( قال ) : ولو قال لامرأة : كلما تزوجتك ، فأنت طالق ثلاثا  ، فهو كما قال يقع عليها ثلاث كلما تزوج بها ; لأن كلمة كلما تقتضي نزول الجزاء بتكرار الشرط . 
وانعقاد هذه اليمين باعتبار التطليقات التي يملكها عليها بالتزوج ، وتلك غير محصورة بعدد فلهذا بقيت اليمين بعد وقوع ثلاث تطليقات بخلاف قوله لامرأته : كلما دخلت الدار ، فأنت طالق ثلاثا ، فإن انعقاد تلك اليمين باعتبار التطليقات المملوكة عليها ; لأنه لم توجد الإضافة إلى الملك فلا تبقى بعد وقوع التطليقات المملوكة عليها . 
وهذه المسألة تنبني على أصلنا أن ما يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق والعتاق والظهار يجوز إضافته إلى الملك عم أو خص ، وهو قول  عمر  رضي الله عنه روي عنه ذلك في الظهار ، وعند  الشافعي  رحمه الله تعالى لا يصح ذلك ، وهو قول  ابن عباس  رضي الله عنهما فإنه سئل عمن يقول لامرأة إن تزوجتك ، فأنت طالق ، فتلا عليه قوله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم  [ ص: 97 ] طلقتموهن    } ، وقال شرع الله تعالى الطلاق بعد النكاح فلا طلاق قبله ، وعلى قول  ابن أبي ليلى  رحمه الله تعالى إن خص امرأة وقبيلة ، انعقدت اليمين . 
وإن عم فقال كل امرأة لا تنعقد ، وهو قول  ابن مسعود  رضي الله عنه ; لما فيه من سد باب نعمة النكاح على نفسه  فالشافعي  رحمه الله تعالى استدل بقوله صلى الله عليه وسلم { لا طلاق قبل النكاح .   } 
وروي { أن  عبد الله بن عمرو بن العاص  رضي الله عنهما خطب امرأة ، فأبى أولياؤها أن يزوجوها منه ، فقال إن نكحتها فهي طالق ثلاثا فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صلوات الله عليه وسلامه : لا طلاق قبل النكاح   } ، والمعنى فيه أنه غير مالك لتنجيز الطلاق فلا يملك تعليقه بالشرط كما لو قال لها : إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم تزوجها فدخلت  لم تطلق ، وهذا ; لأن تأثير الشرط في تأخير الوقوع إلى وجوده ، ومنع ما لولاه لكان طلاقا ، وهذا الكلام لولا الشرط لكان لغوا لا طلاقا ; ولأن الطلاق يستدعي أهلية في الموقع وملكا في المحل ثم قبل الأهلية لا يصح التعليق مضافا إلى حالة الأهلية كالصبي يقول لامرأته : إذا بلغت فأنت طالق ، فكذلك قبل ملك المحل لا يصح مضافا . 
وبهذا تبين أنه تصرف يختص بالملك فإيجابه قبل الملك يكون لغوا كما لو باع الطير في الهواء ثم أخذه قبل قبول المشتري . 
وحجتنا في ذلك أن التعليق بالشرط يمين فلا تتوقف صحته على ملك المحل كاليمين بالله تعالى وهذا ; لأن اليمين تصرف من الحالف في ذمة نفسه ; لأنه يوجب على نفسه البر ، والمحلوف به ليس بطلاق ; لأنه لا يكون طلاقا إلا بالوصول إلى المرأة ، وما دامت يمينا لا يكون واصلا إليها ، وإنما الوصول بعد ارتفاع اليمين بوجود الشرط فعرفنا أن المحلوف به ليس بطلاق ، وقيام الملك في المحل لأجل الطلاق . 
ولكن المحلوف به ما سيصير طلاقا عند وجود الشرط بوصوله إليها ، ونظيره من المسائل الرمي عينه ليس بقتل ، والترس لا يكون مانعا عما هو قتل ولا مؤخرا له ، بل يكون مانعا عما سيصير قتلا ، إذا وصل إلى المحل . 
ولما كان التعليق مانعا من الوصول إلى المحل ، والتصرف لا يكون إلا بركنه ومحله فكما أنه بدون ركنه لا يكون طلاقا ، فكذلك بدون محله لا يكون طلاقا ، وبه فارق ما لو قال لأجنبية : إن دخلت الدار ، فأنت طالق  فإن المحلوف به هناك غير موجود ، وهو ما يصير طلاقا عند وجود الشرط ; لأن دخول الدار ليس بسبب لملك الطلاق ، ولا هو مالك لطلاقها في الحال حتى يستدل به على بقاء الملك عند وجود الشرط . 
أما هنا نتيقن بوجود المحلوف به موجودا بطريق الظاهر بأن قال لامرأته  [ ص: 98 ] إن دخلت الدار فأنت طالق انعقدت اليمين ، وإن كان من الجائز أن يكون دخولها بعد زوال الملك ، فإذا كان المحلوف به متيقن الوجود عند وجود الشرط ، أولى أن ينعقد اليمين ، وبأن كان لا يملك التنجيز لا يدل على أنه لا يملك التعليق كمن يقول لجاريته : إذا ولدت ولدا فهو حر ، صح ، وإن كان لا يملك تنجيز العتق في الولد المعدوم . 
وإذا قال لامرأته الحائض : إذا طهرت ، فأنت طالق ، كان هذا طلاقا للسنة ، وإن كان لا يملك تنجيزه في الحال وهذا بخلاف التصرف ; لأنه لا بد منه في تصرف اليمين كما لا بد منه في تصرف الطلاق فأما في المحل معتبر بالطلاق دون اليمين وهذا بخلاف البيع فإن الإيجاب أحد شطري البيع ، وتصرف البيع قبل الملك لغو . 
فأما الإيجاب هنا تصرف آخر سوى الطلاق وهي اليمين ، وتأويل الحديث ما روي عن مكحول  والزهري  وسالم  والشعبي  رضي الله تعالى عنهم أنهم قالوا : { كانوا يطلقون في الجاهلية قبل التزوج ; تنجيزا ، ويعدون ذلك طلاقا فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : لا طلاق قبل النكاح   } . 
وحديث  عبد الله بن عمرو  رضي الله تعالى عنه عنه غير مشهور ، وإن ثبت فمعنى قوله إن نكحتها أي وطئتها ; لأن النكاح حقيقة للوطء ، وبهذا لا يحصل إضافة الطلاق إلى الملك عندنا . 
إذا عرفنا هذا ، فنقول إذا قال لامرأته : إذا تزوجتك أو إذا ما تزوجتك أو إن تزوجتك أو متى ما تزوجتك فهذا كله للمرة الواحدة ; لأنه ليس في لفظه ما يدل على التكرار فإن كلمة إن للشرط ، وإذا ، ومتى للوقت بخلاف ما لو قال : كلما تزوجتك ; لأن كلمة كلما تقتضي التكرار فلا يرتفع اليمين بالتزوج مرة ولكن كلما تزوجها ، يصير عند التزويج كالمنجز للطلاق ، وكذلك لو قال : كلما دخلت الدار فهذا على كل مرة حتى تطلق ثلاثا بخلاف إن وإذا ومتى فإن ذلك على المرة الواحدة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					