فصل 
وأما التقاء الختانين فيوجب الغسل  ، وهو كالإجماع ؛ لما روى  أبو هريرة    - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل   " متفق عليه .  ولمسلم    : " وإن لم ينزل   " . 
 [ ص: 358 ] وعن  أبي موسى الأشعري  قال : اختلف في ذلك رهط من المهاجرين  والأنصار  ، فقال الأنصاريون    : لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء ، وقال المهاجرون    : بل إذا خالط فقد وجب الغسل ، قال : فقلت : أنا أشفيكم ، فقمت فاستأذنت على  عائشة  ، فأذنت لي ، فقلت لها : إني أريد أن أسألك عن شيء ، وإني أستحييك ، فقالت : لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك ، قلت : فما يوجب الغسل  ؟ قالت : على الخبير سقطت ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل   " رواه أحمد   ومسلم    - يعني رجليها وشفريها . 
وما روي من الرخصة في ذلك مثل ما رواه زيد بن خالد  أنه سأل  عثمان بن عفان    - رضي الله عنه فقال : " أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن ؟ فقال عثمان    - رضي الله عنه - : " يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ، وقال عثمان    : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فسألت عن ذلك  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه ،  والزبير بن العوام  ، وطلحة بن عبد الله  ،  وأبي بن كعب  ، فأمروه بذلك   " . متفق عليه . 
وهذا لفظ  البخاري  ، فإنه منسوخ ، قال  أبي بن كعب    :   " إن الفتيا التي كانوا يقولون : الماء من الماء - رخصة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص فيها في أول الإسلام ، ثم أمر بالاغتسال بعدها " رواه أحمد  ،  وأبو داود  ،  والترمذي  ، ولفظه :   " إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ، ثم نهي عنها " قال  الترمذي    : حديث حسن صحيح . 
 [ ص: 359 ] وعن  محمود بن لبيد    " أنه سأل  زيد بن ثابت  عن الرجل يجامع أهله ، ثم يكسل ولا ينزل قال : يغتسل قال قلت : فإن  أبي بن كعب  كان يقول : لا غسل عليه ، قال زيد : إن أبيا  قد نزع عن ذلك قبل أن يموت   " رواه أحمد    . 
وحكاه أحمد  عن عثمان  والصحابة المسمين معه العود إلى القول بالغسل . وعن  الزهري  قال : سألت عروة  عن الذي يجامع ولا ينزل ، فقال : حدثتني  عائشة    " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك ولا يغتسل ، وذلك قبل فتح مكة  ، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل   " رواه  الدارقطني    . ومعنى التقاء الختانين تغييب الحشفة في الفرج ، سواء كانا مختونين أو لا ، وذلك يحصل بتحاذي الختانين ؛ لأن ختان المرأة في الجلدة التي في أعلى الفرج كعرف الديك ، ومحل الوطء هو مخرج الحيض والمني والولد في أسفل الفرج ، فإذا غابت الحشفة فيه تحاذى الختانان فيقال : التقيا . ولو التزق الختان بالختان من غير إيلاج فلا غسل  ، وكذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل   " رواه  الترمذي  وقال : حديث حسن صحيح . وكنى عن تغييب الحشفة بمس الختان الختان ؛ لأنه يحصل   [ ص: 360 ] معه غالبا ، ولو غيب الحشفة من وراء حائل وجب الغسل في أحد الوجهين . وإذا قطع ذكره فأولج من الباقي بمقدار الحشفة وجب الغسل ، وتعلقت به أحكام الوطء من التحليل والمهر وغير ذلك ، وإلا فلا . فأما الخصي إذا جامع  فقال أحمد  في خصي ومجبوب جامع امرأته : " لا غسل عليه ؛ لأنه قد ذهب قضيبه ، فإن أنزل فعليه الغسل " . وقال أيضا : " إذا كان له ما يصل به وجب عليه الغسل ، وإلا إذا أنزل ، قيل : امرأته ، قال : إذا أنزلت " . قال أصحابنا : إذا كان قد بقي من ذكره ما يصل به إلى المرأة وهو مقدار الحشفة وجب عليه الغسل وعليها بإيلاجه ، وإلا لم يجب إلا بالإنزال للماء ، وإن لم يلزمها يخلق منه الإنسان ، وسواء أولج في فرج ذكر ، أو أنثى ، في حيوان ناطق ، أو بهيمة ، حي أو ميت ، سواء في ذلك الفاعل والمفعول به ، لأنه وطء في فرج أصل ، فأشبه فرج المرأة ؛ ولأنه مظنة الإنزال وإن لم يكن يشتهى في الغالب ؛ لأن الإقدام على ما ( لا ) يشتهى غالبا دليل على قوة الشهوة ، وكذلك لو استدخلت المرأة ذكر ميت أو بهيمة ، وسواء في ذلك اليقظان والنائم والطائع والمكره ؛ لأن موجبات الطهارة لا يعتبر فيها القصد ، بدليل احتلام النائم وسبق الحدث ، ولا بد أن يكون الفرج أصليا ، فلو وطأ الخنثى المشكل أو وطئ في قبله فلا غسل عليهما ؛ لاحتمال أن يكون أولج بخلقة زائدة ، أو أولج في خلقة زائدة منه ، وكذلك لو أولج كل واحد من الخنثيين ذكره في قبل الآخر ، لكن لو وطأ ووطئ في قبله لزمه الغسل ، ولزم أحد الآخرين لا بعينه كما تقدم في مس الذكر . ويجب الغسل على الصغير إذا جامع ، والصغيرة إذا جومعت  ، بمعنى أنه لا يبقى جنبا ، نص عليه ، وأنكر قول من لم يوجبه ، وفسره القاضي وجماعة من أصحابنا بتوقف مجزئ العبادات عليه ، ووجوبه إذا بلغ يوجب الغسل كما يوجب العدة ، ثم الصغيرة مثل الكبيرة في إيجاب العدة   [ ص: 361 ] فكذلك في إيجاب الغسل ؛ ولأنا نوجب أمرها بالصلاة ، فكذلك أمرها بالاغتسال فإنه من لوازمه ، ويجب الغسل من الإيلاج على العالم والجاهل  ، فلو مكث زمانا لا يغتسل من الوطء ولم يعلم أن الغسل عليه فإنه يحتاط في الصلاة فيعيد حتى يتيقن براءة ذمته نص عليه ؛ لأن هذا مما استفاضت به الآثار ، فلم يعذر به الجاهل ، ولم يسغ فيه الخلاف ، نص عليه ، بخلاف ما قلناه في لحوم الإبل على إحدى الروايتين ، فإن تلك السنة ليست في الشهرة كهذه ، وقد قيل : إنما قال هذا في العامي الذي لم يقلد ، ونصه بخلاف هذا ، وإنما وجب إعادة كل صلاة إذا شك في طهارتها ؛ لأنه قد تيقن الوجوب وشك في الأداء المجزئ ، فلا يجوز تمكنه من الصلاة والطواف ومس المصحف وقراءة القرآن . ويجب الغسل إذا بلغ ولم يكن اغتسل ، ويغسل إذا مات شهيدا ، ولا خلاف في هذا كله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					