الثاني ، ما يتضرر المسلمون بقطعه ، لكونهم ينتفعون ببقائه لعلوفتهم ، أو يستظلون به ، أو يأكلون من ثمره ، أو تكون العادة لم تجر بذلك بيننا وبين عدونا ، فإذا فعلناه بهم فعلوه بنا ، فهذا يحرم ; لما فيه من الإضرار بالمسلمين . الثالث ، ما عدا هذين القسمين ، مما لا ضرر فيه بالمسلمين ، ولا نفع سوى غيظ الكفار ، والإضرار بهم ، ففيه روايتان ; إحداهما ، لا يجوز ; لحديث أبي بكر ووصيته ، وقد روي نحو ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولأن فيه إتلافا محضا ، فلم يجز ، كعقر الحيوان . وبهذا قال الأوزاعي ، والليث ، وأبو ثور . والرواية الثانية ، يجوز .
وبهذا قال ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر . قال إسحاق : التحريق سنة ، إذا كان أنكى في العدو ; لقول الله تعالى : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } .
وروى ابن عمر ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير ، وقطع ، وهو البويرة ، } فأنزل الله تعالى : { ما قطعتم من لينة } . ولها يقول حسان :
وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
متفق عليه . وعن الزهري ، قال : { فحدثني أسامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه ، فقال : أغر على أبنا صباحا وحرق } . رواه أبو داود .قيل لأبي مسهر : أبنا . قال : نحن أعلم ، هي يبنا فلسطين . والصحيح أنها أبنا ، كما جاءت الرواية ، وهي قرية من أرض الكرك ، في أطراف الشام ، في الناحية التي قتل فيها أبوه ، فأما يبنا فهي من أرض فلسطين ، ولم يكن أسامة ليصل إليها ، ولا يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإغارة عليها ، لبعدها ، والخطر بالمصير إليها ، لتوسطها في البلاد ، وبعدها من طرف الشام ، فما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليأمره بالتغرير بالمسلمين ، فكيف يحمل الخبر عليها ، مع مخالفة لفظ الرواية ، وفساد المعنى ، .


