الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

" ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو على ما يتيقن منهما " سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة ؛ لما روى عبد الله بن زيد قال : " شكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، قال : " لا ينصرف حتى يسمع [ ص: 345 ] صوتا أو يجد ريحا " أخرجه الجماعة إلا الترمذي . وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الشيطان يأتي أحدكم في الصلاة ، فيأخذ شعرة من دبره ، فيمدها ، فيرى أنه قد أحدث ، فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " رواه أحمد ، وأبو داود ولفظه : " إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له : قد أحدثت ، فليقل له : كذبت ، إلا ما وجد ريحا بأنفه أو سمع صوتا بأذنه " وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا عليه أخرج منه شيء أم لا ، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " رواه مسلم والترمذي ، ورواه أحمد ولفظه : " حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا لا يشك فيه " . فلما نهاه عن قطع الصلاة وعن الخروج من المسجد مع الشك دل على جواز بناء الصلاة على طهارة مستصحبة مبنية على اليقين ، ولو كان يجب عليه الوضوء خارج الصلاة لجاز له ، أو لوجب عليه في الصلاة كسائر النواقض ، ولا فرق في ذلك بين أن يتساوى الأمران عنده أو يغلب على ظنه أحدهما لما ذكرنا من الأحاديث ، ولأن الظن إذا لم يكن له ضابط في الشرع ، وليس عليه إمارة شرعية أو عرضية لم يلتفت إليه ، كظن صدق أحد المتداعيين ، بخلاف القبلة والوقت ، ولأنه شك في بقاء زاول طهارته ، فيبني على اليقين ، كما لو شك في نجاسة الثوب والبدن والبقعة بعد تيقن الطهارة ، قال ابن أبي موسى بعد أن ذكر ذلك : " إن خيل إليه أنه قد أحدث وهو في [ ص: 346 ] الصلاة لم يلتفت إليه ولم يخرج من الصلاة ، وإن خيل إليه ذلك وهو في غير الصلاة فالأحوط له أن يتوضأ ويصلي " وهو كما قال ، فإنا وإن جوزنا له البناء على يقين الطهارة ، فإن الأفضل له أن يتطهر لما تردد ؛ لأن في ذلك خروجا من اختلاف العلماء ، فإن منهم من لا يجوز له الدخول في الصلاة بطهارة مشكوكة ، ولأن التجديد مع اليقين مستحب فمع الشك أولى ؛ ولأن عدم الطهارة فيها ريب وشبهة ، وليس في الاحتياط فيها مشقة ولا فتح لباب الوسوسة ، فكان الاحتياط لها أفضل ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " وقوله : " فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه " بخلاف الشك العارض في الصلاة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن الخروج من أجله ؛ ولأن فيه إبطالا للصلاة بالريب والشبهة ومطاوعة الشيطان في ذلك ، فلذلك نهي عنه ، وقياس المذهب أن قطع الصلاة المفروضة لذلك محرم ؛ لأجل نهي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن إبطال الفرض بعد الشروع فيه غير جائز .

التالي السابق


الخدمات العلمية