( 7687 ) فصل : أمصار المسلمين على ثلاثة أقسام ; أحدها ، ما مصره المسلمون ، كالبصرة  والكوفة  وبغداد  وواسط  ، فلا يجوز فيه إحداث كنيسة  ولا بيعة ولا مجتمع لصلاتهم ، ولا يجوز صلحهم على ذلك ، بدليل ما روي عن عكرمة  ، قال : قال  ابن عباس    : أيما مصر مصرته العرب  ، فليس للعجم  أن يبنوا فيه بيعة ، ولا يضربوا فيه ناقوسا ، ولا يشربوا فيه خمرا ، ولا يتخذوا فيه خنزيرا . رواه الإمام  أحمد  ، واحتج به . 
ولأن هذا البلد ملك للمسلمين ، فلا يجوز أن يبنوا فيه مجامع للكفر . وما وجد في هذه  [ ص: 284 ] البلاد من البيع والكنائس ، مثل كنيسة الروم   في بغداد  ، فهذه كانت في قرى أهل الذمة  ، فأقرت على ما كانت عليه . القسم الثاني ، ما فتحه المسلمون عنوة ، فلا يجوز إحداث شيء من ذلك فيه ; لأنها صارت ملكا للمسلمين ، وما كان فيه من ذلك ففيه وجهان ; أحدهما ، يجب هدمه ، وتحرم تبقيته ; لأنها بلاد مملوكة للمسلمين ، فلم يجز أن تكون فيها بيعة ، كالبلاد التي اختطها المسلمون . 
والثاني يجوز ; لأن في حديث  ابن عباس    : أيما مصر مصرته العجم  ، ففتحه الله على العرب  ، فنزلوه ، فإن للعجم ما في عهدهم . ولأن الصحابة ، رضي الله عنهم ، فتحوا كثيرا من البلاد عنوة ، فلم يهدموا شيئا من الكنائس . ويشهد لصحة هذا ، وجود الكنائس والبيع في البلاد التي فتحت عنوة  ، ومعلوم أنها ما أحدثت ، فيلزم أن تكون موجودة فأبقيت . 
وقد كتب  عمر بن عبد العزيز  ، رضي الله عنه إلى عماله ، أن لا يهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار . ولأن الإجماع قد حصل على ذلك ، فإنها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير . 
القسم الثالث ما فتح صلحا ، وهو نوعان ; أحدهما ، أن يصالحهم على أن الأرض لهم ، ولنا الخراج عنها ، فلهم إحداث ما يحتاجون فيها ; لأن الدار لهم والثاني ، أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين ، ويؤدون الجزية إلينا ، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح معهم ، من إحداث ذلك ، وعمارته ; لأنه إذا جاز أن يقع الصلح معهم على أن الكل لهم ، جاز أن يصالحوا على أن يكون بعض البلد لهم ، ويكون موضع الكنائس والبيع معينا والأولى أن يصالحهم على ما صالحهم عليه  عمر  رضي الله عنه ويشترط عليهم الشروط المذكورة في كتاب  عبد الرحمن بن غنم  ، أن لا يحدثوا بيعة ، ولا كنيسة ، ولا صومعة راهب ، ولا قلاية . 
وإن وقع الصلح مطلقا من غير شرط ، حمل على ما وقع عليه صلح  عمر  ، وأخذوا بشروطه . فأما الذين صالحهم  عمر  ، وعقد معهم الذمة ، فهم على ما في كتاب  عبد الرحمن بن غنم  ، مأخوذون بشروطه كلها وما وجد في بلاد المسلمين من الكنائس والبيع ، فهي على ما كانت عليه في زمن فاتحيها ومن بعدهم  ، وكل موضع قلنا : يجوز إقرارها . لم يجز هدمها ، ولهم رم ما تشعث منها ، وإصلاحها ; لأن المنع من ذلك يفضي إلى خرابها وذهابها ، فجرى مجرى هدمها . وإن وقعت كلها ، لم يجز بناؤها . 
وهو قول بعض أصحاب  الشافعي    . وعن  أحمد  أنه يجوز . وهو قول  أبي حنيفة  ،  والشافعي    ; لأنه بناء لما استهدم فأشبه بناء بعضها إذا انهدم ورم شعثها ، ولأن استدامتها جائزة وبناؤها كاستدامتها . وحمل  الخلال  قول  أحمد    : لهم أن يبنوا ما انهدم منها . أي إذا انهدم بعضها ، ومنعه من بناء ما انهدم ، على ما إذا انهدمت كلها ، فجمع بين الروايتين . ولنا ، أن في كتاب أهل الجزيرة   لعياض بن غنم    : ولا نجدد ما خرب من كنائسنا . 
وروى  كثير بن مرة  ، قال :  [ ص: 285 ] سمعت  عمر بن الخطاب  يقول قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تبنى الكنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب  منها   } . ولأن هذا بناء كنيسة في دار الإسلام ، فلم يجز ، كما لو ابتدئ بناؤها . وفارق رم شعثها ; فإنه إبقاء واستدامة ، وهذا إحداث . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					