مسألة : 
" ثم يقول بسم الله " 
لما روي عن يعقوب بن سلمة الليثي  عن أبيه عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن   [ ص: 168 ] لم يذكر اسم الله عليه    " رواه أحمد   وأبو داود   وابن ماجه    . 
وعن  سعيد بن زيد  وأبي سعيد  عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، رواهما أحمد   وابن ماجه  ؛ ولأن ذكر اسم الله مشروع في أول الأفعال العادية كالأكل والشرب والنوم ودخول المنزل والخلاء فلأن يشرع   [ ص: 169 ] في أول العبادات أولى ، والمسنون التسمية ، هذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد    . قال الخلال    : الذي استقرت عليه الروايات أنه لا بأس به يعني إذا ترك التسمية ، وهي اختيار الخرقي  وغيره ؛ لأن الأحاديث فيها ليست قوية . 
وقال أحمد    : ليس يثبت فيها حديث ولا أعلم فيها حديثا له إسناد جيد . 
وقال الحسن بن محمد    : ضعف أبو عبد الله  الحديث في التسمية ، وقال : " أقوى شيء فيه حديث كثير  عن ربيح    " يعني حديث أبي سعيد  ثم " ذكر رباحا  أي من هو ومن أبو ثفال    " يعني الذي يروي حديث  سعيد بن زيد  ، وقال  البخاري  في حديث  أبي هريرة    : " لا يعرف لسلمة  سماع   [ ص: 170 ] من  أبي هريرة  ، ولا ليعقوب  سماع من أبيه " ولو صحت حملت على الذكر بالقلب وهو النية ، وكذلك قال ربيعة  ؛ لما ذكرنا من الأحاديث . 
والرواية الأخرى أنها واجبة ، اختارها أبو بكر  والقاضي وأصحابه وكثير من أصحابنا بل أكثرهم ؛ لما ذكرنا من الأحاديث . 
قال أبو إسحاق الجوزجاني    : قال  ابن أبي شيبة    : " ثبت لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا وضوء لمن لم يسم   " وتضعيف أحمد  لها محمول على أحد الوجهين ، إما أنها لا تثبت عنده أولا لعدم علمه بحال الراوي؛ ثم علمه فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب ، ولهذا أشار إلى أنه لا يعرف رباحا  ولا أبا ثفال  ، وهكذا تجيء عنه كثيرا الإشارة إلى أنه لم يثبت عنده ثم زال ثبوتها ؛ فإن النفي سابق على الإثبات ، وأما أنه أشار إلى أنه لم يثبت على طريقة تصحيح المحدثين . 
فإن الأحاديث تنقسم إلى صحيح وحسن وضعيف ، وأشار إلى أنه ليس بثابت ، أي ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ الثقة عن مثله ، وذلك لا ينفي أن يكون حسنا وهو حجة ، ومن تأمل الحافظ الإمام علم أنه لم يوهن   [ ص: 171 ] الحديث ، وإنما بين مرتبته في الجملة أنه دون الأحاديث الصحيحة الثابتة ، وكذلك قال في موضع آخر : أحسنها حديث أبي سعيد  ، ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها أحسنها ، وهذا معنى احتجاج أحمد  بالحديث الضعيف ، وقوله : ربما أخذنا بالحديث الضعيف ، وغير ذلك من كلامه يعني به الحسن    . 
فأما ما رواه متهم أو مغفل فليس بحجة أصلا ، ويبين ذلك وجوه : أحدها : أن  البخاري  أشار في حديث  أبي هريرة  إلى أنه لا يعرف السماع في رجاله ، وهذا غير واجب في العمل ، بل العنعنة مع إمكان اللقاء ما لم يعلم أن الراوي مدلس . 
وثانيها : أنه قد تعددت طرقه وكثرت مخارجه ، وهذا مما يشد بعضه بعضا ، ويغلب على الظن أن له أصلا ، وروي أيضا مرسلا رواه سعيد  عن مكحول  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا تطهر الرجل ، وذكر اسم الله طهر جسده كله ، وإذا لم يذكر اسم الله لم يطهر منه إلا مكان الوضوء   " . 
وهذا وإن احتج به على أن التسمية ليست واجبة ، فإنه دليل على وجوبها ؛ لأن الطهارة الشرعية التي تطهر الجسد كله حتى تصح الصلاة ومس المصحف بجميع البدن ، فإذا لم تحصل الشرعية جعلت الطهارة الحسية وهي مقتصرة على محلها كما لو لم ينو . 
 [ ص: 172 ] وروى الدراوردي  ثنا محمد بن أبي حميد  عن عمر بن يزيد    " أن رجلا توضأ ، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه ، وقال له : تطهر ، فرجع فتوضأ ثم اجتهد ، فجاء فسلم فأعرض عنه ، وقال : ارجع فتطهر ، فلقي الرجل عليا فأخبره بذلك فقال له علي    : هل سميت الله حين وضعت يدك في وضوئك ، فقال : لا والله ، فقال : ارجع فسم الله في وضوئك ، فرجع فسمى الله على وضوئه ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه ، وأقبل عليه بوجهه ثم قال : إذا وضع أحدكم طهوره فليسم الله   " . رواه الجوزجاني  عن  نعيم بن حماد  عنه . 
وثالثها : أن تضعيفه إما من جهة إرسال أو جهل راو ، وهذا غير قادح على إحدى الروايتين وعلى الأخرى، وهي قول من لا يحتج بالمرسل نقول : إذا عمل به جماهير أهل العلم وأرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول أو روي مثله عن الصحابة أو وافقه ظاهر القرآن فهو حجة ، وهذا الحديث قد اعتضد بأكثر من ذلك، فإن عامة أهل العلم عملوا به في شرع التسمية في الوضوء  ، ولولا هذا الحديث لم يكن لذلك أصل ، وإنما اختلفوا في صفة شرعها هل هو إيجاب أو ندب ، وروي من وجوه متباينة مسندا ومرسلا ولعلك تجد   [ ص: 173 ] في كثير من المسائل ليس معهم أحاديث مثل هذه . 
ورابعها : أن الإمام أحمد  قال : أحسنها يعني أحاديث هذا الباب حديث أبي سعيد  ، وكذلك قال  إسحاق بن راهويه  ، وقد سئل أي حديث أصح في التسمية ، فذكر حديث أبي سعيد  ، وقال  البخاري    : أحسن حديث في هذا الباب حديث  سعيد بن زيد    . 
وهذه العبارة ، وإن كانوا إنما يقصدون بها بيان أن الأثر أقوى شيء في هذا الباب ، فلولا أن أسانيدها متقاربة لما قالوا ذلك وحملها على الذكر بالقلب أو على تأكيد الاستحباب خلاف مدلول الكلام وظاهره ، وإنما يصار إليه لموجب ولا موجب هنا ، وإذا قلنا بوجوبها فإنها تسقط بالسهو على إحدى الروايتين كالذبيحة وأولى ، فإن قلنا تسقط سمى متى ذكرها ، وإن قلنا : لا تسقط لغا ما فعله قبلها ، وهذا على المشهور ، وهو أنها تجب في أول الوضوء قبل غسل الوجه ، وقال الشيخ أبو الفرج    : متى سمى أجزأه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					