( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير    ) 
قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير    ) 
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من أحوال إبراهيم  عليه السلام التي حكاها الله تعالى ههنا ، قال القاضي : في هذه الآيات تقديم وتأخير ، لأن قوله : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا    ) لا يمكن إلا بعد دخول البلد في الوجود ، والذي ذكره من بعد وهو قوله : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت    ) [البقرة : 127] وإن كان متأخرا في التلاوة فهو متقدم في المعنى ، وههنا مسائل : 
المسألة الأولى : المراد من الآية دعاء إبراهيم  للمؤمنين من سكان مكة  بالأمن والتوسعة  بما يجلب إلى مكة  لأنها بلد لا زرع ولا غرس فيه ، فلولا الأمن لم يجلب إليها من النواحي وتعذر العيش فيها ، ثم إن الله تعالى أجاب دعاءه وجعله آمنا من الآفات ، فلم يصل إليه جبار إلا قصمه الله كما فعل بأصحاب الفيل ، وههنا سؤالان : 
السؤال الأول : أليس أن الحجاج  حارب ابن الزبير  وخرب الكعبة  وقصد أهلها بكل سوء وتم له ذلك ؟ 
الجواب : لم يكن مقصوده تخريب الكعبة  لذاتها ، بل كان مقصوده شيئا آخر . 
السؤال الثاني : المطلوب من الله تعالى هو أن يجعل البلد آمنا كثير الخصب ، وهذا مما يتعلق بمنافع الدنيا فكيف يليق بالرسول المعظم طلبها . 
والجواب عنه من وجوه : 
أحدها : أن الدنيا إذا طلبت ليتقوى بها على الدين ، كان ذلك من أعظم أركان الدين ، فإذا كان البلد آمنا وحصل فيه الخصب تفرغ أهله لطاعة الله تعالى ، وإذا كان البلد على ضد ذلك كانوا على ضد ذلك . 
وثانيها : أنه تعالى جعله مثابة للناس والناس إنما يمكنهم الذهاب إليه إذا كانت الطرق آمنة والأقوات هناك رخيصة . 
وثالثها : لا يبعد أن يكون الأمن والخصب مما يدعو الإنسان إلى الذهاب إلى تلك البلدة ، فحينئذ يشاهد المشاعر المعظمة والمواقف المكرمة فيكون الأمن والخصب سبب اتصاله في تلك الطاعة . 
 [ ص: 50 ] المسألة الثانية : ( بلدا آمنا    ) يحتمل وجهين : 
أحدهما : مأمون فيه كقوله تعالى : ( في عيشة راضية    ) [القارعة : 7] أي مرضية . 
والثاني : أن يكون المراد أهل البلد كقوله : ( واسأل القرية    ) [يوسف : 82] أي أهلها وهو مجاز لأن الأمن والخوف لا يلحقان البلد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					