[ ص: 351 ] مسألة ; قال : ( ولا يبرأ المضمون عنه إلا بأداء الضامن    ) يعني أن المضمون عنه لا يبرأ بنفس الضمان ، كما يبرأ المحيل بنفس الحوالة قبل القبض ، بل يثبت الحق في ذمة الضامن ، مع بقائه في ذمة المضمون عنه ، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة وبعد الموت . وبهذا قال  الثوري   والشافعي  وإسحاق   وأبو عبيد  ، وأصحاب الرأي . وقال  أبو ثور    : الكفالة والحوالة سواء ، وكلاهما ينقل الحق عن ذمة المضمون عنه والمحيل . 
وحكي ذلك عن  ابن أبي ليلى   وابن شبرمة   وداود  ، واحتجوا بما روى  أبو سعيد الخدري  قال : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فلما وضعت ، قال : هل على صاحبكم من دين ؟ قالوا : نعم ، درهمان فقال : صلوا على صاحبكم . فقال  علي    : هما علي يا رسول الله ، وأنا لهما ضامن . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ، ثم أقبل على  علي    : فقال : جزاك الله خيرا عن الإسلام ، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك . فقيل : يا رسول الله ، هذا  لعلي  خاصة ، أم للناس عامة ؟ فقال : للناس عامة   } . رواه  الدارقطني    . فدل على أن المضمون عنه برئ بالضمان . 
وروى الإمام  أحمد  في " المسند " ، عن  جابر  ، قال : { توفي صاحب لنا ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فخطا خطوة ، ثم قال : أعليه دين ؟ قلنا : ديناران . فانصرف ، فتحملهما  أبو قتادة    . فقال : الديناران علي . فقال . رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجب حق الغريم ، وبرئ الميت منهما ؟ قال : نعم . فصلى عليه ، ثم قال بعد ذلك : ما فعل الديناران ؟ قال : إنما مات أمس . قال : فعاد إليه من الغد ، فقال : قد قضيتهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الآن بردت جلدته   } . وهذا صريح في براءة المضمون عنه لقوله : " وبرئ الميت منهما " . 
ولأنه دين واحد ، فإذا صار في ذمة ثانية برئت الأولى منه ، كالمحال به ; وذلك لأن الدين الواحد لا يحل في محلين . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم {   : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه   } . وقوله في خبر  أبي قتادة    : " الآن بردت جلده " . حين أخبره أنه قضى دينه ، ولأنها وثيقة ، فلا تنقل الحق ، كالشهادة . وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه ، فلأنه بالضمان صار له وفاء ، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع من الصلاة على مدين لم يخلف وفاء . 
وأما قوله  لعلي    {   : فك الله رهانك ، كما فككت رهان أخيك   } . فإنه كان بحال لا يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما ضمنه فكه من ذلك ، أو مما في معناه . وقوله : " برئ الميت منهما " أي صرت أنت المطالب بهما . وهذا على سبيل التأكيد ; لثبوت الحق في ذمته ، ووجوب الأداء عليه ، بدليل قوله في سياق الحديث ، حين أخبره بالقضاء : " الآن بردت عليه جلده " . ويفارق الضمان الحوالة ; فإن الضمان مشتق من الضم ، فيقتضي الضم بين الذمتين في تعلق الحق بهما وثبوته فيهما . 
والحوالة من التحول ، فتقتضي تحول الحق من محله إلى ذمة المحال عليه . وقولهم : إن الدين الواحد لا يحل في محلين . قلنا : يجوز تعلقه بمحلين على سبيل الاستيثاق ، كتعلق دين الرهن به وبذمة الراهن . وقال أبو بكر عبد العزيز    : أما الحي فلا يبرأ بمجرد الضمان ، رواية واحدة ، وأما الميت ففي براءته بمجرد الضمان ، روايتان ; إحداهما ، يبرأ بمجرد الضمان . 
نص عليه  أحمد  ، في رواية  يوسف بن موسى    ; لما ذكرنا من الخبرين ، ولأن فائدة الضمان في حقه تبرئة ذمته ; فينبغي أن تحصل هذه الفائدة بمجرد الضمان ، بخلاف الحي ، فإن المقصود من الضمان في حقه الاستيثاق ، وثبوته في الذمتين آكد في الاستيثاق .  [ ص: 352 ] والثانية ، لا يبرأ إلا بالأداء ; لما ذكرناه ، ولأنه ضمان ، فلا يبرأ به المضمون عنه كالحي . 
( 3578 ) فصل : ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما . وحكي عن  مالك  في إحدى الروايتين عنه ، أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه ; لأنه وثيقة ، فلا يستوفى الحق منها إلا عند تعذر استيفائه من الأصل ، كالرهن . 
ولنا ، أن الحق ثابت في ذمة الضامن ، فملك مطالبته ، كالأصيل ، ولأن الحق ثابت في ذمتهما ، فملك مطالبة من شاء منهما ، كالضامنين إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه . ولا يشبه الرهن ; لأنه مال من عليه الحق ، وليس بذي ذمة يطالب ، إنما يطالب من عليه الدين ، ليقضي منه أو من غيره . 
				
						
						
