( 847 ) مسألة : قال : ( ومن خشي خروج الوقت اعتقد وهو فيها أن لا يعيدها ، وقد أجزأته ) يعني إذا خشي فوات الوقت ، قبل قضاء الفائتة ، وإعادة التي هو فيها ،  سقط عنه الترتيب حينئذ ، ويتم صلاته ، ويقضي الفائتة حسب . وقوله " اعتقد أن لا يعيدها " . يعني لا يغير نيته عن الفرضية ولا يعتقد أنه يعيدها ، هذا هو الصحيح في المذهب ، وكذلك لو لم يكن دخل فيها ، لكن لم يبق من وقتها قدر يصليهما جميعا فيه ، فإنه يسقط الترتيب ، ويقدم الحاضرة ، وهو قول  سعيد بن المسيب  ، والحسن  ، والأوزاعي  ،  والثوري  ، وإسحاق  ، وأصحاب الرأي . 
وعن  أحمد  رواية أخرى ، أن الترتيب واجب مع سعة الوقت وضيقه . اختارها  الخلال    . وهو مذهب  عطاء  ، والزهري  ،  والليث  ،  ومالك    . ولا فرق بين أن تكون الحاضرة جمعة أو غيرها . قال أبو حفص    : هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة ، فإما أن يكون غلطا في النقل ، وإما أن يكون قولا قديما  لأبي عبد الله    . وقال  القاضي    : وعندي أن المسألة رواية واحدة ، أن الترتيب يسقط ، لأنه قال في رواية مهنا  في رجل نسي صلاة وهو في المسجد يوم الجمعة عند حضور الجمعة    : يبدأ بالجمعة ، هذه يخاف فوتها . فقيل له : كنت أحفظ عنك أنه إذا صلى وهو ذاكر لصلاة فائتة أنه يعيد هذه وهذه . فقال : كنت أقول هذا . 
فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول وفيه رواية ثالثة ، إن كان وقت الحاضرة يتسع لقضاء الفوائت وجب الترتيب ، وإن كان لا يتسع سقط الترتيب في أول وقتها . نقل ابن منصور  في من يقضي صلوات فوائت ، فتحضر صلاة ، أيؤخرها إلى آخر الوقت ، فإذا صلاها يعيدها ؟ فقال : لا ، بل يصليها في الجماعة إذا حضرت ، إذا كان لا يطمع أن يقضي الفوائت كلها إلى آخر وقت هذه الصلاة التي حضرت ، فإن طمع في ذلك قضى الفوائت ، ما لم يخش فوت هذه الصلاة ، ولا قضاء عليه إذا صلى مرة . وهذه الرواية اختيار  أبي حفص العكبري    . وعلل  القاضي  هذه الرواية بأن الوقت لا يتسع لقضاء ما في الذمة ، وفعل الحاضرة ، فسقط الترتيب ، وإن كان يمكنه القضاء والشروع في أداء الحاضرة ، كذا هاهنا . ويمكن أن تحمل هذه الرواية على أنه قدم الجماعة على الترتيب مشروطا لضيق الوقت عن قضاء الفوائت جميعها وقد ذكر بعض أصحابنا أن في تقديم الجماعة على الترتيب روايتين ، ولعله أشار إلى هذه الرواية . 
فأما من ذهب إلى تقديم الترتيب بكل حال ، فحجته قول النبي صلى الله عليه وسلم {   : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها   } . وهذا عام في حال ضيق الوقت وسعته ، ولأنه ترتيب مستحق مع سعة الوقت فيستحق مع ضيقه ، كترتيب الركوع والسجود والطهارة . ولنا أن الحاضرة صلاة ضاق وقتها عن أكثر منها ، فلم يجز له تأخيرها ، كما لو لم يكن عليه فائتة . ولأن الحاضرة آكد من الفائتة ، بدليل أنه يقتل بتركها ، ويكفر على رواية ، ولا يحل له تأخيرها عن وقتها ، والفائتة بخلاف ذلك ، وقد  [ ص: 355 ] ثبت { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الفجر أخرها شيئا ، وأمرهم فاقتادوا رواحلهم   } ، ولأنه ركن من أركان الإسلام مؤقت ، فلم يجز تقديم فائتة على حاضرة يخاف فواتها كالصيام . 
وقوله عليه السلام { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها   } مخصوص بما إذا ذكرت فوائت فإنه لا يلزمه في الحال إلا الأولى ، فنقيس عليه ما إذا اجتمعت حاضرة - يخاف فوتها - وفائتة ، لتأكد الحاضرة بما بيناه . فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {   : لا صلاة لمن عليه صلاة   } . قلنا : هذا الحديث لا أصل له . قال  إبراهيم الحربي    : قيل  لأحمد    : حديث النبي صلى الله عليه وسلم { لا صلاة لمن عليه صلاة   } فقال : لا أعرف هذا اللفظ . قال إبراهيم    : ولا سمعت بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم . فعلى هذه الرواية ، يبدأ فيقضي الفوائت على الترتيب حتى إذا خاف فوت الحاضرة ، صلاها ، ثم عاد إلى قضاء الفوائت . نص  أحمد  على هذا . 
فإن حضرت جماعة في صلاة الحاضرة ، فقال  أحمد  ، في رواية أبي داود  ، في من عليه صلوات فائتة فأدركته الظهر ، ولم يفرغ من الصلوات : يصلي مع الإمام الظهر ويحسبها من الفوائت ، ويصلي الظهر في آخر الوقت ، فإن كان عليه عصر وأقيمت صلاة الظهر ، فقد ذكر بعض أصحابنا   . في من عليه فائتة ، وخشي فوات الجماعة  ، روايتين ; إحداهما ، يسقط الترتيب لأنه اجتمع واجبان ، الترتيب والجماعة ، ولا بد من تفويت أحدهما ، فكان مخيرا فيهما . 
فأما على الرواية التي ذكرناها ، في جواز تقديم الحاضرة على الفوائت إذا كثرت ، في أول وقتها ، فإنه يصلي الحاضرة مع الجماعة متى حضرت ، ولا يحتاج إلى إعادتها . وهذا أحسن وأصح ، إن شاء الله تعالى ، والثانية ، لا يسقط الترتيب ; لأنه آكد من الجماعة بدليل اشتراطه لصحة الصلاة ، بخلاف الجماعة ، وهذا ظاهر المذهب . فإن أراد أن يصلي العصر الفائتة خلف من يؤدي الظهر ابتنى ذلك على جواز ائتمام من يصلي العصر خلف من يصلي الظهر . وفيه روايتان ، سنذكرهما إن شاء الله تعالى . قال  أحمد  ، في من ترك صلاة سنين : يعيدها ، فإذا جاء وقت صلاة مكتوبة صلاها  ، ويجعلها من الفوائت التي يعيدها ، ويصلي الظهر في آخر الوقت . وقال : لا يصلي مكتوبة إلا في آخر وقتها حتى يقضي التي عليه من الصلوات . 
				
						
						
