لك توبة   . 
وثالثها : ما يذكرونه من الحكايات الكثيرة في هذا الباب ، وهي مشهورة . أما المعتزلة  فقد احتجوا على إنكاره بوجوه : 
أحدها : قوله تعالى : ( ولا يفلح الساحر حيث أتى    ) [ طه : 69 ] . 
وثانيها : قوله تعالى في وصف محمد    - صلى الله عليه وسلم - : ( وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا    ) [ الفرقان : 8 ] ، ولو صار عليه السلام مسحورا لما استحقوا الذم بسبب هذا القول . 
وثالثها : أنه لو جاز ذلك من السحر فكيف يتميز المعجز عن السحر ، ثم قالوا : هذه الدلائل يقينية ، والأخبار التي ذكرتموها من باب الآحاد فلا تصلح معارضة لهذه الدلائل . 
				
						
						
